كتب: محمد حبوشة
كان يمكن أن يكون مسلسل (الوصفة السحرية)، الذي يعرض حاليا على منصة على قناة dmc و(واتش إت)، مسلسلا اجتماعيا في إطار (اللايت) الحقيقي، بحيث يكون مكتمل الأركان لولا الاستسهال والأداء الانفعالي الذي يظهر الكثير من التأثيرات السلبية.
تضمنت هذه التأثيرات ضغوطا نفسية مستمرة وزيادة في المشكلات الأسرية، تم تصوير الشخصيات بشكل سلبي، حيث تم التركيز على إظهارهم كمسببين للمشاكل وعديمي الأهمية، في قضية الخرس الزوجي.
وهذا يبدو واضحا في علاقة (كارمن/ كارولين عزمي) مع (حسين/ محمد أبو داوود)، و(مالك/ عمر الشناوي) و (دينا/ شيري عادي)، و(بسمة داوود وإسلام جمال) تحديا لأنهم جميعا يمثلون العمود الفقري في أحداث المسلسل، الذي اتسم بالملل على مستوى أدائهم جميعا.
ولهذا فإن المحتوى الذي يتناوله (الوصفة السحرية) غالبا مايبدو سطحيا، ولايتناول القضايا المجتمعية بل يهدف إلى التسلية وجذب المزيد من المتابعين، فيحتوى مجموعة واسعة من المواضيع المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي، مع التركيز على الهوس بالشهرة والترند، ودورها في كسب المال وتحقيق الثروة.
إضافة إلى جرائم التشهير والابتزاز وانتهاك الخصوصية، فيما يتعلق بالعناصر الشكلية، فقد اعتمد مسلسل (الوصفة السحرية) على اللقطات القريبة والمتوسطة بشكل أساسي، مع استخدام زوايا موضوعية وإضاءة تبدو لنا واقعية، لكنها أفسدها الأداء الباهت لغالبية الممثلين.
مما كان يمكن أن نصنفه كأحد الأعمال الدرامية الاجتماعية الواقعية، في النواحي الضمنية، صحيح أنه ظهرت الموضوعات جديدة وواقعية، ونجحت الحبكة الدرامية – إلى حد ما – في إيجاد عناصر التشويق.
وفي الحوار جاء معززا للحبكة في بعض المشاهد، ودافعا بالأحداث للأمام، وفي الشخصيات الدرامية جاءت إلى حد كبير متوافقة مع أبعاد الشخصيات الواقعية في المجتمع.
القيم الثقافية والاجتماعية
وبحسب دراسة لـ (مركز العلومات ودعم اتخاذ القرار)، كان ينتظر المشاهد المصري دائما الدراما التي تقدم من خلال ملايين الأشخاص على المستوى المحلي والعربي، وتأتي أهمية هذه العروض الدرامية أولا لارتفاع نسب المشاهدة.
وثانيا: لما لها من أثرٍ كبير على المشاهدين بما تقدمه من مادة درامية تحتوي على كثير من الأفكار والموضوعات المختلفة، وما يهمنا هنا هو الدراما التي تتناول قضايا المرأة والتي يمكنها أن تلعب دورا في تشكيل الطريقة التي ينظر بها المشاهدون إلى المرأة وأدوارها في المجتمع.
وغالبا ما تعكس هذه الأعمال الدرامية القيم الثقافية والاجتماعية للمجتمعات التي يتم إنتاجها من أجلها، وعلى هذا النحو، يمكن أن تختلف صورة المرأة في الدراما بشكل كبير اعتمادا على العرض المحدد والجمهور المستهدف.
زكثيرا ما تثير صورة المرأة في الأعمال الدرامية مثل (الوصفة السحرية) انتقادات بسبب الصورة المشوهة وحصرها في أدوار نمطية لا تحيد عنها ولا تعكس الواقع، ولا تتناول المشكلات الحقيقية التي تعاني منها المرأة في المجتمع.
(الوصفة السحرية)، تدور أحداثه حول المشكلات التي تعاني منها الزوجات قبل أن تعثرن على كتاب عن العلاقات الزوجية يعكس محتواه ما يدور في الواقع بشكل متطابق، فيتخذن على إثره قرارات تقلب حياتهن رأسًا عن عقب.
