(سليمان نجيب).. ابن الذوات الذي عاش غرامياته على الشاشة فقط!
* سليمان نجيب ينتمي إلي أسرة غنية جدا وراقية، وقفت ضده حين قرر أن يهجر الوظيفة، ويعمل ممثلاً
* للأسف فإن أدواره المتاحة لنا هى لرجل متقدم في السن ينافس الشباب على قلوب فتيات جميلات مثل (صباح، ونعيمة عاكف ونور الهدى)
* هذا الدنجوان يجب إعادة اكتشافه، فهو رجل أنيق يمشط شعره اللامع، ويضع القرنفلة الحمراء في سترته، ويحرص علي ارتداء الببيون، أو رابطة العنق الأنيقة
* جسد دور الوغد في فيلم (دموع الحب)، وهو من الأدوار القليلة التى غرد فيها بعيدا عن كونه دنجوانا
* في الخمسينيات غير (نجيب سليمان) أيضا هويته الشخصية التي يجسدها مثلما حدث في فيلم (زينب)
بقلم الباحث والناقد السينمائي: محمود قاسم
هذه المرة نقدم دنجوان حقيقي في عالم التمثيل، ومن المعروف أن أغلب دنجوانات التمثيل ينطقون كلاماً بلغة كتاب السيناريو، أما (سليمان نجيب) فهو أديب كتب كتاباً مبدعاً بعنوان (مذكرات عربجي)، وكم استمع إليه جمهور الأباء والأجداد أسبوعيا في برنامج (حديث السهرة) في الإذاعة.
وهو نفس البرنامج الذي كان يتحدث فيه أيضا (عباس العقاد، وطه حسين، والدكتور حسين فوزي)، كما أن (سليمان نجيب) كتب السيناريو والحوار لأغلب الأفلام التي شارك في بطولاتها.
وأول هذه الأفلام (الوردة البيضاء)، و(دموع الحب)، و(الدكتور) كما كان منتجاً لأفلام مهمة.
و(سليمان نجيب) ينتمي إلى أسرة غنية جدا وراقية، وقفت ضده حين قرر أن يهجر الوظيفة، ويعمل ممثلاً، وهو الذي عمل في السلك الدبلوماسي، كما عمل مديراً لدار الأوبرا المصرية أيضا.
وفي فترة، ترك كل هذا من أجل التمثيل، وللأسف فأن أدواره المتاحة لنا هى لرجل متقدم في السن ينافس الشباب علي قلوب فتيات جميلات مثل (صباح، ونعيمة عاكف، ونور الهدى).
إعادة اكتشاف دنجوان
أذن هذا الدنجوان يجب إعادة اكتشافه، فهو رجل أنيق يمشط شعره اللامع من الدهان بطريقة لم تتغير، ويضع القرنفلة الحمراء في سترته، ويحرص علي ارتداء الببيون، أو رابطة العنق الأنيقة.
ولذلك فأن أغلب أدواره تضخ في الجنلتمان، ابن الذوات صاحب المكانة العالية، الباشا غالباً، العاشق دوماً، والذي يتصرف بنبل مثلما تفيض وظيفته كطبيب أو دبلوماسي أو ثري.
وقد كان (سليمان نجيب) حاضرا دوماً في أفلام من بطولته أو مع محمد عبد الوهاب، أو أمام أم كلثوم، أو مع فريد الأطرش، ومحمد فوزي، وغيرهم.
وقد رأيناه في المرة الأولي ابننا للأكابر عام 1932 في فيلم (الوردة البيضاء) فهو المنافس الذي يخطب الفتاة التي يحبها الموظف (محمد)، والذي جسده (محمد عبدالوهاب)
أما في فيلم (دموع الحب) إخراج محمد كريم المأخوذ عن رواية (ماجدولين)، فهو الصديق غير المخلص، المقامر، ابن الذوات، الذي يستبيح لنفسه الفتاة التي يحبها صديقه ويتزوج منها قبل أن تموت.
