بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
انتهينا في الأسبوع الماضي من تعريف (صلاح عبد السيد) ببعض الموجودين قائلا: ده فؤاد بدوي، وده مصطفى الشندويلي، وده محمد كمال محمد، وده محمد أبو الخير.. و.. و.. و..
وفرحت جدا.. أخيرا التحقت بعمل يتيح لى أن أسهر حتى الصباح، ولن انهض من السرير بعد الظهر.. أن أعانى من زحام المواصلات الكريه يوم واحد في الأسبوع.
صمم (صلاح عبد السيد) أن أصحبه إلى بيته في ميدان الجيزة.. قال لي: احفظ العنوان جيدا.. البيت كما تراه تحته صيدلية.. دلوقتى شد حيلك لأن أنا ساكن في الدور الخامس.. ياللا بينا.
كانت شقة (صلاح عبد السيد متواضعة للغاية.. في الدور الأخير.. لم تمر دقائق حتى كان بيننا صينية الغذاء.. لم يكن غذاء بقدر ما كان عهدا بيننا.. عيش وملح.. كان تخلل (صلاح عبد السيد) لوجدانى سريعا وعجيبا كأنه روح تعرف طريقها إلى مستقرها في جسد تعهدت بحياته.
شيء غريب جدا يا محمد.. بمجرد أن انتهيت من غسيل يدى كان قد حمل إلى إحدى بيجاماته: انت هاتبات معايا النهارده.
قلت له: يا صلاح أنا ليا سكن في (بين السرايات).
شقه؟
لأ أوضه تحت السلم.
تقصد تحت بير السلم.
أصر (صلاح عبد السيد) أن ألبس البيجامة حتى لا تتأثر ثيابى التي أحرص على كيها دائما.. بمجرد أن تناولنا الشاي طالبنى بسماع بعضا من شعرى الأخير.. كان واضحا من نقده معرفته الجيدة بالشعر وأصوله وحساسيته العالية لكل كلمة ومعنى وصورة.
كان يضرب لى أمثلة من بعض قصائدى التي استمع لها من الراديو من خلال برنامج (صوره شعرية) الذى كنت اكتبه لحكمت الشربيني في إذاعة الشرق الأوسط .
نسمع بقى قصة لحضرتك؟
إحنا أصدقاء يا أستاذ من زمان
تاني حضرتك.. وقبل كده في الإداره بتقول لي أستاذ (صلاح عبد السيد).. إحنا أصدقاء يا أستاذ من زمان.
خرج (صلاح عبد السيد) من الغرفة ليعود حاملا بعضا من الأوراق ليسمعني منه قصه قصيره.. كان تناولي قصته بالنقد مفاجاة له.. كنت أناقشه في أدق تفاصيل القصة التى سمعتها منه.
قال: إنت شاعر.. إيه علاقتك بالقصة القصيرة علشان تناقشني بالشكل التفصيلى ده؟
يا صلاح أنا معجون بقصصك وقصص (أحمد الشيخ)، وقصص (محمد حافظ رجب ومحمد مستجاب ومحمد المنسي قنديل ومحمد المخزنجي ويحيى الطاهر عبد الله و ابراهيم عبد المجيد ويوسف إدريس.
يعني معظم كتاب مصر في القصه القصيرة.. وكلهم شبه أصدقائي!
فرح صلاح جدا.. أحضر لي قصة أخرى بالغة الطول من عدة صفحات.. فى الصفحة الأخيرة كانت سبعه سطور.. قلت له: كان لازم تشيل السطور الأخرانيه دي.. مالهاش أي لزمة.
قام (صلاح عبد السيد) يحتضنني ويقبلنى مرددا: برافو عليك.. أنا كنت شاكك في كده.. بس كنت بكدب نفسي.. أخيرا لقيت الناقد الوحيد اللي ممكن أسمعه قصتي من غير ما أشك في مصداقية نقده .
نهض مرة أخرى ليعود بسرعة حاملا قصة له منشورة في أهرام الجمعة: إقرأ القصة دي.. كانت القصة تشغل تقريبا صفحة كاملة من الجريدة.. عقبت له بعد قراءتها: على فكره يا صلاح.. فيه (واو) زيادة عندك في نص القصة.
نهض (صلاح عبد السيد) مسرعا ليعود بمسودات نفس القصة يدفعها لي: شوف كده.. الواو اللي انت بتقول عليها موجوده عندك في القصه ولا لأ؟
قرأت القصة من المسودات باحثا عن هذه الواو الزائدة فلم أعثر عليها ..
