(حسين السيد).. شاعر الأغنية العظيم الذي راوده حلم التمثيل!
كتب : شهريار النجوم
الشاعر الغنائي الكبير (حسين السيد) صاحب الإحساس المتدفق، حلو العبارة، فياض العاطفة، جياش المعاني العذبة الرقيقة، الذي كتب لكل المناسبات الأسرية والوطنية، وقدم تنويعات مختلفة من الكتابات الغنائية لم يستطع أحد مجاراته فيها، يتسم شعره بسمات الأناقة والرقة.
(حسين السيد) ويوم سعيد
علاقة الشاعر الغنائي (حسين السيد) بالتمثيل قديمة بدأت قبل مشاركته لـ (فريد الأطرش ولبنى عبدالعزيز) فيلمهما بـ (23) عاما وبالتحديد عام 1939، عندما قرأ ذات يوم في الصحف أن شركة (أفلام محمد عبدالوهاب)، تطلب وجوها جديدة لفيلمه الجديد (يوم سعيد) بطولة “محمد عبدالوهاب، سميحة سميح، إلهام حسين، عبدالوارث عسر، فؤاد شفيق، فردوس محمد، والطفلة فاتن حمامه).
ونترك مخرج الفيلم (محمد كريم) يحدثنا عن (حسين السيد) كما رأه أول مرة كما جاء في مذكراته التى كتبها الكاتب (محمود علي):
كان من ضمن الزوار الذين مروا علينا في مكتب (عبدالوهاب فيلم) أو الوجوه الجديدة التى تريد التمثيل شخص قدم نفسه باسم (حسين السيد) كان خجله وهدؤه من أهم الأسباب التى جعلتني أهز رأسي في أسف، وإن كنت في قرارة نفسي صممت على إسناد دور له، فكرت في إسناد دورا عاديا له، تؤديه أي شخصية باهتة.
ويومها تحدثنا كثيرا وجرنا الحديث إلى الأغاني، وهنا اعتدل (حسين السيد) وقال في ثقة لم تظهر عليه عندما قال أنه يريد الاشتغال بالسينما: قال أنا مؤلف أغان، وقرأ على بعض أغانيه فأعجبت بها، وفي هذه الأثناء حضر عبدالوهاب، وبدأ هو الآخر يستمع إلى مؤلف الأغاني الشاب، وأعجب به.
وفي أثناء ذلك كانت تنقصنا أغنية من أغاني الفيلم يغنيها (عبدالوهاب) عندما أراد أن يعود إلى القاهرة بسرعة فلم يجد إلا عربة برسيم يجرها حصان، فركب عليها وقال حسين السيد (بكره تكون الأغنية جاهزة)، فقال عبدالوهاب متشككا : بكره إزاي، دانت لو خلصتها في أسبوع يبقى كويس!
ولكن (حسين السيد) حضر في اليوم التالي ومعه الأغنية التى كان مطلعها (إجري إجري ودينا قوام وصلني).
وأعجب عبدالوهاب بالأغنية، وقرر أن يلحنها بل ــ وأزيد من هذا ــ دعا (حسين السيد) لتناول العشاء معه، وهذا يعتبر من الأحداث الهامة، ومنذ ذلك اليوم بدأت صداقتهما.
ولقد أخرجنا هذه الأغنية بشكل جميل، رغم فقرنا فى الإمكانيات، ووفق (عبدالوهاب) توفيقا كبيرا في تطعيم اللحن بخطوات الحصان، وقد صورنا خطوات الحصان فجاءت متوافقة تماما مع الموسيقى، وكانت شيئا جديدا دفع أحد كبار النقاد إلى اتهامنا (بلطش) هذا المشهد من فيلم أمريكي لم يكن عرض في مصر اسمه (فراش الليل)، وقد عرض بعد فيلم (يوم سعيد) بشهور.
الدكتورة (حامدة حسين السيد) أكدت لـ (شهريار النجوم) أن والداها دخل التمثيل حبا في الغناء، وكان هدفه الرئيسي الغناء وليس التمثيل.
وطلبت منا تصحيح تاريخ ميلاده ووفاته، وأكدت إنه لم يولد في (تركيا) كما جاء في كثير من مواقع الانترنت، ولكنه ولد في (طنطا)، ووالدته فقط هى التى كانت تركية.
وتوقفنا عند صديقه الشاعر الكبير (صلاح فايز) الذي كتب عنه قائلا: أحتاج لمجلد كامل لأتحدث عن (حسين السيد)، هذا الرجل الذى خرجت من عباءته إنساناً وفناناً وتلميذاً ومريداً – إذا صح التوصيف – احتاج لليالى وليالى أسهرها أذكر فيها مناقب هذا الشاعر العملاق فى مجال الأغنية إبان أبهى عصورها وأزهى أوقاتها أحتاج لكلمات كثيرة وكبيرة ومثيرة فى معناها غزيرة فى مغزاها.
لأتحدث عن هذا الإنسان الثرى بكل محاسن البشر، والمتدفق بأحلى وأغلى المعانى والأفكار فى موسوعة الغناء العربى، عند التأريخ له حقاً وصدقاً وعن جدارة يستحقها وهو أهل لها بدءاً من “إجرى .. إجرى .. إجرى” وحتى (فى يوم وليلة)، فى رحلة ملائكية مع النجوم والكواكب تقارب الأربعين عاماً بين بداية أربعينيات وحتى أوائل ثمانينات القرن العشرين.
كان (حسين السيد) يكتب على ورق يميل لونه للاصفرار وبقلم حبر فيه الحبر بلون (تركواز) وكان خطه رائعاً واضحاً، وكان يكتب بإسهاب تعلمته منه وأخذته عنه فى بداية حياتى الفنية، تعلمت منه صفات كثيرة حميدة (الصدق .. التواضع .. مساعدة المحتاج، البر بالأهل والمحيطين به)، كان يحمل مجموعة من قيم الرجال فى رجل واحد.
كان شاعراً غزير الانتاج، دائم الابتكار، واسع الخيال، شديد الواقعية فى مواقف الغناء الدرامية، أدخل مفردات على الأغنية العربية لم تكن تعرفها من قبل، ساعدته ثقافته الفرنسية على أن يجوب آفاق لم يصل إليها شاعر غنائى معاصر له رغم القمم العالية لمعظم شعراء من عاصروه، كان يهتم بتوصيل المعنى المراد بصرف النظر عن جرأة اللفظ وشدة وقعه على أذن المستمع فى بعض الأحيان.