* أول دور لعبته في حياتي التمثيلية في الجامعة كان دور فتاة!
* رفض الجمهور شخصية (كارلوس ميراندا)، فقدمت لهم، شخصية (غوار) وكاد اسمه يطغى على اسمي الحقيقي
* دخلت الفن عن طريق الموسيقى، والدكتور (صباح قباني) هو من أدخلني التليفزيون
* بعد هزيمة يونيو عام 1967 استيقظنا على شيئ أذهلنا، غيرنا، دمرنا، زرع في داخلنا الهزيمة والإحباط، وأصبح الفن يعبر عن هذه الحالة وقدمت مسرحية (غربة) مع الماغوط
* الفن ليس مجرد مهنة، فالفن يعنيني كقضية تعبير، أعبر من خلاله عما يجيش في خاطري، عما أرى، عما أتفاعل
* عندما لا أرى شيئا أعبر عنه سأتوقف حتما، وأتحول إلى بائع شاورمة أوتري أو بائع متجول، فالفن قضية، وليس مهنة
بقلم: الإعلامية الكبيرة أمينة صبري
مازالنا مع حوار أستاذتنا الإعلامية الكبيرة (أمينة صبري)، والنجم السوري الكبير (دريد لحام)، في الحلقة الماضية توقفنا مع كواليس هذا الحوار.
وتحدث نجمنا السوري عن أحياء وحارات سوريا الشعبية في طفولته، والتى كانت غاية في الجمال والتكوين المعماري الأصيل، كما تحدث عن نشأته في عائلة تعدادها اثنا عشر فردا.
وكذلك تطرق إلى ظروف الحياة الصعبة عليه، وعلى كل من حوله، ووصف نفسه بأنه كان يتميز بالهدوء والخوف والخجل.
وأكد (دريد لحام) أن ظروفه الصعبة لم تشله، ولم تمنعه من البحث عن حياة أفضل، فجو الفقر لم يولد في نفسه النقمة، وإنما ولد في نفسه الصبر والجلد والطموح.
وصرح دريد لحام أنه اشتغل في أعمالا متعددة، عمل كحداد، وترزي، وفي كي الملابس، وبائع أقمشة، وبائع جوال وشيال وغيرها.
وأوضح أن ظروفه الصعبة جعلته يعتبر الفن في هذه الفترة ترفيه، حيث كان يؤمن بالمثل الصيني الذي يقول: (لومعك قرشين اشتر بأحدهما رغيفا، والآخر وردة) طبعا يقصد بالوردة ماهو جميل، وهو لم يكن لديه إلا قرش واحد للرغيف.
واليوم نستكمل رحلة الحياة والفن مع نجم سوريا الكبير (دريد لحام).
* إحساسك بالراحة واليسر المادي جعل لديك القدرة لكي تنظر حولك وتشتري الوردة أي أن ترى الجمال وتستمتع بالفن، فما هي أول وردة استمتعت بها؟
** (دريد لحام): اشتريت آلة اكورديون.
* إذن دخلت الفن على طريق الموسيقى؟
** (دريد لحام): نعم كنت أشارك كهاو للموسيقى في فرقة الجامعة، ومن هنا تم خطفي إلى دنيا الفن، بدأت كعازف ثم بدأت ألعب بعض الأدوار المسرحية في فرقة الجامعة.
ومن الطريف أن أول دور لعبته كان دور فتاة!، ففي ذلك الوقت كان صعبا على الفتاة أن تظهر على خشبة المسرح، فلعبت أنا دور الفتاة على اعتبار إنني صغير وقليل الحجم.
ومن هناك انطلقت، أي من خلال فرقة الجامعة، فقدمنا حفلات عديدة في المناسبات الطلابية، وكنت أعمل كممثل وعازف في آن واحد.
* عندما تخرجت في الجامعة، وفي كلية التربية عملت فترة كمدرس لمادة الكيمياء في المدارس والجامعة، فهل عطلك عملك كمدرس عن مواصلة ممارستك للفن؟
** (دريد لحام): ظللت أمارس هوايتي في الموسيقى والعزف على اعتبار أنني أستطيع أن أعزف بشكل منفرد، ولكني انقطعت عن التمثيل نظرا لانشغالي.
فقد كنت أعمل كمدرس لمادة الكيمياء في المدارس الثانوية خارج دمشق لمدة أربعة أيام في الأسبوع، وأرجع لدمشق لكي أعمل مدرسا بالجامعة، اليومين الآخرين، ولذلك انقطعت عن التمثيل في تلك الفترة.
