بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
ولاد رزق 1.. ولاد رزق 2.. وأخيراً ولاد رزق 3.. وتستمر السلسلة.
غير أن الثالث من السلالة الرزقية الكريمة والذي يعرض حالياً في دور السينما، لم يكن الغرض منه استكمال مغامرات عصابة (ولاد رزق) في السرقة والنهب، مع ضرب أسوأ الأمثلة في الصفاقة والسفالة في التصرفات والحوار.
وكان واضحاً جداً تعمد استخدام الألفاظ البذيئة والإيحاءات المكشوفة، وجميعها كانت تمتاز بالسماجة وثقل الدم.
وأيضا فيما أظن أنه لم يكن الغرض منه رغم ذلك، إبراز الإصرار المجمع عليه من أبطال العمل، على أن يقدموا أنفسهم على أنهم كوميديانات، بينما تخرج الإفيهات منهم كالدبش والزلط.
وإن كان من حقنا طرح سؤال مهم لعله أقرب إلى اللغز منه إلى محاولة الاستفسار وهو:
لماذا الإصرار على أن يضع صناع (ولاد رزق) هؤلاء النجوم في هذا الإطار شبه الكوميدي، مع أنهم يجيدون تمثيل الألوان الدرامية وأدوار الأكشن الأخرى غير الممزوجة بالاستظراف، لاسيما وأنهم صاروا فيها وبسببها، نجوماً في سماء السينما عن جدارة؟!
لكن نظرة أكثر عمقاً يمكن أن تحل لك هذا اللغز، فنحن منذ فترة نعيش (صناعة الغصب)، إذ يتم فيها إنتاج أعمال لابد أن تنجح بالغصب يقدمها النجوم تم فرض بعضهم فرضا على الساحة التمثيلية.
ولذلك فلابد أن يأتى النجاح بالغصب.. وإشادة النقاد والصحف والمواقع والبرامج بالعمل الفنى بالغصب.. وهى كده وإن كان عاجبكم؟!.
لا أحدثك عن المشاهد المنقولة حرفياً من أفلام أجنبية ومنها أفلام مشهورة، فلابد لأنك كمشاهد ذكى، قد اكتشفتها بنفسك!
المعارك والمطارادات بالسيارات
ولكن ما علينا وممكن نعديها، فالتشابه في الأكشن خاصةً في المعارك والمطارادات بالسيارات، يمكن أن يتشابه، كذلك في خطط السرقة والتعذيب، ومن أجل أن تتم المتشابهات، فلابد أن نقلدهم في الإيحاءات المحنطة والألفاظ البذيئة والحركات القرعة.
حتى هذه تفقد مفعولها الكوميدي بسبب أن طريقة الإلقاء تصدر من غير محترفين كوميديا، إذ يظن البعض أن مجرد التلفظ بالإفيه يمكن أن ينتزع الضحكة من المشاهد، دونما أى اعتبار لما نسميه (خفة الدم الفطرية).
وهذه من الأمور التى لا يمكن تعلمها إلا مع استعداد الممثل الفطرى لأن يقدر على الإضحاك وليس شرطا أن يكون كوميديا، بل مطلوب فقط خفة الظل والقبول في هذه الناحية، وهى غير متحققة كثيراً، إلا في قليل من أداء أحمد عز من بين (ولاد رزق)!
وانتظرنا أن يأتي الفيلم الثالث بمغامرات جديدة وألغاز مختلفة وحلول مبتكرة، لكن فيما يبدو أن صناع الفيلم كانوا متعجلين إلى درجة أنهم كرروا (المفاجأة) نفسها، بحيث تتصاعد الأحداث.
وعندما يتملكك اليأس وتسلم بهزيمة (ولاد رزق): (قال يعنى قال) إذ بالحل يأتى فجأة بضربة قاضية لابد ان تعترف “بالغصب” أنها “ذكية” وعن طريق الفلاش باك يتضح لك أن (ولاد رزق) قد استغفلوا خصمهم وعدوهم الرئيسي.
غير أنهم بالتوازي مع ذلك، استغفلوا الجمهور أيضاً بتلك المفاجآت المتوقعة والمنقولة بتصرف بسيط من الجزأين الأول والثاني!
كما أنهم استغفلوك أنت كمان شخصياً، لأنك من الجمهور أيضا.
ملحوظة مهمة على جنب:
(لكنهم بالتأكيد لم يستغفلوا فناناً بقدر (الأستاذ سيد رجب) في مشهد ما قبل النهاية، عندما أخرجوا له شخصاً عملاقاً حقيقياً، وإذا به النسخة المطورة من (فرج) بتاع فيلم (الكرنك).
ولكن (فرج) موديل 2024 غير فرج موديل 1975 (سنة إنتاج فيلم الكرنك)، حيث إنه مجاراة لروح العصر، فإن (فرج) المطور الآن هو متخصص في اغتصاب الذكور.
ويتم الإيحاء المباشر بهذا في مشهد ذى دلالة قميئة سخيفة تسفه من مقدار بشاعة جريمة شنعاء، تذكرنا برواية (العسكري الأسود) للدكتور (يوسف إدريس) والتى صدرت في سنة 1962 وجرت أحداثها في الأربعينيات.
