(وداد حمدي) التي أسعدتنا كثيرا، وأدخلت البهجة في قلوبنا، ولم نتذكر مئويتها!
* قدمت وداد حمدي أكثر من 150 فيلم سينمائي، وأكثر من 30 مسلسلا، و20 مسرحية، وتنتمي لمدرسة (الأداء المرتجل، والكوميديا الهزلية)
* عملت ككورس مع محمد الكحلاوي الذي قدمها في أول أفلامها (رابحة) عام 1943
* ذهبت إلى معهد الموسيقى العربية لتصقل موهبتها، فوقع اختيار (زكي طليمات) عليها لتكون ضمن (الكورس) في أوبريت (شهر زاد)
* عبدالعظيم عبدالحق اكتشفها كمطربة، ولحن لها أغنيتين هما (افتكر ليالي زمان)، و(محلاها الدنيا في عيني)
* تزوجت (وداد حمدي) 4 مرات، أولهم كانت من مدير التصوير الشهير (عبدالعزيز فهمي)، ثم تزوجت بعده من رجل أعمال، ثم من الموسيقار (محمد الموجي)، وأخيرا (محمد الطوخي)
كتب: أحمد السماحي
منذ أيام قليلة مرت الذكرى المئوية للفنانة الكبيرة (وداد حمدي) التى أسعدتنا كثيرا، وأدخلت البهجة في قلوبنا، وللأسف الشديد لم يتذكر أحد مئويتها حيث ولدت في مثل هذه الأيام.
وبالتحديد يوم 3 يوليو عام 1924، ورغم نزول ستاير النسيان على مئويتها، لكنها ستظل باقية في الذاكرة لأسباب عدة، أولها خفة ظلها الطبيعية غير المصطنعة، وحضورها في حوالي أكثر من 150 فيلم سينمائي.
تنتمي (وداد حمدي) كما ذكر الكاتب، والناقد السينمائي الراحل (عبدالغني داود) لمدرسة (الأداء المرتجل، والكوميديا الهزلية) التى ينتمي إليها كثير من نجوم الكوميديا والغناء.
ومنهم (إسماعيل ياسين، عبدالفتاح القصري، زينات صدقي، محمد كمال المصري، “شرفنطح”، علي الكسار، محمود شكوكو، عبدالسلام النابلسي، سامية جمال، نعيم عاكف، عبدالغني السيد، محمد عبدالوهاب) وغيرهم.
وهذه المدرسة التى تنتمي إليها (وداد حمدي) وزملائها تعتمد على الارتجال، وعلى شخصية الممثل، وهذه المدرسة وريثة (الكوميديا ديلارتي) أو الكوميديا المرتجلة التى تعتمد على الهزلية.
أو فلنقل بشكل أدق، أن بعض هؤلاء الفنانيين استفادوا من فن التشخيص والحكي لدي المحبظين والحكواتية والأراجوز، وخيال الظل وغيرها من الأشكال الشعبية.
ورغم أن السينما بطبيعتها لا تحتمل الارتجال العشوائي، إلا في حدود ضيقة نظرا لطبيعتها القائمة على التقنيات والتوقيت الزمني المحدد، لكنها سمحت لبعض فنانينا بنوع من الارتجال الذي يرتبط بطبيعة الشخصية التى يؤديها الممثل.
فيتحول كثير منهم إلى النمط المتكرر مثلما حدث للفنانة (وداد حمدي) التى اشتهرت بدور الخادمة التى تقوم بتوصيل رسائل حب بين سيدتها والحبيب، وتكرر هذا الدور في كثير من أفلامها.
شخصية (وداد حمدي)
يقول الناقد السينمائي كمال رمزي عن (وداد حمدي): (تتسم وداد حمدي في تفاصيل حركاتها بالنشاط والحماسة، تتكلم بالسرعة ذاتها التى تمضغ بها (العلكة)، فلا تضيع أو تتداخل حروف الكلام.
وتنفعل بحرارة، وتشارك الآخرين عاطفيا، وبكل صدق، تسير بهمة، سواء في الشارع أو داخل البيت، تبدو كما لو أنها تريد الانتهاء من مأمورية بالغة الخطورة، لا تعرف الراحة أو الخمول.
بهذه الأبعاد النفسانية والمادية، مع ما تمتعت به من قبول روحي، ووجه أليف، قريب إلى النفس، متناغم الملامح، مريح، دافئ، محدد القسمات، وبشرة سمراء شرقية، وعينان واسعتان واضحتان، بياضهما شديد النصوع يبرز سوادهما الذي لايستقر أبدا.
دخلت (وداد حمدي) عالم السينما، وغدت أقرب إلى الضرورة في الأفلام التى قامت فيها بالأدوار الثانوية، والثالثة، والثانية، بداية من فيلم (رابحة) إخراج نيازي مصطفى عام 1943، حتى فيلمها التليفزيوني الأخير (الحقيقة اسمها سالم) إخراج عادل الأعصر عام 1994.
