كتب: محمد حبوشة
لاشك أن الضجة التي أثيرت مؤخرا حول المستشار (تركي آل شيخ) بسبب دعمة الكبير لفيلم (ولاد رزق 3.. القاضية)، بسبب رداءة محتواه الذي يدعو للبلطجة والعنف، قد صب كل ذلك في تشويه صورة رجل الذي أقبل على مصر بمحض إرادته منذ شهور قليلة وأبدى استعداد لدعم صناعة السينما والدراماوالغناء.
كنت ومازلت واحدا من المشجعين لخطوة (تركي آل شيخ) في دعم (القوة الناعمة) المصرية، ولكني لا أنكر أن تصريحاته في أعقاب العرض الخاص لفيلم (ولاد رزق 3) استفتزني، حيث أثار حفيظة الجمهور المصري في محاولة ترسيخه الواضح لسينما البلطجة والعنف وإساءة طرحه لأفلام أخرى تروج للسرقة، وغيرها من الجرائم.
انطلقت هتشاجات كثيرة تطالب بمقاطعة (تركي آل شيخ) متهمة إياه بتشويه السينما المصرية التي عرفت طوال تاريخها الحديث والقديم بتقديم موضوعات جادة وهادفة تصنع الإبهار والمتعة، وفي هذا ظلم وعدم فهم لرجل أخلص لمصر ولفها.
ولهذا ذهب (تركي آل شيخ) في غيه نحو دعم الفن المصري غير عابئ بالهجمات الشرسة عليه، انطلاقا من إيمانه بالفن المصري الرائد في المنطقة، ونظرا لحبه الشديد لمصر كما أعلن ذلك في أكثر من مناسبة.
وظني أن (تركي آل شيخ) ينطلق من قاعدة معرفته الجيدة بأن (القوة الناعمة) طبقا لـ (جوزيف ناي) أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، الذي صاغ مفهومها عام 1990، بأنها (القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجذب والإقناع، بدلاً من القسر والإرغام والإكراه).
كما يدراك (تركي آل شيخ) أن (القوة الناعمة) الأمريكية تظهر من خلال هوليوود أكثر من غيرها، والأوروبية من خلال دوريات كرة القدم، فالفنون والرياضة والعلوم والأزياء والفلسفة هي بعض أدوات القوى الناعمة في العالم التي تشكل حالة مغنطة من الآخر تجاه تلك الهوية.
إستراتيجية جذب واضحة
لذا اعتمد (تركي آل شيخ) أن الدول ومؤسساتها في إطار إستراتيجية جذب واضحة، تلعب كل عناصرها بمختلف المجالات أدواراً محددة متزامنة، تخترق من خلالها ثقافات الآخرين، وتبرز وسائل الإعلام تلك الأدوار فتعمل على التجييش لها.
وباعتبارها الأكثر مرونة في الأداء والأقوى تأثيرا في النتائج، ظهرت قيمة (القوة الناعمة) في السياسات الخارجية لسنوات طويلة، كما رسخ في ذهن (تركي آل شيخ) حتى أصبحت الأداة النموذجية لنشر هوية الدول وأفكارها ومبادئها.
كما أنها تمثل ذراعا رئيسيا في تأمين المصالح، وتحقيق الأهداف، بشكل مسالم ودون اللجوء للعنف أو القوة أو التهديد، ومن ثم لايسعى (تركي آل شيخ) إلى تدمير (القوة الناعمة) المصرية، التي آراها عصية على (آل شيخ) أوغيره، هذا إذا كان لدينا ثقة في أنفسنا، فنحن أصحاب حضارة عريقة ذات بصمة واضحة تأبى السيطرة والاستغلال.
معروف أنه مع قيام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، استطاعت مصر أن تفرض نفوذها الثقافي والفكري (الناعم) على المنطقة العربية، فاستخدمت في ذلك كل رموزها في مجالات الثقافة والفكر والدين والفن والرياضة، في ظل قيادة الدولة المركزية لجميع مؤسساتها، بعدما كانت تعتمد على جهود فردية، ودون استراتيجية واضحة المعالم.
