رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(مش روميو وجوليت).. عرض يستعيد بهجة المسرح المصري

كتب: محمد حبوشة

أثبت المخرج الكبير (عصام السيد) أن دهشته الإبداعية في أوبريت (مش روميو وجوليت)، هى نوع نادر من الفن الحقيقي، الذي يحقق المتعة ويجلب البهجة والسعادة واستعادة رونق المسرح الغنائي من جديد في زمن التيه الغنائي الحالي.

تحكم (عصام السيد) في حركة الممثلين على خشبة المسرح فاق تصوراتي عن مسرحية يتم الترويج لها يوميا على مواقع التواصل الاجتماعي، في تحد من جانب الجمهور المصري الواعي لقرار وزير المالية السابق (محمد معيط) بحذف جائر لبند الدعاية للأعمال المسرحية.

كنت أتوقع أن يحتوي الأوبريت على عدد من الاسكتشات الغنائية التي يتخلها مشاهد تمثيلية، خاصة أن أوبريت (مش روميو وجوليت) يركز على كيفية مواجهة الشخصيات صراعاتهم الداخلية والخارجية، وكيفية تحقيق التوازن بين مختلف أنواع الروابط الإنسانية.

فضلا عن المسرحية تستعرض أشكالا متعددة من الحب، بما في ذلك حب الصداقة، وحب الزملاء، وحب الرفيق في المعارك، بعيدا عن الحب التقليدي، وذلك في تماس مع قضية الوحدة الوطنية، ومن قبل ذلك استنكار تدخلات الغير في حياة الناس.

لكن المشاهدة ممتعة للغاية  – على عكس توقعي – لأن مسرحية (مش روميو وجوليت) تنتمي إلى لون (الميوزيكال) من الألف إلى الياء، ومع ذلك اعتمدت الإبهار عبر حوالي ساعتين من البهجة، ولم يكن علي الحجار هو المطرب الوحيد الذي يتمتع بقوة الصوت وجماله، بل كان كل فريق العمل يغني بسلاسة دون نشاز.

يبدو هنالك جهد مبذول من جانب المخرج الكبير (عصام السيد) في توافق الحركة والسكون بين الممثلين وباقي أفراد الفرقة من الراقصين في استعراضات محكمة، وقد ساهت كلمات الشاعر الرقيق أمين حداد في ثراء العرض والتأكيد على الفكرة الأساسية للدراما الإنسانية، من خلال أشعار تتمتع بقدر من الحساسية والجمال.

توافقت الحركة والموسيقى والغناء في انسجام جميل ورائع مع كافة عناصر المسرح

توافق الحركة والموسيقى والغناء

الديكور الكلايسيكي، والموسيقى الرصينة، والسنوغرافيا غير المبالغ فيها، كلها عناصر  ساهمت في نجاح عرض (مش روميو وجوليت)، وشد انتباه الجمهور من البداية حتى النهاية، دون تزيد أو تضاد، بحيث توافقت الحركة والموسيقى والغناء في انسجام جميل ورائع مع كافة عناصر المسرح.

بدا لي عرض (مش روميو وجوليت) مجموعة من التابلوهات الفنية الجاذبة في زمن التكنولوجيا الحديثة، ولعل تحكم (عصام السيد) في حركة الممثلين حقق المتعة الأسرة، ما جعل الجمهور يتفاعل طوال الوقت بالتصفيق الحاد.

أكد (مش روميو وجوليت) على أن العمل على المسرح نتائجه سريعة لأننا كنا نرى النجاح أو الفشل في عيون الجمهور مشيرا عن سعادته بنجاح الأوبريت حيث أنه يستمتع بالعمل على خشبة المسرح.

مسرحية (مش روميو وجوليت) تحكي قصة علاقة صداقة غير تقليدية بين (رميو) الشاب المغامر الذي يواجه تحديات الحياة بشجاعة، و(جوليت) الفتاة المستقلة التي تعاني من ضغوط المجتمع والعائلة، ربما يقترب العمل من روح (شكسبير)، ولكن تم تمصيره على نحو جيد.

أعرف بحكم علاقتي الوطيدة بالمخرج الكبير (عصام السيد) استغرقت بروفات عرض (مش روميو وجوليت) ثمانية أشهر، لكي يخرج العمل بهذا الشكل المتميز، مؤكداً في الوقت ذاته على تقديم عروض مسرحية هادفة تناسب جميع أفراد الأسرة.

العرض قدم لصياغة شعرية أمين حداد، وإخراج منفذ صفوت حجازي، وموسيقى وألحان أحمد شعتوت، واستعراضات شيرين حجازي، وديكور محمد الغرباوي، ومساعدا الإخراج حمدي حسن ومحمود خليل، وإضاءة ياسر شعلان، وملابس علا جودة ومي كمال، وجرافيك محمد عبد الرازق.