(وداد حمدي) و(الكحلاوي)
ولدت (وداد محمد عيسوي زرارة) في كفر الشيخ في شهر يوليو عام 1924، وهى الشقيقة الكبرى لخمسة أخوة، ثلاثة أولاد، وبنتان.
وقبل أن تبلغ العشرين من عمرها، أحيل والدها على المعاش، حيث كان يعمل في شركة الغزل بالمحلة الكبرى، وبعد أن تسربت مكافأة نهاية الخدمة رحلت الأسرة مع والدها العليل إلى القاهرة بحثا عن الرزق.
ونظرا لحالتهم المادية السيئة سكنت الأسرة حجرة صغيرة في أطراف حي شبرا، وكان لابد للإبنة الكبرى (وداد) أن تعمل حتى تعول هذه الأسرة الفقيرة.
ونظرا لجمال صوتها، توسط لها أحد الجيران للعمل ككورس مع المطرب ذائع الصيت (محمد الكحلاوي)، ومن خلال الكحلاوي بدأت تقترب من الوسط الفني.
(وداد حمدي) المطربة
بعد شهور من عملها ككورس مع فرقة (محمد الكحلاوي) بدأت (وداد حمدي) على استحياء تفكر في الغناء منفردة، فذهبت إلى معهد الموسيقى العربية في شارع رمسيس لتصقل موهبتها.
وفي هذه الفترة وقع اختيار المخرج (زكي طليمات) عليها لتكون ضمن (الكورس) في أوبريت (شهر زاد) التى لحنها فنان الشعب سيد درويش، واهتم اهتماما خاصا بالكورس.
والذي تجاوز دوره مجرد ترديد (المذهب) وراء المطرب، فأصبح له موقفه المميز، وأغانيه المستقلة، التى تبتعد عن التطريب، وتقترب من التعبير.
وهى تعمل ككورس في أوبريت (شهرزاد) تعرفت على الملحن الشاب (عبدالعظيم عبدالحق) الذي كان يحضر لمشاهدة الأوبريت، ويومها كان يخطو خطواته الأولى في عالم التلحين.
ونظرا لخفة ظل (عبدالعظيم عبدالحق)، وخفة ظل (وداد حمدي) وسرعة بديهياتها، اقتربا من بعض وطلبت منه ألحان، فلحن لها بالفعل أغنيتين هما (افتكر ليالي زمان)، و(محلاها الدنيا في عيني).
وحققت الأغنيتين نجاحا جيدا، وكانتا سببا في انتشار اسم (وداد حمدي) في الوسط الفني، وبدأت تأتي إليها العروض السينمائية والمسرحية، فقامت بتمثيل روايات عالمية في مسرح (الطليعة) مثل مسرحية (فاوست) لجوته، ومسرحية (تحت الرماد) لشتيانبك.
وجدت نفسها في السينما
لم تجد (وداد حمدي) نفسها في المسرح، فاتجهت بقوة إلى السينما وكانت البداية عام 1943 من خلال فيلم (رابحة) حيث شجعها محمد الكحلاوي، على التمثيل، واصطحبها معه للعمل في فيلمه (رابحة) بطولة (كوكا وبدر لاما)، وقامت بدور ثانوي.
بعد هذا الفيلم عملت في فيلم (هذا جناه أبي) حيث قدمها المخرج هنري بركات في دور (علية) الخياطة، وقام ببطولة الفيلم مجموعة كبيرة من النجوم منهم (صباح، زكي رستم، سراج منير، فردوس محمد) وغيرهم.
وبعد نجاحها في هذا الفيلم توالت العروض عليها، ووجدت (وداد حمدي) نفسها غير قادرة على الاستمرار في الغناء.
وبذكائها وحسن تقديرها للأمور أدركت أنها لن تستطيع منافسة مطربات من العيار الثقيل مثل (أم كلثوم، وفتحية أحمد، وملك، ونادرة، وليلى مراد، ونور الهدى، ونجاة علي) وأخيرا (صباح)، فقررت التركيز في التمثيل.
ورغم تركها للغناء لكنها كانت أحيانا تغني في بعض الأفلام مقطعا من أغنية بلا موسيقى إذا دعت الضرورة في هذا المشهد أو ذاك.
(وداد حمدي) ومدارس المخرجين
عملت (وداد حمدي) على مدى نصف قرن هى مدة عملها في السينما مع مدارس مختلفة من المخرجين، من خلال أفلامها فعملت مع (نيازي مصطفى، محمود وعز الدين ذوالفقار، صلاح أبوسيف، كمال الشيخ، حسن الإمام، حلمي رفله، السيد بدير، حسام الدين مصطفى) وغيرهم من المخرجين.
ونظرا لإستسهال السينما المصرية فقد كبلتها بأغلال بالغة القسوة، فأخذت تنتقل من فيلم لآخر، بالأبعاد والتفاصيل ذاتها، لقد أصبحت نموذجا جاهزا، فلم يهتم كاتب سيناريو أو مخرج بخروجها من الإطار الذي وضعت فيه.
