حوار أجراه الكاتب الصحفي: مجدي صادق
غيرته الوطنية جعلته يتهمونه بالعمالة!..
فعندما شاهد فيلم (غاندي) أثارته الغيرة القومية،(ولماذا لا يقدم فيلما عالميا عن (عبد الناصر)؟! ومن يكتبه (إريك ساندرز)، كاتب السيناريو البريطانى الكبير حيث كان يعيش المخرج السورى العالمى (أنور القوادري)، وهو مقتبس عن كتاب أيضا للسياسى البريطانى سير (أنتونى ناتينج) أحد المقربين وقتها من عبد الناصر!
هذا ماعدا لقائه بأبناء الزعيم وشهود عصر (عبد الناصر)، حتى لايتهم يوما بأنه فيلم دعائى يخرجه مخرج سورىي،عاش كثيرا فى (مطابخ) السينما المصرية على غرار من كتب سيناريو (غاندي).
وهو بريطانى وليس هنديا، رغم هذا فقد تعرض لاتهامات بالعمالة ورفع دعاوى قضائية من عائلة المشير (عبد الحكيم عامر) وعائلة عبد الناصر، ومحاولات وقف عرض الفيلم.. إنها ملحمة أخرى تستحق أن تروى يوما ما!
(أنور القوادري)، المخرج الذى وضع قدمه فى ظل تحديات كبيرة ومصاعب وإحباطات على سلم العالمية فى (خلطة) سينمائية ميزته كثيرا، وجعلت منه مدرسة تجمع بين ماهو شرقى عربي وماهوغربي عالمي، وهذه هى الخلطة السرية التى يتمتع بها (أنور القوادري)، وأصبحت (القوادريزم) صناعة سينمائية متفردة!
رحلة (أنور القوادري) أراها قصة فيلم روائى طويل فيه من التراجيديا والمواقف الهزلية الضاحكة بنكهة (هوليوودية)، بدءا من شارع (الحمرا ببيروت)، حين رضع من والده الراحل المنتج والمخرج (تيسير القوادرى)، ليقدم الابن (أنور القوادري) إنتاجا لفيلم أثار الكثير حين تسلم الراية من والده فى عام 1973.
وحمل الفيلم اسم (قطط شارع الحمرا) وعمره لم يتجاوزالعشرون عاما، وقد جمع ممثلين من مصر القطط (مديحة كامل، يوسف شعبان، نوال أبو الفتوح)، ومن سوريا (محمود جبر، نجاح حفيظ).
ومن لبنان (كريم أبو شقرا، علي دياب، شوقي متّى)، أما الإخراج فتولاه الراحل (سمير الغصيني)، إيمانا من (أنور القوادري) الابن بالقومية العربية التى سرت فى عروق شباب ذاك الزمان!
لايمكن اختزاله فى مقدمة
(أنور القوادري) لايمكن اختزاله مطلقا فى مقدمة من بضعة سطور، لأنه يحمل على كاهله تاريخ كبير منذ عام 1973 وحتى اليوم، عاش (دهاليزها)، بدءا من (عامل كلاكيت) إلى مخرج عالمى يتحدى (الكبار)، ويتصدى لما هو أصعب محطما ماهو مستحيل.
ففي العام 1983، قام بتحويل (كسارة البندق) إلى أول اقتباس يقدم عليه سينمائي عربي لهذه المسرحية محاطة بموسيقى (تشايكوفسكي)، وبممثلة كانت ما زالت نجمة مسلسل (دالاس) الأميركي، فى ذلك الوقت وهى (جوان كولينز)!
(أنور القوادري)، الذى ولد فى 1953 فى (المزة – أحد أحياء دمشق)، أراه مولودا فى (مذود) سينمائي، فهو يتنفس (سينما) ملهما عاشقا قل مثلما تشاء من مترادفات، وهى حقيقية وواقع فيما تقوله.
فبعد (كسارة البندق) بعامين، أخرج أول فيلم بريطاني يتم اقتباسه عن فيلم عربي كان قد أعجبه، وهو فيلم محمد خان (موعد على العشاء)، فاشترى حقوق تحويله إلى فيلم سينمائي بعنوان (كلوديا)، مسندًا بطولته إلى ممثلة جميلة لمعت لاحقًا، اسمها (ديبورا رافين)!
