فضيحة (نتنياهو) فى الكونجرس عرت واشنطن!
بقلم: أحمد الغريب
هناك حقيقة مفادها: استحواذ وسيطرة (إسرائيل) على الرأى العام الأمريكى عبر شبكة قوية مترامية الأطراف من المراسلين والإعلاميين والكتاب والخبراء، وهو أمر واقع لا تخطئه عين!
الكلام في مناسبة حديث السياسي (ياسر الهوارى) ببودكاست (النقطة العميا) الذى يقدمه الكاتب الصحفي والإعلامي محمد الدسوقي رشدي، عن الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية، باعتباره أحد ثروات وأدوات الدولة المصرية والقوة الناعمة لها فى الخارج.
جاء سابقا بفترة لمشهد إجبار قوات الاحتلال الإسرائيلي أهالى مدينة (خان يونس) على النزوح للمرة الثالثة منذ بداية العدوان على القطاع بذريعة عودة العمليات العسكرية لمواجهة المقاومة الفلسطينية.
وسط ما يحمله هذا المشهد من قساوة وألم بالغ وشعور بالعجز للإخفاق فى مخاطبة الرأي العام الدولى لإدراك حجم المعاناة والكارثة التى يعانى منها القطاع.
كما جاء سابقا كذلك لمشهد الظهور المُخزي لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أمام الكونجرس قبل أيام، بعدما حظي خطابه الذي ألقاه – وهو مجموعة من الأكاذيب -، بترحيب واسع وتصفيق وتصفير حاد من النواب الأمريكيين.
وصل إلى عدد قياسي أحصته الموقع الإخبارية بـ 81 مرة في الكلمة التي جاءت في نحو 52 دقيقة، بمعدل مرة كل نحو 40 ثانية بشكل متقطع، وهو ما أظهر معه الدعم القوي الذي لا تزال (إسرائيل) تتمتع به في واشنطن، بحسب صحيفة (وول ستريت جورنال).
حديث الهوارى، جاء معبرا وبصدق عن حقيقة افتقاد مصر وغيرها من الدول العربية فى الوقت الراهن لأدوات التأثير والقوة الناعمة فى وقتا هى فى أمس الحاجة إليه.
وليعيد معه حقيقة استحواذ وسيطرة (إسرائيل) على الرأى العام الأمريكى عبر شبكة قوية مترامية الأطراف من المراسلين والإعلاميين والكتاب والخبراء، وهو أمر واقع لا تخطئه عين، وقد يعلم البعض شيء من تفاصيله.
الترويج لروايات مكذوبة
إذا تمكنت (إسرائيل) وسط حالة الغياب المصرى والعربى – إلا بعض الأصوات المنفردة – فى الإعلام الأمريكى والغربى على حد سواء فى تمرير روايتها المكذوبة بشأن العدوان على غزة.
ليس ذلك فحسب بل فى الترويج لسرديتها المضللة فيما يتعلق بمجمل الرواية المتعلقة بالصراع العربى الإسرائيلي.
فمنذ السابع من أكتوبر 2023، توغلت (إسرائيل) فى وسائل الإعلام ومراكز التفكير الأمريكية وبقوة مستغلة رغبة الرأى العام الأمريكى فى الاطلاع على تطورات المشهد فى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفى الأراضى المحتلة على نحو خاص.
وراحت تمد إعلام واشنطن بنخبتها الإعلامية والبحثية – خاصة من ذوى الخلفيات الأمنية والعسكرية – بهدف وغرض واحد الا وهو إقناع (المتلقى الأمريكى) بمشروعية ومصداقية رواية الحرب الإسرائيلية.
ذلك وسط إدراك مفاده أن الرأى العام الأمريكى والسيطرة عليه هو السبيل للوصول لمؤسسات صنع القرار فى واشنطن ودفعها نحو مزيد من المساعدة لـ (إسرائيل).
لذلك يرى المتابع للإعلام فى واشنطن وبسهولة كيف أصبح امتدادا للإعلام الإسرائيلي وساحة خلفية له بل يكاد يكون صورة متطابقة منه – سوى بعض الاصوات الكاشفة للجرائم الإسرائيلية.
