بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
أثناء تحضيرى لتقديم مسرحية (هاملت) على (المسرح القومي) فوجئت بطلب من مدير المسرح الصديق (إيهاب فهمى) بتأجيلها الى أجل غير مسمى – بما يعنى في الحقيقة إلغاء تقديمها – وأن أشرع على الفور في إعادة تقديم مسرحية (أهلا يا بكوات) فأصابنى الغضب واعترضت بشدة.
وحاول (إيهاب فهمي) إقناعى، ولكن كان عندى من أسباب الرفض الكثير، فالمسرحية ستعاد كما هى بنفس الشكل الإخراجى الأول، وبينما كنت أرى ذلك عيبا لأنه تمت إذاعتها تليفزيونيا عدة مرات.
بل هى متاحة أيضا على الشبكة العنكبوتية، وتحظى بمشاهدات عالية لأن وزارة الثقافة في فترة إغلاق المسارح بسبب وباء كورونا أنشأت موقعا تعرض عليه أعمالها، وكانت (البكوات وحفلات عمر خيرت) هى الأكثر مشاهدة على ذلك الموقع، فلماذا نعيد تقديمها بنفس الأسلوب؟.. بالتأكيد لن تحظى بالإقبال الجماهيري.
في حين كان (إيهاب فهمى) يرى أن تلك ميزة تضمن أن تقبل عليها الأجيال الجديدة لتراها على المسرح بعد أن رأتها على الشاشة الصغيرة، وحاول اقناعى بأن نظام الريبرتوار): (إعادة تقديم الأعمال القديمة) معمول به في كل مسارح العالم.
ولكن (إيهاب فهمي) تناسى أن معظم مسارح العالم لا تسجل المسرحيات تليفزيونيا، وإنما تتحول المسرحية الناجحة الى فيلم سينمائى برؤية أخرى، وربما بأبطال آخرين، كما أن (الريبرتوار) لا يعنى بالضرورة إعادة تقديم العمل بنفس الأسلوب والطريقة. وعندما حاول (إيهاب فهمي) استغلال حبى وتقديرى للكاتب الكبير (لينين الرملي) مدعيا بأن هذا تكريم له، قلت له أن التكريم الحقيقي في إعادة تقديم أحد عروضه التي لم تسجل تليفزيونيا أو تقديم نص جديد (له مسرحيتان لم يقدما حتى الآن، منهما النص التراجيدى الوحيد الذى كتبه في بداية حياته).
وأضفت أن الأستاذ (لينين) كان سيدعم موقفى من رفض الإعادة لو كان حيا، فعندما عُرض علينا إعادة تقديم (البكوات) في 2006، فضل تقديم عرض جديد كنا قد تقدمنا به للمسرح القومى (زكى في الوزارة)، و بعد ضغوط كثيرة وافق على الإعادة بشرط تقديم العرض الجديد بعدها.
تكوين فريق عمل جديد
وأمام الإصرار الشديد من (إيهاب فهي) حاولت الفكاك بأن من المحتمل أن يرفض النجمين (عزت العلايلي، وحسين فهمي) إعادتها، ولكنه فاجأنى بأنه كان قد اتصل بهما – حتى قبل أن يحادثنى – و تم الاتفاق معهما) وفيما بعد علمت أن إعادة العرض كانت تلبية لرغبة شديدة للنجم عزت العلايلي).
وهنا أسقط في يدى و لم يبق أمامى سوى الموافقة، ولكنى ربطتها بشرطين الأول أن يتم الإعلان عن أن العرض لفترة قصيرة، والثانى أن توضع مسرحية (هاملت) في الخطة القادمة للمسرح القومى.
وافقنى (إيهاب فمي) على الفور قائلا: أن هناك مسرحية أخرى يجرى الاعداد لها وسيتم افتتاحها بعد (البكوات) مباشرة، وبالتالى لن تكون فترة العرض طويلة، كما وعدنى بتحقيق شرطي الثانى على الفور – برغم علمى أن ذلك لن يحدث قبل مرور عامين على الأقل – ولكن ما أسهل الوعود.
بدأت بلقاء مع النجمين الكبيرين، واتفقت معهما على تفاصيل البروفات، وفي الجلسة الأولى مع مدير المسرح تم تحديد موعد الافتتاح في نوفمبر من عام 2020 – أي بعد حوالى ثلاث شهور.
كما وافق النجمان بكل بساطة وسهولة على تقاضي نفس الأجر الذى حصلا عليه في 2006 تقديرا لظروف الدولة التي كانت تعانى من الاثار الاقتصادية للجائحة.
وبدأت في تكوين فريق عمل جديد، فجميع من قاموا بأداء باقى الشخصيات كانوا إما مشغولين في أعمال أخرى مثل العزيزين (الفنان سامى مغاورى، والفنان رشدى الشامي، أو صاروا نجوما ولا تليق بهم الأدوار السابقة مثل النجم (محمد ممدوح) و النجم بيومى فؤاد التى كانت المسرحية هي فرصتهم الأولى في 2006.
