كتب: محمد حبوشة
للأسف الشديد لم أرى المسلسل الأمريكي (The Good Doctor – الطبيب المعجزة).. إلا منذ أيام قليلة مع أن موسمه السابع انتهي في فبراير الماضي، وفور انتهائي من المشاهدة أدركت أننا في مصر والعالم العربي لا نتقن مثل تلك المسلسلات المتخصصة.
فقد هللنا منذ أكثر من عام لمسلسلين متخصصين في الطب اسمهما (بالطو، وزينهم) في حين أن صناعتهما رديئة مقارنة بمسلسل (The Good Doctor – الطبيب المعجزة)، وعلى قدر طول المسلسل (7 مواسم) بدأت منذ عام 2017، وانتهت في فبراير 2024، إلا أنك لا تشعر بالملل ولا تلمح هنة أو خطأ واحد في الأمور الطبية.
المسلسل الأمريكي (The Good Doctor – الطبيب المعجزة)، المأخوذ عن الدراما الكورية – التي لاأحبها كثيرا، ولا حتى أحببت النسخة التركية منه – يتمتع بقدر هائل من الإثارة والتشويق على مستوى الحبكة الدرامية والأداء والتمثل.
وعلى قدر مواسم (The Good Doctor – الطبيب المعجزة)، الطويلة إلا أن الجمهور العربي ارتبط به بشكل كبير، بل إن الجمهور كان متعطشا لمثل هذه النوعية من الدراما التي تعكس كواليس حياة الأطباء وما يدور داخل جدران المستشفيات.
ويبدو أنهم وجدوا ضالتهم المنشودة أخيرا في مسلسل (The Good Doctor – الطبيب المعجزة)، للكاتب (ديفيد شور)، رغم أن قصة المسلسل مبنية على أحداث مسلسل كوري يحمل نفس الإسم عرض عام 2013.
عبقرية إنقاذ أرواح المرضى
وتدور أحداثه حول جراح شاب يدعى (شون ميرفي) المصاب بمرض (التوحد)، ولكنه ينجح في الانضمام لوحدة الجراحة بمستشفى مرموق وعلى الرغم من عدم قدرته على التواصل مع من حوله إلا أنه يستطيع أن يثبت عبقريته في إنقاذ أرواح المرضى.
وهناك العديد من العوامل التي ساهمت في (The Good Doctor – الطبيب المعجزة)، الأكثر مشاهدة منها أنه كون قاعدة جماهيرية من المراهقين على مواقع التواصل الإجتماعي بعد عرض حلقتين منه لأنه يتناول موضوع حساس، فضلا عن تمتعه بعناصر الإثارة والتشويق.
المعادلة بسيطة (شون ميرفي)، الذي جسد دوره (هايمور) هو جراح مصاب بمرض التوحد، ويتحدث الوعي الخاص به بلغة التشريح، وعندما يحرص العمل على توجيه الإنتباه لعبقريته تطفو الأعضاء والأوردة والغدد فوق رأسه مثل الرسوم التوضيحية الممزقة من الكتب المدرسية.
أما فيما يتعلق بقيمته الترفيهية، فإن (شون ميرفي) طبيب جيد يظهر بالطريقة المعتادة التي يظهر بها الطبيب في دراما من هذا النوع، فكل يوم يأتي مريض جديد في حاجة لعملية جراحية.
إنقاذ المريض في العملية الجراحية
إذ أن حياته مهددة بالخطر وفي الوقت الذي نجد فيه الأطباء يقاتلون من أجل فرصة إنقاذ المريض في العملية الجراحية، نجد أن المشاهد تنتقل بانسيابية لتكشف لنا المزيد عن طفولة (شون) بطريقة (الفلاش باك) التي كانت تشوبها ذكريات سيئة، خاصة مع والده.
ومن هذه الذكريات أيضا موت شقيقه الأصغر وأرنبه الصغير، وهذا ما يجعله منضبط على التصرف بشكل غير منتظم أمام المرضى قبل انقاذهم عبر بطولات جراحية غير متوقعة.