لكن، ولأسباب عديدة منها السياسي ومنها التاريخي، لابد أن نعترف ضمنا أن هناك تراجعا للدور الناعم لمصر تدريجيا لصالح أدوار ثقافية إقليمية منافسة، بدأت في الظهور، وأمست عناصر (القوة الناعمة) المصرية مطمعا في مسرح التنافس الإقليمي.
ومن ثم كان طبيعا جدا أن تظهر سياسة محددة، استغلت من خلال المملكة ممثلة في (تركي آل شيخ) قدراتها لاحتواء عناصر القوى الناعمة المصرية لصالحها، من عمليات شراء واحتكار أغلبية ميراث السينما المصرية، إلى استيعاب المد المصري الحديث بعقود احتكار مع الفنانين المصريين في مقابل أجور ضخمة.
مروروا بكسب ود الرموز المصرية بحفلات التكريم، ودفع مقابل مادي كبير للمتعاونين مع مشروعاتها الفنية والثقافية، ومؤخرا منح الإقامة الذهبية والجنسية السعودية لمشاهير الفن والاعلام، على ما أظن أن هذا يصب في مصلحة المصريين.. أرجوكم إفهوا وعوا.
بساط عناصر (القوة الناعمة)
ربما يبدو تراجع النمو الاقتصادي المصري وعدم الاستقرار السياسي وتردي الحالة الاجتماعية، بالتزامن مع صعود قوة الخليج، أدت إلى ليس سحب بساط عناصر (القوة الناعمة) من تحت الأقدام المصرية، بل تصويبها ووضعها في الإظار الذي يليق بها.
وفي هذا الصدد وعن طريق (تركي آل شيخ) تستخدم السعودية كل الأدوات الممكنة في معركة تحقيق أهدافها، لدرجة أنها أصبحت تساهم بشكل رئيسي في تحديد المشهد الثقافي العربي والإقليمي، كما أنها تؤثر في تشكيل المشاهد السياسية والاقتصادية العربية.
برز اسم (تركي آل الشيخ)، المستشار بالديوان الملكي السعودي، ورئيس الهيئة الوطنية للترفيه، في الأوساط المصرية منذ سنوات، وقد أصبح يشار إلى الرجل باعتباره مهندس صفقة سحب بساط ونفوذ (القوة الناعمة) لمصر لصالح المشروع السعودي الجديد، كما يتصور رواد مواقع التباعد الاجتماعي.
ذلك المشروع الذي أصبح يعتمد على رؤية مغايرة تماما للنهج السعودي القديم في الثقافة والأفكار والقيم، ومد جسور التعاون مع الشقيقة الكبرى مع مصر العزيزة على يد (تركي آل شيخ).
في البداية تعددت الأزمات بين المسؤول السعودي البارز وعدد من الفنانين المصريين بسبب ردوده العنيفة في حال رفض بعضهم التعاون معه، حدث ذلك خلال أزمة بينه وبين الفنان (محمد صبحي)، وأخرى مع المطربة (آمال ماهر)، بعدما انتشرت تقارير تفيد زواجهما بشكل سري، قبل أن تتزايد الخلافات بينهما.
وخلال زيارة أخيرة لمصر، اجتمع (تركي آل الشيخ) – في إطار حسن النوايا – بعدد من المسؤولين ورجال الأعمال والفنانين والكتاب المصريين، والتقى بوزيرة الثقافة المصرية د.نيفين الكيلاني، وعمرو الفقي الرئيس التنفيذي للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية للنسيق على مستوى عال من التعاون.
وبعد جولة بدار الأوبرا المصرية، أعلن المسؤول السعودي عن سلسلة حفلات (ليالي سعودية مصرية)، في دار الأوبرا المصرية، وسط جدل واسع وهجوم من المصريين على صفحته في (فيسبوك).
بسبب تقديم اسم (السعودية) على (مصر) في ملصقات الدعاية، في فاعلية تقام على الأراضي المصرية، وفي أعرق قلاعها الفنية، وبأغلبية مشاركة لفنانين مصريين، وهو على عكس إدارة أغلبية المصريين الذين يرون في مصر عملاق كبير في صناعة الفنون، وهى حساسية لا أراها في موضعها.
