رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(لعبة حب).. كوميديا مصطنعة وتافهة لا ترقى لمستوى الدراما الحقيقية!

كتب: محمد حبوشة

لأن الدراما أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة الناس فى أى مجتمع؛ فقد غدت تؤثر بشكل كبير فى إعادة تشكيل بعض سلوكيات الناس سلبا أو إيجابا؛ فالدراما بالأساس تعكس ثقافة المجتمع، وخاصة الدراما المعربة عن التركية، هنا أضرب مثالا بمسلسل (لعبة الحب) نموذجا.

فمثل هذا المسلسلات الطويلة (90 حلقة) أصبحت آفة تجتاح شاشاتنا العربية – كما قلت ذلك من قبل – ومنها (لعبة حب) التي تخلق ثقافة جديدة فى هذا المجتمع، فهى قد تبنى قيما، وقد تهدم قيما أخرى، فضلا عن سطحيتها وتفاهتها.

ولا يخفى على الكثير من النقاد والمهتمين بالفن والأدب والثقافة عموما ما تمر به الدراما العربية الحالية من أزمة كبيرة فى الشكل والمضمون، خاصة فى الآونة الأخيرة.

وظني أن هناك أعمال لاترقى إلى مستوى الدراما الحقيقية مثل (لعبة حب) التي تتمتع بقدر من الملل والافتعال الذي لا يصب بالضرور في جودة الدراما، خاصة الأداء البارد (معتصم النهار ونور علي)، حيث تبدو (سما/ نور علي) مرتبكة ومخارج ألفاظها غير واضحة وتبدو مجهدة طوال الوقت.

ومع لست أعني كل أعمال الدراما المعربة عن التركية تفتقر إلى عناصر الإبداع المميزة لها، فهناك القليل جدا منها الذي يحمل مضموما ومتعة خاصة، على مستوى الإثارة والتشويق.

بل أعنى حقيقة أن هناك تخمة فى الأعمال الدرامية التى تفتقر إلى الجودة على مستوى الصناعة، وهو الأمر الذى جعل الدراما العربية لا تلبى طموحات وتطلعات المشاهد العربي.

لقد أصبح من يقفون خلف الدراما العربية يستوردون أفكارا غربية يتم تغليفها أو تركية بغلاف عربى ويفرضونها على ثقافتنا العربية؛ مما يؤدى إلى انحرافات ثقافية، وكأنهم يدعمون مشروع الإمبريالية الثقافية الذى تقوده الرأسمالية الأمريكية.

(لعبة حب) الذي يتمتع بقدر هائل من المط والتطويل السخيف، والخروج على المألوف

(لعبة حب).. سذاجة الأفكار

والحقيقة أنه أصبح المطلوب من الدراما العربية الآن أن تعكس الواقع العربى اليوم وتقدم معالجات لبعض الإشكاليات التى تمر بها المنطقة العربية، وأن توحد ولا تفرق، لكني لاحظت موجة جديدة من الدراما التركية على وجه التحديد تعاود وجودها في صورة مسلسلات عربية تحمل نفس القيم من علاقات مفتوحة أو قيم غريبة.

تبدو تلك الأعمال في ظاهرها نشاذا على المجتمع العربي، والغريب أن هناك نوعياتها منها تشبه مسلسلات الصابون الأمريكية من حيث سذاجة الأفكار، وهو ما لاحظته في مسلسل (لعبة حب) الذي يتمتع بقدر هائل من المط والتطويل السخيف، بالإضافة إلى سخافة القضايا والصراع.

الملفت للنظر أنه في الأعوام الأخيرة يبدو واضحا أن المسلسلات الأجنبية اكتسحت لاسيما (التركية المعربة منها)، وسيطرت على كل شاشاته ومنها اللبنانية أو المشتركة (السورية اللبنانية على وجه التحديد.

ثم تكررت تجربة الأعمال التركية المعربة مثل (عروس بيروت، الثمن، كريستال، الخائن)، وآخر ما حرر من هذه الأعمال – يتم عرضه حاليا – وهو بعنوان (لعبة حب)، والأخير لا يخرج عن سياق الأعمال التركية المعربة، ولا يزيد عليها شيئا.

إذ يجد المشاهد نفسه أمام عرض أزياء مفتوح، ورفاهية مستفزة وادعاء واهم بأن الأحداث تدور في لبنان، رغم نأيها المطلق عن واقع هذا البلد، فضلا عن العروض الفارهة ومواقع التصوير التي تركز على الطبيعة الساحرة، واللهو المستمر والبناء الدارمي المهلهل، الخالي من أية عناصر جذب ملفته للنظر.

