حوار أجراه الكاتب الصحفي: مجدي كامل
في الحلقة الثانية من حوار الكاتب الصحفي (مجدي صادق) قدم لنا على لسان المخرج العالمي (أنور القوادري)، مللاحظاته حول فيلم عبد الناصر، ومشروعه عن (محمد فوزي، وأمنياته بعمل يرصد سيرة (فريد الأطرش)، وغيرها من قضايا السينما وغيرها، واليوم يقدم الحلقة الثالثة من الحوار فإلى التفاصيل:
* هل يمكن أنم تقولي تفصيليا: كيف بدأت فكرتك عن كتابة فيلم (عبد الناصر)؟
بدأت فكرة كتابة وإخراج فيلم سينمائي عن الزعيم (جمال عبد الناصر)، منذ بداياتى فى إخراج أفلام عالمية وعملي فى لندن، فى بداية الثمانينات.. يقول المخرج أنور القوادرى بهرني فيلم (غاندى)، وبدأت اقرأ وأعيش فكرة أننى يوما ما سأحقق فيلما عالميا عن (عبدالناصر).
فى بداية التسعينات باشرت بكتابة سيناريو فيلم (جمال عبدناصر) مع الكاتب البريطانى (إريك ساندرز)، وكتبت سيناريو الفيلم وكذلك خمس حلقات تليفزيونية، مقتبس عن كتاب (ناصر) للسياسي البريطاني (سير أنتونى ناتينج) الذى كان له موقف مساند لناصر.
واستقال من وزارة (أنتونى إيدن) محتجا على العدوان الثلاثى 1956، وأصبح مقربا من (ناصر) حتى وفاته.. كذلك حصلت على النواحي الإنسانية فى حياة (ناصر) من ابنته (منى) وابنه (خالد عبد الناصر).
والأخير ساعدني كثيرا ورتب لى لقاءات مع عبد اللطيف بغدادي، الفريق محمد فوزي، سامى شرف وغيرهم، لكن تعثر تمويل الفيلم العالمي وأنتج التليفزيون المصرى فيلم (ناصر 56).
(خالد الصاوى) تولى البطولة
فقررت أن أخرج فيلمي بحدود ميزانية الأفلام العربية، واتخذت القرار بأن يلعب أدوار الشخصيات الأجنبية ممثلين أجانب للمصداقية، كما أنني قررت أن يلعب (خالد الصاوى) البطولة، وقد كان قرارا صائبا حيث اتفقت معه أن يتقمص الشخصية ونبتعد عن التقليد، ولهذا نجح نجاحا باهرا وأصبح نجما كبيرا فى مصر والعالم العربي.
ليس هذا فحسب بل قدمت (خالد صالح) بشخصية (صلاح نصر)، وغادة عبد الرازق بدور (برلنتى عبد الحميد)، كما أننى أسندت البطولة لعبله كامل، هشام سليم، والراحل جميل راتب الذى جسد شخصية (محمد نجيب).
وقبل الانتهاء من التصوير افتعلت عليّ حملة افتراء غير مبررة من قبل بعض أفراد أسرة (عبد الحكيم عامر) واستعملوا كافة الوسائل لمنع عرض الفيلم فى مصر والخارج.
وأقيمت ضدي قضايا فى مصر وفرنسا، حتى التليفزيون المصرى منع أن يسمع صوت (عبد الناصر) فى الإعلان الترويجى عند عرض الفيلم فى مصر، وتم التعتيم على الفيلم إعلاميا، وكاد يمنع عرضه.
لكن رئيس هيئة الرقابة على المصنفات الناقد السينمائي على أبو شادى – رحمه الله – قاتل من أجل التصريح بعرضه، لأنه كان مقتنعا بقيمته الفنية والسياسية والتاريخية.
والحقيقة وبعد مرور كل هذه السنوات أنا فخور جدا بهذا الفيلم لأنه أصبح وثيقة تاريخية فى السينما، وكان أول فيلم يقتحم شخصية عبد الناصر على المستوى الإنسانى، وليس كزعيم أمه فقط.
وتعاملت معه على أساس أنه بشر أصاب كثيرا وأخطأ، خاصة بالخط الدرامي التراجيدي المتعلق بصداقته بالمشير عامر، لقد فتح هذا الفيلم المجال أمام السينمائيين وكتاب الدراما أن يتناولوا هذا الخط بحرية أكثر بعيدا عن التابوهات التى كان ممنوعا الاقتراب منها.