فقط تختلف الرواية التى تبث فى واشنطن عن مثيلتها التى تبث داخليا فى تضمنها سيل من التبريرات والذرائع، التى تعطى لإسرائيل الحق فى استخدام القوة المفرطة فى غزة بلا هوادة.
باعتبار ذلك السبيل الوحيد لإنقاذ (إسرائيل) مما تسميه (حرب وجودية) تتعلق بمستقبل بقاءها.
اتجاهات الرأى العام الأمريكى
لفهم المشهد الأمريكى يمكن أولا الحديث عن اتجاهات الرأى العام الأمريكى وانقسامه تجاه (إسرائيل) وفلسطين فى اللحظة الراهنة إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية: الاتجاه الداعم لإسرائيل بشكل مطلق أو مشروط.
والاتجاه الداعم للقضية الفلسطينية بشكل مطلق أو محدود، وأخيرًا الاتجاه الانعزالي الداعي إلى تبنى موقف حيادى تجاه الصراع فى فلسطين.
أما الاتجاه الداعم لإسرائيل فهو ممثل داخل الحزبين الرئيسيين بشكل قوى، لكن بينما يدعم الجمهوريون السياسات الإسرائيلية التوسعية والمتشددة، يدعم أنصار إسرائيل داخل الحزب الديمقراطى المسار التفاوضى وحل الدولتين، ولو على المستوى الخطابى.
أما التوجه الداعم للقضية الفلسطينية، فهو شبه غائب داخل الدوائر الجمهورية واليمينية المتشددة، لكنه ممثل بشكل متزايد داخل قطاعات صاعدة فى الحزب الديمقراطي، خاصة فى أوساط الشباب والأقليات العرقية والحركات التقدمية.
أما التيار الانعزالى الذي يدعو إلى الانسحاب والحياد، فهو ممثل بشكل محدود، ولكن متزايد داخل الحزبين، وأيضًا فى أوساط الناخبين المستقلين.
أدوات تل أبيب
وسط هذا المشهد الأمريكى وتجاذباته وتبايناته المختلفة فرضت (إسرائيل) ذاتها وبقوة عليه، وراحت تطلق يدها وبقوة لتمرير روايتها، ويكفي مطلعة عينة من وسائل الإعلام ومراكز التفكير الأمريكى وما تحمله من رسائل إسرائيلية يومية.
ذلك لإدراك حجم الاستحواذ الإسرائيلي عليه، والغياب العربى على هكذا مشهد.
على سبيل المثال عند الحديث عن مراكز التفكير الأمريكية، نجد أن بعضها راحت ومنذ اليوم الأول لبداية العدوان على (غزة) تستكتب العديد من الخبراء والباحثين الإسرائيليين، ومنها (Washington institute) معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
إذا عكف على نشر سلسلة من التقارير والأبحاث المضللة عن العدوان وتداعياته الإقليمية والدولية، منها تقارير أعدها (إيهود يعاري) معلّق شؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية عشر الإسرائيلية.
وكذلك العميد متقاعد بالجيش الإسرائيلي (أساف أوريون) الذى كان مسؤولا وقت خدمته عن صياغة السياسات الاستراتيجية والتعاون الدولي والدبلوماسية العسكرية.
كما عمل رئيسًا للقسم الاستراتيجي في شعبة التخطيط التابعة لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، وفى غيرها من المناصب الاستراتيجية الرفيعة، زد على ذلك (موران ستيرن).
وهو زميل غير مقيم في مركز الحضارة اليهودية في كلية (إدموند أ. والش) للشؤون الدولية بجامعة (جورج تاون) الأمريكية، والخبير فى شؤون التنظيمات المسلحة بمنطقة الشرق الأوسط، و(ستيوارت آيزنستات) وهو رئيس مشارك لمجلس إدارة (معهد سياسة الشعب اليهودي).
