بقلم: محمد حبوشة
ربما كانت الفنانة القديرة (عواطف حلمي) في الظل إلى وقت قريب، إلا أنها صعدت إلى (الترند) طوال الأسبوع الماضي جراء أخبار متناثرة عن دخولها دار المسنين، لكننا للأسف في زحمة لعنة الترند نسينا أن نتحدث عن واحدة من أمهات السينما والدراما التلفزيونية.
نعم لعبت (عواطف حلمي) أدوارا كثيرة في حياتها الفنية تعزف على أوتار الإنسانية في أعمالها الكثيرة التي ماتزال تسكن البيوت المصرية البسيطة، وهى قد سعت منذ نعومة أظافرها شابة متطلعة إلى لعب أدوار مهمة ومنها في القلب دور الأم.
بدلا من اتهام أسرتها بالإهمال، وخاصة حفيدها (نور النبوي) علينا أن نلقي أضواء كاشفة على أعمالها، ولماذا لاتنال قدرا من التكريم في المهرجانات السينمائية والمسرحية التلفزيونية وهى على حياة عينها.
رفقا بكبار نجومنا الذين أمتعونا بفن راق لا يخاصم المتعة، أو لعب أدوارا ترسخ للقيم الإنسانية بدلا من الاحتفاء بأعمال البلطجة والعنف والعشوائية، لماذا نصر على إبراز القيم السلبية في المجتمع ولا نحتفي بالقيمة من أهل القيمة.
هل عدمنا مقولة أن (الفن هو الإبداع في التعبير عن الحياة)، التي اختفت في طي النسيان بفرط من تقصيرنا في حق نجمة من زمن الفن الجميل مثل (عواطف حلمي) التي لم تخضع يوما للابتزال؟
(عواطف حلمي) واحدة من رواد الفن الأصيل اللاتي آمن بـ (إنما الفن مورد الحب والنور.. شهي الأمواه عذب الورود.. إنما الفن أيكة عاش فيها.. بلبل القلب بين ناي وعود.. إنما الفن دوحة في ذراها.. كل من شئت من جني وورود).
إن (عواطف حلمي) من أولئك الأشخاص الذين يجرى في دمائهم الفن وهم لا يشعرون، فالفن بالنسبة لها يشير إلى تحرر الإنسان في ساعات إبداعه ليعطي مذاق الحرية للآخرين إلى الأبد، كما بدا لنا شيئا من هذا في مجمل أعمالها.
بل إن الفن من وجهة نظرها ونظر كل جيلها من المبدعين: خطوة من خطى الطبيعه إلى اللا نهائيه، ولعل لديها يقين إن أفضل الناس ليسوا هم أسعدهم، ولكن أسعد الناس هم دائما أفضلهم في فن ممارسة الحياة بنجاح.
علامات بارزة في تاريخ الفن
لعبت (عواطف حلمي) أدوار ربما لم تكن بارزة على شاشة السينما والمسرح والتلفزيون، لكنها تظل بمثابة علامات بارزة في تاريخ الفن المصري، في زمن الفتوة الفنية، ذلك الزمن الذي لم يعرف بطولة مطلقة لهذا أو ذاك بقدر قيمة ما يقدمه هؤلا النجوم.
(عواطف حلمي) هى التي جسدت أدوارا تدعى بالأم الكمالية، تلك التي تخاف على أبنائها وتراقبهم وتخطط لهم حياتهم، لكنها غالبا ما تصل لدرجة السيطرة والحفاظ على أبنائها لتحميهم من اعتراك الحياة.
هى الأم الفُضلى، التي تجمع الإيجابي من كل نمط وتحذر الجانب السلبي له، ومن هنا فهى القدوة الحسنة، التي تلعب دور كبير في تشكيل المجتمعات وبنائها، وهى محركة ودافعة للإنسان للارتقاء بذاته في أعلى درجات الكمال الإنساني.