تبسيط فعل شنيع
ويمكن أن تزعم معي أن تقديم هذا المشهد في صورة كوميدية، نوع من التسويغ لهذه الجريمة، فأنت إن أردت تبسيط فعل شنيع، فما عليك إلا أن تحوله إلى نكتة وتجعل الناس يضحكون من تصوره بدلاً من استنكاره.
وعموماً هذا الأمر تبين أنه كان ومازال – قبل وأثناء وبعد – كتابة رواية (يوسف إدريس)، وسيلة من وسائل التعذيب و(كسر العين) في الصراعات السياسية والتجارية.
وهو كذلك عقوبة يتم تطبيقها بشروط دقيقة في القواعد والقوانين التي تحكم عالم عصابات المافيا التى وصل بها الأمر إلى الاستعداد لتكون حكومات من وراء ستار في بعض بلاد العالم!
فما أعجب قبول (الأستاذ سيد رجب) بأن يشارك في تسفيه هذه الجريمة في (ولاد رزق)، وأن يقبل بهذا الموقف، بينما أكثر ما يميز (الأستاذ رجب)، هو ملامح الرجولة الراسخة في تعرجات وتجاعيد وجهه والتى كانت سبب صعوده الميمون في بضع سنين.. لكن يا خسارة الرجالة يا بلد.
تمت الملحوظة ولنرجع لمرجوعنا:
وليس هذا فقط، بل استغفلوا فوق ذلك النقاد والصحفيين والكتاب المهتمين بمتابعة الأحداث، وقبل كل هؤلاء وأولئك استغفلوا المنطق والواقع وتسلسل الأحداث، واستبدلوا بذلك كله، سيناريو جديد يعيد تشكيل أحداث الفيلم.
ويؤكد أن دماغ ابن رزق للمرة الثالثة (ما جبتهاش ولادة).. وهيييييه.. انتصر (ولاد رزق) مع أنهم هم اللصوص والمهربين وأبناء الحرام المصفى!
(ففي النهاية لابد للشر أن ينتصر!).
ومع كل بلاوى (ولاد رزق) إلا أنهم قال إيه (مالهمش في الدم يا عيني)، فهم لا يستخدمون سلاحاً ناريا في صراعاتهم، ولذلك فإن خصومهم من العصبجية المجرمين (بفرض يعنى بفرض).. يحترمون حقوق الإجرام الدولي، فلذلك يحرصون على حياة الأولاد الأشقيا الحلوين!
أصل يعنى لو قتلوهم.. مين ممكن يعمل (ولاد رزق) رقم أربعة وخمسة وستة وألف وعشرتلاف؟!
بس ممكن أغيظك – ولا يعنى ماليش نفس أنا كمان – وأقرر لك أن الفيلم الثالث في السلسلة الرزقية، لم يتم الإنفاق عليه بهذا السخاء من أجل أن أحداثه فارقة في الأكشن ولا لترسيخ بريق بعص المشاركين والمشاركات فيه!
هول الأرقام من الأموال
فقد تفغر فمك وتجحظ عينيك وتلطم خديك من هول الأرقام من الأموال التى يقال إنها أنفقت على الفيلم ليخرج بصورة مبهرة، وتذكر أن هذه الأموال تبدو ضخمة إذا ما حسبتها بالجنيه المصري.
أما إذا تم حسابها بالدولار أو الريال أو الدرهم، فستراها غير مثيرة للانبهار بل قد تثير الشفقة!
ومن الآخر ومن غير لف ولا دوران، فإنى أظن – ولعل كثيرين لاحظوا ذلك معي – أن أهم ما في (ولاد رزق) هو أنه أشرك للمرة الأولى ربما في تاريخ السينما المصرية بصفتها رائدة السينما العربية، مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية كمسرح مشترك للأحداث مع القاهرة.
حيث كانت الفرصة الذكية للتجوال في المدينة وإظهار مبانيها الحديثة الشاهقة لتبدو كمدينة لا تقل حداثة ولا تطوراً عن أرقى المدن الأوروبية والأمريكية، ليس في طرز المباني فقط، إنما واضح جداً من خلال جولات الكاميرا ليس في المبانى فقط بل وفي الحياة عامة.
وبصراحة: أشهد أنه قد تم تطويع هذا الأمر باقتدار دون تعسف في الانتقال من وإلى الرياض وأعتقد أن الرسالة واضحة جداً بأن القطيعة وقعت مع الماضي (الوهابى) الذي كلفها الكثير من أجل إصلاح الصورة.
ومن الوجهة الدعائية، فلا يهم أى مبالغ تنفق على إنتاج فيلم يحوى كل هؤلاء النجوم من أبطال وبطلات السينما، مع ظهور خاص لنجوم رياضة عالميين، فهى دعاية بلا شك قد أتت ثمارها بتكلفة أقل بكثير من تكاليف الدعاية المباشرة!
(وربنا يكفينا شر ترامب وصفقاته)
والآن هل وصلتك الرسالة التى لا ألزم أحدا بفهمها مثلما فهمتها؟!
فأيهما أفضل: تكاليف زيارة (ولاد رزق) أم تكاليف زيارة رئيس أمريكي مثل ترامب؟!
فهناك فرق كبير بين أفلام مافيا (ولاد رزق) في السينما المصرية وبين مافيا أولاد العم سام، سواءً في السينما أم في الواقع الأمريكي المفروض (بالغصب) على العالم؟!