نعم هو (مصنع) اكتشاف لعشرات النجوم العرب من مصريين وسوريين ولبنانيين وأجانب انطلقوا إلى العالمية، فقد كان يتمتع برؤية (مولود هذا المزود)، فهو (ترنيمة مدينة) حاملا رسالة أداها ويؤديها للإنسانية دون تمييز، أو عنصرية، أو تحيز، أو تلوين أو أى شيئ آخر.
فقد كان إنسانيا عالميا حاملا تلك (البشارة) التى جعلت من مخرجي وممثلي العالم الكبار يضعونه فى مرتبة يستحقها عن جدارة!
أنا لا أقول شعرا، فهو أكبر من ذلك، ولا أقول مدحا، لأننى أقل بكثير من أن أمدح، لأنه أسطورة أو ميثالوجيا عربية بنكهة عالمية فى عاصمة الضباب لندن، وقد حصل على العديد من الجوائز والتكريمات العربية والعالمية.
فلم ننس له مسلسله الدرامى الاجتماعى العربى (عرب لندن)، بحشد من ممثلين من عدة دول عربية راصادا قضية الهجرة العربية إلى الغرب، وقد صور المسلسل بين (سوريا، وبريطانيا وسلوفانيا)، بتكاليف وقتها تقدر ثلاثة ملايين دولار أمريكى.
ولم ولن ننسى (سحر الشرق)، فلا تزال الغربة ترسم ملامح فن وإبداعات (أنور القوادري)، هذا الرجل الذى ظل يحتفظ فى ذاكرته عندما كان عمره لم يتجاوز العاشرة من عمره مشاهد فيلم (سيرجيو ليوني)، من أجل حفنة من الدولارات (أحد أسباب عشقه للسينما)!
(أنور القوادري).. عاشق لندن
ولأنه عاشق لندن، منذ أن ذهب إليها عام 1974، فهو (ترنيمة العربي) فى عاصمة الضباب، حين قدم فيلمه (ترنيمة مدينة) بإنتاج سعودى، وقد شارك به فى مهرجان (تورينتو)، رغم أنه لمخرج آخر هو (مايكل كاتون – جونز)، الذي سبق له أن خاض غمار أفلام بريطانية وأميركية ناجحة وكثيرة.
وكان (أنور القوادري) بخبرته السيمائية الكبيرة مشرفا على الإنتاج!
وهذا أول خيط لهذا الحوار!
* هل مازلت تؤمن بهذا الرأى فى أن الطريق إلى هوليوود يبدأ من لندن؟، ولماذا لم تفكر يوما فى هوليوود وفضلت لندن؟
** (أنور قوادري): منذ أن بدأت أن أكون مخرجا سينمائيا كان تفكيرى متعلق بالأفلام البريطانية أو (البريطانية الأمريكية) المشتركة، وبالتالى كان عندى حب شديد لمخرجين بريطانيين، لأنهم بالأساس مخريجين بهوليوود.
أمثال (شارل شابلن، الفريد هيتشكوك)، طبعا (ديفيد لين)، فهم مخرجون كبارا، كلهم بيعملوا أفلام ويركزوا على الصورة بشكل مستمر (تقنيات العين السينمائية)، بالتالى كنت أتابع لما قمت بدراسة السينما فى بريطانيا.
إنه بالفعل حينما يريد المخرجين الأمريكان يعملوا أفلام ييجوا على بريطانيا يعملوها، لما (سبيلبرج) بيجى يشتغل فى ستديوهات بريطانية مع الفنيين البريطانيين ومدراء التصوير، والمونتيرين كلهم بريطانيين أساسا.
(ديفيد لين) مثلا، هو المونتير البريطانى عمل أهم أفلام فى تاريخ السينما العالمية، (هيتشكوك) كذلك، ولأنى من المتابعين للأفلام البريطانية، لذا أؤكد أن الطريق يمر من لندن للوصول إلى هوليوود.
تسألنى لماذا لم أفكر فيها؟: أجيبك فأنا أحب أعمل أفلام لها علاقة بالإنسانية كثيرا وأحببت الأفلام الأوروبية، مثل السينما الإيطالية الواقعية الجديدة لروبرتوروسيلينى (رحل عام 1977)، وفيدريكو فيللينى (رحل عام 1993).
أحب أفلام (فرانسوا رولاند تروفو)
وأحب كثيرا أفلام (فرانسوا رولاند تروفو)، وهو مخرج ومنتج وممثل وكاتب سيناريو وناقد سينمائئ فرنسى (رحل عام 1984) فى نفس شهر رحيل فيللينى (شهر أكتوبر!).
