بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
بداية: السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام، من هى شركة (CyberWell) ومن أي مكان تعمل ومن يديرها وما هى أهدافها بل من هى الجهات التى تقف من وراءها وتضع سياساتها وتحركها كي تفرض ذاتها رقيباً على وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى العربي الفلسطيني؟
فى العاشر من شهر يوليو الجارى تناقلت وسائل الإعلام العربية والدولية نبأ مفاده أن شركة (ميتا) المالكة لمنصتي (فيسبوك، وإنستجرام)، التي يقع مقرها في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
أعلنت في بيان لها: أنها قررت تغيير قواعد النشر على المنصات التابعة لتقييد استخدام كلمة (الصهاينة) كدلالة على كراهية اليهود، وإنها ستزيل المزيد من المنشورات التي تهاجم (الصهاينة) على منصاتها، وهددت المجموعة بتعليق أو إزالة الحسابات التي تكرر انتهاك قواعد النشر على منصاتها.
(ميتا) بررت تغيير قواعد النشر على منصاتها بإنه جاء للحد من استخدام كلمة (الصهاينة) وأن (المصطلح يميل لأن يُستخدم للإشارة إلى اليهود والإسرائيليين، مع مقارنات مجردة من الطابع الإنساني، أو دعوات لإلحاق الأذى بهم أو لإنكار وجودهم) على حد تعبيرها.
بيان (ميتا)، أشار إلى أن هذا التحرك يأتي عقب تحقيق أطلقته شركة (ميتا) قبل 5 أشهر، وشارك فيه مؤرخون وحقوقيون وجمعيات لتحديد ما إذا كان هذا المصطلح يستخدم للإشارة إلى مؤيدي حركة سياسية (الصهيونية) أو اليهود أو الإسرائيليين.
وتوصل التحقيق إلى أنه لا يوجد إجماع على ما يعنيه الناس عندما يستخدمون مصطلح (صهيوني)، مع ذلك قالت الشركة: إنها قررت التحرك لأن أبحاثها وتحقيقاتها كشفت أنه يتم استخدام كلمة (الصهاينة) على المنصات للإشارة إلى اليهود والإسرائيليين بما يتصل بأنواع معينة من (هجمات الكراهية).
(الشيطان) يكمن فى التفاصيل
ساقت (ميتا) أمثلة على تلك الاستخدامات، ومن بينها (الادعاءات بأنهم يحكمون العالم أو يسيطرون على وسائل الإعلام)، و(المقارنات التي تحط من قدرهم الإنساني، مثل إجراء مقارنات بينهم وبين الخنازير أو القذارة أو الحشرات)، و(الدعوات إلى العنف الجسدي)، وفق البيان.
ويعلم الجميع إنه منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر الماضي، فرضت (ميتا) قيودا مشددة على المحتوى العربي والفلسطيني وقامت بإزالة كثير منه، الأمر الذي أثار معه غضب الفلسطينيين والمناصرين لقضيتهم العادلة.
بطبيعة الحال مر بيان (ميتا) مرور الكرم ربما كغيره من الأخبار رغما عما يكمن من وراءه من تفاصيل، فدوماً ما أن يكمن (الشيطان) فى التفاصيل والجميع يعلم من هو (الشيطان)؟
إنه إسرائيل وأجهزتها الاستخباراتية التى تعمل بدأب منذ بداية العدوان على إخفاء معالم الجرائم والانتهاكات اليومية التى تمارس بحق الشعب الفلسطيني تحت سمع وبصر العالم دون أن يحرك ساكنا او يفعل شيء يوقف هذا الكم من البطش والعدوان اللا متنهى والمتواصل بلا هوادة منذ تسعة أشهر.
اللافت بل المثير للدهشة هو أن أي من وسائل الإعلام العربية لم تلق بالاً أو تبحث عن ذاك (الشيطان) الكامن من وراء تلك الخطوة التى أعلنتها (ميتا).