(إن طريق الحياة وعر وشاق دون مساعدة الدين والفن والحب)

طريق الحياة وعر وشاق

يقول الفيلسوف الفرنسي (ألبير كامو): (إن طريق الحياة وعر وشاق دون مساعدة الدين والفن والحب)، هذا ملخص مسرحية (مش روميو وجوليت)، بطولة الفنان علي الحجار والفنانة رانيا فريد شوقي وإخراج المخرج عصام السيد وصياغة شعرية أمين حداد.

تعرف الجمهور خلال العرض على (مدرسة الوحدة) التي تضم تلاميذ مسلمين ومسيحين يحدث بينهم فرقة لقصة تذاع في المدرسة حول وقوع الأستاذة زهرة (رانيا/ فريد شوقي) في حب الأستاذ يوسف/ علي الحجار)، وهى مسلمة وهو مسيحي.

وفي واقع الأمر فهناك صداقة نشأت بينهما فقط من زمن لأنهما جيران ومن هنا تطورت علاقتهما لصداقة قوية، وقد نجح المخرج (عصام السيد) في نقل أجواء حي (شبرا) في خلفية الصور التي أكدت على الوحدة الوطنية في أعرق أحياء مصر القديمة بأجواء عصرية.

الحبكة الرئيسية في عرض (مش روميو وجوليت) تدور حول الصراع بين الفريقين بالمدرسة والفرقة التي حدثت بسبب هذه الصداقة، وقد أتقن عصام السيد إدارة المجاميع في هذا العرض، واستمتع الجمهور باستعراضات وعرض غنائي جيد رغم مباشرة الفكرة.

كل شيء في عرض (مش روميو وجوليت) كان يرمز لقصته التي تدور حول تجميع شتات الطلبة الذين حدث بينهم فرقة بسبب إشاعة قصة الحب الممنوع، بداية من اسم المدرسة (الوحدة) وحتى تكونيات المجاميع التي أجاد إدارتها المخرج عصام السيد.

وعلى الرغم من مباشرة عرض (مش روميو وجوليت) إلا أنه كان ممتعا

توصيل رسالة نشر الحب

وعلى الرغم من مباشرة عرض (مش روميو وجوليت) إلا أنه كان ممتعا، فحقق هدفه من توصيل رسالة نشر الحب والتغلب على الجهل والتطرف بممارسة الفن الذي يحقق الوحدة.

فتتحقق الوحدة عن طريق تطبيق أوبريت (مش روميو وجوليت) على الطلاب لأدائها على خشبة مسرح المدرسة، وتنجح الخطة بعد اجتهاد الطلبة جميعهم في أداء العرض على نحو نحو مبهر يجلب المتعة.

وبمناسبة الأداء فقد لمع (علي الحجار) في الجمع بين الأداء والغناء، بعد 17 عاما على انقطاعه عن المسرح الغنائي تحديدا، والذي برع فيه طوال مسيرته الفنية في المسرح والدراما التلفزيونية.

وقد تميزت (رانيا فريد شوقي) في هذا الدور وتميزت بخفة مع الغناء والاستعراضات بشكل متميز ومختلف عما كنا نشاهده لها من أدوار لها في الدراما التلفزيونية، فقد أثبتت كفاءتها في الاستعراض المسرحي فائق الجودة.

كما أسجل هنا عن انبهارنا بالفنان (عزت أمين) في أداء دور مدير المدرسة في شكل المدير الحاسم الحازم، ولكن يتمتع بقدر كبير من التفتح والذكاء لإدارة المشكلة المعقدة التي دارت في المدرسة، فقد تمتع (زين) بالثبات الانفعالي والتوزان في الأداء والغناء.

وعلى نفس الدرب الفنان الشاب (ميدو عادل) سار على طريق الإبداع في الغناء والحركة والغناء ليثبت أن طريق الحياة وعر وشاق دون مساعدة الدين والفن والحب، معاني أكد عليها العرض من خلال الحوار أو الأشعار والأغاني.

كما لفت نظري فنانة الأوبرا (أميرة أحمد) التي أجادت في التعبير بصوتها الجميل، وأدائها السلسل البسيط، ما يؤكد امتلاكها موهبة تحتاج الاهتمام، كي تنضم هذه الممثلة الشابة إلى كتيبة المبدعين/ بإسناد أدوار تناسب موهبتها، فنحن أمام ممثلة فضلا عن كونها مطربة، تمتلك قدرات هائلة على التجسيد الدرامي.

لاشك أن الحب الذي يجمع الشتات ويهدم الفرقة، والفن الذي يوصل الجسور بين الناس مهما كانت الاختلافات بينهم، وهو ما أكد عليه أوبريت (مش روميو وجوليت) ولعل شيئا من هذا القبيل نشاهده يوميا على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) من جانب الجمهور الذي أبدى سعادته  بالعرض المسرحي (مش روميو وجولييت).

