رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: (صلاح عبد السيد).. بتلومونى ليه؟ (5)

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

سار بنا الطريق صامتا من القاهرة إلى المنصورة.. أنا و(محمد عبد الواحد) الأديب الوحيد الذي اخترته ليكون صديقا لي.. كنا في حالة صمت تتخللها بقايا فرحة لقائه كصديق بصديق عمره و(محمد) كتلميذ بأستاذه.. قلت لمحمد أن فرحة (صلاح عبد السيد) بنا كانت أكبر من فرحتنا به.

قال لي (محمد): الفرحة كانت مقسمه بيننا.. أنا وأنت وابنه بالغ الأدب المستشار (محمد) الذي أخذ يحكي لنا بعضا من ذكرياته عندما كان قاضيا بالمنصورة.. كنا نسير بجوار هذا القطار القديم الذي يحاول أن يسابقنا لاهثا  دون جدوي.

كان القطار متجها مثلنا إلى المنصورة.. سبقناه بعض الشئ.. كنت أتامل الحالة الرثة للقطار الذى أنهكه الزمن و أكلت حوافه الصدأ.. قال لي (محمد عبد الواحد) فجأة ونحن نسير بجوار القطار  – تذكرت الآن قصة القطار لـ (صلاح عبد السيد).. من أجمل قصصه.

القصة كانت من منظور البطل وهو داخل القطار.. وقد انتهت بصفير القطار زاعقا بينما البطل يسمع الصفير يقول (هند تخونك.. هند تخونك)!

قلت لمحمد – اقترحت على (صلاح عبد السيد) وقتها أن يردد البطل مع صوت القطار (ليلى تخونك.. ليلى تخونك).. على أساس أن يحتفظ باسم بطلة القصة الحقيقية، لكن (صلاح عبد السيد) أبدى لى مبرره : أنا ضد تكرار حرفين في كلمة واحدة.

اسم (ليلى) به حرف اللام مكرر.. لذلك اخترت اسم (هند) لأنه أكثر موسيقية من (ليلى) بطلة القصة.. اعتدل (محمد) في جلسته علي الدريكسيون منتبها لحديثى.. تابعت: هل تعلم  أن قصة هند قصة حقيقية؟ 

– غريبة.. وكيف عرفت؟

– لقد شاركت فيها أيضا.. هل تريد أن  أحكي لك خلفيات هذه الرواية الطويلة؟.. قال لي (محمد) في حماسة : كلي ٱذان صاغية.

كوبري (هابي لاند) العلوي – الذي تم تدميره في عهد محافظ الدقهلية السابق

كوبري (هابي لاند)

ازدحمت رأسي فجأة بصخب هائل لمراهقين في المنصورة وأنا بينهم .. كنا صغارا جدا.. تجمعنا  نداءات الرجولة المبكرة لنجلس سويا نحن طلاب الإعدادي والثانوي على كوبري (هابي لاند) العلوي – الذي تم تدميره في عهد محافظ الدقهلية السابق كما دمر الكثير من جمال المنصورة.

وصمم علي إزالة كل أشجار المدينة وحدائقها التي حولها إلى بوتيكات وأشياء أخري.. ليترك عروس النيل عانسا قبيحا – كنا نجلس في موعد محدد علي الكوبري ننتظر خروج بنات مدرسة المنصورة الإعدادية المجاورة للكوبري العلوي.

كل واحد فينا اختار فتاة يحبها من بعيد يعيش معها في خياله قصته، ولا يستطيع أن يصرح لها بحبه أو يتحدث معها.. كان (عبد الهادي شطيفة) الذي كان يجلس بيننا في انتظار سماع جرس الانصراف حتي تخرج كل تلميذات المدرسة.

كان (عبد الهادي شطيفة) مجنونا بعبد الحليم حافظ.. يقلده في طريقة تصفيف شعره ومشيته وملابسه وحتى نظرات العندليب المشحونة بالمرض والحزن.

نتابع بنظراتنا الفرحة مئات الطالبات بملابسهن الزرقاء وقمصانهن البيضاء.. فجأة يقف (عبد الهادي) وهو يتلفت حوله يترقب ظهورها ليبدا المشهد الذى ننتظره نحن والطالبات.

تنطلق فتاة صغيرة جدا كالسهم في اتجاه (عبد الهادي شطيفة) لترتمى في أحضانه معانقة في شوق كما يحدث في الأفلام تماما، بينما نحن نصفق لهما مع زميلاتها.

