كتب: محمد حبوشة
قبل شهر تقريبا حضرت احتفالية (المركز القومي للترجمة)، برئاسة الدكتورة (كرمة سامي) رئيس المركز، في تدشين كتاب (رحلة الخير: العائلة المقدسة في مصر)، تحت رعاية وزيرة الثقافة الدكتورة السابقة (نيفين الكيلاني، وذلك بقاعة طه حسين بمقر المركز القومي للترجمة.
وشارك في الندوة كل من: (الدكتور خلف الميري، الدكتورة ميري ميساك، الدكتور إسحاق عجبان، رانيا شرعان، أمجد حنا، أحمد بلال، أميرة السمني)، بالإضافة إلى (ناصر صبحي) رئيس مجلس أمناء مؤسسة (مصر المباركة)، وقدمت الاحتفالية الإعلامية (هند أكرم)، كما تم تكريم فريق عمل الكتاب.
كتاب (رحلة الخير: العائلة المقدسة في مصر) من تأليف الزميل: الدكتور أحمد إبراهيم الشريف، رئيس القسم الثافي باليوم السابع، ومن ترجمة: رضوى قطيط ومن تحرير: إنجي عرفة، الأداء الصوتي: لمروة وهدان ويارا حسونة.
وظني كتاب (رحلة الخير.. العائلة المقدسة في مصر) هو مشروع مهم له علاقة بهوية مصر وتاريخها ويلقى الضوء على جانب من حياة العائلة المقدسة وجانب من دور مصر عبر الزمن، وقد تم تقديم هذا المشروع باللغتين العربية والإنجليزية، ولكني أري أن هذا الكتاب وغيره من تفاصيل حول (رحلة العائلة المقدسة) يصلح لعمل درامي يقدم العبرة والعظة.
وفي ظل استعداد (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) لموسم رمضان 2025، أقترح صناعة قصة (العائلة المقدسة) في مسلسل يجمع بين التراجيديا الإنسانية والمأساة، التي ترصد مصاعب تلك الرحلة، خاصة أن هذا الكتاب يأتي بصورة سردية – أدبية الرحلة، حيث جاءت السيدة مريم العذراء والطفل المقدس ويوسف النجار فرارا من بطش الملك (هيردوس) وطافوا في ربوع مصر شمالا وجنوبا حيث وجدوا الأمان والحياة المطمئنة.
عشنا أجواء الاحتفال بذكرى دخول (العائلة المقدسة) أرض مصر والذي يوافق الأول من يونيو كل عام، وهنا أتساءل: ألا تستحق هذه الرحلة الاهتمام من جانب صناع الدراما التلفزيونية، وخاصة (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) بالتعاون مع وزارة الثقافة في رمضان 2025، حيث تحتفل الكثير من دول العالم مع مصر تخليدا لهذا الحدث.
لمصر أن تفخر وتتباهى
في وقت يحق لمصر أن تفخر وتتباهى بين أمم الأرض بأن مجىء يسوع المسيح طفلا مع أمه القديسة العذراء مريم فى مصر، ومعهما القديس يوسف النجار كان بإرادة إلهية، ولذا تُعد رحلة العائلة المقدسة من أهم الأحداث التى جرت على أرض المحروسة عبر تاريخها الطويل، وتستحق منا مسلسلا دراميا بإنتاج ضخم، بدلا من انتاج دراما العنف والبلطجة.
وفي ظل تولي الفنان التشكيلي الكبير الدكتور (أحمد هنو) وزارة الثقافة، أرى أن رحلة العائلة المقدسة والتى دامت فى مصر أكثر من ثلاث سنوات جابت خلالها العديد من المدن فى ثمانى محافظات حاضرة لم يندثر أثرها أبدا، تشجع على عمل درامي.