لهذا حرصت (وداد حمدي) ألا تكرر نفسها، فكانت تجعل (الخادمة) في كل فيلم (لها لزمة) معينة، أو حركة طريفة خاصة بها، سواء كانت حركة جسدية، أو بملامح وجهها، فكأن المتفرج يراها في كل مرة في شكل مختلف رغم تكرار النمط.
وعن دور (الخادمة) الذي اشتهرت به تقول (وداد حمدي): (أنا أحب دور الخدامة مدام يعجب الجمهور، وقد اختاروه لي، لأنه يحتاج إلى خفة دم، ولأن المنديل يليق بوجهي.
ومع ذلك فقد مثلت أدوار أخرى مثل دور (عاملة في مصنع، وتلميذة، وبنت ذوات، ومحدثة نعمة، وزوجة مغلوبة على أمرها، وزوجة مفترية، وغيرها من الأدوار).
وتضيف (وداد حمدي): (كنت أجد السيناريو مكتوبا فيه (وداد) تقوم بدور فتحية أو فوزية، وأجد الدور مجرد مساحة بيضاء كبيرة، أجري على السيناريست وأسأله أين الشخصية، والحوار؟!
هل سقط من النسخة التى معي؟ فيقول: (لا يا (ودة) قولي من عندك!!، يعطيني مفتاح الشخصية، وأنا أقول الحوار من عندي!
(وداد حمدي) وثورة 1952
بعد ثورة يوليو 1952 أخذت مهنة الخادمة تتلاشى شيئا فشيئا، وبالتالي بدأت تتناقص صورة (وداد حمدي) على الشاشة، لهذا لم تعد تشارك منذ بداية الستينات بالكثافة التى كانت تشارك بها طوال فترة الخمسينات.
والتى وصلت في عام 1951 أن شاركت في (11) فيلما، وفي عام 1952 شاركت في 8 أفلام، وهكذا، ورغم هذا لم تنقطع وداد حمدي إطلاقا عن السينما وحتى رحيلها عام 1994.
(وداد حمدي) والتليفزيون
مع الانتشار الرهيب للتلفزيون شاركت (وداد حمدي) في كثير من المسلسلات في أدوار متباينة بعيدة تماما عن دور الخادمة، فشاركت في مسلسلات مهمة مثل: (الطاحونة، الإنسان لا يموت مرتين، الزنكلوني، لعبة الأمير) وغيرها الكثير.
وكان من أهم أدوارها التليفزيونية دورها الإنساني البديع في رائعة (ليالي الحلمية) تأليف أسامة أنور عكاشة، وإخراج إسماعيل عبدالحافظ، في هذا العمل أكدت (وداد حمدي) أنها ممثلة موهوبة تقف على أرض صلبة من الخبرة والتمكن.
(وداد حمدي) الزوجة
تزوجت (وداد حمدي) أربع مرات، أولهم كانت من مدير التصوير الشهير (عبدالعزيز فهمي)، وظل بعد انفصاله عنها على علاقة طيبة بها، ثم تزوجت بعده من رجل أعمال.
ثم من الموسيقار (محمد الموجي)، وأخيرا من صاحب الصوت المتميز المذيع والممثل والمطرب (محمد الطوخي)، وقد استمر زواجهما عدة سنوات.
مأساة في رحيلها
بعد طلاقها من (الطوخي)، عاشت لفنها متنقلة من نجاح لآخر، ورغم غزارة ما قدمته (وداد حمدي) في السينما والمسرح والتليفزيون كانت تردد دائما: (حتى الآن لا أشعر بالرضا عن أي دور مثلته، أرجو أن يوفقني الله إلى عمل كبير، أريد دورا كبيرا فيه خفة دم، ويكون دورا إيجابيا).
لكن أمنيتها لم تتحقق فلم تقم بدور البطولة في أي عمل فني شاركت فيه، لكنها تظل كملح الأرض لا يمكن الاستغناء عنه، حيث تضفي طعما خاصا على أي عمل شاركت فيه.
حتى لو كان مليودراميا أو مأساة مفجعة كما حدث معها على أرض الواقع، حيث قتلها الريجسيير(متى باسليوس)، وطعنها بالسكين في ظهرها وذبحها في رقبتها وسدد لها 35 طعنة، وسقطت علي الأرض.
وبحث عن المال حتى عثر على 270 جنيها وعلبة مجوهرات فارغة، ثم بدأ فى إخفاء جريمته، وقطع سلك الهاتف، ثم تخلص من السكين وباع بعض المتعلقات الخاصة بوداد.
وبالرغم من محاولة إخفاء جريتمه إلا أنهم وجدو خصلة من شعر المجرم في يدها، اثناء محاولة مقاومتها له، وهو ما ساعد في عملية القبض عليه بعد 48 ساعة فقط، وتم تنفيذ الحكم عليه بعد الحادث بعامين.
رحم الله الفنانة الكبيرة (وداد حمدي) التى أسعدتنا كثيرا، ومرت ذكرى رحيلها المئوية، وذكرى ميلادها الثلاثين ولم يتذكرها أحد!