لا شك أن (جمال عبد الناصر) كان زعيما استثنائيا ليس فى تاريخ مصر، لكن فى كل العالم العربي، وأفريقيا ودوّل العالم الثالث.. ولقد لاقى فيلمى ترحيبا كبيرا فى كل مكان فى العالم عرض به، وما زال يحصد أرقاما كبيرة بعروضه تليفزيونيا وفِى موقع الفيديوهات الشهير (اليو تيوب) ووسائل التواصل الاجتماعي.
فتحت الطريق لأعمال عن (عبد الناصر)
أنا سعيد بأنني كنت أول من فتح الطريق لعمل أعمال درامية عن (عبد الناصر) عندما أعلنت عن فيلمي العالمي سنة 1992، حيث قام التليفزيون المصري وأنتج فيلم (ناصر 56) عام 1996، وعرض فيلمي عن حياة ناصر عام 1998 – منذ دخوله الكلية العسكرية وحتى وفاته.
في مطلع العام 1973 تسلم المنتج والمخرج السينمائي (أنور القوادري) الدفّة المهنية رسميًا من والده الراحل (تيسير القوادري)، ارتأى أن الوقت حان لكي يقف على قدميه لوحده.
النتيجة فيلم أثار الكثير من اللغط حينها، إيجابا وسلبا، عنوانه (قطط شارع الحمرا) الذي جمع في بطولته ممثلين من مصر (مديحة كامل ويوسف شعبان ونوال أبو الفتوح) ومن سوريا (محمود جبر، نجاح حفيظ)، ومن لبنان (كريم أبو شقرا وعلي دياب وشوقي متّى).
أما الإخراج فتولاه الراحل (سمير الغصيني) الذي انبرى بعد ذلك كواحد من أنشط المخرجين اللبنانيين عددًا إلى حين وافته المنية قبل عدة سنوات.
من عام 1973 إلى عام 2015 مرت مياه كثيرة تحت الجسر، سينمائيون مرّوا، آخرون توقفوا وفئة ما زالت مستمرة، من هذه الفئة (أنور القوادري) ذاته، وإن كان استمراره من النوع الهادئ الذي ينتظر الفرصة، حتى إذا ما سنحت صنع منها الحدث الذي يريده للسينما.
ككثيرين من أبناء جيله هو عاشق للسينما، وبرهن على ذلك بمشاريع لم يتصدّى لها سواه: قام، في العام 1983، بتحويل (كسارة البندق – Nutcracker) إلى أول اقتباس يقدم عليه سينمائي عربي لهذه المسرحية محاطة بموسيقى تشايكوفسكي، وبممثلة كانت ما زالت نجمة مسلسل (دالاس) الأميركي، وهى (جوان كولينز).
بعده، بعامين، أخرج أول فيلم بريطاني يتم اقتباسه عن فيلم عربي كان أعجبه فيلم محمد خان (موعد على العشاء) فاشترى حقوق تحويله إلى فيلم سينمائي بعنوان (كلوديا) مسندًا بطولته إلى ممثلة جميلة لمعت لاحقًا، اسمها ديبورا رافين.
ثم قام سنة 1998 بتحقيق فيلم روائي كامل عن الرئيس جمال عبد الناصر (وبالاسم نفسه) لعب بطولته المصري (خالد الصاوي)، في حين أدّى الممثل هشام سليم دور المشير (عبد الحكيم عامر).
العمل الجديد (ترنيمة مدينة)
الضجة التي شهدها الفيلم، والتي تراوحت بين الإعجاب والعداء، لم تمنعه من الاستمرار ولو بعد حين، ساهم في إنتاج فيلم بريطاني آخر مأخوذ عن مسرحية هو (هيدا غابلر)، وذلك في العام الماضي.
* ماذا عن فيلمك الجديد (ترنيمة مدينة) الذي سيشارك رسميا في دورة مهرجان (تورنتو) السينمائي في دورته الأربعين التي تنطلق في العاشر من الشهر المقبل؟
** (أنور القوادري): الفيلم من إنتاج الشركة التي يرأسها المنتج السعودي (إبراهيم دشيشة) ويديرها (أنور القوادري) موظفًا لها خبرته السينمائية الطويلة، أما الإخراج فلسينمائي آخر ذي خبرة طويلة، هو (مايكل كاتون – جونز) الذي سبق له أن خاض غمار أفلام بريطانية وأميركية ناجحة وكثيرة، من بينها (قصّة هذا الصبي) و(الضبع) و(حاسة فطرية 2).
