* تعلمت من المخرج الكبير (يوسف شاهين) كيف يكون الأداء الداخلي، كما تعلمت من (عاطف سالم، وحلمي رفلة، ويوسف معلوف، ويوسف عيسى)
* فيلم (الحدود) لم ينجح هذا النجاح الكبير لكوني أنا أخرجته!، بل لكونه حمل فكرة جيدة
* عادل إمام فنان كبير جدا، وأنا أرى أنه إذا قدر لنا أن نعمل سويا فيجب أن يكون عملا مدروسا متأنيا لكي يظهر بالمظهر اللائق
* المسرح الكوميدي الآن ضائع، لأن الظروف من حولنا ضائعة، نحن تقريبا لا ندري إلى أين نحن ذاهبون؟!
* أهم معاناة يعاني منها المسرح الكوميدي، هي حالة الإنسان العربي، حالته صعبة، وبالتالي إضحاكه صعب، وأيضا هامش الحرية شيئ صعب جدا!
بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري
مازلنا مع حديث النجم السوري المبدع الكبير (دريد لحام)، مع الإعلامية الكبيرة (أمينة صبري) رئيس إذاعة (صوت العرب) سابقا، حيث تحدث نجمنا السوري عن أحياء وحارات سوريا الشعبية في طفولته.
والتى كانت غاية في الجمال والتكوين المعماري الأصيل، كما تحدث عن نشأته في عائلة تعدادها اثنا عشر فردا.
كما تحدث عن ظروف الحياة الصعبة عليه، وعلى كل من حوله، ووصف نفسه بأنه كان يتميز بالهدوء والخوف والخجل.
وأكد (دريد لحام) أن ظروفه الصعبة لم تشله، ولم تمنعه من البحث عن حياة أفضل، فجو الفقر لم يولد في نفسه النقمة، وإنما ولد في نفسه الصبر والجلد والطموح.
وصرح (دريد لحام) أنه اشتغل في أعمالا متعددة، عمل كحداد، وترزي، وفي كي الملابس، وبائع أقمشة، وبائع جوال وشيال وغيرها.
وأوضح أن ظروفه الصعبة جعلته يعتبر الفن في هذه الفترة ترفيه، حيث كان يؤمن بالمثل الصيني الذي يقول : (لومعك قرشين اشتر بأحدهما رغيفا، والآخر وردة) طبعا يقصد بالوردة ماهو جميل، وهو لم يكن لديه إلا قرش واحد للرغيف.
كما حكى عن أول دور لعبه في حياته التمثيلية في الجامعة، وكان دور فتاة، وسر رفض الجمهور لشخصية (كارلوس ميراندا) التى قدمها في بداية مشواره الفني.
وكشف عن كيفية تقديمه لشخصية (غوار) التى كاد اسمه يطغى على اسم دريد لحام.
كما تطرق إلى قصة كيف دخل الفن عن طريق الموسيقى، ودور الدكتور صباح قباني شقيق شاعرنا الكبير نزار قباني في دخوله للتليفزيون السوري.
وتكلم عن مرارة هزيمة يونيو عام 1967حيث استيقظوا على شيئ أذهلهم، وغيرهم، ودمرهم، وزرع في داخلهم الهزيمة والإحباط، وأصبح الفن يعبر عن هذه الحالة وقدم مسرحية (غربة) مع الماغوط.
وصرح أن الفن ليس مجرد مهنة، فالفن يعنيني كقضية تعبير، يعبر من خلاله عما يجيش في خاطره، وعما يرى، وعما يتفاعل.
وأكد أنه عندما لا يرى شيئا يعبر عنه سيتوقف حتما عن ممارسة الفن، ويتحول إلى بائع شاورمة أوتزي أو بائع متجول، فالفن قضية، وليس مهنة.
وتحدث النجم السوري الكبير أيضا عن أن المسرح بالنسبة له قضية، فالفن قضية للتعبير، وكان يريد أن يصل بالتعبير هذا إلى أكبر وأعرض جمهور ممكن.
وأكد أن القراءة الآن لم تصبح هواية بل أصبحت ضرورة، فالثقافة ضرورة، وهو يقرأ كل ما تقع عليه عيناه من روايات (تان تان) و(ميكي) للأطفال، إلى أخر أخبار الذرة والأكتشافات العلمية.
