رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد فؤاد.. صوت شجي يحمل في قلبه ضمير وطن!

بقلم: محمد حبوشة

لا أخفي انحيازي الكامل للمطرب والممثل (محمد فؤاد) ليس لكونه يمثل جيلي من مواليد (الستينيات)، لكن لأنه ليس مجرد مطرب فحسب، بل هو إنسان جميل وشهم، يحمل بين جوانحه ضمير وطن بحجم مصر، التي عشقها وذاب حبا فيها عبر مسيرة متنوعة من الغناء وأفلام السينما.

(محمد فؤاد) خاض تجارب تحترم عبر رحلة ثرية في فن الغناء والتمثيل، وعبر عن جيل مواليد (الستينيات) بغنائه الناضج، خاصة في الشق الدرامي من الغناء، ومع ذلك لم يفوت فرصة تلوح له في مجال الكوميديا التي منحه الله فيها قدرا هائلا من الموهبة إلا وقدم أعمالا رائعة.

المتتبع لمسيرة (محمد فؤاد)، لابد أنه يتوقف عند محطات مهمة في حياته المهنية، فقد اختار منذ بداياته ألوانا من الغناء الصادق سواء في التعبير عن مشاعر الحب والعاطفة، أو مشاعره الوطنية الصادقة.

ربما يأتي صدقه في الغناء والتمثيل نابع من كونه ولد في مدينة الإسماعيلية لأسرة تضم ثلاث بنات وسبعة أولاد، وهو ما أكسبه حسا وطنيا عاليا قوامه العمود الفقري للعائلة، وأيضا نظرا لأنه نشأ وتربى في حي (عين شمس) بالقاهرة، والذي يغلب عليه الطابع الشعبي.

ونظرا للتنقل بين أكثر من منزل ومكان في (عين شمس، وحلوان والعباسية)، وهى أحياء شعبية تتمتع بالدفء والحيوية المصرية، ومن ثم فإن احتكاكه بالناس في هذا الأماكن جعله بالضرورة ينحاز إلى ألوان من الغناء تحمل الحس الشعبي المفعم بالحيوية والشهامة، بحكم فطريته التي تبدو واضحة في أعماله التمثيلية.

وبالطبع كان طبيعيا أن ينحاز (محمد فؤاد) إلى حي (عين شمس) الذي يعتبره هو بيته الأساسي الذي تربى فيه على التعايش في بيئة سليمة، حيث عاش فيه ما يقرب من 25 سنة، وفضلا عن هذا فقد شقيقه الأكبر الشهيد (إبراهيم) في حرب أكتوبر.

ومن هنا أصبح (محمد فؤاد) يميل إلى الأغنية الطربية التي تحمل جانبا من الدراما التي عرفت بأنها تسلب ألباب الناس، لأنها تحمل الدفء والشجن المحبب، فهي تتماس مع هموم الناس وآلمهم جراء قسوة الحياة الصعبة.

أحب الغناء في مرحلة مبكرة من حياته

حبه للطرب الأصيل

ولعله أحب الغناء في مرحلة مبكرة من حياته، فقد كان مشهورا بين جميع أصدقائه بحبه للغناء الطربي الأصيل لمطربين مصريين مثل (عبد الحليم حافظ، عبد الغني السيد)، ومن الأجانب عشق لون (ديميس روسيس) الذي يتمتع بأسلوب السهل السلسل.

كانت بدايته الاحترافية مبكرا من خلال الفنان (عزت أبو عوف)، وقد جاءت هذه الفرصة بالمصادفة، وذلك خلال وجوده لمشاهدة فرقة (الفور إم) التي أسسها الفنان (عزت أبو عوف) بعد أن ترك مهنة الطب – تخصص النساء والتوليد.

جاءته الفرصة في (نادي (الشمس ) الرياضي عام 1982، القريب من حي (عين شمس)، فبعد انتهاء حفل فريق (الفور أم)، كان (محمد فؤاد) وأحد الأصدقاء يهمون بمغادرة النادي وإذا بسيارة (عزت أبو عوف) تتوقف لسؤالهم عن بوابة الخروج من النادي.

عند هذه اللحظة انتهز شقيق (محمد فؤاد) وصديقه الفرصة، حيث قالا لعزت أبو عوف وفي نفس الوقت بسرعة وحماس: (محمد صوته حلو أوي يا دكتور ياريت تسمعه)، وعلى الفور أعطاه الفنان (عزت أبو عوف) رقمه.

وبعدها بأيام قليلة انضم (محمد فؤاد) لفرقة الـ (فور إم)، وقدموا معا أغان مثل (سلطان زماني – متغربين) قبل أن ينفصل عنهم عام 1983، ويقرر الغناء بمفرده، ليبدأ المشوار الشاق، ويقدم أول ألبوماته المنفصلة (في السكة).

نجح هذا الأبوم لحداثة لونه الغنائي علي الآذان المصرية، بعدها وخلال مشوار غنائي طويل قدم عددا من الألبومات الناجحة للغاية مثل (مشينا، حيران، الحب الحقيقي، هاود اسألي، ياني، شيكا بيكا، حبينا، نحلم، حيران، كامننا).

فضلا عن (الحب الحقيقي، قلبي وروحي وعمري، القلب الطيب، كبر الغرام، شاريني، حبيبي يا، ولا نص كلمة، بين ايديك) وغيرها من أغنيات مصورة مثل (يالا بينا، الشمس، فاكرك يا ناسيني، مرمرينا، قولي، مواعداني، مشينا كتير، هودعك، هنساك،أنا لو حبيتك، الأقصى نادى، ياما) وآخرها (عيش الحياة 2019).