جميع أحداث مسلسل (الوصفة السحرية) وكل ما يحدث فيه من مشكلات زوجية هى بالفعل متواجدة في معظم بيوتنا المصرية، وهذا ما جعل جميع فريق العمل – على مايبدو – يتحمس لهذا المشروع ، لكنه سجل فشلا ذريعا بسبب هذا الفريق نفسه.
والظاهر أنه كانت كواليسه – على مايبدو لي ولغيري – ممتعة وكأنهم أسرة واحدة وجميعنا شعر بالحب والصداقة داخل أجواء اللوكيشن وهذه الحالة كان يجب أن تنعكس على المشاهد التي ظهرت للجمهور على الشاشة يشوبها كثير من الملل، والتكلف في الأداء الباهت لغالبية الأبطال.
والسؤال: هل يتحمل العمل أن يقدم في حلقات كثيرة، تصل لـ 45 حلقة؟، في ظل أن هناك مشكلات كثيرة يتطرق لها، فتم التركيز على أهمها لإظهارها بشكل أكثر عمقا مع الحفاظ على عدم شعور المشاهد بملل وسط الأحداث، لكن للأسف لم يتحقق هذا الهدف.
البطولة الجماعية في العمل
مع بداية عرض الحلقات الأولى لـ (الوصفة السحرية)، فوجئت بردود الفعل الإيجابية للمسلسل، وكان هذا الأمر غير متوقع، لأن الحلقات الأولى كانت مجرد تعريف للشخصيات فقط ولم تتطرق لبداية المشكلات الزوجية، ولكن الجمهور تفاعل معها بشكل كبير.
ربما يعتمد العمل على البطولة الجماعية، إذ يشارك في بطولته (شيري عادل، إسلام جمال، هيدي كرم، عمر الشناوي، لقاء سويدان، بسمة داود)، وغيرهم، لكن يعيبه أنه من تأليف ورشة (مصنع الحكايات) لمؤسسها هاني سرحان، فقد بدا غير متجانس على مستوى الحكايات والأبطال وغيرها من عناصر الدراما.
كنت أظن أن مسلسل (الوصفة السحرية) سيكون له أثر كبير على المشاهدين، بما يقدمه من مادة درامية تحتوي على كثير من الأفكار والموضوعات المختلفة، حيث جاء بعد نجاح مسلسل (دواعي السفر)، تلك التحفة الدراميا ذات الطابع الاجتماعي في إطار (الايت كوميدي) الهادف في رسالته ومعالجته الدرامية شديدة الخصوصية.
كثيرا ما نشاهد دور المرأة في الأعمال الدرامية منحصر بشخصيات متكررة كلوحة فنية لبيكاسو، حاضرة في كل الأعمال ولا جديد فيها سوى الاسم الذي يختلف من عمل إلى آخر.
فباتت الأدوار نمطية ومملة مثل (الوصفة السحرية) الذي يسلط الضوء في إحدى زواياه على المرأة المعنفة والتابعة والمقهورة، أو المرأة المتسلطة والمكروهة في مجتمعاتنا والمتحكمة بالشكل العام، أو المشاركة بسوق العمل الحالي بتناقضاته الواضحة.
وهناك المغرمة الحالمة العاطفية أو المثقفة التي تسمعنا دائما منولوجها الداخلي لنقتبس منه، مثل حالة (أميرة/ هيدي كرم) في مسلسل (الوصفة السحرية) التي ظلت طويلا تخضع لابتزاز زوجها دون أنى حدود للمنطق.
وما يهمنا هنا هو الدراما التي تتناول قضايا المرأة والتي يمكنها أن تلعب دورا في تشكيل الطريقة التي ينظر بها المشاهدون إلى المرأة وأدوارها في المجتمع، وغالبا ما تعكس هذه الأعمال الدرامية القيم الثقافية والاجتماعية للمجتمعات التي يتم إنتاجها من أجلها.
وعلى هذا النحو، يمكن أن تختلف صورة المرأة في الدراما بشكل كبير اعتمادا على العرض المحدد والجمهور المستهدف، ولكن مسلسل (الوصفة السحرية) جاء معاكسا للهدف والرسالة التي كتانت وراء هذا المسلسل، الذي لايستحق 45 حلقة من الملل المركب.