الغريب أنه لا دعاية علي الإطلاق لهذا العمل الفني الجميل والملتحم مع الناس الحقيقيين، رغم أن (مش روميو وجوليت) عمل يحارب الأفكار البالية والتطرف بمنتهي الرشاقة والمتعة الفنية، فلماذا لا تدعمه الدولة؟!.. أرجو من الناس أن يذهبوا ويستمتع بفن حقيقي بعيدا عن كل ماهو قبيح يملأ حياتنا.

لعلها مغامرة أقدم عليها المخرج الكبير(عصام السيد)، أحد أبرز المخرجين المسرحيين في مصر الآن

مغامرة المخرج (عصام السيد)

لعلها مغامرة أقدم عليها المخرج الكبير(عصام السيد)، فالعرض عنوانه (مش روميو وجولييت)، أي إننا ومنذ البداية لسنا بصدد تقديم (روميو وجولييت)، نعم هو مستوحى من رائعة شكسبير المعروفة لكن الحكاية كلها مصرية خالصة، وتدور في واحد من أشهر وأعرق أحياء القاهرة “حي شبرا).

ربما يشير هنا إلى أنها ليست علاقة عاطفية محتدمة كتلك التي كانت بين بطلي نص شكسبير، ولا وجود لصراع بين أسرتيهما، كما هي الحال في النص الشهير.

وإذا كانت (روميو وجولييت) الأصلية واحدة من المسرحيات التراجيدية التي تنتهي بمأساة، فإن الصياغة الشعرية البديعة، التي وضعها أمين حداد، مالت أكثر إلى الكوميديا، وإلى النهاية السعيدة التي تجعل المشاهد يخرج منتشيا، ومطمئنا إلى أن الدنيا ما زالت بخير.

العرض في أغلبه مصاغ شعريا، وهو أمر مرهق للممثلين وكذلك مربك لهم، فإذا لم ينتبه الممثل إلى طبيعة الأداء المسرحي، التي تختلف حتما عن طبيعة الأداء الشعري، ربما انساق وراء الإيقاع الشعري وفقد قدرته كممثل مسرحي على توصيل رسالته بشكل جيد.

وجاءت ألحان أحمد شعتوت واعية إلى هذا الأمر، لتكون تعبيرية في معظمها، بعيدة من فكرة التطريب، إلا في ما ندر، وإن استخدم بعض التيمات المتداولة، التي صافحت أذن المشاهد كثيرا.

هى قضية ليست في متن الحياة الاجتماعية في مصر الآن، صوتها يكاد يكون خافتاً وهامشياً

قضية ليست في متن الحياة

الملاحظة الأساسية على عرض (مش روميو وجوليت) تتمثل في القضية التي يطرحها، وهى ربما هى قضية ليست في متن الحياة الاجتماعية في مصر الآن، صوتها يكاد يكون خافتاً وهامشياً.

وأخيرا فإن المسرح القومى  صرح فنى عريق يحمل بين جنباته تاريخا عظيما للفن المصرى الأصيل، ومن فوق خشبة المسرح القومى كانت استعادة الروح المصرية والفن المسرحى الهادف الذى يؤدى رسالته الحقيقية للمجتمع المصرى من خلال عرض مسرحية (مش روميو وجولييت).

ومن هنا فإن (مش روميو وجوليت) قد عبرت عن أهمية المسرح ودوره فى الحفاظ على قيم المجتمع رغم التقنيات الحديثة واقتحام وسائل التواصل الاجتماعى حياة ملايين المصريين.

فضلا عن هذا وذاك فإن (مش روميو وجولييت)  حملت نقدا موضوعيا لما وصل إليه الواقع من ضياع هوية الشخصية المصرية المتماسكة والتفرقة بين مسلم ومسيحى، كما رصدت سلوكيات الطلاب الانفعالية والتى أصبحت لا تراعى قيمة المدرسة.

وبنمط استعراضى غنائى كانت محاولة المسرحية فى إعادة الروح المصرية من خلال أدوار المدرسين (يوسف) المدرس المسيحى وجارته المدرسة (زهرة) المسلمة، والمدرسين والمدرسات المتفاعلين مع كل أزمة لإشعالها، والناظر الحكيم الذى يواجه أزمة فقدان الهوية بين الطلاب.

كما نقلت المسرحية صورة حقيقية لما عليه الأجيال الجديدة من عدم فهم حقيقة الشخصية المصرية، والحب المميز لها فى التعايش بين كل مصرى بصرف النظر عن ديانته.

تحية تقدير واحترام للمخرج الكبير (عصام السيد) وفريق عمله الذي تمتع بالرشاقة والغناء والحركة التي جلبت المتعة لنا في تلك الليلة الجميلة شكلا ومضمونا.. فشكرا جزيلا لهم جميعا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.