إن حقيقة معرفتنا لقصة الرحلة وذكراها الدائم مقارنة بقصص الكتاب المقدس الأخرى، ربما يرجع إلى حد ما إلى أن القصة ألهمت فنانين استوعبوا قصة (الهروب إلى مصر) بتأمل ملفت للنظر، استخدموا فيها جميع الأساليب الفنية المتاحة لديهم لتسجيلها على جداريات أو لوحات فنية عديدة على مر العصور.
وهناك لوحات عالمية ترصد مسار رحلة (العائلة المقدسة) التي تركت بصماتها على كافة المستويات الدينية والتاريخية والأثرية، حيث بنيت فيها العديد من الكنائس والأديرة التاريخية، ومن هنا ارتبط مسارها بالعديد من الطقوس والاحتفالات والموالد التى يحتفل بها كافة المصريين.
سنروى من خلال هذا المسلسل مسيرة (العائلة المقدسة) فى أرض مصر، كما رواها د.أحمد إبرهيم الشريف، فى كتابه (رحلة الخير: العائلة المقدسة فى مصر) معتمدا فيها على كتب موثقة ونصوص حقيقية، مستخدما لغة واضحة وروحا سردية تتفق وروح المحبة التى كانت تحيط بالرحلة.
خاصة أن المؤلف بدأ سرديته من (نبوءة دانيال)، حيث كان الرهبان الثلاثة فى طريقهم يتبعون النجم، ويتذكر (مليكور) أن العلامة المنتظرة لم تظهر فى أذهانهم فجأة، بل حدثت بعدما قرأوا نبوءة (دانيال النبى) عندما ذهب للسبى بعد الحرب التى دمرت العالم القديم.
وكانت معه الأسفار المقدسة، وفيها قرأوا كيف أن اليهود يترقبون ولادة المسيح، وتطرق الكتاب إلى ميلاد الطفل (يسوع) وزيارة المجوس للطفل.. ولعل المسلسل في حبكته الدرامية سوف كيف ظهر فى ذهن (هيرودس) فكرة مجنونة، حيث قرر أن يقتل جميع الأطفال الأصغر من سنتين.
وهنا يمكن أن تنقلنا الدراما إلى معالجة فكرة الهروب لمصر بقوله: تحرك يوسف إلى داخل البيت، ومد جسده باحثا عن قليل من النوم، متمنيا أن ينسى الواقع، ولم يعرف إن كان نام أم لا، لكنه سمع صوتا يعرفه يقول له: (قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر).
وعلى هذا أعتقد أن السرد الدرامي في مسلسل رحلة (العائلة المقدسة) يمكن يوضح لنا كيف أمسك يوسف النجار بمقود (حماره)، وساعد السيدة مريم على امتطائه وهى تحمل طفلها، واستعانا بظلمة الليل، وانطلقا، فى رحلة طويلة من بيت لحم، كما ترصد اللوحات هذا.
محطات (العائلة المقدسة) فى مصر
كما يمكن لمسلسل من هذا النوع أن يطوف بنا إلى أولى محطات العائلة فى مصر، حيث إلى مدينة الفرما، وعليها أثر السفر والتعب، ومع ذلك شعر يوسف النجار والسيدة مريم ببعض الطمأنينة.
فقد ابتعدا عن الملك (هيرودس) وزبانيته – وهذا جانب من التراجيدا الإنسانية، خاصة أن قلقا جديدا بدأ ينتابهما، فهما مقدمان على أرض جديدة وبلد غريب وناس لا يعرفونهما.
وقمة التراجيديا في مسلسل رحلة (العائلة المقدسة) يمكن أن تتجسد عندما رأى الطفل أمه تبكى مسح دموعها بيده، ثم رسم بإصبعه دائرة على الأرض، واستغربت مريم عندما بدأ الماء يتفجر من الأرض من موضع الدائرة، وخرج ماء عذب شربوا منه ثلاثتهم.