* ولكني أعتقد أن افتتاح التليفزيون السوري عام 1960 وقت الوحدة مع مصر أتاح لك فرصة كبيرة لبداية هامة وحقيقية في الفن أسفر عن احترافك الكامل للفن فيما بعد؟
** (دريد لحام): الدكتور (صباح قباني) شقيق الشاعر الكبير الراحل نزار قباني كان أول مديرا للتليفزيون السوري، وكان على دراية واسعة بالساحة الفنية والثقافية السورية.
وكان على معرفة بجميع نوادي الهواة، وعلى دراية بأنشطة الجامعة المختلفة، وكنت أنا معروفا كممثل وموسيقي بالجامعة، وكان اسمها الجامعة السورية حيث كان هناك جامعة واحدة في كل أنحاء سوريا.
ولأن وقتها كان هناك جامعة واحدة في سوريا فكل ما يحدث بها كان ملفتا للنظر، على العموم استدعاني الدكتور (صباح قباني) ضمن من استدعى من الهواه ومحبي الفنون.
وطلب مني تقديم بعض الأعمال الفنية التى كنت قد قدمتها في الجامعة، وهناك اجتمعت مع الأستاذ الكبير (نهاد قلعي).
* وهل ظهرت في هذا الوقت شخصية (غوار) التى اشتهرت بها كثيرا، وأعتقد أنها كانت سببا من أسباب شهرتك الواسعة في العالم العربي؟
** (دريد لحام): شخصية (غوار) بدأت بعد ذلك، فأنا بدأت بلعب دور (كارلوس ميراندا) وهى شخصية من شخصيات الفلكلور الغنائي الأسباني، وقدمت هذه الشخصية في اسكتشات مع الفنانيين (نهاد قلعي، ومحمود جبر).
ولكن لم تلق استحسان من الجمهور، رغم أن الجماهير في بداية إرسال التليفزيون كانوا يتشوقون لمشاهدة أي شيئ حتى إنهم كانوا يفتحوا التليفزيون قبل الإرسال بنصف ساعة لكي يشاهدوا صورة لوردة مثلا.
أو شارة المحطة، ورغم هذا الجو المتاح لنا للوصول للناس لم تتعاطف الناس مع هذه الشخصيات، وظللت أفكر وأحلل سبب عزوف الناس وعدم قبولهم ما نقدمه.
واكتشفت أن الناس تتعاطف وتنسجم أكثر مع الشخصيات النابعة منها، وليست الغريبة عليها، وأحس الناس أن (كارلوس) هذا شخصية معلبة مستورده فابتعدوا عنها.
واهتديت لشخصية (غوار الطواشي) وهى شخصية من البيئة، من صميم البيئة السورية، تجدها من حولك في الحارة، والشارع، والزقاق، بلباسها التقليدي وشكلها.
ومن وقتها أي منذ عام 1960، قدمنا العديد من الأعمال الناجحة جدا، واشتهرت شخصية (غوار) وأصبح اسم (غوار) يكاد يطغى على اسمي الحقيقي، وحاولنا أن نطور في الشخصية فحدثت تعديلات عليها كثيرة.
* هنا ظهرت خبرتك ومعرفتك بالحياة التى عشتها وسط بيئتك الأصلية، وتجربتك العريضة بالحياة، فالعثور على فكرة شخصية (غوار) هو نوع من أنواع المعرفة بثقافة الحياة، فقد استوحيت ذلك من البيئة والمواقف التى عايشتها؟
** (دريد لحام): الشخصية كشكل وملابس موجودة في أحياء دمشق القديمة، فالقبقاب مثلا كان يلبسه كل سكان دمشق، وذلك لأن دمشق مدينة أرضها رطبة، فنهر (بردى) يتفرع قبل دخوله دمشق إلى سبعة أفرع.
ويدخل لكل البيوت، ويخرج منها عبر قنوات خاصة تسمى (الطوالع) ويدخل عبر كل بيت عبر سواقي لهذا السبب كانت أرض دمشق رطبة، فكانوا يستعملون القبقاب الخشبي لعزل الرطوبة، والآن أصبح القبقاب موضة لبعض شركات الأحذية.
* شخصية (غوار) الدمشقية الأصيلة كانت سببا في شهرة دريد لحام على مستوى الوطن العربي كله، فإذا تركنا هذه الشخصية جانبا، وانتقلنا إلى جزء هام جدا في حياتك، وهو المسرح نجد أنك رغم إصرارك على أن يكون فنك من الفنون الهادفة الحاملة لرسالة ما، إلا أنك اخترت الكوميديا كشكل وإطار لتوصيل أفكارك ورسائلك فلماذا اخترت الكوميديا بالذات؟
** (دريد لحام): أنا أعتقد أن الكوميديا أقدر على التعبير عن الأفكار الجادة من أي شكل آخر، قد يخالفني البعض في هذا الرأي، وأنا أحترم رأي الآخرين، ولكن اعتقادي الشخصي أن الكوميديا تستطيع أن تطرح أكثر الأمور جدية وتجعلها أقرب للوصول.
