بودكاست (سمير عمر).. تجربة تبرز جوانب مثيرة في حياة (المحروسة)!
كتب: محمد حبوشة
أسهمت التطورات التكنولوجية التي يمر بها العالم في إحداث تغييرات سريعة في صناعة الإعلام والتكنولوجيا، وإيجاد تجارب إعلامية جديدة تسهم في تعزيز التفاعل بين الجمهور ووسائل الإعلام، ويبرز من بين هذه التجارب البودكاست (المحروسة) للصحفي والإعلامي (سمير عمر)، كإحدى الظواهر البارزة التي شهدت نموا هائلا.
ويعرف (البودكاست) بأنه سلسلة من الملفات الصوتية أو المرئية سواء كانت يومية أو أسبوعية أو شهرية، ويمكن للأشخاص الاشتراك بها والاستماع إليها في أي وقت يرونه مناسبا.
ويسمح (البودكاست) للأفراد بإنشاء محتوى صوتي قائم على الاهتمامات الشخصية والخبرات المتنوعة، وقد شهدت هذه الصناعة تطورات ملحوظة خلال السنوات الخمس الماضية، وتجاوزت حدود الوسائط التقليدية وصولا إلى جمهور عالمي واسع النطاق.
ومن هذا المنطلق أتابع عن كثب وأستمتع جدا بالـ (بودكاست) الذي يقوم بعمله الصحفي التلفزيوني البارز (سمير عمر)، والذي يأتي تحت عنوان (المحروسة)، وكانت أطلقته قناة (سكاي نيوز عربية) منذ فترة، حيث يعمل (سمير عمر) مديرا لمكتبها بالقاهرة.
بودكاست (المحروسة) يركز في حلقاته على الأوضاع في مصر بشكل عام سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية، أو من الناحية الثقافية والفنية، حيث يقوم (سمير عمر) بجولة صوتية في شوارعها العتيقة، وآثارها المسكونة بالسحر، في قراها النائمة في حضن الجبل، وتلك الساهرة على ضفاف النيل.
سر الإبداع متنوع الألوان
يكمن سر الإبداع متنوع الألوان متعدد الطبقات، الذي يقدمه (سمير عمر)، في إنها مصر المحروسة، بجمال سحرها وجلال أسرارها في أنحائها.. يطوف في كل أسبوع ليسبر أغوارها ويمنحنا قبسا من نورها في صورة حكايات أثيرية تبعث على المتعة والمحبة والشجن.
فقد تحدث في تلك الحلقات عن (ملوك الكلام وظرفاء الزمان، مئوية الدارويش وحكايات رضا، الصعايدة يتحدثون لغة سيبويه، كلمات عمرها 7 آلاف سنة على ألسنة المصريين، شم النسيم وسر أعياد المصريين الخمسة، المصريون يتحدثون بـ 100 لسان).
فضلا عن تطرقة لموضوعات أخري في حياتنا مثل: (فلسطين على خشبة المسرح المصري، على رأي المثل، التنكيت والتبكيت في مصر، مصر الخلطة الشعبية)، وهى حكايات تحث على الشغف والاستمتاع بالحياة المصرية التي سبقت العالم في حضارة ماتزال تسكن جدران معابدها الشاهدة على تطورنا منذ فجر التاريخ.
ولأني أعرف (سمير عمر) الصحفي قبل الإعلامي معروف بالاجتهاد والعمل الدؤوب، فقد تابعته من أولى حلقات البودكاست، تلك التي حملت عنوان: (ما الذي يجمع عبد الوهاب بحسين الجسمي)، فكرة استخدام الموسيقى والغناء في الدعاية الانتخابية.
حيث تم استعراض بداية الاستخدام السياسي للموسيقى والغناء في الترويج للمرشحين، بأغنية من تأليف الشاعر (حسين السيد)، وتلحين الموسيقار محمد عبد الوهاب، واستضاف (سمير عمر) في أولى حلقات (المحروسة) الكاتب الصحفي والشاعر (محمد العسيري) الذي صال وجال معه في هذا الموضوع المثير.
يجيد (سمير عمر) لفت انتباهك لسماع البودكاست (المحروسة) في أي وقت خلال اليوم، حيث نمضي الكثير من الوقت في التنقل من مكان لآخر وهذا هو الوقت الأمثل، ولا يمنع ذلك الاستماع للبودكاست أثناء الأنشطة المختلفة خلال اليوم، ومن هنا يدرك (سمير عمر) أن البودكاست محتوي صوتي، فلا يتطلب تركيزك الكامل مثل الفيديو.
