بقلم الإعلامي: علي عبد الرحمن
في زيارتي لجمهورية الصين الشعبيه منذ فترة، وجدت إعلاما منظما، مخطط له بعناية، رغم أنه مجتمع مغلق علي إعلامه ووسائل تواصله، إلا أن إنتاجه البرامجي يربي ويعلم ويثقف ويحرك الأذهان، وأسوق هذا المثال في إطار فضفضة (إعلامية).
فهو يقدم دراما تاريخيه حول الصين وحروبها وتحررها ونهضتها بشكل مدروس، يدعم الانتماء والفخر ويقدم رؤية (إعلامية) إقليميا تنمويا يعرض ثقافات الأقاليم وصناعاتها وطباعها ومعالمها ولهجاتها ودورها في تقدم الوطن.
ويمتلك التليفزيون المحلي مبنى مستقل وطائرات هليكوبتر لسرعة التغطية، ولكل من الإعلام الإقليمي والقومي والفضائي لجنة رائعه تسمي لجنة (مراقبة جودة ماقبل البث) حتي تضمن الدوله جودة كل مايذاع وملائمته لخطط الدولة وأهدافها الـ (إعلامية)، وملائمة المحتوى لدولة الصين العظيمة.
وهذه اللجنه تمنع التشابه والتكرار والإعادة وضعف المحتوي والبعد عن الأهداف وتمتد يدها لحرفية الأداء ومهنيته، وهكذا تنسجم كل الرسائل في منظومتة (الإعلامية) الصيني داخليا وخارجيا.
ولدى الصين أيضا تجربة (إعلامية) في (تليفزيون الميادين)، حيث يتم إنتاج وبث مواد (إعلامية) متنوعه سريعة الإيقاع لعابري الميادين أو المنتظرين بها، ومعظم هذه المواد إرشاديه تنمويه ومتنوعة.
هذا إنتاج مخصوص لتليفزيون الميادين وليس شريطا يبث عبر شاشة، ويتم تكراره كما تعودنا نحن، ولديهم أيضا نمط إعلامي آخر اسمه (Sub way tv)، أي تليفزيون المترو.
وهو أيضا إنتاج مخصص لركاب المترو ومحطاته وله إدارة ورقابة ومتابعة وله مواصفات تلائم زمن الانتقال وطبيعة وحالة الراكب، وهذا الإنتاج يضم أيضا إرشادات وتنويهات (إعلامية)، ومواد سريعة الإيقاع، وذلك بحرفية ومهنية، وليست مواد تم جمعها وتعاد بشكل ممل على شاشاته وخلاص.
صناعة الأحداث الإعلامية
وتعد صناعة الأحداث الإعلامية في الصين هدفا منشودا، فهذا مهرجان للبرامج، وهذا سباق للوثائقيات، وثالث منتدي لتبادل الخبرات، ورابع ملتقى للأفكار، وخامس معرض لأحدث المعدات، وسادس سوق للإنتاج، وسابع تكريم لأفضل محتوى.
وثامن حوار مع كوادر إعلاميه شابة وخبرات من أهل المجال، وتاسع إصدارات رقميه للبحث والتعلم والأخبار في قطاع الإعلام، وهكذا يظل الحراك الإعلامي وتجويده شعارا طوال العام يملأ ساحات المشهد الإعلامي بالمنافسات والإبداع والتجويد والتطوير والتكريم.
وبعد التواصل الإعلامي مع أخبارهم وإصداراتهم الرقمية، تجد أن الصين سارت قدما في عالم الإعلام الرقمي معدات ومحتوى، وأدخلت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المناهج وفي ممارسة مهنة الإعلام.
فهذه أدواته في اختيار أفضل الأسماء للبرامج والأعمال الدراميه، وآخر لصنع أفضل محتوي جاذب، وثالث يرشح أفضل الأماكن للتصوير والديكورات والإكسسوارات وأفضل توزيعات للإضاءه ومؤثراتها.
وأفضل ترشيح للشخصيات حسب مواصفاتها وأفضل مقترح للمونتاج وترتيب اللقطات، وأفضل موسيقي ملائمة، وهكذا أصبحت أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وسيلة للتجويد والتنافس.
رغم ما تخلفه من أثر على الاستغناء عن كوادر كثيرة سبقها استغناء عن كوادر أخري بسبب التحول الرقمي وأدواته وتطبيقاته، ولكنها سنة التطور والتقدم والدخول إلى الغد.
ولكن لماذا هذه الفضفضه الآن وزيارتي للصين قديمة، نعم قصدت فقط لفت الأنظار إلى حاجتنا إلي لجان جودة مراقبة ماقبل البثـ، لأن محتوانا متشابه وضحل ولأن شاشاتنا متكرره وتغيب عنها الرسائل وينقص محتوانا التنافسية.
فما أحوجنا لذلك الآن حتي نعيد إنتاجنا الإعلامي إليى مسار صحيح، ونحن أيضا بحاجه لإعلام مخصوص يبث في منظومة المترو والقطارات، ويراعي قصر مدة التنقل، وحالة الراكب بحيث تبث له رسائل قصيره تخفف عنه وعثاء التنقل وتفيد مجتمعنا بشكل مهني ذو إيقاع سريع.
التنافس وكسر الاحتكار
أما عن صناعة الأحداث فنحن في أشد الحاجه إلي مهرجان قومي أو دولي وملتقى إعلامي علمي مهني، وأسواقا للإنتاج ومعارضا لأحدث المعدات، وندوات لنقل الخبرات وحراكا للتنافس وكسر الاحتكار، وإقصاء كل ذي خبرة ورأي.
إن مشهدنا الإعلامي بحاجة إلى كل ذلك وأكثر، وخاصة تطوير المناهج لدارسي الإعلام وفنونه وتطبيقاته الحديثة، وبحاجة لتطوير محاور التدريب وأدواته وأفكاره، وبحاجة لحوار مهني تطبيقي وعلمي بين أهل العلم بالجامعات والمعاهد وأهل الخبرة في الشبكات والكيانات.
وبحاجه لحوار منتظم بين شباب الدارسين والخريجين وشيوخ المهنة حتى ولو برعاية الجامعات أو النقابات أو الهيئات أو الشركات أو المجالس، حتي لايتجمد دم المهنة في عروق شيوخها وينقطع حبلها السري عن أشبالها وتركن العقول لما دأبت عليه.
ويقف محتوانا عنده شكله الحالي، ونخرج من دوائر المشاهدة والمنافسة وتطوي صفحات إنتاجنا وريادتنا.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.. وتحيا دوما مصر.. آمين.