محمد عبد الواحد يكتب: (روزاليوسف) والتابعى .. الزلزال الأكبر في تاريخ الصحافة المصرية (6)
بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
كما كانت (روزاليوسف) بركانا فنيا في عالم المسرح، وقد غادرته في عنفوان الفوران.. فقد انتقلت (روزاليوسف) إلى الصحافة كزلزال هائل لم تتوقف توابعه حتى اللحظة في مصر.
البداية كانت برأس مال للعدد الأول من مجلة (روزاليوسف) لا يتعدى الـ 8 جنيهات.. كانت تتعامل مع المجلة في المصاريف كربة منزل، تقتصد من كل بند لتغطى ما يجد من بنود.
وحينما رأت أن ركوب أفراد التحرير للسيارات وعربات الحنطور يكلف كثيرا، وكان هناك نوع من السجائر (سجاير الصوصة) توزع مع كل علبة كوبون لتمنح من يدخر عددا محددا من الكوبونات هدية يختارها.
قررت (روزاليوسف) لجميع أسرة التحرير ألا تدخن إلا سجاير (صوصة) بما فيهم التابعى المدخن الدائم لأفخم السجائر، لتحتفظ بنفسها بالكوبونات وتستبدلها في النهاية بدراجة.. لتصبح هذه الدراجة هى أول وسيلة للمواصلات اقتنتها المجلة.
ليكون يوم اصطفافها أمام المجلة يوما مشهودا يتبادلها أفراد التحرير بالتوقيع في سجل خاص بما فيهم التابعى.. وحينما انتقلت الإدارة من مسكن (روزاليوسف) إلى بدروم العمارة المقابلة الذى كان في أصله مخزنا للخمور، والذى يهبط عن الأرض بعشر درجات كان حدثا مبهجا.
فقد أصبح للمجلة أخيرا مقرا مستقلا.. بدلا من مكتب زوجها الأستاذ (زكى طليمات) في مسكن الزوجية.
نقلت (روزاليوسف) إلى المقر الجديد بعض المقاعد الخفيفة وكنبتين من بيتها.. كان البدروم يحتوي غرفتين خصصت إحداهما للإدارة والثانية للتحرير.. اشترت للتابعى مكتبا مستقلا وقطعة من الجوخ الأخضر تفترش سطحه ليعيش جو الفخفخة الذى اعتاده في مكتبه بمجلس النواب ويفضله عند الكتابة.
المكان المفضل للشاعر (أحمد شوقي)
كان الجميع في البداية يعمل في (روزاليوسف) متطوعا بالمجان.. الوحيد الذى كان يتناول أجرا هو الأستاذ عبد الوارث عسر – خمسين قرشا عن الزجل الواحد.
بعد فترة كان هذا المقر المكان المفضل للشاعر (أحمد شوقي) المالك الأصلى للعمارة.. كما أصبحت ندوة للكتاب والمسرحيين.
تم محاربة المجلة ليس فقط من القصر و من الإنجليز و إنما من المجلات الأخرى. فقد دعتها (الكشكول) في إحدى مقالاتها تحت عنوان (إلى عماد الدين يا روزا)، بالعودة إلى شارع عماد الدين كممثلة ومغادرة ميدان الصحافة.
كما ناصبتها العداء مجلة (الأمل) لصاحبتها (منيرة ثابت) التي دخلت (مطبعة البلاغ) حيث تطبع فيها أعداد مجلتها، فلما رات في طريقها بعضا من أعداد (روزاليوسف) أزاحتها من طريقها بحذائها لتبكى روزا كمدا.
وحينما كانت أعداد المرتجع تفيض عن المباع كان الباعة ينادون عليها بأقل من سعر الورق فيصيحون في الشوارع: (روزاليوسف بمليمين)، ليضحك معارف (روزاليوسف) أمامها فتقرر ذات مرة الانتحار، لكن (التابعي) أقسم لها أن (روزاليوسف) سوف تتصدر الصحافة.
وأن (الأمل) سوف تموت وتكف ذات يوم عن الصدور.. رغم أن خبرة (التابعي) في هذا الوقت كانت فقط كناقد مسرحي ولا خبرة لديه بإخراج وتحرير المجلات.
فكان يذهب يوميا إلى (مطبعة البلاغ) ويتابع تحرير المجلات الأخرى مثل مجلة (القمر) فيشاهد وضع الرسوم وأماكن الكلاشيهات والتصحيح والشطب، وكل ما يتعلق بإخراج المجلة وطباعتها.. ليبدا في تنفيذ ذلك عند إخراجه للأعداد الأولى لروزليوسف.
كان (التابعي) في مقالاته السياسية يتبع نفس الأسلوب الخفيف في كتابة أخبار الفن والنقد المسرحى.. لكنها نعومة شفرة الموسي.. فتحت أسماء مستعارة – ولأنه كان لايزال يعمل في مجلس النواب وعلى دراية بخباياه – فقد بدأ بتوجيه انتقادات لبعض نواب الشعب وفضح محسوبياتهم.