الكوميديا تهيئ الآخرين نفسيا، عندما يريد الطفل من أبيه شيئا فإنه يهيئه عن طريق قبله على خده، أو أن يصبح الطفل مطيعا لكي يحصل على ما يريد بسهولة، الكوميديا تفعل نفس الشيئ فهي تهيئ المشاهد نفسيا.
الشخص عندما يكون مبتسما يصبح نفسيا جاهزا للتلقي، الكوميديا تحضر المتلقي لكي يتلقى فتصبح الفكرة أسرع دخولا للقلب والعقل.
* متى إذن بدأ مسرح (دريد لحام)، فلقد ظللت سنوات تقدم مع (نهاد قلعي) اسكتشات (غوار) في التليفزيون منذ عام 1960؟
** (دريد لحام): في عام 1961 قدمت مع نهاد قلعي مجموعة من الأعمال المسرحية الصغيرة، فقدمنا مسرحية صغيرة بإسم (عقد اللؤلؤ) تحولت إلى فيلم بعد ذلك.
ولكن بدايتي المسرحية الفعلية كمحطة أولى حقيقية كانت عام 1969 أي بعد مرور عشر سنوات على احترافي الفن، وكان ذلك بمسرح الشوك، فقد أقيم وقتها مهرجان للمسرح العربي بدمشق، وعرضنا فيه تجربة مسرح الشوك.
وكانت فكرة أستاذ المسرح بسوريا (عمر حجو) وأنا تبنيت هذه الفكرة معه، وقدمنا عرضا لفت أنظار العالم العربي كله بمسرحية (الجرك).
أما ثاني محطة هامة في حياتي المسرحية، فكانت مسرحية (ضيعة تشرين) قدمناها عام 1974، شاركت الكاتب الكبير الأستاذ (محمد الماغوط) في كتابتها.
وهذه المسرحية كانت تعبيرا عما أحدثته فينا حرب أكتوبر، وكيف انتشلتنا من الهزيمة الداخلية التى لم تفارقنا منذ نكسة يونيو عام 1967.
* أنت دائما تحمل هموم الوطن على أكتافك، فهزيمة 1967 كسرتك نفسيا، ونصر أكتوبر أو (تشرين) طار بك لآفاق واسعة من الفرح، فأنت تنصهر مع الوطن في أفراحه وأتراحه.
فأنت صاحب وجهة نظر، صاحب رؤية محملة بهموم الوطن، وهموم الإنسان العادي المطحون وسط دروب هذا الوطن الحزين، وكل ذلك ينعكس في أعمالك.
وأعتقد أن المتلقي يشعر دائما إنك تعبر عنه، وإنك منحاز له، منحاز للإنسان البسيط المتعب، ومنحاز للقضايا القومية انحيازا تاما؟
** (دريد لحام): بعد هزيمة يونيو عام 1967 استيقظنا على شيئ أذهلنا، غيرنا، دمرنا، زرع في داخلنا الهزيمة والإحباط، وأصبح الفن يعبر عن هذه الحالة.
وأتت حرب أكتوبر عام 1973 لتنتشلنا من هذه الهوة المرعبة التى كدنا نستسلم لها، وأصبحنا ننتظر النهاية فقط، وكانت المسرحيات مع الأستاذ محمد الماغوط ،تعبر عن هذه الحالة فقدمنا (غربة) عام 1967، ثم (كأسك يا وطن) 1979.
وفيلم (الحدود)، وكل هذه الأعمال كانت تعبر عن هموم الوطن، والمواطن، فبالنسبة لي الفن ليس مجرد مهنة، فالفن يعنيني كقضية تعبير، أعبر من خلاله عما يجيش في خاطري، عما أرى، عما أتفاعل.
وعندما لا أرى شيئا أعبر عنه سأتوقف حتما، وأتحول إلى بائع شاورمة أوتري أو بائع متجول، فالفن قضية، وليس مهنة.
* إذن أنت لا تعتبر نفسك ممثلا، ولكنك إنسان صاحب وجهة نظر تريد أن توصلها للناس، وطريقتك في توصيلها هو فن الكوميديا؟
** (دريد لحام): بالضبط هذا هو أنا.
الأسبوع القادم نستكمل رحلة الحياة والفن مع النجم السوري الكبير دريد لحام.