كما اجتمع (تركي آل شيخ) مستشار الديوان الملكي السعودي بمجموعة من أكبر رجال الأعمال المصريين، في إطار حفل عشاء نظمته السفارة السعودية في القاهرة، وطبقاً للتقارير المصرية الرسمية، فقد ناقش الاجتماع قضايا الاستثمار المشترك بين البلدين بما في ذلك الالستثمار في الفن.
فيما أوضحت تقارير سعودية أن اللقاء تناول عرض الخطوط العريضة للاستثمار في المملكة، وبحث سبل الاستثمار في السعودية من جانب كبار المستثمرين المصريين، في إطار سياسة جذب الاستثمارات المصرية إلى أراضيها.
حفلات (ليالي سعودية مصرية)
خلال نفس الشهر اجتمع تركي آل الشيخ بعدد من المسؤولين ورجال الأعمال والفنانين والكتاب المصريين، وأعلن عن سلسلة حفلات (ليالي سعودية مصرية) في دار الأوبرا المصرية، وعن المصالحة بينه وبين (آمال ماهر)، وعن تدشين صندوق استثماري لرعاية الأفلام المصرية والعربية بقيمة 130 مليون دولار، وهنا ليس مطلوبا منه توزيع فلوسه على أكثر من 100 مليون مصري لكسب ودهم.
فضلاً عن ذلك، فقد التقى (تركي آل الشيخ) بعدد من كبار الشعراء والملحنين المصريين، بالإضافة إلى اجتماعه مع عدد من كبار المخرجين والكتاب المصريين، وناقشت الاجتماعات مجموعة من المقترحات السعودية لأعمال فنية متنوعة، تم الاتفاق بشأن بعضها، وفي هذا أرى نقطة إيجابية لتشغيل الذين خرجوا من تحت عباءة (المتحدة).
تزامنت زيارة (تركي آل الشيخ) لمصر مع تردد أنباء حول (مصالحة) بينه وبين الفنانة (آمال ماهر)، بعد تصريحات لها قبيل أيام من الزيارة باستئناف التعاون معه من جديد، مشيدة بالتطور الذي تشهده الساحة الفنية السعودية تحت إشرافه، ومكذبة لكل الأخبار التي أشارت إلى اختطافها وإخفائها وتعذيبها خلال الفترة الماضية.
وعلى هامش الزيارة أعلن (تركي آل شيخ) عن تدشين صندوق استثماري إسمه (BigTim) لرعاية الأفلام المصرية والعربية، بدعم من هيئة الترفيه ووزارة الثقافة السعودية وشركات الإنتاج، وقدر رأساله بحوالي مقدر بـ 4 مليار جنيه مصري، أي (130 مليون دولار) وفق سعر الصرف الرسمي.
أليست كل تلك النقاط إيجابية في دعم (القوة الناعمة) المصرية، شريطة أن يتم استخدمها في قنواتها الطبيعية، وبدلا من الهجوم علينا اقتراح أفكار عملية تصب في خانة دعم صناعة السينما والدراما؟
لقد شاهدت أفكارا على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو لعمل أفلام ومسلسلات عن عظماء مصر من التاريخ القديم والحديث، وأيضا أفلاما تعكس عمق الحضارة المصرية التي علمت الدنيا، فبدلا من الهجوم غير المبرر على رجل يسعى لدعم (القوة الناعمة) المصرية، علينا أن ننظر إلى نصف الكوب الملآن.
ظني أيضا أنه على (تركي آل شيخ) أن ينتبه إلى تلك الأفكار وغيرها في إطار حسن النوايا، حتى يكف المصريون عن استفزاهم غير المنطقي، حيث لايدرك كثيرون أن تلك نظرة القاصرة تمنع ضرورة تكامل الفنون بين مصر بتاريخها العظيم، والسعودية بقوتها المالية، التي أصبحت واقعا لا يمكن الإفلات منه.
لاينغي الخوف من طغيان المال السعودي على الفن المصري، طالما أن هناك كتاب وفنانون مصريون حريصون على صورة مصر، في ظل حب واحترام (تركي آل شيخ) لمصر وإدراكه الكامل لعظمة فنونها.. هذا رأي!!!