وسبق أن تقلد مناصب رفيعة في البيت الأبيض ووزارات الخزانة والخارجية والتجارة الأمريكية، و(نعومي نيومان) الخبيرة فى الشؤون الفلسطينية، والتى عملت سابقاً كرئيسة لوحدة الأبحاث في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك). وكذلك في وزارة الخارجية الإسرائيلية.
أما مركز (Brookings – بروكينجز) فوجد هو الآخر ضلته فى تمرير الرواية الإسرائيلية، عبر مجموعة من الخبراء والضباط منهم (ناتان ساكس) خبير السياسة الخارجية الإسرائيلية، ومدير المركز لسياسة الشرق الأوسط، وزميل مركز ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب.
و(إيتامار رابينوفيتش) أستاذ ورئيس فخري في جامعة (تل أبيب) ونائب رئيس معهد دراسات الأمن القومي التابع لها، و(إيال تسير كوهين) الذى خدم على مدى السنوات الثلاثين الماضية في مختلف المناصب العليا فى (إسرائيل).
والمتخصص فى قضايا الأمن والاستخبارات، وصياغة السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بالإرهاب الدولى.
كذلك استعان (The Jerusalem Strategic Tribune)، وهو مركز متخصص تأسس فى اعقاب التوقيع على ما يعرف بالاتفاقيات الإبراهيمية عام 2021، للترويج لوجهات النظر الإسرائيلية والأمريكية، بنخبة من خبراء (إسرائيل).
منهم (أمير أورين) الخبير فى قضايا الأمن القومي والاستخبارات والشؤون الخارجية، والضابط (يعقوب لافين) المحلل في معهد (ميريام)، وزميل باحث في مركز (ألما) في (إسرائيل).
و(كسينيا سفيتلوفا) العضو السابق في الكنيست وخبيرة الشؤون المصرية، و(دورون ماتزا)، ضابط الإستخبارات الإسرائيلية السابق.
الأسماء التى جرى توظيفها
ومن مراكز التفكير لوسائل الإعلام التقليدية والحديثة، نجد الأكثر من ذلك ونرى كيف تمكن العشرات من الكتاب والمحللين الإسرائيليين فى الانقضاض على الإعلام الأمريكي لنشر رواية تل ابيب من خلاله.
على سبيل المثال استغلت (إسرائيل) الصعود اللافت لموقع (أكسيوس) الذى تأسس بهدف تقديم تغطية إخبارية سريعة وفعّالة تناسب العصر الرقمى، منذ اندلاع الحرب فى (غزة).
وعبر (باراك رافيد) مراسل شؤون الشرق الأوسط بموقع (والا نيوز)، لتمرير رسائل إسرائيلية يومية كاذبة بخصوص العدوان، خاصة تلك المتعلقة بفرضيات (اليوم التالى للقطاع بعد انتهاء الحرب).
وكذلك سير المفاوضات مع حماس، وموقف القوى الإقليمية من المقاومة، والاجتياح العسكرى لرفح، وغيرها من القضايا الحساسة ذات الصلة.
الشئ ذاته قام به موقع (responsible statecraft)، عبر استكتابه (شاؤول إريئيلي)، قائد لواء قطاع غزة بالجيش الإسرائيلي سابقا، وكذلك مجلة (Foreign affairs)، من خلال الاستعانة بخبرات (عاموس هارئيل) محلل شؤون الدفاع بصحيفة (هآرتس).
وكذلك موقع (المونيتور)، بتوظيفه كل من (رينا باسست) الدبلوماسية السابقة، و(بن كاسبيت) أحد كبار المعلقين الإسرائيليين، كما كان لافتا صعود (جوش ليدرمان) مراسل قناة (إم إن إس بى سى) فى تل أبيب.
ويمكن القول إن هذه النخبة المتوغلة فى الإعلام الأمريكى، عملت كحلقة وصل بين (تل أبيب) وواشنطن عبر الترويج اليومى لما يملى عليها من دوائر أمنية واستخباراتية إسرائيلية.
وربما يمثل ذلك نذر يسير من بين عشرات الأسماء التى جرى توظيفها هناك منذ بداية العدوان على (غزة).