(سليمان نجيب) ونبل الشخصيات
يعتبر دور (سليمان نجيب) في (دموع الحب) واحد من الأدوار القليلة جدا التي جسد فيها دور الوغد، وقد تخلي عن مثل هذه الأدوار ليقدم لنا شخصياته (كدنجوان)، في إطار كوميدي ضاحك.
وكان يقدمها بشغف كبير، حدث هذا في فيلمين من بطولته أمام أمينة رزق، الأول هو (الدكتور)، والثاني هو (قلب امرأة).
فالمرأة التي أحبها أيضا من عائلة مسيرة، تحب رجل آخر، وتنظر إلى هذا الشاب الذي تزوجها بعين الازدراء، لكنه صبر عليها وانتظر الوقت الذي ينفصلان فيه عن بعضهما.
لكن المعاملة والمعاشرة تجعلها تكتشف نبله، وكرم أخلاقه فتولع به في الوقت الذي يبتلع فيها مشاعره ويتغير ثم يعود إليها حين يكتشف أنها قد عشقته.
للأسف فإن الأدوار الثانية التي لعبها بعد ذلك (سليمان نجيب) كانت أغلبها أمام نجوم في من طراز (محمد عبد الوهاب، محمد فوزي، فريد الأطرش) وغيرهم
حيث كانت الأضواء تتسلط عليهم أكثر مثلما حدث من قبل حين شارك البطولة أمام السيدة أم كلثوم في فيلم (وداد) وقام بدور (هارون الرشيد).
ولكن هناك ضوء لامع يكسبه للشخصية، وهذه هى سمة الرجل، ففي فيلم (لست ملاكاً) يقوم بدور الرأسمالي في عالم الصناعة، وهو رجل ناجح يقف مع عماله حيث يتظاهرون ضده مطالبين ببعض المكاسب المادية.
هذا النوع من الرجال لم نره أبدا علي الشاشة المصرية في كل العصور بما يعني أن صاحب العمل هنا كان دنجوان، لرجل الصناعة فهو يقوم بتعليم البنات، ومديرا للمصنع من أجل تطويره.
سليمان نجيب و(غزل البنات)
كما رأينا (سليمان نجيب) رجلاً يستحق أن نحبه نحن المتفرجين، ولا ننسي بساطته وتواضعه في فيلم (غزل البنات)، ذلك الباشا الغني والد ليلي الذي يحترمه الجميع.
وهو الذي يقوم بأعمال الجنايني كهواية، كما أنه يقرر للتو معالجة مشكلة رسوب ابنته باستحضار (الأستاذ حمام)، في بيت هذا الرجل هناك من يعمل خادما للكلب، والجميع يعيش في بيت مليء بالفضيلة.
ويبدو (سليمان نجيب) في قمة تألقه وهو يتحدث إلى (الأستاذ حمام)، فيعطس حين ينطق اسمه، وحين ينطق هذا الاسم بالأستاذ فراخ!
وكم من مواقف كوميدية تحسب لسليمان نجيب قبل أن تحسب للريحاني في هذا الفيلم، وللأسف الشديد فإن السيناريو قد أخفي هذه الشخصية تماماً لينفرد الريحاني بالتواجد.
سليمان نجيب و(الآنسة ماما)
(سليمان نجيب: 1892 – 1955) كان قد غادر سن الشباب في العقد الثالث من القرن الماضي، وصار عليه أن ينافس الشباب علي قلوب البنات الجميلات.
كما حدث في فيلم (الآنسة ماما)، أو (يا حلاوة الحب)، هو هنا الرجل العجوز المتصابي، الأنيق، الذي تستخدمه الفتاة لإشعال نار الحب في قلب ابن أخيه (محمد فوزي).
وهو يشارك في اللعبة بمنطق الجنتلمان من أجل التقريب بين الحبيبان ليست في سبيل اصطياد الماء العكر.