وعلى الرغم من تصنيفاته الضئيلة التي وصلت لـ 43% عبر موقع Rotten Tomatoes، والآراء النقديه القاسية، إذ وصفه الناقد (مورين ريان) في مجلة Variety بأنه مأساوي بشكل لايصدق، وأنه Grey’s Anatomy من الدرجة الثالثة.
يشار إلى أن نجاح (The Good Doctor – الطبيب المعجزة)، جعل شبكة ABC تدفعه لطليعة برامجها، نظرا لتكوينه قاعدة جماهيرية واسعة في عدد قليل من الحلقات التي تنسج المهام اليومية للجراحين في إطار قصة بطل الرواية.
على الرغم من أن المسلسل يستلهم بعض الجوانب من الواقع، إلا أنه يجب تذكر أنه لا يعكس بشكل دقيق واقع المهنة الطبية، أو (التوحد) بشكل عام الذي يعاني منه البطل (ميرفي).
ومن هذا المنطلق، قد يتم تضخيم بعض الجوانب من أجل الإثارة والتشويق التلفزيوني، لذا، ينبغي أن تأخذ المعلومات التي تظهر في المسلسل بروح من التسلية والترفيه، وليس كمصدر دقيق للمعلومات الطبية أو العلمية، وذلك على الرغم من الحرفية الشديدة في غرفة العمليات، وبراعة الممثلين في دور الأطباء.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل أثبت مسلسل (The Good Doctor – الطبيب المعجزة)، أن مهنة الطب سهلة؟ لا، ليست كذلك بالطبع، لكن مع الممارسة والتعلم المستمر والتعود على التعامل مع المرضى يصبح الأمر أقل صعوبة، ويبقى كل مريض تحديا جديدا يجب التعامل معه من جانب فريق الأطباء.
البحث عن تشخيص مرض معين أمر ممتع، والوصول إلى التشخيص في مسلسل (The Good Doctor – الطبيب المعجزة)، يشعرك بالسعادة والإنجاز، هذا إن كان المرض يعطيك الوقت للوصول إليه، ليؤكد إجمالا أن الطب مهنة مفعمة بالمشاعر الإيجابية، وكذلك السلبية التي يجب التعامل معها يوميا وإلا قد تؤثر على الحياة الشخصية.
محاكاة الكثير من الأحداث الواقعية
بالنسبة لمهنة الطب في المسلسلات، صحيح أنها تعيد محاكاة الكثير من الأحداث الواقعية، لكن لابد أن تحتوي جرعة زائدة من الدراما والأكشن ليستمر الناس في متابعة الأحداث، حتى لاتبدو جافة وتخلو من الإثارة.
(تذكرت في هذه اللحظة مشهدا لجلوس أحد أطباء الطورائ على جنبي أحد المرضى في حالة خطيرة على سرير الطوارئ والذي يتم دفعه عبر أروقة المستشفى من طرف آخرين، وهو يقوم بالإنعاش القلبي الرئوي..
ربما لم أرى شيئا كهذا في الواقع، وأظن أن اللحظات التي سيقضيها المريض للوصول إلى إحدى غرف الطوارئ لن تشكل فارقا في إنقاذه، إذا كان سيعيش، لذا ربما أراه مشهدا مبالغا فيه)، وأظن أنه لو تم تصوير يوميات أطباء في أحد المستشفيات ستكون هناك الكثير من اللحظات المملة وبدرجة أقل في قسم الطوارئ.
يكشف مسلسل (The Good Doctor – الطبيب المعجزة)، الجوانب التي تجعل (شون) طبيبا بارعا رغم حالته، لكنه يسلط الضوء أيضا على المصاعب التي يواجهها في حياته، ومع ذلك لا يطرح المسلسل مرض (التوحد) هذه المرة كحالة سلبية، ولا يتردد المسلسل في التأكيد على النواقص التي يسببها، ويتطرق العمل بأسلوب جريء إلى عدد من الأمور التي يخشى الناس التساؤل عنها.