(عواطف حلمي) واحدة من الأعمدة الأساسية في تجسيد دور الأم عندما كانت من الأدوار الاساسية في الأعمال الدرامية العربية، وقد جعلت للأم مكانة كبيرة؛ فهي مربية الأجيال والمضحية دوما من أجل الآخرين.
فيما كانت تؤدي (عواطف حلمي) تؤدي الأم دور البطولة في الواقع نراها تعيش على الهامش في الدراما، حيث يعتبرها صناع الدراما، للأسف، مجرد تحصيل حاصل على الرغم من أن دورها بالحياة مؤثر ولا يمكن تجاهله.
(تجهيل) الأم دراميا
والسؤال: لماذا تم (تجهيل) الأم دراميا؟، وهل سقطت سهواً أم عمداً؟، ناقشت أعمال كثيرة لعواطف حلمي دور الأم ومعاناتها وتحملها المسؤولية كاملة كي تخرج بعائلتها إلى بر الأمان، لكنها عاشت لترى الأم جاحدة تقتل أبنائها أو تعصف بهم في ظل قسوة الحياة الظالمة في زمن التردي الأخلاقي.
وعلى الرغم من سلبية صورة المرأة في زمن التردي الحالي، إلا أن صورة الأم المرسومة في الوجدان ظلت ثابتة رغم اختلاف الممثلات والسيناريوهات والحكايات وحتى باختلاف الحقب الزمنية، بحنانها وتضحيتها وكفاحها ومساعدتها لأبنائها، كما كان حال (عوطف حلمي) في أعمالها الفنية الراقية.
اشتهرت (عواطف حلمي) بتقديم دور الأم في كثير من أدوارها، فمن يعرفها على أرض الواقع يشعر أنها أمه بالفعل فهى توزع كل مالديها على الجميع دون طلب مقابل أنها الفنانة العبقرية.
تخرجت من المعهد العالى للفنون المسرحية قسم تمثيل عام 1963، ثم التحقت بمسرح التلفزيون عام 1962، وهى ما زالت طالبة بالمعهد، ثم التحقت بفرقة (مسرح الحكيم) عام 1963.
كشفت الفنانة القديرة (عواطف حلمى) سابقا، كواليس بدايتها فى عالم الفن وبكت على الهواء عقب عرض، لقطات من الأعمال الفنية التى اشتركت بها طوال مسيرتها.
شاركت في المسرح المدرسي
وقالت (عواطف حلمى)، خلال استضافتها بأحد البرامج على قناة CBC: آخر مشهد فى فيلم (هذا الزمان) التى اشتركت فيه، البصة اللى أنا بصتها كل ما أشوفها أعيط، وأوضحت أنها تأثرت أيضا فى المشهد الذى يجمعها مع الفنان (حمادة هلال) فى مسلسل قانون عمر).
وعن دخولها عالم الفن، قالت إن حب التمثيل بدأ معها عندما كانت فى الصف الثانى الثانوى، حيث انضمت للفريق المسرحى التابع للمدرسة، وكانوا يعرضون أعمالهم على خشبة مسرح الأزبكية ودار الأوبرا، وأن عائلتها أخذت انضمامها لفريق المسرح المدرسى بنوع من الاستهتار، وعدم المبالاة.
وقالت إنها حينما أصرت على الالتحاق بمعهد التمثيل، رفضت أسرتها فقررت تنظيم الاعتصام داخل المنزل رافضة تناول الطعام حتى نجحت فى إقناع خالها بوجهة نظرها، وقرر دفع المصروفات فى المعهد، التى كانت تبلغ حينها 22 جنيها.
أحبت (عواطف حلمي) التمثيل فشاركت في المسرح المدرسي أثناء طفولتها وأرادت أن تلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ولكن رفض والداها ذلك، اعترضت عواطف على هذا الأمر.
وتمسكت بما تريد ولم تتنازل عن رغبتها في التمثيل فقام خالها بالتدخل في الأمر، وساعدها لكي تلتحق بالمعهد بشرط أن تكون مثل الفنانة أمينة رزق، وافق أهلها على أن تدخل مجال التمثيل وتنفذ هذا الشرط فوافقت على ذلك.