كانت مريم العذراء قد اعتادت على المعجزات التى يتركها الطفل خلفه – هذا جانب مهم في عمل فني – يوضح لنا كيف يخرج الماء من الأرض الجافة، أو تتساقط فى حضوره الأصنام والأوثان والتماثيل التى يعبدها الناس، أو حتى يعيد الناس الموتى للحياة، وفى (سخا) كانت تنتظرها معجزة جديدة.
ومسلسل رحلة (العائلة المقدس) في جوانبه الفنية التي تعتمد على الخيال الساحر لمؤلف من طراز رفيع مثل (عبد الرحيم كمال)، يمكن أن يصور لنا كيف عبرت العائلة في الصباح نهر النيل إلى غرب الدلتا، وتحركت جنوبا إلى وادى النطرون، وسارت فى الصحراء الممتدة.
وعندما بكى الطفل يريد الماء، لم يكن بالقرب سوى بحيرة (نبع الحمراء)، لكنها مالحة، بل شديدة الملوحة، لكن وسط هذه الملوحة نبعت عين من الماء العذب، شربوا منها جميعا.
وبالتأكيد سوف يتعرض المسلسل في سرده الحي بأسلوب رشيق إلى منطقة (المطرية)، حيث استظلت (العائلة المقدسة) تحت شجرة تعرف إلى اليوم بـ (شجرة مريم)، وكالعادة أنبع الطفل عين ماء وشرب منها وباركها ثم غسلت فيها السيدة العذراء ملابس الطفل المقدس.
كما يستعرض المسلسل كيف سارت (العائلة المقدسة) من بيت لحم إلى (غزة) حتى محمية الزرانيق (الفلوسيات) غرب العريش، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهه الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد.
ودخلت (العائلة المقدسة) مدينة تل بسطا (بسطة) بالقرب من مدينه الزقازيق ثم غادرت العائلة مدينه تل بسطا (بسطة) متجهه نحو الجنوب حتى وصلت بلدة (مسطرد)، ومن مسطرد انتقلت شمالاً إلى بلبيس (فيلبس) مركز بلبيس التابع لمحافظة الشرقية.
من بلبيس إلى سمنود
ومن بلبيس رحلت العائلة شمالاً بغرب إلى بلدة منية (سمنود) وتحديدا (منية جناح)، ومن (منية سمنود) عبرت (العائلة المقدسة) نهر النيل إلى مدينة سمنود (جمنوتى – ذبة نثر) داخـل الدلتا واستقبلهم شعبها استقبالا حسنا.
واذا كانت (العائلة المقدسة) قد سلكت الطريق الطبيعي أثناء سيرها من ناحية (سمنود) إلى مدينة (سخا) فلا بد أنها تكون قد مرت على كثير من البلاد التابعة لمحافظة الغربية وكفر الشيخ ويقول البعض إنها عبرت في طريقها في براري بلقاس.
ومن مدينة (سخا) عبرت نهر النيل (فرع رشيد) إلى غرب الدلتا، وتحركت جنوبا إلى وادى النطرون (الاسقيط)،وقد بارك السيد المسيح وأمه العذراء هذا المكان.
ومن (وادى النطرون) ارتحلت جنوبا ناحية مدينة القاهرة، وعبرت نهر النيل إلى الناحية الشرقية متجهه ناحية (المطرية وعين شمس)، ومنطقة (المطرية) هى بالقرب من عين شمس (هليوبوليس – أون).
ومرت وهى في طريقها من (الزيتون) إلى مصر القديمة على المنطقة الكائن بها حاليا كنيسة السيدة العذراء الأثرية (بحارة زويلة)، وكذلك على (العزباوية بكلوت بك).
ووصلت (العائلة المقدسة) إلى مصر القديمة ،وتعتبر منطقة مصر القديمة من أهم المناطق والمحطات التي حلت بها (العائلة المقدسة) في رحلتها إلى أرض مصر، ويوجد بها العديد من الكنائس والأديرة.
