بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
فجأة.. داس (محمد عبد الواحد) الفرامل.. ليتفادى سيارة نقل ضخمة.. محملة بارتفاع ثلاثة أدوار.. وقد مرقت بجانبنا.. وبانحناءة حادة.. أصبحت تسير أمامنا بكل ثقل كيانها وظلها.. و(محمد عبد الواحد) صديقي الغالي على قلبي، أحكي له قصة (عبد الهادي) و(ليلى).
أنتظر قدومه من العام للعام و أكثر.. حتي أسافر معه إلي القاهرة.. نقضى سويا في هذا اليوم.. أطول وقت ممكن من أجازته القصيرة.. شعرت بمحمد.. وقد انتبه فجأة من سرحانه فيما سردته عليه من قصة (عبد الهادي)، و(ليلى).
وكيف بدأت قصة حبهما الملتهبة التي توحد فيها (عبد الهادي) مع (عبد الحليم حافظ).. بينما تبعثرت ليلى فيها بين شخصيات كل بطلات أفلامه.. وكنت أنا و الأصدقاء.. وأصدقاء (ليلى) رواد هذا الفيلم الحلم لنا جميعا.
عندما رفض أبيها زواج (عبد الهادي) من ابنته لصغر سنهما.. فوجئنا في اليوم التالى باختفائهما معا من مكان لقائهما بالقرب من حديقة (هابى لاند) في المنصورة.. لتضربنا الحيرة عن سبب هذا الاختفاء المفاجئ.. ليسألنى محمد عبد الواحد الآن.. نفس سؤال صلاح عبد السيد منذ عشرين عاما: أين اختفيا؟.. ولماذا؟
عندما سألني (صلاح عبد السيد) نفس هذا السؤال.. حكيت له الحكاية ..من أولها إلي آخرها.
حكاية (عبد الهادي).. وحبيبته (ليلى)..
قلت لصلاح ..
بعد اختفائهما المفاجئ.. كنت أتردد كثيرا على كوبري (هابي لاند).. الذي دمره محافظ الدقهلية السابق – لا سامحه الله – على أمل أن أشاهد (عبد الهادي)، أو حبيبته (ليلى) مرة أخرى.. باءت كل محاولاتي في العثور عليهما بالفشل .
ذات صباح باكر جدا.. سمعت جرس الباب.. استيقظت منزعجا، أسرعت بفتح الباب، كان وجه (عبد الهادي) شاحبا.. بينما جسده مستندا علي الحائط.. وهو في حالة إرهاق شديد جدا.
وجهه أصفر بشكل واضح
وجهه أصفر بشكل واضح.. أدخلته الحجرة التي كنت نائما فيها.. ظل (عبد الهادي) جالسا صامتا لفترة طويلة.. ينظر إلى الأرض.. بينما أنا أنظر إليه دون أن أقاطع حواره الداخلى الذى كنت استشفه ..
سألنى فجاة بصوت متهدج: لسه بتروح كوبري (هابي لاند؟) .
قلت له: كنت بروح.. لما كان لسه عندي أمل أن أراك.. أو أري (ليلى).. ولكنكما فص ملح وذاب!
تنهد في أسى.. وهو يطرح رأسه على الحائط خلفه:
ماتروحشي هناك خالص الفتره دي.. لأنهم بيدوروا على أي حد يعرفني.. ما تنساش إن أبوها وأمها شافوك.. وممكن يضروك.. فبلاش تروح هناك علشان خاطري.. مش عايزك تتعرض لأي ضرر بسببي.
سألت (عبد الهادي) :
هو ايه الموضوع يا (عبد الهادي)؟.. أنا ما عنديش فكره عن أي حاجه لغاية دلوقت.
قال (عبد الهادي) :
هاحكيلك دلوقتي بعد ما نفسي يهدي.
بعد نفس عميق تخنقه دموع.. يقول لي (عبد الهادي) :
أنا خدت حبيبتي (ليلي) خلاص وهربت.. وبقت ملكي لوحدي.. وماعلش اعذرني.. مش هاقول لك إحنا قاعدين فين هنا في المنصورة.. علشان لو حد سألك أو ضغط عليك.. ما تضطرش انك تحلف له كذب..أو تعترف له و تضرنا.
أحنا ها نفضل مختفيين.. لحد ما (ليلى) تكمل السن القانوني..18 سنه.. علشان أقدر أكتب عليها واتجوزها .
بالفعل.. بعد أشهر قلية.. عاود (عبد الهادي) زيارتى ليخبرني بأنه كتب الكتاب وتزوجها رسميا..
مرت الأيام وأنجب (عبد الهادي) منها طفلة.
بعدها بفتره قمت بزيارته.. كانت إقامتهما في حجرة داخل شقه بها 4 حجرات أخري مؤجرة.. المطبخ ودورة المياه مشتركه للجميع.. كان يجلس مع زوجته.. وصديقه (رمزي) الذي عرفني به.
