بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
بعيدا عن كل ما قيل حول واقعة صفع المطرب (عمرو دياب) للشاب المعجب، فالواقعة نفسها تشكل فرصة أمام علماء النفس والدارسين والأطباء المتخصصين في الأمراض النفسية والعصبية، كذلك علماء الاجتماع، بالإضافة إلى النقاد والكتاب والمفكرين، لتحليل نفسية كلا من النجم وجمهوره.
فها هو قد مر من الوقت ما يكفى لأن تهدأ الدوامات الناتجة عن الواقعة وتبقى مجرد واقعة تذكر بين الحين والحين، فلعلها تكشف عن طبيعة تعلق الجماهير بشخص ما ترفعه إلى مرتبة النجومية العظمى، وهى مرتبة تقارب مرتبة تقديس الآلهة والأبطال في الديانات الوثنية والميثيولوجيات القديمة .
وتصرف (عمرو دباب) يحتاج إلى تفسير سيكولوجي لأن ردة فعله حيال اقتراب الفتى منه لا تتناسب مع الموقف وليس لها مبرر، خاصة وأن الشاب لم يقتحم عليه حياته الخاصة في جلسة استراحة لجأ إليها للاستجمام بعيداً عن تطفل المعجبين.
فنا حدث كان وسط كتلة من الناس في حفل زفاف معتاد فيه مثل فعل الشاب، كما يلاحظ أنه عندما اقترب الشاب المصفوع من (عمرودياب)، لم يكن هناك من ينافسه بوضوح في ذات اللحظة من المحيطين بهما، لأخذ لقطة سيلفى مع النجم الكبير.
والواقعة تهيئ لنا أن نفترض أن تضخم الذات المرتبط بظاهرة النجومية، هو الذي دفع (عمرو دياب) لذلك الفعل العصبي غير المبرر.
فتضخم الذات والشعور بالعلو النجمى، ليس فقط مجرد عرض مرضي مرتبط بالتجومية، بل قد يشكل هدفاً في ذاته لأن حلم تحقيق النجومية مرتبط بإمكانية تحقيق الذات، حتى إذا كان تحققت تحول الشعور نحو التضخيم.
وإطلاق مسمى النجومية جاء نسبة إلى النجوم، والنجوم عالية لا تدرك، ومن ثم فلها مجالاتها التى تتحكم فيها جاذبيتها وقواها الطاردة.
وهو قد أتى من الجاذبية ما يكفي، فليجرب كيف تكون القوة الطاردة!
(عمر دياب) شبع نجومية
لكن (عمر دياب) شبع من النجومية وتجاوز هذه المراحل التى ترتبط ببدايات الظهور، حيث تكون النجومية منحة الجماهير للنجم مكافأة على أدائه، ثم لا يلبث أن يرسخ وجوده ويوسع من نجوميته حتى تصير هى منحته إلى الجماهير، فتنقلب المنحة مناً. فيصبح النجم في أعلى صور التمركز حول الذات ويصير (هو وفريقه) منفردين بوضع قواعد التعامل مع النجم ويرسم (معهم) حوله دوائر للتحكم في كيفية الاقتراب منه والابتعاد عنه.
(ولنضع في الاعتبار أن هذا ليس قاصرا على نجوم الفن فقط، بل في كل مجال تتحقق فيه تلك النجومية).
والملاحظ على واقعة صفع المطرب (عمرو دياب) للشاب، أن الصفعة بدت تلقائية وفعلها (عمرو) بدون تفكير حتى أنك تلاحظ أنه لا يبدو على وجهه أى ملامح تنبئ عن غضب مفاجئ بسبب اقتراب الشاب منه والإمساك به لأخذ صورة.
فكأنها كانت حركة ميكانيكية صدرت بدون تفكير أو كما يقال (حركة منعكسة) يقوم بها الجهاز العصبى دون أى دور للإرادة الشخصية لدرء خطر داهم أو وقوع اعتداء مفاجئ غير محسوب حسابه.
وسبق للمطرب (عمرو دياب) أن جاءت منه ردود فعل على هذا المنوال، ولكنها لم تصل إلى درجة أن يهوى بكفه على الوجه!
ولست بحاجة للتذكير بأن الصفع على الوجه في الثقافة العامة يحمل شقين متوازيين، الأول: للتنبيه والثانى: للعقاب، لكن فوق هذين الشقين؛ تبعاً للثقافة نفسها؛ فإن الصفعة ليست فقط أسلوب تأديب، بل هى إهانة تلحق العار بمن وقعت عليه حتى لو تخلف ألما، فالآلام النفسية لا يمكن قياسها ولا تقديرها.
ولن نعاود الحديث حول السؤال الساذج الممل: هل يستحق الشاب هذه الإهانة من (عمرو دياب) أم أن النجم كان متجنياً عليه، لأن قواعد النجومية الحاكمة لسلوك (عمرو دياب)، تبيح له ما لا يباح لغيره، تبعاً للتضخم في الذات المترتب على هذه النجومية.