أصبح للفنانة (عواطف حلمي) كيانها الخاص، ودرست في المعهد وتخرجت من قسم التمثيل عام 1963، شاركت بالعمل في مسرح التلفزيون ثم التحقت بفرقة الحكيم المسرحية وذلك في عام 1963، وفرقة المسرح الحديث وذلك في عام 1974 واستمرت فيها حتى عام 2002.
شاركت في إعلان تلفزيوني عام 1990 كان نقطة فاصلة في حياتها الفنية حيث لفت إليها أنظار كبار المخرجين، فقدمت العديد من الأعمال الفنية.
نجحت الفنانة القديرة (عواطف حلمي) في تجسيد شخصية الأم وقد حصرها المخرجون في دور الأم الطيبة، ونادرا ما تقف أمام عمل فني لها يكون خارج نطاق الأمومة.
فيلم (يوم حار جدا)
تعدت حصيلة أعمالها ال 150 عمل فني متنوع، ما بين السينما والمسرح والتلفزيون، فقد شاركت (عواطف حلمي) في عدة أفلام، ومنها (امرأة هزت عرش مصر) في عام 1995، فيلم (مبروك وبلبل) في عام 1998، فيلم (الفرح) في عام 1999، فيلم (عمر 2000) في عام 2000، فيلم (خالي من الكوليسترول) في عام 2005، فيلم (يوم حار جدا).
أيضا شاركت في فيلم (هي فوضى) في عام 2007، فيلم (ألوان السما السابعة) في عام 2007، فيلم (كلام نسوان) في عام 2009.
ومن أهم مسلسلات عواطف حلمي: (رأفت الهجان) في عام 1988، أحلام في الظهيرة) في عام 1989، (الطاووس) في عام 1991، (عمر بن عبد العزيز) في عام 1994، ليالي الحلمية) في عام 1995، (أقوى من الطوفان) في عام 1995.
كما شارت في مسلسلات: (لن أعيش في جلباب أبي) في عام 1996، (هارون الرشيد) في عام 1997، (القضاء في الإسلام) في عام 1997، (الإمام ابن حزم) في عام. 1998، (قسمتي ونصيبي) في عام 2001، (حديث الصباح والمساء) في عام 2001.
أيضا شاركت (عواطف حلمي) في مسلسلات (أميرة في عابدين) في عام 2002، (إمام الدعاة) في عام 2002، (رجل الأقدار) في عام 2003، (ينابيع العشق) في عام 2005، (حدائق الشيطان) في عام 2006، (آدم) في عام 2011.
ولا ننسى أدوارها في مسلسلات (مولانا العاشق) في عام 2015، (راس الغول) في عام 2016، (كلبش) في عام 2017، (لدينا أقوال أخرى) في عام 2018، (لآخر نفس) في عام 2019، (طلقتك نفسي)، و(آخر الدنيا) في عام 2020، مسلسل (نقل عام) في 2022.
وفي أحد اللقاءات مع الفنانة القديرة (عواطف حلمي)، تحدثت عن الفن في الوقت الحالي وعن أعمالها مع كبار النجوم فقالت: (قدمت أعمال فنية مع نجوم كبار أمثال الفنان الراحل نور الشريف في المسلسل الديني (عمر بن عبد العزيز).
والفنانة القديرة سميحة أيوب من خلال مسرحية (الإنسان الطيب) للمخرج الراحل سعد أردش، مسرحية (بلدي يا بلدي) مع المخرج جلال الشرقاوي).
كما أكدت أن فترة الستينات والسبعينات حملت نهضة فنية كبيرة، وتابعت أنها قدمت دور في مسلسل كويتي مع الفنانة الكويتية سعاد عبد الله كما وضحت قائلة: (جيل الفنانين نور الشريف ومحمود عبد العزيز ميتعوضش والنجوم الذين وصلوا، هذا الجيل يحتاج سنوات لكي يصلوا إليهم).