رغما عن أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية كشفت عن بعض من ملامحها بعد يوم واحد من بيان (ميتا)، ومنها موقع (تايمز أوف إسرائيل) – أحد أدوات الدعاية الإسرائيلية والذى يبث بلغات عدة من بينها العربية.
وحديثه عن أن (رونالد لاودر)، رئيس (المؤتمر اليهودي العالمي) – إحدى أكبر مجموعات الضغط اليهودية حول العالم – قال في معرض تعليقه على البيان إن قرار (ميتا) هو تقدم مطلوب في (معركتنا) المستمرة ضد (معاداة السامية)، و(الكراهية) عبر الإنترنت.
ومن خلال الاعتراف ومعالجة سوء استخدام مصطلح (الصهيوني)، تتخذ (ميتا) موقفا جريئاً ضد أولئك الذين يسعون إلى إخفاء كراهيتهم لليهود.
الموقع لم يكتف بحديث رئيس (المؤتمر اليهودي العالمي)، بل زاد على ذلك بنقله ما وصفه بإشادة (ديبورا ليبستادت)، مبعوثة معاداة السامية في إدارة الرئيس الأمريكي (جو بايدن)، بهذه الخطوة باعتبارها (خطوة مهمة في التخفيف من الانتشار المتفشي لمعاداة السامية) عبر الإنترنت.
الاستخدام المثير للقلق
كما أنها تعترف بالاستخدام المثير للقلق والواسع النطاق لمصطلح (الصهاينة) كغطاء للتعبير عن كراهية اليهود بشكل عام (على حد زعمها).
الأكثر من ذلك كان إشارة الموقع ذاته سريعاً إلى أن شركة (CyberWell) قالت في بيان صحفي: إنها زودت شركة(ميتا) ببيانات توضح الاستخدام الواسع النطاق لكلمة (الصهيونية) كناية عن اليهود والإسرائيليين، مضيفة (أنها ستتابع مدى نجاح الشركة في تطبيق سياستها الجديدة.
وقالت (إنها لا تزال تدرس كيفية معالجة سياساتها للحالات التي يشير فيها المستخدمون إلى الصهاينة كمجرمين)، وقالت (إنه في بعض السياقات، يمكن أن يكون استخدام (الصهاينة) و(المجرمين) دلالة على تصرفات الحكومة أو الجيش وقد يمثل خطابا غير مشروع فيما يتعلق بجرائم الحرب.
مساعي الحكومة الإسرائيلية
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام، من هى شركة (CyberWell) ومن أي مكان تعمل ومن يديرها وما هى أهدافها بل من هى الجهات التى تقف من وراءها وتضع سياساتها وتحركها كي تفرض ذاتها رقيباً على وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى العربي الفلسطيني؟
وربما كان ما نشرته صحيفة (جارديان) البريطانية فى 25 يونيو الماضى طرف الخيط الذي يميط اللثام عن تلك الشركة، وإن كان على عجل واستحياء.
ذلك بحديثها عن مساعي الحكومة الإسرائيلية للتصدي للأصوات المعارضة لحربها في قطاع غزة، لا سيما في الجامعات الأمريكية، وإطلاقها حملة للتأثير على الرأي العام في الولايات المتحدة، عبر برنامج (كونسيرت) Concert، بغية تعزيز الجهود الرامية للدفاع عن إسرائيل بشكل متناغم.
وذلك ضمن (أنشطة تشكيل الوعي الجماهيري) التي تستهدف إلى حد كبير الولايات المتحدة وأوروبا.
الصحيفة البريطانية قالت نصاً: أن هناك مجموعة أخرى مؤيدة لإسرائيل تُدعى (سايبر ويل – (CyberWell، يقودها – مسؤولون سابقون في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية – وشركة أصوات إسرائيل.