* لماذا اخترت تقديمه في مهرجان تورنتو وليس في مهرجان أوروبي؟
** (أنور القوادري): مهرجان تورنتو يعتبر في غاية الأهمية بالنسبة لهذا الفيلم تحديدًا كون المهرجان البوابة الرسمية للسوق الأميركية، ولحسن الحظ فإن الفيلم لم يكن جاهزًا للمهرجانات الأوروبية الأخرى، لأني أفضل وجودي في (مهرجان تورنتو) الذي هو أنسب لتقديم هذا الفيلم عالميًا.
يدور الفيلم حول أحداث الشغب التي وقعت في بريطانيا سنة 2011، هل تراه فيلمًا بريطانيًا؟
قد يظن البعض أن موضوع الفيلم بريطاني فقط، وهذا ليس صحيحًا لأن مشكلة البطالة وحالات الضياع التي يعيشها الجيل الشاب هى حالة عامة نجدها في معظم الدول الأوروبية، كما في الولايات المتحدة وفي دولنا العربية.
(ترنيمة مدينة) قبل كل شيء فيلم سينمائي يعكس رغبة شركتنا في تقديم أفلام عالمية تتميّز بالجودة وتعيد كلمة الفنان لدور المنتج، على غرار بعض كبار المنتجين في عالمنا.
تتعاون مع المخرج البريطاني (مايكل كاتون – جونز)، كيف كان شكل هذا التعاون؟
** (أنور القوادري): الكلمة الصحيحة: رائع: أنت تعلم أن كاتون – جونز من أفضل مخرجي السينما البريطانية، سبق له أن اكتشف ليوناردو ديكابريو عندما أخرج في هوليوود (قصّة هذا الصبي).
أنا مخرج يعشق السينما
وخبر أفلاما صغيرة الإنتاج وأفلاما أخرى كبيرة مثل (الضبع)، و(روب بوي)، و(حاسة فطرية 2)، الذي كان آخر ما قدّمه من أفلام سنة 2006 بالتالي فإن (ترنيمة مدينة) هو فيلم العودة لهذا المخرج وهذا مصدر فخر كبير لي.
كيف تصنّف نفسك عبر سنوات ممارسة السينما؟ هل تعتبر نفسك مخرجًا عربيًا أم مخرجًا ومنتجًا ذا أصل عربي؟
** (أنور القوادري): أصنف نفسي كمخرج سينمائي يعشق السينما التي هى لغة يفهمها المشاهد في أي وطن، لذلك كنت أبحث عن نشر أفلامي في جميع أنحاء العالم، هل لك أن تتخيل مقدار سعادتي عندما أكون في زيارة في مدينة ما، أصل إلى غرفتي في الفندق وأفتح جهاز التلفزيون لأجد فيلمي (كسارة البندق) معروضًا على الشاشة.
ماذا عن المواضيع المختارة؟ ما الجامع بينها؟
** (أنور القوادري): يجمعها الجانب الإنساني والهوية العربية التي هى هاجس دائم عندي، إلى جانب هذا تجدني كثير الاهتمام بتقديم الوجوه الجديدة التي تنطلق بعد ذلك لتصبح معروفة عالميًا أو مشهورة في عالمها المحلي.
مثلاً قدّمت (فينولا هيوز) في (كسارة البندق) التي أصبحت نجمة لاحقًا عندما لعبت بطولة (البقاء حيا) أمام جون ترافولتا، قدمت خالد الصاوي في (جمال عبد الناصر)، والمرحوم خالد صالح بدور (صلاح نصر) في الفيلم نفسه، والآن دور (لاتيشيا رايت) الذي جاء بها (كاتون – جونز)، وهى مشروع لنجمة من الطراز الرفيع.
* أخيرا: أيهما أقرب إلى قلب (أنور القوادري) اليوم، الدراما التليفزيونية أم السينما؟ ولماذا تجاهلت اقتحام المسرح؟
** (أنور القوادري): أنا أحب المسرح كثيرا، لكن له تكنيك خاص به، لكن للأسف السينما والدراما هوايتى بالأساس فلم اقترب منه، لكن (مين يعرف؟!)، فيمكن عمل مسرحى مستخدما فيه التكنيك السينمائي.
وأنا أحب إدارة الممثلين، وأجد فيها متعة كبيرة جدا فقط إذا وجدت النص المسرحي الذى يستحق فيمكن يوما ما أقدم على هذه التجربة، رغم أنه كان فى بالي دائما، لكن لم تأت الفرصة بعد!