تعرف على أغنية (محرم فؤاد) التى رفض عبدالحليم حافظ غنائها بسبب جملة
كتب: أحمد السماحي
نحيي اليوم الذكرى الـ 90 لميلاد المطرب الراحل (محرم فؤاد)، الذي ولد يوم 24 يونيو عام 1934، وبعد غد الأربعاء نحيي ذكرى رحيله الـ 22، حيث رحل يوم 26 يونيو 2002.
أسعدني الحظ بالاقتراب من هذا الصوت المليئ بالقوة والعذوبة والشجن، وأجريت معه العديد من الحوارات الطويلة سواء لجريدة (الحياة) اللندنية، أو جريدة (القاهرة) أو مجلة (الأهرام العربي).
والحقيقة أنه كان من أكثر المطربين غيرة على الساحة الغنائية، لهذا كان يدلي برأيه بصراحة عن كل وافد جديد، سواء مطرب أو ملحن، أو شاعر.
وحاولت بحكم حبه لي وحبي له، أن أثنيه عن قول رأيه بصراحة خاصة في المطربيين أصحاب الأصوات الحلوة والأغنيات الناجحة.
ولكن غيرته على الساحة الغنائية كانت تمنعه من المجاملات الرقيقة، كان يقول لي: (لابد أن يقول أحد قول كلمة الحق بدون مجاملات، ولابد أن يعرف كل صاحب صوت حقه، حتى لا يتفرعن على الناس!).
(محرم فؤاد) وأشهر أغنياته العاطفية
قدم (محرم فؤاد) العديد من الأغنيات العاطفية التى مازالت موجودة بقوة حتى اليوم بداية من (رمش عينه، والحلوة داير شباكها، زي نور الشمس حبي وتنكره..
وأوعى تكون بتحب يا قلبي، قوللي بحبك قوللي، شفت بعيني، وأنت عني بعيد، يا حبيبي قولي آخرة جرحي إيه).
مرورا بـ (يا واحشني رد عليه، غدارين، قالوا الحب عذاب، ع المينا، يا غزال إسكندراني، والنبي لنكيد العزال، تعب القلوب، سلامات يا حبايب، داري جمالك، كله ماشي، أنا عايز صبيه، مسا التماسي يا قمر، ندم، معرفتش تحبني، إدى حالك يا هوى، أبحث عن سمراء، مراسيل).
وصولا إلى (لو كان الأمر أمري، صحي الأشواق وتعالى قابلني، قوم يا شوق ننام، بحبك يا شبرا، اشكي لمين، أبداً والله) وغيرها من الروائع التى لا تنسى.
ظلم واقع على أغنياته الوطنية
رغم شهرة معظم أغنيات محرم فؤاد العاطفية، لكن في المقابل لا تجد الجمهور في الشارع يعرف شيئا عن أغنياته الوطنية، بحكم أنها لا تذاع إطلاقا باستثناء خمس أو ست أغنيات فقط.
لكن الذي لا يعرفه الكثيرون أن (محرم فؤاد) وبعد ظهوره ونجاحه في فيلم (حسن ونعيمة) عام 1959، وتحقيقه لنجومية كبيرة، لم يترك مناسبة وطنية مرت على مصر إلا وغنى لها.
فبحكم أنه من أبناء الطبقات الفقيرة التي رفعت ثورة 23 يوليو عام 1952 من مستواها، ووفرت لها التعليم والرعاية الصحية والتوظيف، غنى (محرم فؤاد) لإنجازات الثورة ومشروعاتها.
فعندما خاضت الثورة معركة السد العالي، غنى (محرم فؤاد) العديد من الأغنيات له منها (الهمة يا عمال الهمة)، و(حكايتنا الليلة)، ولم يكن تجاوب جماهير الشعب العربي في مصر مع غناء (محرم فؤاد) سوي تعبير دقيق المعني والمغزي عن قصة كفاح حقيقية امتلأت بالدماء والدموع والعرق لتروي هذه الملحمة الرائعة..