ملامح جذابة وشخصية هادئة
اختتمت الفنانة (عواطف حلمي) حديثها عن الغناء في الوقت الحالي ووصفت الجيل الحالي أنه جيل السرعة في الكلمات والألحان، كما أنه ينقصه عامل الروح.
وتابعت قائلة: (الفن في قديم الزمان كان يمثل العشق من خلال المسرح القومي ومسرح الأوبرا، قدمت مسرحية وكان عباقرة الفن من يقومون بتدريبنا، ومنهم الفنان شفيق نور الدين والفنان صلاح سرحان، الفنان نبيل الألفي وغيرهم.
وكانوا يقومون بتوجيهنا في كل صغيرة وكبيرة من أجل الوصول بنجاح الفنان في هذا المجال، أما في الوقت الحالي يقوم الفنان بملأ شرايط وهذا يختلف عن روح زمان).
تملك (عواطف حلمي) ملامح جذابة وشخصية هادئة تتمتع بالتنوع والاختلاف بين الشخصيات التي تجسدها في عالم الفن لتدخل القلوب دون استئذان، فمن يشاهدها يشعر وكأنه واحدة قريبة منه تشبه أفراد أسرته، وهذا ما جعلها تحظى بمكانة هامة بين نجمات من جيلها والأجيال الأخرى.
وظهرت (عواطف حلمي) بإطلالات راقية جذابة مفعمة بالاحتشام في مختلف الأوقات فكانت من أوائل النجمات اللاتي ارتدن الحجاب في الوسط الفني، لتختار أزيائها بعناية فائقة مما جعلها تشبه الأمهات داخل منزالنا، وهذا ما جعلها تحظى بمكانة مرموقة عند جمهورها لقرب شخصيتها وملامحها وإطلالاتها من حياتهم الحقيقة.
أشهر أقوال (عواطف حلمي):
** الفن في قديم الزمن كان يمثل العشق من خلال المسرح القومي ومسرح الأوبرا حيث قدمت مسرحية وكان عباقرة الفن يقومون بتدريبنا منهم الفنان (شفيق نور الدين، وصلاح سرحان، نبيل الألفي).
** الحياة الفنية أخذت مني الوقت، وعن التفكير في الدخول للحياة الغنائية قدمت أغنية في مسرحية (بلدي يا بلدي)، وهى على هيئة موال، لافتة: (أن الملحن كان لم يقتنع بصوتي).
** فيلم (حياة الزمان) للمخرج (رامي الجابري) يعد من المشاهد التي لا تنسى بالنسبة لها، وأن أدوارها في الأعمال الدرامية مثل (رأفت الهجان) و(لن أعيش في جلباب أبي) و(سوق العصر) من أهم أعمالها الفنية.
** الأغنية الأصيلة تمثل أساس الحياة الغنائية لأنها من جيل الزمن الجميل، حسب قولها، مضيفة أنها عاشقة أغاني كوكب الشرق أم كلثوم واحساسها الغنائي المتميز بجانب الملحنين العظماء والشعراء ومنهم (محمد عبد الوهاب، ورياض السنباطي، أحمد رامي، محمد الموجي، كمال الطويل).
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنانة القديرة (عواطف حلمي) التي أضفت بهجة وسعادة في كل البيوت المصرية، شأنها شأن كل شيء يرتبط بالأم فيصيبه الخير والبركة والبهجة والرضا.
وقد جسدت خلال مسيرتها الفنية التي استمرت لأكثر من ستين عاما، جوانب شخصية الأم المصرية بكل ما تمر به من صعوبات ومحن في سبيل أبنائها، ولهذا تعد واحدة من الوجوه الفنية المحببة إلى قلوب المشاهدين.
وعلى الرغم من أنها لم تكن من نجوم الصف الأول الذين يتصدرون التترات، إلا أنها تركت بصمة فنية واضحة، فقد قدمت دور الأم فى عدد من الأعمال الدرامية التى تظل محفورة فى أذهان المشاهدين.