ضابط البوليس في (قطار الليل)
لم يحبس (سليمان نجيب) نفسه في هذه الأدوار فقط، بل رأيناه يؤدي دور ضابط المباحث المتخفي في فيلم (قطار الليل) إخراج عز الدين ذو الفقار، وهو أيضا ضابط مباحث ليس له مثيل.
مثلما رأينا (سليمان نجيب) في كافة أدواره الأخري كوغد أو باشا، أوجنيني، بمعني أن الضابط يقوم بالقبض علي عصابة (قطار الليل) التي خطفت والد الراقصة ليرجعها إلي حبيبها.
كما أن (سليمان نجيب) قام بدور المصري العائد من الولايات المتحدة في فيلم (أمريكاني من طنطا).
وهو هنا دنجوان مفلس لديه أبنه متكابرة، يتفاخر بأنه ينتظر وصول ثروته لأقامة مشاريع متعددة ليعيش في وهم التفاخر ليسبب أزمات اقتصادية لقريبة الذي ينزل عنده في المدينة.
لم تكن هذه هى المرة الأولي التي يؤدي فيها الممثل دور الرجل الناضج الذي ينحرف لبعض الوقت وهو يمر بما يسمي بالمراهقة المتأخرة.
سليمان نجيب و(البيت الكبير)
في فيلم (البيت الكبير) إخراج أحمد كامل مرسي عام 1949، يجسد (سليمان نجيب) دور رجل لديه أسرة متماسكة، وزوجة محبه مر بها الزمن.
لكن تتمكن إحدي الراقصات من الالتفاف حول رب الأسرة بهدف ابتزازه، بتخطيط من عشيقها الذي يحب المال، فيقوم الرجل ذو الشعر الأبيض بتجديد ملامحه، ويصبغ شعره.
ويتصابا ويخفي أمر علاقته على أسرته خاصة الزوجة التي تحاول إنقاذ زوجها من العشيقة، ولكن الصراع هنا بالغ القوة وتتمكن الزوجة القديمة من السعادة لزوجها بعد أن اكتشف الرجل أن عليه احترام أسرته وعمره.
(زينب) والدنجوان العجوز
في الخمسينيات غير (نجيب سليمان) أيضا هويته الشخصية التي يجسدها مثلما حدث في فيلم (زينب) عام 1952 إخراج صديقه محمد كريم، الذي كان حريصا دوما أن يجمعه في أغلب أفلام عبد الوهاب.
و(زينب) هنا هو استعادة لفيلم قديم الذي إخرجه (كريم ) أيضا عام 1930 عن الريف المصري، وهو فيلم صامت تكرر إخراجه ليكون ناطقا من بطولة (راقية إبراهيم، ويحيي شاهين وعبد الوراث عسر) الذي كتب له بعض أفلامه.
وجسد (سليمان نجيب) هنا دور الرجل الريفي الناضج في السن الذي جاء من المدينة إلي قريته، وهو مغرم صباباً بالفتاة (زينب) التي تحب (إبراهيم).
وتزوجت من رجل آخر، وهذا العجوز لا يتواني عن مغازلة (زينب) وهما يجلسان أسفل الأشجار ليلا، وهو يطلبها لنفسه بعبارات تثير الضحك والدهشة، وهو يكرر مثل هذه المحاولة أكثر من مرة للتأثير على (زينب).
سليمان نجيب و(الآنسة حنفي)
مثل هذه الشخصية تكرر وجودها في فيلم (الآنسة حنفي) بشكل مختلف فهو الرجل الشعبي الذي يرتدي بلطو ضخما فوق جلباب.
وهو على قد حاله، صديق الشاب (حنفي)، وعندما يتحول هذا الحنفي إلي فتاة يصبح (سليمان نجيب) واحدا من رجال الحي الذين يتنافسون علي قلب (الآنسة حنفي)، ولكنه لا يفوز بها مثلما لم يفز الرجل بأي (زينب).