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحديث هنا لم يتطرق لحقيقة مفادها إمتلاك الطائفة اليهودية فى أمريكا – يبلغ تعددها نحو 6.5 مليون ونصف – لنحو 40 صحيفة وعشرات من القنوات التلفزيونية التى تنضح منذ السابع من أكتوبر بطوفان من الأكاذيب.
وترتبط هى الأخرى ارتباطا وثيقا بدوائر الإعلام والسياسة فى (إسرائيل)، لتمرير رسائل تل أبيب.
ماذا حققت (إسرائيل)؟
السؤال الذى يفرض نفسه فى هذا المقام هو ماذا حققت (إسرائيل) من وراء ذلك؟، والإجابة واضحة كالشمس.
إذ تمكنت من خلال تمريره فى إجبار دوائر صنع القرار بواشنطن على منح مساعدات أمنية لـ (إسرائيل) منذ شنها حرباً على قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي بلغت قيمتها نحو 6.5 مليارات دولار.
سبقها تقديم الولايات المتحدة حتى عام 2023 لإسرائيل ما قيمته 158.8 مليار دولار من المساعدات المختلفة.
تنقسم على النحو التالي: مساعدات عسكرية: 114.4 مليار دولار، مساعدات اقتصادية: 34.4 مليار دولار، مساعدات برامج الصواريخ: 10 مليارات دولار.
وترى النخبة السياسية الأمريكية أن مساعدة (إسرائيل) هو ضرورة للحفاظ على أمنها بما يخدم معه مصالح واشنطن في الشرق الأوسط، ويعود تاريخ بدء دعم واشنطن لإسرائيل منذ لحظة تأسيسها عام 1948.
إذ تدعي واشنطن أن الأهداف الاستراتيجية المشتركة والالتزام المتبادل بالقيم الديمقراطية تدعم هذا الطرح.
كذلك شكل تأكيد الرئيس الأمريكي (جو بايدن) على أن دعم بلاده لإسرائيل (صلب كالصخر) و(راسخ)، نمطا اعتياديا من خطاب الرؤساء الأمريكيين تجاه (إسرائيل).
وهو ما أكده (بايدن) بقوله: إن (الولايات المتحدة تقف بجانب إسرائيل، ولن نخفق أبدا في مساندتها). ومن جانبه، كرر وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) التزام بلاده بدعم إسرائيل، بقوله: (إن الجيش الأمريكي سيضمن حصول إسرائيل على ما تحتاجه للدفاع عن نفسها).
التفاصيل والوقائع مرعبة وكثيرة وتؤكد معها أن نجاح إسرائيل فى المُضي قدما فى عدوانها على غزة وضربها بعرض الحائط كافة المطالب بوقفه وعدم اكتراثها بأي إدانات إقليمية أو دولية.
سببه حالة التغول اللامتناهي لـ (إسرائيل) فى كافة المستويات الأمريكية بداية من الإعلام ومرورا بالرأي العام ووصولا لمراكز صنع واتخاذ القرار.
يقابله حالة من الغياب العربى اللامتناهي واللا مكترث بما يجرى على أرض الواقع من تحولات غير مسبوقة فى أساليب وآليات تنفيذ سياسات (إسرائيل)، إذا لم تجد من يردعها الآن فلن يمكن مستقبلا ردع تل أبيب عن ممارسة الشيء ذاته فى مدن وعواصم عربية أخرى.
لذلك، ليس هناك سبيل سوى قرار عربي واضح بتفعيل آليات الضغط على واشنطن، يشمل – ضمن خطوات أخرى – الإسراع فى مخاطبة الرأى العام الأمريكى والعمل على استخدام القوى الناعمة من كتاب وباحثين وخبراء عرب – وهم كثر.
لشرح حقيقة الموقف الراهن وعرض أبعاده والعمل على إيجاد ردود قوية ومؤثرة يمكن من خلالها دحض أكاذيب (إسرائيل) وتفنيدها.
ومن ثم اقناع الرأى العام الأمريكى بالضغط على صانع القرار فى واشنطن لإيجاد حلول واقعية للصراع العربى الإسرائيلي تخرج المنطقة من حالته الكارثية الراهنة.