بعد انتهاء العناق تحيط الفتاة وسطه بيدها اليمنى ويضع هو يده  فوق كتفها الأيسر لينطلق في الغناء محركا رأسه يمينا و يسارا في تأثر بالغ:

(بتلوموني ليه.. بتلوموني ليه.. لو شفتم عنيه.. حلوين قد إيه.. هاتقولوا انشغالي.. وسهدي الليالي.. مش كتير عليه.. ليه بتلوموني).

ومع تصفيقنا الذي يهز أركان المكان يكمل (عبد الهادي شطيفة) الأغنية وهو يهتز معها موشكا على البكاء مستدعيا بكائنا على مصيره حينما سيسافر إلى لندن مع محمود المليجى لاجراء عملية القلب:

(أسير الليالي.. يا قلبي يا خالي.. في موجة عبير.. والشعر الحرير.. ع الخدود يهفهف.. و يرجع يطير)

(أسير الليالي.. يا قلبي يا خالي)

(أسير الليالي.. يا قلبي يا خالي.. في موجة عبير.. والشعر الحرير.. ع الخدود يهفهف.. و يرجع يطير). تم ينظر لنا و الدموع في عينيه ليصدح لائما أهل المنصورة و مراكزها..و(الناس بيلوموني.. واعمل ايه يا قلبي.. عايزين يحرموني.. منه ليه يا قلبي.. بتلوموني ليه؟).

في نهاية الكوبري نتركهم ليتوهوا بين السيارات والضجيج لننتظرهم في اليوم الثاني فيعلمونا الحب بأغنية جديدة لعبد الحليم، وما يحيطها تبعا للأغنية من بهجة أو حزن أو دموع .. كانت هذه بدايتي مع كتابة الأغنية العاطفية.

ذات يوم  طلب مني (عبد الهادي) أن نزور والد فتاته  لطلب يدها.. وقد كان.. تكلم (عبد الهادي) معه عن الحب والارتباط.. ولغة القلوب.. وعش العصفورة.. ترك الرجل (عبد الحليم)  والتفت ناحيتى قائلا:

(دي لو أختك و لسه في الإعدادي.. واتقدم لها طالب ثانوي لا مؤاخذه بياخد مصروفه من ابوه.. توافق؟..

قلت له: بصراحه لأ.. بس هما بيحبوا بعض يا حاج، أكمل الرجل: واللي متقدم لأختك بيموت فيها وهي بتموت فيه.. توافق؟)، قلت له: بصراحة برضه لأ.. بس إحنا معتمدين علي كرمك).

غمزني (عبد  الهادي شطيفة) حتى أصمت.. في نهاية اللقاء وقبل (عبد الهادى) الرجل في محاولة أخيرة لترك انطباع رومانسى عنده، وكذلك  قبل والدتها،  كأنه ابنها الكبير.

وعند خروجنا من باب البيت  تناهى إلى سمعنا  بكاء (ليلى) يعلوا بآهات حارة  لينهار (عبد الهادى) في الشارع منفجرا في البكاء..

على الكورنيش سار (عبد الهادي) بجانبي صامتا.. سألته: هاتعمل ايه دلوقت؟، قال لي: لازم أفكر معاها في حل..

 في اليوم الثاني وقف معنا (عبد الهادي) في انتظار جرس الانصراف الخاص بمدرسة المنصورة الإعدادية بنات.. كان ولأول مره يرتدي زيا أسودا.. من وسط الطالبات اندفعت (ليلي) في اتجاه عبد الهادي وهي تبكي.. لم نصفق.. ولم تصفق البنات..

وضعت يدها كالعادة حول وسطه وهي تشهق باكية ووضع يده علي كتفها وهو يبكي و يغني في حسرة: (عمري ما اتعودت تبقي معايا.. وتفكر لوحدك.. عمرى.. عمرى دا احنا الإتنين قلب واحد.. دقته عندي وعندك.. وانت  قلبي.. وانت أملى.. قوللي مالك ساكت ليه.. قول يا قلبي قول يا أملى.. قول مخبي عليا ايه).

بينما (ليلى) تخبئ احمرار يدها في منديل.. وتصمت صمت (نادية لطفى) في الأوبرا.. بينما أنا في البعيد أراقب المشهد كحسن يوسف ..

