بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
لقد قالها المبدع الحاضر حياً وميتاً العظيم ويليام شكسبير (أعطني مسرحاً أعطك شعباً عظيماً) نعم مسرح في المدرسة والجامعة، وفي قصور الثقافة في كل المحافظات مسرح يقدم قيمة مضافة بجانب الترفيه – مثل أوبريت (مش روميو وجوليت) – مسرح مهموم بالمواطن والعقل الجمعي مسرح.
كما شاهدت في الستينيات والسبعينيات أعمالاً للكبار وعياً واستنارة لقد شاهدت الكبار (توفيق الحكيم، عبد الرحمن الشرقاوي، يوسف إدريس، محمود دياب، لطفي الخولي، ميخائيل رومان ، سعد الدين وهبة ، الفريد فرج، إلي لينين الرملي)، وعظماء كثر.
تذكرت ذلك وانا عائد بعد مشاهدة عرض مسرحي استمتعت به عقلاً هو (مش روميو وچوليت) الذي حضرته مع صديقي الإعلامي (أسامة كامل)، عرض يذكرني بهؤلاء ويؤكد لي بعد تماس مع يأس يختفي حين اشاهد مركز الابداع وما يقدمه المبدع خالد جلال.
(مش رميو وجولييت) عمل ميوزيكال غنائي النص للكاتب (محمد السوري)، ومعه المستنير المخرج (عصام السيد)، وصاغ أشعارها المبدع (أمين حداد) ابن العملاق (فؤاد حداد).
في براعة واعية بقيمة الكلمة وليس رص الكلمات كما يحدث كثيراً بطريقة الصلف، كما جاء في عرض (مش روميو وجوليت).
والذي يرصد خلاف بين مجموعتين في مدرسة في شبرا (الوحدة)، ولكنه مبني علي مصالح وسبوبة ويمثلها المدرس البيروقراطي والواضح من ملابسة فهو يريد الاستمرار في الاستفادة بالدروس الخصوصية ويقدر الجميع حتي الطلاب من خلال مصالحه.
ويتجاوب معه المتطرف والمدعي بالحفاظ على القيم والدين والأخلاق وكثير من عنتريات، وبذكاء المخرج الواعي (عصام السيد)، يقدم لنا تلاميذ المدرسة يرتدون اللون الأصفر ولا فروقات بين الطرفين إنما الفروقات يصنعها أصحاب المصالح فتحدث النميمة والشك.
منطقة التسامح والتآخي
وذلك حين يعتقد البعض من مجرد شائعة أن هناك علاقة غرامية بين (زهرة/ رانيا فريد شوقي) المسلمة والمدرس النجم (علي الحجار/ يوسف) المسيحي، ويستغل ذلك بعض أصحاب النفوس الحاقدة في مدرسة اسمها (الوحدة) في حي شبرا العريق والمتميز بتاريخه بإنه منطقة التسامح والتآخي بين قطبي المجتمع.
يقدم المخرج (عصام السيد) عرض (مش روميو وجوليت)، في شكل غنائي ملتحف باستعراضات شديدة الرقي للمبدعة (شرين حجازي)، لكن طيور الظلام وخفافيش الغدر وأصحاب المصالح تكدرالصفو العام في المدرسة، واقتربنا من فوضى.
لقد صور المخرج المبدع (عصام السيد) في عرض (مش روميو وجوليت) خفافيش الظلام، وكان لباسهم السواد تعبيراً واعياً عن مقاصدهم الخبيثة
ثم يأتي دور الناظر الحكيم (عزت زين) ومجلس العقلاء، وكان الحل في عمل عرض مسرحي والذكاء مرة أخرى عمل مسرحي نعم لشكسبير ويكون (رميو وجوليت). والاسم مرتبط بسمو الحب لأشهر قصة حب ودلالات ذلك تصل للمشاهد، فالحب والفن والغناء الواعي والمسرح، هى سبيل التخلص من عار الفتن والمصالح والتطهير للنفوس.
وهنا تعلو أصوات المصالح والرافضين والمستفيدين من بقاء الحال كما هو عليه لتستمر مصالحهم والتمسك بالبطش لكل من يختلف معهم.