غالبا ما تثير صورة المرأة في الأعمال الدرامية انتقادات بسبب الصورة المشوهة وحصرها في أدوار نمطية لا تحيد عنها ولا تعكس الواقع، ولا تتناول المشكلات الحقيقية التي تعاني منها المرأة في المجتمع.
وتأكيدا لأهمية الدور الذي تلعبه الأعمال الدرامية – (الوصفة السحرية) نموذجا – فقد وجدنا عدة أعمال كان لها الأثر في النظر في بعض القوانين، سواء بتعديلها أو تغييرها أو إصدار قانون جديد، فالأعمال الدرامية تلعب دورا كبيرا في تشكيل الوعي والرأي العام، وهو لم يتوفر في هذا المسلسل.
المعالجة السطحية في (الوصفة السحرية)
فقد جاءت المعالجة السطحية في مسلسل (الوصفة السحرية) لاترقي إلى مستوى فيلم (أريد حلًا)، ومسلسل (فاتن أمل حربي)، الذي أثار الانتباه لضرورة النظر في قانون الأحوال الشخصية، وغيره من الأعمال التي عرضت في رمضان 2023 وأثارت مشكلات ذات جدل واسع.
لقد كان الهدف من مسلسل (الوصفة السحرية) أن تجسد فيه المرأة أدوارا تظهر قوة الشخصية والاستقلالية ومدى قدرتها على التغلب على العقبات وتحقيق أهدافها، وهذه الشخصيات غالبا ما تتحدى الأدوار والتوقعات التقليدية التي اعتادت الدراما على عرضها.
فدائما تجسد المرأة الأدوار الأكثر تقليدية، مثل: (الزوجات والأزواج والأمهات والأبناء وربات البيوت)، والتي تظهر كشخصيات مطيعة تقدم التضحية، وقد يكون هدفهن الأساسي دعم أزواجهن وأطفالهن والعناية بهم، كحالة (تيا) الحائرة جراء تعدد زواج أمها (رانيا/ لقاء سويدان).
سلوي محمد علي وأسامة عبد الله
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الأدوار هى نتيجة تفاعل العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تعمل متشابكة، وترسخ لرواسب ثقافية لها أثر كبير في النظرة المتواضعة من قِبل المجتمع للمرأة.
بالإضافة إلى ترسيخ ثقافة السيطرة الذكورية التي ترسخت في الأذهان عبر إرث ثقافي يعود لسنوات زمنية طويلة أدت إلى استعلاء الرجل على المرأة والحط من شأنها في مقابل الإعلاء من شأن الرجل.
هذا، وقد أصدر المجلس القومي للمرأة (الكود الأخلاقي)، من فترة، من أجل تغيير الصورة السلبية التي تقدّم عن المرأة في الدراما وغيرها من وسائل الإعلام المختلفة، وعدم حصرها كوسيلة إغراء أو سلعة للبيع وأداة للتشهير.
كما يحث (الكود الأخلاقي) على التركيز على دور المرأة الإيجابي وتعزيز مكانتها الأسرية والمجتمعية وإسهامها في عملية التنمية، ويدلل ذلك على مدى اهتمام الدولة المصرية بصورة المرأة ومحاولة تعزيز دورها داخل المجتمع.
ويعد ذلك التزاما بالدستور المصري الذي أكد في المادة الحادية عشرة منه على ترسيخ قيم العدالة والمساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكافؤ الفرص.
وذلك اتساقا مع رؤية مصر 2030 واستراتيجيتها للتنمية المستدامة من أجل تحقيق أعلى درجة من الاندماج الاجتماعي، وتحقيق الحماية للفئات الأولى بالرعاية، والسعي نحو تمكين المرأة.
وفي النهاية لابد لي من القول بأن مسلسل (الوصفة السحرية) في حلقاته الأولى كان ينبأ بدرما اجتماعية جمية ورائعة على مستوى المضمون، لكن أفسده للأسف الممثلين الذين أصابهم الترهل والارتباك طوال الحلقات التي التي عانت صعف الأداء غير الإيجابي بالمرة، وأستثنى منها (أسامة عبد الله) وسلوى محمد علي بأدائهما الكوميدي اللطيف.. هذا رأي!