وصرح (دريد لحام) أنه أمام كاميرا السينما يشعر الفنان بأنه بعيد عن رقابة الجمهور، وحسه فإحتمال يهادن قليلا في فنه، ولكن في المسرح لا يستطيع الفنان أن يهادن، الجمهور جالس يراقبه!
واعترف أن أسرته وعائلته لم يقمعوه لعمله في الفن، ولكنهم لم يشجعوه في نفس الوقت!.
وإليكم تفاصيل الحلقة الأخيرة من (حوار القمة) بين (أمينة صبري)، و(دريد لحام).
* بعد نجاحك الباهر في مجال الفن هل سعدت بك أسرتك كفنان؟
** (دريد لحام): جدا، وهذه السعادة التى أشعروني بها أسعدتني جدا.
* ننتقل إلى شاطئ آخر من الحوار وأقولك أنت (أبوثائر) فهل لديك أولاد آخرين؟
** (دريد لحام): (ثائر) هو ابني الكبير، وهو مهندس كهرباء في مجال الاتصالات الفضائية والأقمار الصناعية، ولدي بنتان، واحدة اسمها (عبير) متزوجة، والصغرى (دينا) مهندسة كهرباء أيضا.
وأنا تزوجت مرتين، ابني (ثائر) وابنتي (عبير) من زوجتي الأولى، وتزوجت من والداتهما وأنا في السنة الأخيرة من دراستي الجامعية.
ولم أكن قد احترفت الفن بعد، واحترافي للفن جعل هناك خللا في التفاهم بيني وبين زوجتي الكريمة التى أذكرها بكل خير، فهي أم أولادي (ثائر وعبير)، واتفقنا على أن نفترق بشكل كريم ومحترم وافترقنا.
أما زوجتي الثانية كانت وهى طالبة في التوجيهية تعمل في فرقة الفنون الشعبية التابعة للتليفزيون، وأنا كنت أستاذا لها في فرقة الفنون الشعبية، وحدثت قصة حب بيننا، وتزوجنا.
وتركت هي الفرقة لكي تتفرغ لي، فهي الآن لا تعمل في الفن، ولكنها زوجتي وأم ابنتي.
* أنت سلكت في مشوارك طريق العلم والفن، أما أولادك فلم يأخذوا منك إلا جانب العلم فقط، ألا تجد غرابة في ذلك؟، وهل أنت الذي اخترت لهم ذلك أم هذا ما أرادوه هم؟
** (دريد لحام): أبدا هذا ما أرادوه هم، ولم أختر لهم أنا الطريق.
* أنت دائما تردد بأنك مهزوم سينمائيا، ومنتصر مسرحيا، رغم أن فيلمك (الحدود) نجح نجاحا باهرا في أنحاء الوطن العربي، وكان هذا الفيلم هو الفيلم الأول الذي أخرجته لنفسك، بعد هذا النجاح لفيلم (الحدود) ألم تشعر بالندم بأنك لم تخرج أفلامك التى مثلتها من إخراج غيرك قبل (الحدود)؟
** (دريد لحام): أبدا أنا تعاملت مع مخرجين كبار، وتعلمت منهم الكثير، فأنا تعلمت من المخرج الكبير (يوسف شاهين) الكثير، تعلمت منه كيف يكون الأداء الداخلي، وتعلمت من الأستاذ (عاطف سالم) الكثير أيضا.
وتعلمت من الأستاذ (حلمي رفلة)، ومن المرحوم (يوسف معلوف، ويوسف عيسى)، ولكن دعيني أقل لك شيئا، فيلم (الحدود) لم ينجح هذا النجاح الكبير لكوني أنا أخرجته! بل لكونه حمل فكرة جيدة.
لم ينجح (الحدود) لأن دريد لحام شارك في كتابته وإخراجه، ومثله، لا، الفيلم نجح بسبب موضوعه، الموضوع كان هو البطل، الناس أحبت الفيلم وأقبلت عليه بسبب موضوعه.
والدليل على ذلك أن فيلم (الحدود) عندما عرض لأول مرة بالقاهرة التى لم يتعود جمهورها على مشاهدة أفلام عربية غير مصرية، كان إقبال الجمهور على الفيلم شديدا قبل مشاهدته.