لينتقل بعد ذلك الى انتقاد المندوب السامى البريطاني.. ثم فضح الأمراء والنبلاء وكشف فسادهم وانتفاعهم بانضمامهم العائلة المالكة، حتى بدأت المجلة في وضع باب ثابت لفضح النظام الملكى في الغرب كهجوم غير مباشر على النظام الملكى بصفة عامة و في مصر بصفة خاصة.
التابعي يهاجم الملك
ليطال الهجوم بعد ذلك (الملك فؤاد) بشخصه مما وضع روزاليوسف في مرمى نيران المصادرة والاضطهاد بكافة أنواعه.. من أمثلة الهجوم علي (الملك فؤاد) أنه أراد السفر إلى الخارج على متن الباخرة، وكانت الرحلة من المفترض أنها رحلة عمل لكن الملك أرادها رحلة شخصية لا يصطحب فيها أحدا من الوزراء.
فهاجمه التابعي من (روزاليوسف)، إنه لا يحق للملك أخذ المبالغ اللازمة للرحلة من ثمن الفحم والزيت ومرتبات الطاقم، وإنما لابد أن يدفعها الملك من الخاصة الملكية ليقرر الملك بعد هذا الهجوم اصطحاب بعض الوزراء في زيارته.
كذلك بعد وفاة (سعد) كان (الملك فؤاد) على غير وفاق مع (النحاس باشا) كمرشح لرئاسة الوفد، غير أن (روزاليوسف) ساندته بقوة حتى تمت له رئاسته.. ورغم ذلك كانت (روزاليوسف) في مجلتها أول من طالب النحاس باعتزال المحاماة وإغلاق مكتبه كونه الآن رئيسا للوفد، حتى لا ينتفع كمحامى من منصبه السياسى.
جاءت الضربة الصحفية الهائلة لروزاليوسف حينما استطاع (التابعي) الحصول على ثلاث كراسات كتبها بخطه الراحل (سعد زغلول) كأجزاء من مذكراته التي تركها في مكتبته بمنزله ونشرها في المجلة.ل
يتابع الشعب من خلالها أسرار مفاوضات (سعد) مع الإنجليز.. وأسرار حادث قتل السردار الانجليزى وغيرها، وقد نشرها حتى قبل أن يعرف الوفد نفسه عنها شيئا ليقفز سعر العدد من مجلة (روزاليوسف) التي تحتوى هذه المذكرات من قرش صاغ إلى عشرة قروش مع نفاذ كل الأعداد رغم زيادة أعدادها.
بعد ذلك من 9000 إلى 16000 نسخة للعدد.. كان (التابعي) حتى هذا التوقيت لا يزال يوقع على المقالات باسم مستعار كونه ما زال يعمل موظفا للحكومة، فقدم استقالته بعد ذلك ليبدأ في مهاجمة الحكومة بمقالات صريحة تحمل اسمه.
قفزت مجلة (روزاليوسف) إلى صدارة الصحافة السياسية حتى أصبحت مفخرة حزب الوفد المعارض، مما جعل (روزاليوسف) تتحمل ما لا يطاق من المصادرات المتوالية للأعداد أثناء طباعتها وعرضة دائمة للاضطهاد الحكومى بكافة أشكاله لكل مقومات إصدار المجلة.
النحاس يستشهد بـ (روزاليوسف)
حتى أن (النحاس) حينما وقف في إحدى خطبه يهاجم الحكم الاستبدادي استشهد على ذلك بالاضطهاد المنصب على مجلة (روزاليوسف)، وقد نقلت جريدة (التايمز) الإنجليزية عنه ذلك فازدادت شعبية المجلة.
وأصبحت بعض الأعداد تهمة لمن يحملها.. فكان مشتريها يخبئها في جيبه حتى يتوارى عن العيون ليتصفحها.
من أمثله ذلك ما جاء في عددها الـ 90 عام 1927، حينما كتبت (روزاليوسف) العنوان الرئيسي للعدد: (ولى عهد مصر يجرى في عروقه دم فرنسي)، معللة ذلك بأن أمه هى حفيدة (سليمان باشا الفرنساوي).
كما حمل عدد آخر من (روزاليوسف) تهديدا غير مباشر للحكومة، حينما نشرت عام 1927 تحت عنوان: (اعتدى على سلطة البرلمان فطاحت رأسه تحت فأس الجلاد).
وقد كتب ذلك بكلمات كبيرة تحت صورة ضخمة للملك شارل، وهو في ساحة الإعدام يحيطه الجنود ويجاوره قسيس يلقنه الكلمات الأخيرة.
كما كشفت (روزاليوسف) في العدد 105 عن قصص مطلقات سمو الخديوي السابق مثل الأميرة (إقبال) والكونتيسة (زبيدة) النمساوية وغيرهما، لتعقب هذا المقال في نفس العدد مقالا آخر مصورا عن ملك إنجلترا الذى تزوج من ست نساء.
اثنتان منهما أمر بقطع رأسيهما تحت فأس الجلاد بعد محاكمة هزلية تحت رعاية الملك ذاته، وكذلك طلاقه ثلاث أخريات.. ليلقي هذا المقال ظلاله على مقال مطلقات الخديوي.