على الرغم من الإبهار البصري الذي تعتاده العين بعد حلقات عدة، لكنه يصبح بلا أي معنى

إبهار بصري تعتاده العين

وذلك على الرغم من الإبهار البصري الذي تعتاده العين بعد حلقات عدة، لكنه يصبح بلا أي معنى في غياب التصعيد اللازم في جوهر الدراما ومنطق الصراع، والتعلق بقضايا تبعد في جوهرها عن طبيعة المجتمع العربي بتقالده وأصوله.

(لعبة حب) يروي قصة الحب والمقاربات والتبعات التي تخلق بذريعتها، لكن بدون أن يضيف أي شيء عما سبقه، ولا يدعي أنه يقدم أكثر من الترفيه دون مقارعته أي ناقد محترف على كافة الأصعدة المرتبطة بجوهر صناعة المادة الفنية المتماسكة.

ومع ذلك تؤخذ وجهة النظر التي تخول النجوم السوريين للعمل في هذه المسلسلات على محمل الجد، طالما أنها تقدم فرص عمل وأجور جيدة في زمن التهاوي الأخلاقي والترنح الاقتصادي السوري الذي يشهد تراجعا ملحوظا!

أشاهد على مضض مسلسل (لعبة حب) الذي مضى منه ما يزيد على الـ 60 حلقة ولايزال مستمرا حتى التسعين حلقة، وربما لا حظت أن هذا الغزو التركى قد تراجع قليلا خلال العشر سنوات الماضية في ظل زحف الدراما الوطنية على المشهد.

ومن ثم نجد مسلسلا معربا عن التركية مثل (لعبة الحب) يخطف الأضواء ويجلب الأنظار إليه في بداية حلقاته، لكنه سرعان ما يسقط في براثن الملل وتفاهة القضايا التي يعالجها، ولا يبدو أن الدراما العربية قد ترجع إلى ما كانت عليه يوما ما بعد غياب طويل.

وربما سر الاهتمام بمسلسل (لعبة الحب) الأخير في سلسلة ممتدة منذ فترة يرجع إلى تمدد الأعمال التركية المعربة إلى (الجرأة وبراح الحرية المتاح فى كل تفاصيلها الاجتماعية)، وربما تبدو النساء العرب أكثر حضورا للمسلسلات التركية، بحكم أن لديهن (وقتا أكثر)، مقارنة بالرجال.

علاوة على أن طبيعة قصصها (أقرب للنساء، مثل الأزياء المبهرة للممثلات)، فضلا عن  أن ما يجذب غالبية نساء العرب إلى المسلسلات التركية (الوفاء للمحبوب)، إضافة إلى شغف النساء بالأعمال التركية، لأنها (تعكس صورة الرجل المفقودة فى المجتمع العربى بشكل عام، سواء كان أبا أو أخا أو زوجا).

حيث تقدمه بصورة الشخص الودود، غير (المتسلط)، وهو على العكس السائد فى الدراما العربية، حيث تكون المرأة دائما ضحية، وأدوارها دائما ربة منزل أو سكرتيرة خائنة.

أثار (لعبة حب) جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي

الجدل حول (لعبة حب)

لقد أثار مسلسل (لعبة حب) – النسخة المعربة من المسلسل التركي الشهير (حب للإيجار) – والذي يلعب بطولته (معتصم النهار، نور علي، أيمن رضا، جو طراد،  شكران مرتجى، أيمن عبد السلام، ساشا دحدوح، جيري غزال) وغيرهم، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتدور أحداث مسلسل (لعبة حب) الذي يعرض حاليا على تطبيق (شاهد (حول قصة سما وأخيها اللذين يغرقا في الديون، مما يضطرها إلى السير في صفقة غير مألوفة، حيث تضطر أن توقع مصمم الأحذية الثري (مالك) في حبها وتتزوج منه لإنقاذ عائلتها.

وقد تباينت ردود فعل رواد مواقع التواصل بعد مشاهدة الحلقات الأولى للمسلسل، حيث أشاد القليل به وبقصته التي تقدم بشكل كوميدي، في حين هاجم القسم الأكبر صناع العمل والقائمين عليه مؤكدين أنهم لم يقدموا أي جديد ولم يبذلوا أي مجهود لتقديم شي مختلف نوعا ما عن النسخة الأصلية للمسلسل (التركية).