من يومها يا محمد و أنا و (صلاح عبد السيد) كل واحد حس إنه لقى نصه المفقود..
كان (محمد عبد الواحد) مشدودا للغاية للتفاصيل.. أكملت: على فكرة.. أنا كنت كل ما اقعد معاك أحس ان انا قاعد مع (صلاح عبد السيد).. في إنسانيته وملائكيته؟
والحمد لله إن فعلا طلع إحساسي صح.. علشان كده من 20 سنة أو أكثر.. لما طلبت مني أكتبلك كلمة في خلفيه مجموعة قصصك.. كتبت لك إنك الوحيد اللي بيكتب.. القصة القصيدة وليست القصيرة.
(محمد عبد الواحد).. غاية التأثر
نظرت إلى (محمد عبد الواحد) فوجدته في غاية التأثر.. وفجأة قال لي: لا أستطيع نسيان وقفته في الشرفة وهو يودعنا.. يد تستند إلى العصا والأخرى يتشبث بها بسور الشرفة كأنه يتشبث بوجودك للحظات أخرى .. وهو بيردد وبيقولك مع السلامه يا إبراهيم.. كان نفسى أصوره الصورة دى بس ترددت .
كان نفسي كمان أصوره وإحنا قاعدين معاه ساعة ما قلت له هاجي لك كثير يا صلاح.. فبص عليا و قال لي (وانت كمان).
قال لي محمد عبد الواحد – يا ريت تكمل..
تابعت الأشجار على الطريق الزراعى تهرب إلى الخلف في سرعة.. تشدنى إلى الماضى البعيد أستجمع منها باقى الذكريات:
صلاح عبد السيد
كنت الـ 200 مليون سفينة حب..
في بحيره بتحضن في السمك..
كنت،، الفنيكس،، اللي اتشبك..
في ألف مغبد.. لاجل يخرج منه..
ألف.. فينيكس، بعد ما يتحرق
وما كانشي بيننا في يوم
يا دقة قلبي
غير عهد الإله الباقي..
نفضل ويا بعض.. ما نفترق
وان موتنا.. ناخد في الورق..
نقعد علي البرزخ..
ونتناقش في ضل الله..
لأن الله محبه و كل شئ دافي
وجميل
كنت الأصيل يا صلاح في حبك ليا..
ياما ساندتني..
في رحلة البحث التقيلة عن الجديد
وحلفت إني هاكون في يوم..
قائد لفرسان الحروف الصادقة..
في الزمن الشحيح
غرقتني بمحبتك
وانا كنت كل أحبتك
والنص تاني لكل حرف هاتكتبه
لو كل من حواليك.. مازالوا
بيكدبوا..
ألقاك مصمم تبقي صادق..
مهما هاتطول المعارك..
والنقاش.. والثرثرة
لو يوم تغيب الشمس.. تصحي كل يوم..
تقول لشمسك إشرقي..
إوعي في يوم تتأخري
قومي انشري نفسك.. و ياللا تأمري
كل اللي بيحبك يشوفك ع السطور
مهما الساطور اتمد ليك..
في زحمة الليل الشحيح
ما اعرفشي ليه يا حبيبي..
كان إحساسي بيك.. إنك جريح
و انك بتسخر م السكوت
ما اعرفشي ليه..
ساعة ما خدت الفرشه لاجل أرسم ملامحك..
إلتقيت الرسمة طلعت فرع توت
مع صوت شجن فيروزي..
بيهز الجهات الأربعه
تسمعني..
تلعن في اللي لسه مازال في هيئة ضفدعة
لا يوم عشقت السرسعة
ولا كنت غير الفارس الشهم..
اللي كان واقف مع..
الكلمه لو هاتهز في فروع الشجر
والحرف لو يصبح قمر..
مالي الجهات الأربعه وأكتر..
وعارف مصدره
أوقات كتير تهمسلي بالصوت الأصيل
الفجر مين يا صديقي داسه وأخره
هل فيه صحاب ع السكة لسه مصممين.. تستنظره
طول ما احنا في الصف الأمامي..
نكون.. أئمة..
أو يا صاحبي لا نكون
لكن لا بد نسيب لغيرنا السيف
إذا سبقونا..
أو قدروا في ليله يقدروا
من كتاب (مدد.. مدد)
سيرة ذاتية لبلد