أغنيات (ثورة 23 يوليو).. شهادة نادرة لكمال الطويل عن جمال عبدالناصر
كتب: أحمد السماحي
تحتفل مصر اليوم بعيد من أجمل أعيادها، وهو عيد (ثورة 23 يوليو) المجيدة، ففى صباح يوم الأربعاء الموافق 23 يوليه عام 1952 تمت إذاعة بيان الثورة التالي من دار الإذاعة المصرية:
(اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين.
وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا.
وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفى خُلقهم وفى وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج، والترحيب).
بالفعل تلق الشعب الخبر بسعادة بالغة، وزحف كثير من المطربين إلى الإذاعة يغنون للجيش ولرئيس الحركة المباركة اللواء (محمد نجيب) الطريف أن كثير من أغنيات الأيام الأولى لـ (ثورة 23 يوليو) حملت اسم (العهد الجديد).
شهادة كمال الطويل
عندما نذكر أغنيات (ثورة 23 يوليو) لابد أن نتذكر على الفور، الثلاثي الرائع الذي قدم أغنيات وطنية كثيرة هامة، هذا الثلاثي يتكون من (صلاح جاهين، كمال الطويل، عبدالحليم حافظ).
ومعهم الموسيقار والموزع العبقري (علي إسماعيل)، لكن هذا لا يمنع من وجود مجموعة أخرى رائعة من الشعراء والملحنيين والمطربيين الذين ساهموا في نهضة الأغنية الوطنية، والتفوا حول الرمز الوطني الثوري الكبير (جمال عبدالناصر).
وكثير ما رددوا أن جمال عبدالناصر كان سببا في ولادة كل أو معظم الأغنيات الوطنية التى ظهرت مع اندلاع (ثورة 23 يوليو) 1952.
ولكن الحقيقة أن الموسيقار الكبير (كمال الطويل) أحد فرسان الأغنية الوطنية في (ثورة 23 يوليو) 1952، وصاحب الروائع التى لا تنسى مثل (إحنا الشعب، يا جمال يا حبيب الملايين، بالأحضان، المسؤولية، مطالب شعب، صورة، يا أهلا بالمعارك) وغيرها.
ينفي ذلك تماما في حواره مع الكاتب الصحفي الراحل (محمد الدسوقي) عام 1994 في مجلة (فن) التى كانت تصدر من بيروت، حيث قال: ما من أغنية وطنية نفذت بتوجيه من أحد على الإطلاق!
وهذا الكلام أقوله على مسئوليتي، وقد قيل أن هذه الأغاني تمت صناعتها بتوجيه من الرئيس جمال عبد الناصر، وهذا شرف كنا نتمنى حدوثه، ولكنه لم يحدث!
وأنا من المؤمنيين جدا بعبد الناصر، والمقتنعين بصدقه ومصداقيته، وإلى يومنا هذا، وحتى ما شاء الله، وهو لم يطلب مني أو من غيري في المناسبات القومية أن نغني!
بالعكس ما كنا نفعله كان شرفا كبيرا لنا بأن نغني ونشدو في ظل زعامة عبدالناصر، وتقديره الكبير للفن والفنانيين، وهذا التقدير ليس لأننا كنا نصنع هذه الأغاني فقط.
ولكن لإحساس عبدالناصر بكم الصدق الكبير فيها، ولكم المعاناة التى كنا نبذلها، ولإحساس عبدالناصر، فإنني أعتقد أن جميع الذين عملوا الأغاني الوطنية، بل والعاطفية في ظل زعامة عبدالناصر، نالوا من التقدير الكثيرا جدا.
ومنهم (أم كلثوم، ومحمد عبدالوهاب، وعبدالحليم حافظ، وأنا، ومحمد الموجي، وأحمد شفيق كامل)، وغيرنا.
(إحنا الشعب) لحنت في ربع ساعة
يضيف كمال الطويل: كنا في أعقاب كل عمل نسلم على عبدالناصر شخصيا، والابتسامة الجميلة الصادقة تضيئ وجهه وتنير ملامحه، والنظرة اللامعة، نظرة الصقر في عينيه.
كنا نعيش عصرا عظيما، عصر أحلام كبيرة، كان كل منا يعتقد أنه سيحقق في الغد شيئا جميلا، ولأجل ذلك لم نكن نغني اللحظة التى نعيشها، ولكن للأمل المقبل في الغد الجميل لعبدالناصرالذي كان يجمعنا تحت لوائه.
ويستكمل كمال الطويل شهادته فيقول: لم أكن قريبا من جمال عبدالناصر، على المستوى الإنساني، لكني كنت مقتنع به وبزعامته وبوطنيته الكبيرة وحبه الكبير لمصر.
وكل علاقتي الإنسانية به كانت من خلال الحفلات فقط، فعقب كل حفلة كان لابد أن يسلم علينا ويشكرنا بحرارة.
وعن كيفية ولادة الأغنيات الوطنية التى قدمها لـ (ثورة 23 يوليو) والتى هى تأريخ حقيقي لفترة مجد الثورة، والزهو القومي العظيم، وهل كان يجد صعوبة في تلحينها؟
قال كمال الطويل: كل شيئ كان يتم بسهولة لا حدود لها، أذكر جيدا أنني لحنت أغنية (إحنا الشعب) كلمات صلاح جاهين حبا وحفاوة بعبدالناصر، وتم ذلك خلال ربع ساعة!
فصلاح جاهين كتب كلماتها، وقمت أنا بتلحينها، وكانت هذه الأغنية أول أغنية وطنية تجمعني بصلاح جاهين، وسجلنا الأغنية وأذيعت بمناسبة فوز عبدالناصر برئاسة الجمهورية عقب اختيار شعبي جارف له.
بعد ذلك لحنت أغنيات أخرى كثيرة في أوقات قياسية جدا مثل (ناصر يا حرية، ناصر يا وطنية، يا روح الأمة العربية، واحلف بسماها وبترابها، وابنك يقولك يا بطل).
وأغنيات وطنية كثيرة أيضا سواء لصلاح جاهين أو أحمد شفيق كامل، أو عبدالرحمن الأبنودي.
تغيير مفهوم الأغنية الوطنية
يختتم كمال الطويل شهادته فيقول: كانت الأغنيات التى أصنعها أنا أو غيري، يتم ابداعها في الوقت الذي ترفرف فيه رايات المعارك الحقيقية، وكانت كل أغنية معركة فنية حقيقية.
وصلاح جاهين جبرتي (ثورة 23 يوليو) بكلمته العظيمة، وعبدالحليم حافظ بأدائه المميز، وعلي إسماعيل بتوزيعاته الجميلة، وأنا بألحاني، كنا سعداء جدا بالإنجازات التى تحدث في مصر.
وكنا نحس بأن هذه الأغنيات عبارة عن مباراة تفرح القلب، ولأجل هذا فإن موسيقى الأغاني الوطنية التى قمت بها كانت مختلفة تماما عن مفهوم الأغنية الوطنية (النشيد)، الذي كان يقدمه محمد عبدالوهاب أو غيره.
وعندما قدمنا نحن أغانينا الوطنية، دار محمد عبدالوهاب حول نفسه – هو وجيله ـ دورة كاملة، وجدد وطور من نفسه، ومن أدواته وطريقة أدائه.
فنحن لم نقدم أغنية وطنية مجردة انما أغنية حب جميلة للوطن، مثل (بالأحضان) بعدنا توقف الجميع عن المسيرات العسكرية والأناشيد الحماسية.
وبدأوا في خلق شيئ جديد اسمه (الأغنية الوطنية) التى تحمل عواطف الإنسان تجاه وطنه.