كذلك انتقد عدد من المتابعين التقليد الأعمى والمبالغ فيه الذي لاحظوه بأداء الممثلين عن النسخة التركية، خاصة جزئية الحوار، مشيرين إلى أنهم لم يتوقعوا ذلك أبدا بل كانوا ينتظرون أن يحدث الممثلون المشاركون في العمل أي تغيير فيه.

(أيمن رضا) هو الوحيد الذي يجلب نوعا من الكوميديا الارتجالية
افتعال واضح لشكران مرتجى
كذلك الحال مع أيمن عبد السلام

الكوميديا في (لعبة حب)

ظني أنه لاجديد في (لعبة حب)، الذي يحمل طابعا رومانسيا، لكن الواضح أن الكوميديا مصطنعة خاصة أداء (شكران مرتجى/ فريدة الأسعد) المبالغ فيه، ويبدو هذا واضحا في  مشاهدها مع (أيمن عبد السلام/ دانيال)، وهذا الاصطناع من شأنه ألا يعزز المستوى الدرامي المفترض أن تتحلى به مثل هذه الأعمال.

فقط أرى أن أداء (أيمن رضا) هو الوحيد الذي يجلب نوعا من الكوميديا الارتجالية المقبولة نوعا ما، أيضا براعة كل من (ساشا دحدوح/ سيرين)، و(جيري غرال/ جبران) في ألعاب الشر والإثارة.

يبدو واضحا انبهار الممثلون السوريون الذين يشارك بعضهم للمرة الأولى في مثل هذه الأعمال، واستغلت الشركة المنتجة أماكن تصوير سبق أن شوهدت في أعمال درامية للشركة، أو ضمن الأعمال التركية الخالصة.

وحين نتحدث عن خفة الظل التلقائية والبعيدة عن محاولات الاصطناع في (لعبة حب) يمكن الاتجاه إلى بعض الجوانب الكوميدية التي تفرضها بعض المواقف القليلة جدا، وهى فرصة لنقل وجهة نظر المؤدي عن الواقع المحيط بالمتلقي بخفة ومضمون جاد يتخذ إطار الكوميديا و(الإفيهات)، التي تبدو ثقيلة الظل إلى حد بعيد.

ولا بد من الإشارة إلى معضلة أخرى تعيق ضمان نجاح مثل هذه المسلسلات؛ إذ يغلب على (لعبة حب) العنصر السوري للممثلين هذه المرة، فيما تقول القصة إنها لبنانية، أو على الأقل إنها صورت في منظقة (البترون) اللبنانية، من دون شرح أي منطق لوجود كل هذه المجموعة من الوجوه السورية في عمل واحد.

اللافت للنظر في (لعبة حب) أن صناعة الدراما التلفزيونية السورية تعرضت قبل سنوات لعطب بالغ بسبب (موضة) دوبلاج المسلسلات التركية، التي أطلقت بالاعتماد على منتجين سوريين.

فمنذ بداية الألفية، ازدحم السوق الفضائي العربي بأعمال تركية مدبلجة، معتمدة على ورقة رابحة وهى اللهجة السورية التي غزت العالم العربي، بالاستفادة من المسلسلات المحلية الشامية منها على وجه الخصوص، والتي ظلت رائجة حتى في سنوات الحرب.

عموما تخلص التجربة النقدية لكون الدراما السورية تمكنت من حصد اهتمام وانتشار لافت بذريعة تماسها المباشر مع القضايا الصغرى للمواطن، إضافة إلى تصديها لقضاياها الكبرى في أعمال حفرت مكانها في وجدان المشاهد، كما حصل مثلا مع (التغريبة الفلسطينية) التي كتبها (د.وليد سيف)، وإخراج المبدع الراحل (حاتم علي).

وفي النهاية لابد من إعادة النظر في مثل تلك المسلسلات الطويلة جدا بلا قيمة أو هدف، خاصة في ظل نجاح المسلسلات القصيرة ذات العشر حلقات و15 حلقة، وأستثني من تلك المسلسلات (مفترق طرق) الذي يشهد نوعا من الإثارة والتشويق، فضلا عن أداء فائق الجودة من كل من (هند صبري، إياد نصار، جومانا مراد).

براعة أداء (ساشا دحدوح)
احترافية الشر من جانب (جيري غزال

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.