(يهوذا) الذي خان المسيح
لم أشعر بالراحة تجاه (رمزي).. كنت أرى على وجهه ملامحا مجمعة من وجه (يهوذا) الذي خان المسيح.. ووجه بدران الذي خان (أدهم).. قصير القامة.. صرصاري الصوت.. شعره قصير للغاية ومفلفل.. لتعطى رأسه إيحاء بأنها أرض لمملكة ضخمة من الديدان الصغيرة.
أجرد بدون شعر ذقن.. جلد وجهه مشدود.. ولونه مختلط بالحمرة.. يضحك ضحكات تخزك.. بل و تؤلمك بما تحمل من تلون حرباء .
فيما بعد صدق حدسى.. صباح يوم كان (عبد الهادي) قد قرر عدم الذهاب إلى عمله.. فابنته الرضيعة مريضة.. وفي حاجة للعلاج.. رغم ذلك تحايلت عليه زوجته (ليلى) أن يذهب إلي عمله حتي يعطيها فرصة تنظيف الحجرة في غيابه.
وحينما رفض أخذت تنصحه بالذهاب الى العمل حتى لا تحدث له مشكله بسبب غيابه.. خصوصا أن ظروفهم لا تسمح بخصم يوم واحد من مرتبه.. وافقها صديقه (رمزي) الرأي.. وأخبر (عبد الهادي) أنهما و معهما الطفلة.. سيوصلوه إلى محطة القطار.
في القطار الذى غادر المحطة وئيدا.. لعب الفأر في عب (عبد الهادي).. كانت رائحة كريهة تزكم أنفه.. رائحة يشمها لأول مرة في حياته.. رائحة الشك في إخلاص حبيبته (ليلى).
في رأسه تردد صدى صوتها مختلطا مع صوت (رمزي).. وهما يلحان عليه أن يسافر لعمله.. القطار يبتعد عن المنصورة بسرعة.. لكنه عند رصيف أول محطة.. كان قد اتخذ قرارا حاسما و أسرع بالنزول.
في القطار العكسي المتجه إلى المنصورة عاد (عبد الهادي) وهو شخص آخر.. كان القطار ما زال رغم مغادرته به.. يصفر زاعقا في أذنيه ( ليلي تخونك.. ليلي تخونك).. بينما هو يدعو الله ألا تتحقق هذه الأوهام التي هاجمته.
.. و
آه يا صلاح.. آه يا صلاح
لسه الجراح في القلب خضرة..
معلمة
وياها معظم ذكرياتنا اللي
ابتدت..
تصبح حزينة.. مؤلمة
عمرك ما أحنيت الجبين أبدا..
وكانت بصتك..
يا حبيبي دايما للسما
جسدين في روح واحدة شريفة
موحدة..
إنت وأنا
قلبين بدقة حب واحدة..
ونور عفيف مالهوش مدى..
إنت وأنا
وزحام مفيش إلا احنا فيه
بنعطره
غيرنا في الأدب اللي كان
موجود..
حدوده ومظهره
قبل الكلاب السودة والحشرات..
وحرف السيئات.. ما يظهروا
ولا همنا الشوك اللي كان..
مالي جميع الأمكنة
قصة.. في هيئة سوسنة
وروايه بتهز الوجود
مع صوت رقيق جوه الهدوء
ومواجهة للسوء العنيد وقت
الغضب
إنسان بيملك كل أنواع الأدب
عشقه الأساسي الأولاني في
الكتب
جواها أعماله العظيمة العبقرية..
اللي ابتدت..
تسبق في كل الموجودين
والموجودين كانوا آلاف
لا كنت بتخاف الهجوم..
بسيوف علي جيش الحروف
ولا كنت غير.. نني.. عفيف..
قادر يشوف
فكتبت بالرمز النضيف..
عن كل حاجه في البلد
كل الغلابة يا صاحبي كانوا
قضيتك
كان القلم دايما يطاوعك..
وانت راكب مهرتك
رحلة نضال مرسومة بين أشواك..
بتظهر كل لحظه علي الطريق
تضحك.. تقول أصبح صديق
أرجوك بلاش تقلق ..
لابد في يوم قريب..
نقدر نجيب الفجر..
من ليل الخطاوي المتعبو
نصبح لجيل.. قادم.. شراع
للمركبة
ونسيب خريطة معانا من عهد
الصبا
واحنا ابتدينا نكون نجوم..
في رحلة لسه مضببة
لكننا.. عارفين نهاية السكة فين
شايفك حزين..
من نومه داخل أوضه عتمة..
جنب سلم للجميع
والله بكره بكل حرف بتكتبه..
توصل لأزهار الربيع
شوف يا إبراهيم
وحياة صداقتي بيك..
لا يمكن لحظة..
حق الله يضيع
فبلاش سجاير أو حبوب للتهدئة
هدي مشاعرك بالكتابه المشرقه
واوعي في يوم تنسي..
بأنك قلت بدموعك: مدد
ماتشدي حيلك يا بلد..
وكتبت في النكسة زمان
الدنيا.. هى المشنقة.
من كتاب (مدد.. مدد)
سيره ذاتية لبلد