والجمهور كان بأعداد كبيرة جدا قبل الدخول للسينما، وظل الجمهور ينشد أناشيد حب للوطن، وأناشيد حماسية قبل مشاهدة الفيلم، هذا كله كان احتفالا وابتهاجا بالموضوع ذاته.
فالموضوع هو الذي مس قلب كل عربي، هذا النجاح الكبير شغلني كثيرا وحملني مسئوليات تجاه جمهوري كبيرة جدا.
* أنت نجحت نجاحا كاسحا في المسرح الكوميدي، وأنت فنان أستاذ في فن الكوميديا المسرحية، فإذا سألتك عن حال المسرح الكوميدي في العالم العربي بماذا تصفه؟
** (دريد لحام): المسرح الكوميدي الآن ضائع، لأن الظروف من حولنا ضائعة، نحن تقريبا لا ندري إلى أين نحن ذاهبون، سواء في المسرح الكوميدي أو التراجيدي!.
المسرح عموما يعبر عن حالة النفس، ونحن لا ندري إلى أين نحن ذاهبون، ومعانا المسرح في نفس الحالة.
* وماهي معاناة المسرح الكوميدي الآن؟
** أهم معاناة هى حالة الإنسان العربي، حالته صعبة، وبالتالي إضحاكه صعب، وأيضا هامش الحرية شيئ صعب جدا، فإذا سمح له أن يقول أولا يقول، هذه أيضا تشكل مشكلة.
* لو طلبت منك أن تضع اسم (عادل إمام) في جملة مفيدة فماذا تقول؟
** (دريد لحام): إنه أقرب إلى قلبي من قلبي، وأنا متابع لأعماله وواحد من معجبيه.
* ألا تفكر في عمل يجمع بينك وبين عادل إمام؟
** (دريد لحام): الفنان (عادل إمام) فنان كبير جدا، وأنا أرى أنه إذا قدر لنا أن نعمل سويا فيجب أن يكون عملا مدروسا متأنيا لكي يظهر بالمظهر اللائق، أي أن يكون عملا (على الهادي)، كما نقول نحن في سوريا.
وأنا منتظر هذا العمل، وهذا اليوم بفارغ الصبر، وقد اجتمعت أنا والفنان (عادل إمام) عدة مرات، وناقشنا سويا مقومات العمل الفني الذي سوف يجمع بيننا.
* لو حدث وظهر هذا العمل الفني الذي سيجمع بينك وبين عادل إمام، والذي نسمع أخبار عنه كل فترة، ولم يتحقق إلى الآن رغم مرور سنوات على هذه الأخبار، وهذه الأمنيات إذا فرضنا أنها ستتحقق، بأي لهجة ستكون في تصورك؟
** (دريد لحام): اللهجة ليست لغة! اللهجة هى نغم، ونحن كلنا أبناء لغة عربية واحدة، كلنا بنحكي عربي، بنحكي نفس الشيئ، ولكن بأنغام مختلفة، فإذا حاولنا أن نبعد من اللهجة الكلمات التى ليست لها أصول عربية لن يكون هناك حائل في مشكلة الفهم.
* هل أصبحت مادة الكيمياء التى تخصصت فيها على الهامش الآن من حياتك؟
**(دريد لحام): مازالت في حياتي بصورة مختلفة، فالكيمياء كمعادلات، كمفهوم، مازالت في حياتي، يعني في الكيمياء إذا وضعت مادة ما على مادة أخرى تعطي نتيجة ما نظرا لتفاعلات المادتتين.
وكذلك الحياة، فالحياة هى كيمياء، إذا وضع الإنسان جهدا زائدا (إيمان يساوي نجاح) فالحياة إذن معادلة كيميائية.
* أنت نجحت في وضع عناصر الكيمياء التى شكلت نجاحك في الحياة فماذا تتمنى الآن؟
** (دريد لحام): ليس لي أية أمنية سوى أن أبقى محتفظا بهذا القليل من النجاح الذي حققته إذا كنت قد حققت شيئا، وهذا ما يقلقني دوما!
بهذه الجملة الأخيرة يكون انتهى حوار الأعلامية الكبيرة أمينة صبري رئيس إذاعة (صوت العرب) سابقا، مع النجم السوري الكبير (دريد لحام)، الذي نحتفل هذا العام ببلوغه سن الـ 90 عاما، وكل دقيقة وثانية ونجم العالم العربي بصحة وخير وأمان وسلام.