براعة (سمير عمر) في التركيز
كما يبرع (سمير عمر) في التركيز على البحث في تحليل البيانات والمعلومات لفهم اهتمامات المستمعين وتفضيلاتهم، كما تشتمل تلك الرؤية من بين عناصرها على تطوير تقنيات التسجيل والإنتاج الصوتي وتطوير أدوات التسويق والتوزيع، حيث يقوم (عمر) على تقديمها بحرفية شديدة.
ويبدو لي أن (سمير عمر) يهتم بالتنوع في تناول الدراسات العربية التي تهتم بدراسة أساليب تقييم جودة المحتوى في البودكاست، وذلك باستخدام معايير محددة مثل القصة، والبنية والتنوع والتواصل مع الجمهور وملاءمة المحتوى للمستمعين المستهدفين.
جدير بالذكر أن (سمير عمر) بدأ عمله صحفيا بأخبار اليوم، ثم انتقل بين أكثر من جريدة مصرية، وعمل بعدها فى (قناة الجزيرة) بمكتبها بالقاهرة، وخاض العديد من المعارك الصحفية، خاصة فى رفضه إغلاق بعض القنوات الفضائية العربية ومصادرة حقها فى التعبير، ومنها قناة الجزيرة مباشر.
كما كان (سمير عمر) ناشطا كبيرا فى القضايا القومية، بداية من مساندة الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وكان عضوا فى لجنة دعم الانتفاضة الفلسطينية بنقابة الصحفيين، كما كان له نشاط مؤيد للمعارضة ضد النظام السابق.
خاصة فى حزب (العربى الناصرى، وحركة كفاية، والجمعية الوطنية للتغيير)، بما لا يتعارض ذلك مع دوره المهنى الذى أداه بحرفية ومهارة، أهلته ليكون مدربا فى كثير من الدورات الإعلامية، وكذلك فى بعض من دورات التغطية الإعلامية، سواء التى تعقدها المراكز الأكاديمية أو المنظمات الحقوقية العملة فى مجال مراقبة الإعلام.
برنامجه (أهل مصر)
كان (سمير عمر) قدم سبق صناعة بودكاست (المحروسة) من قبل في عام 2020 برنامجه (أهل مصر)، الذي يقترب من نفس المضمون إلى حد ما، وشهدت الإطلالة الأولى للبرنامج ظهور مقدمه وضيوفه من (قهوة بلدي) في أحد أحياء الجيزة الشعبية.
حيث ناقش عمر مع الخبير الاقتصادي محسن عادل، والنائب البرلماني عمرو الجوهري، (مؤشرات الاقتصاد المصري)، بينما انضم قبل نهاية الفقرة الأولى إلى قائمة الضيوف (صاحب المقهى) الذي تحدث هو الآخر عن مدى شعور المواطن البسيط بتحسن الأوضاع الاقتصادية، ومطالبه من الحكومة في المرحلة المقبلة.
وأجرى سمير عمر حوارا مع وزير النقل- آنذاك – كامل الوزير، عن ملف سكك حديد مصر، ومشروعات الوزارة المستقبلية في إطار تعظيم المنظومة، وتقديم الخدمة بشكل أفضل للمواطنين.
واحتفى (سمير عمر) مقدم (أهل مصر)، خلال الحلقة، بذكرى مرور 60 عاما على تأسيس (فرقة رضا) للفنون الشعبية، وتأثيرها على المستويين العربي والدولي؛ حيث حل الفنانان (محمد رؤوف)أحد أقدم مطربي (فرقة رضا)، و(نبيل مبروك) أحد مؤسسي الفرقة، ضيفين في الفقرة الأخيرة التي قدمت من منزل الأخير.
برنامج (أهل مصر) كان يتناول مختلف أوجه الحياة في مصر، كما يمزج بين فكرة التحقيقات التليفزيونية والبرامج الحوارية التي تلقى تفاعلا ملحوظا من المشاهدين أو مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان يبث برنامج (أهل مصر) في السابعة مساء الثلاثاء من كل أسبوع، ويعاد بثه للمرة الأولى في الواحدة صباح الأربعاء، كما يبث للمرة الثالثة في الواحدة من ظهر الأربعاء.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للصحفي والإعلامي القدير (سمير عمر) الذي يتطرق من خلال بودكاست (المحروسة) إلى استنارة عقولنا حول العادات والتقاليد والحرف التي برع فيها المصريون على مدار تاريخهم القديم والحديث.
هى إذن أفكار مبتكرة، يقدمها (سمير عمر) بمزيد من التشويق والحضور القوي بأداء صوتي مبهر، ليثبت لنا أنه واحد من متابعي التطور التكنولوجي، ويقوم بتوظيفه إعلاميا لإضاءة مناطق ربما تكون مجهولة أو منسية في حياة مصر (المحروسة).