فرضت نفسها كشريك (موثوق به) لمنصتي (تيك توك) و(ميتا) لمساعدتهما على فحص المحتوى وتحريره، وإن (سايبر ويل) دعت، في تقرير حديث، منصة (ميتا) للتواصل الاجتماعي إلى التعتيم على الشعار الشعبي (من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر).
(CyberWell) شركة إسرائيلية
خيط صحيفة (جارديان) وبتتبعه كان كاشفاً معه عن أن شركة (CyberWell) هى شركة إسرائيلية تقودها ضابطة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) عن طريق (طال أور كوهين)، التى أوُكلت لها مهمة إنقاذ (سمعة إسرائيل) من التشويه حول العالم.
ذلك عبر ملاحقة وتتبع المحتوى الفلسطيني والعربى الفاضح والكاشف لوجهها القبيح والمخضب بدماء الأطفال الأبرياء وغيرهم من أهل غزة.
(طال أور كوهين) وصفتها صحيفة (زي ماركر) الإسرائيلية، بأنها (الفتاة التي أقامت جدار حماية ضد معاداة السامية)، عبر تدشينها شركة خاصة للكشف عن المحتوى (المسيء والمعادي للسامية).
مع زعمها إن التغيير الذي يمكن لإسرائيل إحداثه عبر شركة (CyberWell) للعالم في سياق أي خطاب يحض على الكراهية على شبكة الإنترنت هو تغيير هائل.
صحيفة (جلوبس) الإسرائيلية كشفت هى الأخرى عن نشاطات الشركة ودورها فى تتبع المحتوى المناهض لإسرائيل، بحديثها عن أن ارتفاع مظاهر معاداة السامية على وسائل التواصل الاجتماعي تلازم معه ارتفاع غير مسبوق فى نشاط شركة (CyberWell).
تلك التى تتبع المحتوى العربى والإنجليزي الذي يحض على الكراهية ذلك عبر تطويرها واستخدامها تقنيات الذكاء الاصطناعي.
كما نقلت عن (كوهين) زعمها (رأينا كيف يمكن للمعلومات الكاذبة والتآمرية أن تحرض جيلًا كاملاً على الكراهية، والخبر السار الآن هو أن معظم الشبكات تحدد إنكار (الهولوكوست) كمحتوى محظور.
وزادت على ذلك بقولها: الآن عندما نتعامل مع موجة متصاعدة من معاداة السامية والدعوات إلى العنف ضد اليهود والإسرائيليين، يجب الاستثمار في تطبيقات أكثر فعالية لتتبع المحتوى العربي الذي ينكر (المحرقة النازية) ويهاجم اليهود، ويشيد بهجوم حماس فى السابع من أكتوبر 2023.
على حد زعم الصحيفة، تعد شركة (CyberWell) بمثابة منظمة غير ربحية تعمل على القضاء على معاداة السامية في الفضاء الرقمي، وتتضمن طريقة عملها تحديد الكلمات الرئيسية المعادية للسامية.
وتعمل كشريك موثوق به لمنصات (فيسبوك)، و(إنستجرام)، و(تيك توك)، والعمل على مساعدتها فى الحد من (المحتوى الذي ينتهك السياسات)، وتقديم المشورة لفرق تقييد المحتوى.
وكاشفة فى السياق ذاته عن أن شركة (سايبرويل) قدمت منذ أحداث 7 أكتوبر، تقارير حول تزايد (معاداة السامية) على الإنترنت، ونجاحها فى رصد زيادة بنسبة 86٪ تقريبًا في معاداة السامية عبر الإنترنت عبر منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية منذ ذاك الوقت.
المنشورات (المعادية للسامية)
لم يقف الأمر عند ذاك الحد، إذا كشفت صحيفة (يسرائيل هايوم)، عن أن شركة (CyberWell)، وعبر تقنيات الذكاء الإصطناعى قامت بتحليل الآلاف من المنشورات (المعادية للسامية) عبر فريق البحث التابع لها وعملت على حذفها.