في الأفلام تنافست الشخصية التي جسدها (سليمان نجيب) على قلوب العشاق، ونحن لا نعرف أن في حياة الممثل رئيس الأوبرا نساء يقعن في غرامه.
أوسعي هو إلى الاقتران منهن عاطفياً، فالرجل الذي عاش حياته كلها، والذي تجاوز الستين عاش أعزبا بلا امرأة، فالرجل مثل هذا الشخص محروما.
ولكنه وضع حول سيرته الخاصة ستارا مظلماً، ولم يحكي عن حياته، ومابقى منه هو أفلامه، وما كتبه هو عن (العربجي) في كتاب (مذكرات عربجي).
رغم الاستثناءات القليلة في أدواره، فأنه كان يجسد مراراً دور الباشا الثري ٍ صاحب المصانع، وقد تكرر دوره كرأس مالي وطني شريف في فيلم (بشرة خير).
ففي هذا الفيلم هو صاحب المصنع الذي يرسل مهندس الصيانة إلي بيته لإصلاح السخان في الحمام، وإذا بابنته تقع في غرام هذا المهندس، والتي تقوم بإعادة إفساد السخان كي يعود مهندس الصيانة مجددا الذي تتنامي بينهما قصة حب.
سليمان نجيب و(بنت الأكابر)
الغريب أنه في نفس الفترة قامت السينما بإعادة هذه القصة مرة أخري، من خلال فيلم (بنت الأكابر)، وقام بطل ومخرج الفيلم (أنور وجدي) بإسناد دور شقيق الباشا في فيلم (بنت الأكابر) لسيمان نجيب.
لكنه في فيلم (بشرة خير) كان باشا مستنيراً، ووقف ضد المهندس أثر وشاية من أحد الطامعين في ثروته، وقرر أن يزوجه من ابنته حتى انكشفت الأمور.
أما في فيلم (بنت الأكابر) فإن شقيق الباشا الميسور يحب بكل أريحية فتاة فقيرة تجسدها (زينات صدقي)، ويتزوج منها رغما عن إرادة أخية الباشا.
إنه نفس العالم الذي رأينا فيه العالم بكل ما فيه من سمات، وقد جسد دور الباشا في فيلم (بنت الأكابر)، زكي رستم الذي تصدى لزواج ابنته من المهندس الفقير، وهذا أمر لم يحدث من الباشا صاحب المصنع في فيلم (بشرة خير).
سليمان نجيب و(اللحظات الأخيرة)
ظل (سليمان نجيب) يعمل حتي اللحظة الأخيرة من حياته، يملآ وقته بالتمثيل، وكأنه يعيش في نفس العالم الذي ينتقل فيه بين القصور والمزارع الكبيرة حتي بعد قيام ثورة يوليو.
مثلما رأيناه في فيلميه الأخيرين هما: (أماني العمر، وأحلام الربيع)، فهو الباشا الميسور الذي يخبره الزمن أن يزوج ابنته رغم عن إرادتها من طامع في ثروتها.
ويشعر بندم بعد ذلك لأنه رفض أن يزوج الابنة إلى المحامي الذي يحبها، وفي النهاية يدفع هذا الرجل الثمن، إلي أن تتآلف مشاعر المحامي مع الفنانة التي يقابلها وسط الحقول لنري نهاية غير طبيعية.
فالمحامي لم يتزوج أبداً من المرأة التي فضلت شخص آخر عليه، واتجهت بكافة عواطفها نحو (زهرة العلا) التي ستنير زهرة حياته.
أنها رحلة جميلة مازلنا نعيشها ونستمتع بالكتابة عنها فهذا العالم الدنجواني مليء بأماني العمر والمثالية والورود.. ما أجمل استعادتها ونحن نشاهد تلك الأفلام التى نشاهد من خلالها (سليمان نجيب).