وقد تباركت هذه المنطقة بوجود (العائلة المقدسة)، ولم تستطع (العائلة المقدسة) البقاء فيها إلا أياما قلائل نظرا لتحطم الأ،وثان فأثار ذلك سخط والى الفسطاط، فأراد قتل الصبى يسوع.
وكنيسه القديس سرجيوس (أبو سرجه) بها الكهف (المغارة) التي لجأت اليه (العائلة المقدسة) وتعتبر من أهم معالم (العائلة المقدسة) بمصر القديمة.
وارتحلت ا(لعائلة المقدسة) من منطقة مصر القديمة متجهه ناحية الجنوب، حيث وصلت إلى منطقة المعادي إحدى ضواحي منف – عاصمة مصر القديمة.
وقد أقلعت في مركب شراعي في النيل متجهة نحو الجنوب بلاد الصعيد من البقعة المقام عليها الآن كنيسة (السيدة العذراء) المعروفة بالعدوية، لأن منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة إلى النيل في رحلتها إلى الصعيد، ومنها جاء (اسم المعادي)، ولايزال السلم الحجري الذى نزلت عليه العائلة المقدسة إلى ضفة النيل موجوا وهو مزار يفتح من فناء الكنيسة.
، كما سوف يرصدها المسلسل الذي اقترحته، أهمها أن مصر بلد للسلام والاطمئنان، وأن رحلة المسيح فيها ملأت ربوعها بالبركة.
مصر هى واحة الأمان
فكل الأديان السماوية أكدت أن (مصر) هى واحة الأمان، كما تتمثل العظة الكبيرة من هذه الرحلة في الاقتداء بهؤلاء العظماء في طريقة معيشتهم البسيطة وتعاملهم بالمودة مع الناس.
وما أحوجنا إلى التأكيد الآن في ظل الهجمات الشرسة من جانب دول الغرب المغرضة إلى أن مصر هى أرض التعايش والضيافة، أرض اللقاء والتاريخ والحضارة والسلام، وهى الأرض المباركة عبر العصور بدم الأبرار والشهداء الثمين؛ فهى التي عاش فوقها القديس يوسف، والعذراء مريم والطفل يسوع والكثير من الأنبياء.
كما تحمل هذه الرحلة في طياتها دلالات ومعان حضارية، وتاريخية وثقافية؛ بل تحمل أيضا مفاهيم إنسانية راقية؛ وتتمثل المعاني التاريخية في أنها تحمل تراثا إنسانيا عظيما هو ملك لكل إنسانية، وروعته أن هذا الحدث التاريخي والتراثي جرى في مصر – التي تمثل قلب العالم.
وما يشجع على عمل مسلسل يحمل عنوان (رحلة العائلة المقدسة)، أن هذا يأتي انطلاقا من توجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث تعمل الحكومة المصرية على تذليل جميع العقبات أمام المشروع القومي لإحياء مسار (العائلة المقدسة).
حيث يمثل مسار (العائلة المقدسة) إضافة هامة للمزارات السياحية خصوصا السياحة الدينية باعتبار أن طريق المسار يعد أحد المقاصد الدينية التاريخية.
كما يعتبر هذا المشروع المهم من أهم المشروعات القومية التي تحمل الخير لمصر، ويحظى باهتمام الدولة وكافة الجهات المعنية لتنشيط السياحة الدينية، ودعم الاقتصاد المصري وتوفير فرص عمل وتطوير البنية التحتية.
وتحرص الدولة المصرية على افتتاح مسار العائلة المقدسة كل عام بصورة تليق باسم مصر وحضور دولي رفيع المستوى وشخصيات دينية وثقافية وسياسية كبرى بعد استكمال كافة مراحل البنية التحتية للمشروع والحفاظ على ما تم إنجازه بكافة المحافظات خلال الفترة الماضية.. هل من أحد يسمع هذا الاقتراح؟!