في مجال السينما بدأ (محمد فؤاد) بدور في فيلم (القلب ومايعشق) عام 1991 بعد ثمان سنوات تقريبا من إطلاق ألبومه الأول، عام 1993 و1994، وكانت تجربة تحمل قدرا من الحماس والمجازفة.

ترك محمد فؤاد بصمة مميزة في سينما الكوميديا

رحلة سينمائية رائعة

قدم (محمد فؤاد) مع المخرج (خيري بشارة) فيلمين متتالين هما (أمريكا شيكا بيكا) و(إشارة مرور)، وعام 1995 قدم مع المخرج الكبير (محمد خان) فيلم (يوم حار جدا)، ثم (هو فيه ايه، غاوي حب).

والمتتبع لرحلة (محمد فؤاد) لابد أن يتبادر إلى ذهنه أن عام 1997، كان عاما فارقا في مسيرته بفيلم (إسماعيلية رايح جاي)، والذي أحدثا انقلابا في ملامح السينما الشبابية) في رحلة المضحكون الجدد (محمد فؤاد، محمد هنيدي، خالد النبوي، حنان ترك).

وظني أن نجاح هذا الفيلم أن في فكرته، حيث يستوحي تفاصيل عدة من حياته (محمد فؤاد) شخصيا، مثل وفاة شقيقه الأكبر شهيد حرب أكتوبر (إبراهيم)، إضافة إلى تعرفه على (عزت أبوعوف).

فقصة الفيلم تعتمد على أنه في أعقاب بعد حرب 1967، هاجر كل أفراد أسرة (إبراهيم) الشخصية التي جسدها في (الفيلم) من مدينة اﻹسماعيلية إلى إحدى الأحياء الشعبية بالقاهرة، وهنا نلحظ أن هناك تمسا واضحا مع شقيقة الشهيد (إبراهيم).

رسم فيلم (إسماعيلية رايح جاي) ملامح قصة صعود (محمد فؤاد) ومن حسن حظه أن نجح الفيلم نجاحا مذهلا في شباك التذاكر المصري في نهاية التسعينيات، وهو لم يتوقعه أحدا في هذا الوقت.

وما أكد نجاح الفيلم أنه كان الأول الذي يحقق إيرادات مليونية غير مسبوقة بخمسة ملايين من الدولارات (28 مليون جنيه مصري) – في حينه – (حوالي 250 مليونا الآن) بسعر الصرف الحالي، وهو ما شكل عنصر الماجأة لفيلم كوميدي شبابي يطرح وسط أفلام نجوم التسعينات الذين كانوا يجتاحون سوق السينما في هذا الوقت.

المهم أن (إسماعيلية رايح جاي) أحدث نقلة جذرية في حياة (محمد فؤاد)، ليس على مستوى الإيرادات التي يمكن للسينما تحقيقها إلى مستوى أعلى، بل ظلت السينما ثابتة عليه بعدها لفترة طويلة حتى مطلع الألفية الجديدة.

بعدها قدم أفلام ثلاثة متوسطة المستوى، (رحلة حب 2001، هو فيه إيه؟ 2002، وغاوي حب 2005)، وربما لم تحقق هذه الأفلام نفس نجاح (إسماعيلية رايح)، لكنها بالتأكيد أضافت مزيدا من الخبرة في مسيرة (محمد فؤاد) السينمائية، وقدم (محمد فؤاد) مسلسلات مثل (دعوة للحياة، أغلى من حياتي، الضاهر).

وأذكر أنه في عام عام 2001 ذهبت مع الصديق الراحل الكاتب الصحفي (عاطف حزين) لمشاهدة العرض الخاص لفيلم (رحلة حب)، وبعد أن انتهى الفيلم أقبل علينا (محمد فؤاد) لاستطلاع رأينا، لكننا قابلناه بصمت مريب، فكان رد فعله التلقائي: (واضح انه لم يعجبكما).. وما كان منه إلا أن ابتسم ابتسامة فاترة، رفعا حاجبيه، قائلا: (مفيش مشكلة، ولايهمكما.. قولوا الحقيقة، عموما فيلم يفوت ولا حد يموت)!

يتمتع (محمد فؤاد) بصوت شجي عذب

صوت شجي عذب

وأخيرا يتمتع (محمد فؤاد) بصوت شجي عذب، عبر تشكيلة رائعة من أجمل الأغاني بصوته المبحوح، الذي جذبنا وترك في مخيلتنا انطباعا معينا يظل يراود الذاكرة، ولعل صوته الشجي الحنون فيه أنغام عميقة، ويميل في الوقت نفسه إلى البحة الهامسة التي ترسخ في الذاكرة على مر الزمان.

تحية تقدير واحترام للمطرب والممثل (محمد فؤاد) الذي نتمنى له أن يتجاوز محنة المرض، وسعدت جدا بغنائه في بيروت مؤخرا، لذا نقول له: مساء حنون كنبرة صوتك الحنون .

حتما سيتوقف الكروان عن شدوه حياء من جمال تمتماتك بالميم والنون، وعند طلتك يخبو البدر خلف الغيوم خجلا من بهاك صوتك بلسم الروح، طلتك ترياق الحياة.. مزيدا من الإبداع والتألق يا (فؤاد) الروح والحياة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.