سرعان ما تم تكوين فريق عمل تعمدت فيه تقديم وجوه أخرى جديدة، سواء من داخل المسرح القومى أو خارجه ممن أتوسم فيهم الموهبة، وبدأت البروفات.
كان المسرح القومى كخلية نحل، البكوات يجرون تدريباتهم في قاعة عبد الرحيم الزرقانى – التي أتفاءل باجراء التدريبات فيها – وعلى خشبة المسرح كانت تجرى تدريبات المسرحية الثانية.
تضييع للوقت والجهد
وبعد اقل من أسبوعين فاجأنى (إيهاب فهي) بأن (البكوات) سيتم تأجيل افتتاحها إلى شهر يناير من العام القادم، على أن يتم افتتاح العرض الآخر في موعدنا السابق في نوفمبر من نفس العام.
ولم يكن ذلك منطقيا على الإطلاق، فليس من المعقول أن عرضا جديدا سيتم تجهيزه خلال أقل من ثلاث شهور، على عكس مسرحية معادة، كما أنه ليس هناك أي ضمان لأن يُفتتح العرض الجديد في موعده.
وحتى إذا تمت تلك المعجزة وتم الافتتاح و نجح العرض – وهو أمر متوقع – فليس من المقبول حتى بالنسبة لى – إزاحة عرض ناجح من على خشبة المسرح ليحل محله عرض آخر حتى لو كان البكوات.
وعلى الفور أدركت أن هذا تضييع للوقت والجهد، فأوقفت البروفات انتظارا لما سيسفر عنه الموقف، و عندما حاول (إيهاب فهمي) إقناعى باستكمالها وعدته بذلك بعد افتتاح العرض الآخر.
لم يتم افتتاح ذلك العرض في موعده بشهر نوفمبر كما توقعت، بل انتهى العام وشهر من العام الجديد، ولم تظهر حتى بوادر للافتتاح، فحمدت الله اننى أوقفت بروفات البكوات.
ولكن في صباح يوم غائم حزين من شهر فبراير (2021) صحوت على خبر مؤلم هو وفاة الفنان الكبير (عزت العلايلي)، أو صديقى العزيز (أبو محمود).. ذهبت إلى وداع جثمانه وأنا كلى ذهول، فنحن ننسى أحيانا حقيقة أننا كلنا مفارقون، ومع كل وفاة نفاجأ بذهاب من نحب ونحس باللوعة و بالألم.
تأبين (عزت العلايلي)
وبعد انتهاء المراسم انتحى بى الصديق (إيهاب فهمي) جانبا ليبلغنى أنه لابد من إقامة حفل تأبين في المسرح القومى للفقيد وأن أتولى إخراجه.
كنت – ومازلت – أكره مثل هذه الحفلات، وأكره أن تتحول مسارحنا إلى صالات عزاء، كما أن مصابي في صديقى كان أكبر من أن أفكر سوى في حجم الخسارة الفنية والإنسانية باختفائه من الساحة، ولذا قررت ألا أشارك.
مقال بديع للكاتب والشاعر (محمد بهجت) عن (العلايلي) نشره على صفحات جريدة (الأهرام) بعدها بأيام جعلنى أعيد التفكير، فالمقال لا يرثى بقدر ما يرصد ويحلل، يستذكر الابداعات، ويقول أسباب التفرد و التفوق.
فقررت تحويل ذلك المقال إلى عرض مسرحى، فذلك ما يليق بالعلايلي، في سباق محموم مع الزمن – كى نلحق موعد الأربعين – وخلال جلسات مكثفة استطاع (بهجت) صياغة نص يتسم بالعذوبة – برغم أنه ينتمى للدراما التسجيلية.
ففي مشاهد سريعة ومتلاحقة يستعرض أعمال الراحل التي كانت علامات، ويضيف إليها شهادات المعاصرين الحية، خالطا في صياغة العرض بين الشعر والنثر.
و في بادرة طيبة وافق الفنان الجميل والإنسان الاجمل (سامح حسين) على القيام ببطولة العمل – برغم انه سيعرض لليلة واحدة، فاتصلت بإدارة المسرح القومى وحددت موعدا للبروفات، وخلال اقل من أسبوعين كان العرض جاهزا.
بل اننى أجريت بروفة (جينرال)، وأبلغت الصديق (إيهاب فهمي)، فهمى بأن العرض جاهز واقترحت له موعدا في الأسبوع الأول من شهر أبريل قبل حلول شهر رمضان المعظم في منتصف الشهر.
فطلب إعطائه بعض الوقت قبل إعلان الموعد، وبعد يومين اتصل بى ليبلغنى تأجيل عرض العلايلى إلى مابعد شهر رمضان.
وتلك قصة أخرى..!