وأيضا عن القدرة إذا توفرت الإرادة على الاستقلال وتحدي قوي الشر التي لا تريد خيرا لهذا الوطن.
كانت ملحمة بناء السد العالي ترجمة واقعية بلا مساحيق أو مكياج لمقولة القائد جمال عبدالناصر ارفع رأسك يا أخي فعلي أرض أسوان كان البناء الضخم الذي ارتفع فوق هامات الرجال الأشداء.
وعلى أرض بورسعيد كان الدفاع البطولي عن حقنا في استرداد قرارنا وثرواتنا بعد قرار تأميم قناة السويس.
كما غني (محرم فؤاد) روائع عديدة لنكسة يونيو 1967، وقرار تنحي الزعيم جمال عبدالناصر، وحرب الاستنزاف، وعندما حدث الانتصار العظيم في حرب أكتوبر غنى أكثر من أغنية.
وبعد قرار الرئيس السادات الجرئ بإعادة الملاحة الدولية للقناة، غنى أيضا أكثر من أغنية، وقريبا سنتوقف بالتفصيل عند كل هذه الأغنيات الوطنية التى تزيد عن 60 أغنية.
كنيسة عيلبون
من الأغنيات الوطنية المجهولة التى قام بغنائها (محرم فؤاد) أغنية (كنيسة عيلبون)، لهذه الأغنية حدوتة سنحكيها هذا الأسبوع في باب (حواديت الأغاني).
والحكاية بإختصار عندما ألمت بنا هريمة 1967 استحضر الشاعر الرقيق علي مهدي من الماضي القريب كل وحشية العدو الإسرئيلي، من خلال رائعته (كنيسة عيلبون) هذه التحفة الغنائية التى لا تذاع إطلاقا الآن.
وفي هذه التحفة سجل الشاعر (علي مهدي) هذه القصة الأليمة عندما دخل الجيش الاسرائيلي عام 1948 بلدة (عيلبون) الفلسطينية فوجد أهلها محتمين داخل الكنيسة رافعين الأعلام البيضاء، فاقتاد الجنود بوحشية الجموع، وقتلوا بدم بارد وفي وضح النهار 14 من خيرة شباب البلدة.
وبعد انتهاء (علي مهدي) من كتابة هذه القصة المحزنة المؤلمة، في أغنية، عرض الأغنية على صديقه المطرب عبدالحليم حافظ، الذي سبق وغنى له (فوق الشوك مشاني زماني، قال لى تعال نروح للحب).
فتشجع (حليم) لغنائها لكنه توقف عند كلمة (كلاب صهيون) في بداية الأغنية، وبعض الكلمات الأخرى، وطلب تغييرها.
لكن (علي مهدي) رفض أن يغير حرفا واحدا فيما كتبه، وسحب الأغنية من العندليب، وعرضها على المطرب (محرم فؤاد) الذى أعجب بها جدا..
وأعطاها للملحن القدير (عبدالعظيم محمد) الذى مزج في بدايتها بين صوت الأذان وأجراس الكنيسة معا دليل على وحدة الصف العربي الفلسطيني، وفى نهايتها يتوعد الشاعر إسرائيل بالحساب، ويقول في نهايتها:
(أدى الحرب اللي بتعرفها كلاب الغدر، وحفظة فنونها
قتل الأعزل، وقتل العاجز، جوا كنيسة، وتحت عيونها
ما انتهتش الحرب لسه يا إسرائيل
ما انتهتش ولسه بينا حساب طويل).
حققت الأغنية نجاحا كبيرا آنذاك، لكنها اختفت تماما بعد أيام من إذاعتها، وظلت مجهولة حتى أفرج عنها قبل سنوات الإذاعي الرائع (إبراهيم حفني) من خلال برنامجه (منتهى الطرب) الذى توقف بثه لسبب مجهول!