فبريطانيا تعمل شيئ من التوازن بين السينما الأوروبية الإيطالية والأمريكية، فتجد هذا الأسلوب السينمائى متأثر فيه، سواء فى أفلامى العالمية أو العربية، وحتى الدراما التليفزيونية!
ألا ترى أن فيلمك عن (جمال عبد الناصر) أغلب أحداثه تعيد نفسها بشخوص أخرى اليوم؟، وهل فكرت يوما أن تكتب فيلما عما يحدث فى غزة اليوم، وبالطبع إخراجه أو رصدا لما يحدث فى عالمنا اليوم؟
(أنور القوادري): بالتأكيد عندما كنت أكتب فيلما عن (جمال عبد الناصر) كنت أفكر ماذا سيحدث معنا فى تلك الفترة من الزمن، فبداية كتابته أوائل التسعينات وأنهيته فى نهاية التسعينات.
فقد أخذ منى فترة وقت كبير وطويل، لأنه أولا فيلم عالمي، وبعدين صار عربي على عالمي، إذ حافظت على الشخصيات الغربية، استعنت بنجوم بريطانيين مثل دور (أنتونى إيدن) وزوجته، كل الشخصيات الأجنبية مؤكد كلهم من بريطانيا طبعا.
وحتى الآن كل الأحداث التي تصير بالعالم العربي اليوم لها علاقة بالشخصيات والأحداث، مثلما حدث فى زمن (عبد الناصر) فى ذلك الوقت.
المشادة بين (ناصر وعامر)
فمثلا أنا أفتخر كثيرا بمشهد عزل (محمد نجيب) والمشادة التى حدثت بين (محمد نجيب وعبد الناصر) عند عزل (محمد نجيب)، تجد أن المشهد مكررالآن، عشناه عدة مرات، فعينى دائما ترصد الأحداث من حولنا.
وبالتالي أفكر دائما رغم أني أكتب سيرة ذاتية وأحداث حدثت فى ذلك الزمن، لكني أرى أنه يتطابق فى أحداثه مع الزمن الحالي، فهذا يؤكد قوة الموضوع ومصداقية الرسالة، وقد أشادوا فى هذا المشهد تحديدا فى عزل (محمد نجيب).
كذلك المشادة التى حدثت بين (ناصر وعامر)، وكنت أنا أول واحد جسدتها سينمائبا بين الرجل الأول والثانى، وهو مشابه كثيرا مشادات مع الرجل الثانى فى عالمنا العربي.
فتجد مثل هذه المشاهد متكررة اليوم وركزت عليها، وكنت أول واحد فتح الطريق أمام الكثير من الأفلام والمسلسلات، بعد ان فتحت الطريق، وبعد المشاكل التى حصلت لي فى ذلك الزمن مع العائلات سواء كانت عائلة (عبد الناصر)، أو عائلة المشير (عبد الحكيم عامر)، ودخلت فى قضايا محاولين منع عرض الفيلم.
لكنه كان هناك رئيس الرقابة على المصنفات الفنية متنور وفاهم وهو الناقد الكبير (علي أبوشادي)، شكل لجنة كبيرة من كافة الأطياف إن كانوا يساريين أو ناصريين قوميين ضد (عبد الناصر) ومحايدين.
وجميعهم أقروا السيناريو، ومن ثم الفيلم كان شيئ رائع، وبالتالى تم التخطيط للفيلم بطريقة صحيحة ونجح الفيلم، وهو يعرض فى كل مكان، وكنا قد قدمنا النجم (خالد الصاوى) مجسدا دور (عبد الناصر)، بعد أن قدمها الفنان الراحل (أحمد زكي)، وكان تحدى كبير أمام (الصاوي) الذى أصبح اليوم نجما كبيرا!
طبعا الأحداث المؤسفة التى تحدث فى (غزة) هزت كيانى، وأنا كفنان وإنسان كثيرا ماتأثرت عما يحدث، ويمكن إن شاء الله أفكر فى إخراج فيلما دراميا سينمائيا أو تاريخي، وعلى مستوى عالمي.
فليس فقط على مستوى عربي، فالأحداث هزت ضمير العالم كله، فقضية (فلسطين) أصبحت قضية العالم، فنرى حجم المظاهرات التى تحرج من كل أنحاء العالم، حتى فى عقر دار أمريكا، بريطانيا، أوروبا.
خاصة وأن الشباب الغربى هو الأكثر تعاطفا مع القضية الفلسطينية بشكل كبير ومثير غيرت الموازين، فمن المؤكد أننا كفنانين ومخرجين وكتاب نتفاعل عما حولنا!