فينشر التوعية وسط الأشخاص غير المطلعين على تفاصيل التوحد، حيث يستطيع (شون) مثلا أن يتذكر معلومات دقيقة أكثر من الأطباء الآخرين، لكنه أقل ميلا منهم إلى تغيير أنماط كلامه بحسب الشخصيات التي يخاطبها.
بعيدا عن تركيز المسلسل على مرض (التوحد)، تتعدد العوامل الأخرى التي تجعل المشاهدين يتعلقون بالعمل ويتابعون مشاهدته حتى النهاية، تبدو الرسوم البيانية المستعملة في هذا العمل دقيقة من الناحية الطبية ومثيرة للاهتمام، وتؤكد على الرؤية الفنية التي تتطابق مع الحبكة الدرامية.
فقد شاهدنا حين يفكر (شون) بحالة أي مريض، يظهر على الشاشة رسم بياني متحرك لعرض المشاكل الصحية المحتملة، إلى جانب جميع المعلومات الطبية ذات الصلة، وتساعد هذه الميزة المشاهد على فهم المعلومات الطبية التي يطرحها المسلسل وتعلم مسائل جديدة.
تبدو الشخصيات مدروسة بدقة
على صعيد آخر من تعدد مزايا المسلسل، تبدو الشخصيات مدروسة بعناية فائقة، وتطورات القصة غير متوقعة عموما، وتكون الأحداث خارج المستشفى كافية كي لا يشعر المشاهدون بأن الحلقات جافة أو غير واقعية، كما نرى هذا في مسلسلاتنا من هذ النوع شديد التخصص.
وبالطبع مثل هذه العوامل كلها تحافظ على اهتمام المشاهدين وتمكنهم من متابعة المسلسل بكل راحة ومتعة، دون أن يتسرب الملل إلى داخلهم كأغلب مسلسلاتنا العربية التي نعاني متاعب عديدة في مما يفسد متعة المشاهدة.
ومن هنا أستطيع القول أن مسلسل ((The Good Doctor – الطبيب المعجزة)، يستحق الإشادة على مستوى الصناعة الجيدة للدراما المتخصصة وبدقة ملفتة، كما أنه ممتع ومفيد في آن واحد، وهو ما نفشل في تحقيقه عبر درامنا العربية المتخصصة.
والعبرة من استعراض مزايا وخصائص مسلسل (The Good Doctor – الطبيب المعجزة)، من وجهة نظري الشخصية، أن مسلسلات الطب أصبحت ملاذا لجمهور متعطش لهذه النوعية من الدراما المتخصصة.
حيث يستطيعون عبرها التعرف على عالم الطب من خلال أحداث درامية تكشف أسرار وحياة الأطباء داخل المستشفيات، وتضفي الإثارة والكوميديا على تلك القصص، مما يجعلها تلبي جزءا من شغفهم.
ومن أجل تلبية رغبة المشاهد العربي في هذا الصدد، يبقى على عاتق صناع هذه النوعية المسلسلات السعي لإتقان صناعة أفضل لمسلسلات الطب، التي تتنوع في محتواها وتحتوي على جزء من المعلومات الطبية التي قد تكون مجهولة لدى الجمهور، مما يضيف أبعادا جديدة لتجربة المشاهدة.
فهذه المسلسلات تقدم أحداثا متجددة في كل حلقة، ما يجذب محبي الدراما والإثارة والكوميديا في آن واحد، مما يجعلها حديث الجماهير وتحقق شهرة واسعة وجماهيرية كبيرة، وهذا غاية ما نتمناه من الدراما المصرية والعربية الحالية.. مزيدا من الاهتمام يا صناع الدراما، فقد سئمنا دراما العنف والقسوة والخيانة وغيرها من موبقات الدراما.