حيث إن (عمرو دياب) ومن يتمتعون بقدر نجوميته في مجاله أو غير مجاله، يرون أنفسهم فوق أى محاسبة قانونية أو اجتماعية أو نقدية لأى فعل يصدر منهم، سواء كان من صميم عملهم ام فعل شخصي آخر لا علاقة له بالمجال.
ردود الأفعال الرافضة
بل إن ردود الأفعال الرافضة لسلوكه هذا، سوف يتم تأويلها على أنها تم تضخيمها من منافسيه وخصومه بشكل خفي أو من حزب أعداء النجاح أو لأى أسباب أخرى غير أن يكون النجم مخطئا.
فالنجم لا يخطئ لأنه هو الذي يقرر في منظومته الخاصة والعامة، ما هو الخطأ وما هو الصواب، بل لا يصح من الأساس تقييم فعل النجم مهما كان ولا مراجعة سلوكه لأنه هو النموذج الذي يقاس على أفعاله!.
فأى فعل أو أى سلوك صادر عن النجم السوبر أو الميجا، يصبح فوراً الموضه التى يتسابق إليها الملايين، مثل طريقته في الملابس والهيئة ولون وقص الشعر والنظارات والسيارات.. إلخ، بل ويتتبع الأعم من الناس عاداته واهتمامته ومفضلاته، حتى يعيدوا تشكيل حياتهم وتصرفاتهم تبعاً لها.
ماذا يحب؟، ماذا يكره؟، أى فريق كرة قدم يشجع؟!، كيف ينام؟، كيف يأكل؟ وهكذا.
وذلك لأن تضخم الذات عند النجم يقابله تهوين الذوات وربما محوها من أجل تقليده عند معجبيه، ولو وصل الأمر للافتتان به وبسلوكياته واتخاذه نبراسا ومثلا أعلى، إلى التضحية بكل نفيس ولو بالحياة نفسها في سبيل حضور حفل أو إذا ما أصابه مكروه.
فلا تغالوا في لوم من دافعوا عن (عمرو دياب) والتمسوا له الأعذار، وبرروا له فعله إلى درجة اعتباره هو المعتدى عليه، لأنهم رأوا الشاب هو الذي اقتحم خصوصيته وقام بانتهاك حرمته ووضع يده على ظهره!
وعذرا لن نناقش هذا الموقف لأن ظاهرة الهوس الجماهيري بالنجوم هى المقابلة المنطقية لظاهرة تضخم الذات عند النجم وهذا الهوس يمكن أن تكون له نتائج خطيرة.
فالجماهير معرضة للأمراض النفسية الجماعية والتى تظهر في الجنون الطارئ عند رؤية نجمها المفضل، فتصدر منها أفعال غير منطقية وغير متوقعة ومجنونة، ولكنها متسقة مع مجالها المريض.
تصرفات النجوم الحمقاء
فهذا الهوس الجماهيري هو المسئول بالدرجة الأولى عن تصرفات النجوم الحمقاء التى قد تأتى كرد فعل لهذا الهوس الأشد حماقة!
بل يمكنني الزعم بأن النجم لا يعتبر نفسه نجما حقيقياً حتى يحد مظاهر هذا الهوس من جمهوره الذي يعير عن افتتانه بالنجم بأساليب أشد حماقة وانفلاتا من تصرفات النجم نفسه، وإن أردت الحق، فكلا الطرفين جدير بالآخر.
ولا أظن أن واقعة الصفعة ستؤثر على جماهيرية (عمرو دياب)، بل وكأن الحفل التالى للواقعة في بيروت دليلاً على أن كلا من نجوميته وجماهيريته لم تتأثر في قليل أو كثير بما حدث.
ألم تر كيف حرص رئيس الوزراء هناك على لقائه، حتى بدا أن دولته كان مزهواً بهذا اللقاء؟!
ولا مجال هنا لرصد أمثلة على هوس الجماهير بالنجوم، فالواقع يقدم كل يوم المزيد، فهناك معجبون أو بلغة العصر (فانز) على أتم استعداد لتقديم أى شىء للتعبير عن هوسهم حتى ولو قدموا حياتهم فداء هذا الهوس!
وقريباً سوف تشهد حفلاً لعمرو في الساحل الشمالي، وأكاد أستشعر حرارة اللقاء مع الطلة العمروية الأولى على المسرح!
أنت حتما ستخسر الرهان إذا تسرب إليك ظن بأن نجومية (عمرو دياب) تأثرت بهذا الكف الذي نزل على صدغ الشاب، بل لو كنت من (فانزاته) يمكنك أن تحضر صدغك لكف منه ولعل أصداغاً كثيرة من (الفانز بتوعه) تهفو إلى كفه كى يهوى به عليها، ففداء (عمرو دياب) ألف ألف صدغ وصدغ!