كنا ندعوا بالانتقام من (عماد حمدي) الذى لا يعرف للحب حقه

الانتقام من (عماد حمدي)

أبكانا (عبد الهادي) بصوته العندليبي.. وأبكتنا (ليلى) بصوت هذا البكاء المرتفع إلى أن اختفيا في نهاية كوبري (هابي لاند)، بينما نحن وزميلات (ليلى) ندعوا بالانتقام من (عماد حمدي) الذى لا يعرف للحب حقه.

كان اليوم التالى  يوم جمعه.. ظهر السبت تجمعنا في انتظار (عبد الهادي شطيفة) لكنه لم يحضر لأول مرة منذ أن صادقنا.. انتظرنا جرس انصراف مدرسة المنصورة الإعدادية حتي يتجرأ أحدنا ويسأل (ليلى) عن (عبد الهادي)، لكننا لم نعثر بينهن أيضا على (ليلى) وإنما على نفس السؤال في عيونهن القلقة..

تعجبنا.. لكننا لم نصل للحقيقة التي هي أغرب من الخيال.. سألني محمد عبد الواحد في تعجب: أين اختفيا؟.. قلت له: عندما وصلت مع (صلاح عبد السيد) وأنا أحكي له حكاية (ليلى وعبد الهادي) عند هذه النقطة سألني نفس السؤال.. و كانت إجابته حافزا لكتابته للقصة. 

وكنت الملح والسكر

وكنت المسك والعنبر

وكنت الفارس القلقان..

علي مستقبل الأطفال

وكنت ف كل أعمالك

بتسأل كل أبطالك..

يا صاحبي صلتح عن الأحوال

ولا دورت يوم عن مالي ولا

 شهرة

وسارح بين جميع الخلق..

راكب كامتك مهرة

ولا شفتك نافقت ف يوم..

ولا مديت إيديك أبدا..

لكائن مهما كان مسنود على

 الكرسي

بطبعك محترم جدا في وسك الكون

ولا جسيت في لحظه بأن اسمك يوم..

صبح منسي

لأن الحرف كان عندك..

قضية لابد مهما يكون.. تكملها

ولو تعتر

تروح للسكه من أولها..

لاجل بشوق تكملها

نضيف الفكر والمنطق

شريف الحرف والمضمون

وواقف زي نخلة جديدة..

توهبنا بلح طعمه جديد جدا

بتسعي يا صلاح الحب للأحسن

بتعشق أم أولادك.. وأولادك..

لشكل رقيق.. جميل جدا

وتقعد تسمع للجيع بعدين..

ما بيننا تقوللي رأيك في اللي كان مسموع

إذا حسينا يوم بالجوع في مشوارنا

تجيب لينا رغيف أسمر..

وناكله بدقه.. تهمسلي دي

 تصبيره

لحد ما يخلص المشوار..

ونرجع تاني للبيت العتيق.. نتغدي من خيره

وكنت صلاح.. مفيش غيره..

في قلبي ممكن احكيله و يحكيلي

وأفضاله.. ويفضالي

عظيم الفكر أفضاله على الجايين

في قلبه حنين..

لمستقبل يكون حريه زائد عيش

يقول ليا و صوته حزين

لا بد الشعب كله يعيش..

ودا اللي صلاح.. في كل حروفه..

كان دايما بيسعي إليه

لا كان باشا في أفكاره

ولا كان يرضي حد يقول له لحظه يا بيه

بسيط جدا..

بساطة كل شخص خرج من الزقة..

وم الحارة

يحافظ ع الزميله معانا والجارة

ولا عمره لمس في سيجارة..

أو غيرها

حبيبنه مصر فوق ورقه مفيش غيرها

طيوره لايفة من بدري علي طيرها

يراعي لو في يوم يرفض..

أحاسيسها مع شعورها

ويفرح لو يلاقي قصة منشورة

ويبدي رأيه في الصوره وفي التنسيق

رقيق حساس.. وراجل في الوجوله الحق أسطورة

مراره في فلبه م الأةضاع بيكتمها

ويظهرها علي الأوراق

سألته ف يوم.. لإيه مشتاق..

ضحك وجاوبني نفسي في يوم

أشوفك يا ملك للحب و العشاق

لا طالب يوم..

تفرغ لاجل يسند فيك..

ولا محتاج

تعيش العمر تتحدي الرياح والعوزة والأمواج

وازورك وانت في جنينتك ما بين الناس..

وفوق راسك يا شعر واعي

أشرف تاج

من كتاب (مدد.. مدد)

سيرة ذاتية لبلد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.