ونقلت عن (كوهين)، زعمها أن (المحرقة)، هى واحدة من أكثر الأحداث التاريخية المأساوية التي شهدناها كأمة، ولذلك تزداد أهمية الحفاظ على الذاكرة خاصة عندما يتعلق الأمر بخطاب الحض على (الكراهية) على الشبكات الاجتماعية.
ولسوء الحظ، ما زلنا نرى فجوات كبيرة في سياسة حذف المحتوى بين اللغتين الإنجليزية والعربية على شبكات التواصل، وهو استمرار للاتجاه الذي شهدناه في الأسابيع التي تلت 7 أكتوبر.
داعية للعمل على حظر المحتوى الذي ينكر ويشوه (الهولوكوست)، و(الهجوم الوحشي الذي شهدناه في أكتوبر).
صحيفة (Jewish journal) اليهودية والصادرة بالولايات المتحدة الأمريكية، كشفت بدورها عن أن شركة (CyberWell)، تأسست في مايو 2022 وتتخذ من إسرائيل مقراً لها.
وتعمل من خلال تشغيل نظام محكم للمراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي وتقنيات الاستخبارات مفتوحة المصدر لتكوين صورة عامة وشاملة عن (معاداة السامية) عبر الإنترنت.
كاشفة عن أن (كوهين) هاجرت من أمريكا لإسرائيل فى عام 2009، ومن ثم التحقت بإحدى المنظمات اليهودية التى تساعد الشباب اليهود على الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي، وبعد الخدمة فى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
درست القانون ثم انتقلت في النهاية إلى دورها الحالي كمدافعة ضد معاداة السامية عبر الإنترنت، ثم عملت في شركة استخبارات خاصة بالولايات المتحدة، تعمل على مراقبة (جرائم الكراهية) و(معاداة السامية) في الإنترنت.
وبعد تأسيسها شركة (CyberWell)، وجدت إنه من الأهمية بمكان العمل على مواجهة تحديات المشهد الرقمي بعد 7 أكتوبر، والتعامل مع (موجة الكراهية) تجاه إسرائيل واليهود عبر الإنترنت.
فريق من 8 ضباط
صحيفة (Jewish journal) كشفت بدورها عن إنه بمجرد العثور على منشور معاد للسامية، تقوم شركة (CyberWell)، بإبلاغ المنصة الإعلامية عنه، حتى تتم إزالته والتعامل معه.
زاعمة إنه ومن خلال ما تبذله الشركة من جهد فهناك أمل في إيجاد حل لمعالجة (معاداة السامية) في العصر الرقمي والقضاء عليه تمامًا).
وأخيرا فإن ما لم تكشفه الصحيفة أو غيرها من الصحف، هو أن (طال أور كوهين) المؤسس والمدير التنفيذي لـ CyberWell – هى شريك رئيسي فى تقديم خدمات التحليل والاستشارات لمعهد دراسات الأمن القومي، ووزارتى الدفاع والشؤون الاستراتيجية فى إسرائيل، وكذلك للوكالة اليهودية.
وتقود فريق من الضباط، وهم على التوالى (زوهار غور جيل)، عضو مؤسس، و(فيرد أندرييف)، رئيس قسم الأبحاث، و(يوناثان هزروني)، محلل السياسة الرقمية، والمحلل (إيتاي ديفيدسون)، والبروفيسور (دينا بورات)، والمقدم احتياط (بيتر ليرنر)، واللواء (عاموس يدلين).
وجميعهم من كبار قيادات وضباط جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، وهو ما يكشف ويفضح معه كيف تستخدم الاستخبارات الإسرائيلية أمثال هؤلاء فى محاولات التستر على فضح وكشف الجرائم التى ترتكب حتى الآن تحت ذريعة حماية الأمن القومي الإسرائيلي.
وللحديث بقية..