استثمر المبدع (عصام السيد) الذي أعرف قدره واعماله منها (أهلاً يا بكوات، اللي بنى مصر، يا طالع القلعة) ثم (مش روميو وجوليت) التي أظهرت عظمة إحساس المخرج المبدع بالتشكيل اللوني وأبعاد المسرح.
وكيف استخدم (الفوندي) الشفاف والإضاءة للمبدع ( ياسرشعلان)، ليقدم للمشاهد بعداً وبراحاً، وأضافة للمكان بعبقرية مبدع وكيف يقدم لنا عراقة شبرا وعراقة الأركان القبطية.
واستخدام الإضاءة بتوظيف أضاف جماليات للمشاهد اقتربت أن تذكرني بعروض المسرح الإنجليزي، مثل (مس سايجون، البؤساء ملحمة فيكتور هوجو).
ساعدت موسيقي (أحمد شعتوت) واستخدامه لرتم الفالس لتتمايل عليه الراقصات في تشكيلات بديعة، وأشعار المبدع (أمين حداد) مع صوت مصر الرائع والرجولي العريض (علي الحجار)، ومعه المبدعة (رانيا فريد شوقي).
والتي أكدت في هذا العمل أن لدينا نجمات تستطعن الغناء السليم والاستعراض الذي أتمناه للمسرح الغنائي الباقي الحقيقي، والذي علينا أن نؤكد به أننا رواد هذا النوع من الإبداع نعم ونستطيع ولدينا كل الإمكانيات والكوادر.
قدرات المواهب الشابة
في عرض (مش روميو وجوليت) الماتع استمتعت بقدرات الموهوب (ميدو عادل) فهو نجم مسرح متحرك بسلاسة، ويمثل بسلاسة تجعله في مصاف نجوم الإبداع القادمين.
أما الكبير عزت زين (مدير المدرسة ) الحكيم فحضور يليق بالكبار وجراند يحتاجه المسرح والسينما ليمتعنا، وأيضاً لفت نظري مبدع قدم دور عامل البوفيه (حمدي حسن) موهبة مبشرة، وأداؤه يذكرني بالكبار أمثال (محمد توفيق، شفيق نور الدين، حسن البارودي).
قد يعيب البعض أن العرض استخدم (البلاي باك)، وهنا أؤكد أن جميع عروض (الميوزكال) التي شاهدتها في المسرح الإنجليزي تستخدم (البلاي باك)، وحين سألت مخرج أحد الأعمال كانت الاجابة مقنعة.
وأكد أنه لا يمكن أن يضمن المنتج في الأعمال الغنائية سلامة نجوم العرض يوميا من برد او مرض يحول دون الغناء، وأضاف ان تلك الاعمال تستمر لسنوات تصل الي العشر والخمس عشرة سنة.
وللحفاظ على الممثلين من الإجهاد اليومي لابد أن يكون العمل مسجل، وأضاف أيضاً مع ارتفاع أسعار الموسيقيين إلى أرقام مرتفعه جدا.
وهنا أطالب باستمرار تلك المسرحية، فقد شاهدت إقبال الجماهيرعليها بشكل غير مسبوق، رغم عدم وجود دعاية، وهو أمر عليه كثير من علامات الاستفهام وخصوصاً لعرض غنائي موسيقي يقدم قيمة مضافة للوحدة والتأخي، ودور الفنون الواعية واستبعاد أصحاب (السبوبة) والبيروقراطية، وهى مطالب الجمهورية الجديدة.
شكراً لكتيبة المبدعين من شباب النجوم (دنيا النشار، طه خليفة، آسر علي، طارق راغب، والمطربة أميرة احمد).
استمتعت عقلاً وتفائلت، فقد شاهدت في (مش روميو وجوليت) إبداع تشكيلي بصري وديكور متميز (محمد الغرباوي)، حيث أضاف للنص الواعي لعرض يستحق الاحتفاء والاستمرار ليراه شباب مصر، ويدرك قيمة المسرح الواعي.
شكراً (مش رميو وجوليت) بقيادة المخرج المبدع (عصام السيد)، شكراً المبدع (أيمن الشيوي) مدير المسرح القومي، شكراً لكل من شارك في أن يخرج هذا العمل للمشاهدين.. مصر تنطلق وتستحق.