في يوم ميلاده: (عبد الحليم حافظ) دنجوان السينما بنبل وشهامة أخلاقه (1/2)
* يمكن أن نضم (حليم) إلي طائفة الرجال الجذابين، الذين يعجب بهم الناس لتصرفاتهم وسلوكهم وأيضا الشكل العام الذي يطلون به علينا
* رحل العندليب في سن التحول من الشباب إلي منتصف العمر، فصارت صورته دائما هي ذلك الشاب الجذاب الرومانسي العاشق، خفيف الظل، الوسيم.
* هناك أسبابا أضافية تميز بها (حليم) لا توجد في النموذج العام للدنجوان، وهى مسحة من الانكسار النفسي، والحزن الذي يشع في العينين
* نحن لم نري (حليم) يجسد شخصية الميسور أو المستريح اجتماعيا، ولكن تتمثل دونجونية الشخصية في أنه صاحب موهبة عليه أن يحقق نفسه من خلالها
بقلم الباحث والناقد السينمائي : محمود قاسم
اليوم نحيي ذكرى ميلاد أيقونة الرومانسية العندليب الأسمر (عبد الحليم حافظ)، الذي ولد يوم 21 يونيو عام 1929، وغنى للحب أجمل خفقات القلب، وأنشد للمجد والحرية أغلى معاني الوطنية.
وقد وقع اختيار ناقدنا السينمائي الكبير، والكاتب والباحث (محمود قاسم) عليه ليبدأ من خلاله حلقات جديدة عبر بوابة (شهريار النجوم) بعنوان (دنجوانات السينما) من المقرر أن تطرح قريبا في كتاب.
كان من المقرر أن نبدأ الحلقات بالنجم (أحمد سالم) حسب الأقدمية السينمائية، لكن مرور ذكرى ميلاد (عبد الحليم حافظ) اليوم جعلنا نبدأ به، هذه الحلقات فإليكم ما كتبه أستاذنا محمود قاسم:
جاذبية (عبد الحليم حافظ)
حسب النموذج الذي نعرفه عن المطرب (عبد الحليم حافظ) كممثل سينمائي وفي حياته الخاصة، فأننا يمكن أن نضمه إلي طائفة الرجال الجذابين، الذين يعجب بهم الناس لتصرفاتهم وسلوكهم، وأيضا الشكل العام الذي يطلون به علينا.
وهذا النموذج قد يكون وسيما، طيبا، رومانسيا، يحذب قلوب العاشقات لكن هناك أسبابا أضافية يمكننا أن نذكرها قد لا توجد في النموذج العام للدنجوان.
ومنها علي سبيل المثال مسحة من الانكسار النفسي، والحزن الذي يشع في العينين، لكن كل هذا يتلاشي عندما يكون الطموح في أحسن حالات.
هذه هى أبرز السمات التي نعرفها عن (عبد الحليم حافظ) في حياته الخاصة والفنية التي تركها لنا عبر السنوات الطويلة.
بالإضافة إلي أنه قد رحل في سن التحول من الشباب إلي منتصف العمر، فصارت صورته دائما هي ذلك الشاب الجذاب الرومانسي العاشق، خفيف الظل، الوسيم.
عبد الحليم و(لحن الوفاء)
هكذا ظهرت وأطلت علينا شخصية (عبد الحليم حافظ) في السينما، غالباً الطفل اليتيم الذي فقد أباه الحقيقي وقام بتربيته شخص آخر، مثلما حدث في فيلم (لحن الوفاء) إخراج إبراهيم عمارة.
والدنجوان هنا ليس متمرداً أو خارجا علي القانون، ولكنه يحفظ لأبيه الروحي كل المودة والإخلاص، فيكون أكثر وفاءا من الابن الحقيقي.
هذه الصورة تكررت في أفلام أخري منها (شارع الحب) و(دليلة) وقد كان حليم دوماً بلا جذور في أغلب أفلامه.
وعلي رأسها (موعد غرام)، و(أيامنا الحلوة) و(ليالي الحب) و(معبودة الجماهير)، فإن الشخصية التي يجسدها المطرب هى دوماً اليتيم الذي يعيش في غرفه ضيقة معزولة، لكنه يملآها بالطموح والأمال الكبري.
الغريب أن هناك صلة مفقودة بين تلك الشخصيات وبين الأب فهو ليس الشخصية الشرعية في أفلام مثل (الخطايا)، فهو يعيش أحياناً بمفرده بتلك الغرف، أو مع شخص أخر أو أكثر مثلما حدث في (أيامنا الحلوة) و(يوم من عمري).
ونحن لم نري (عبد الحليم حافظ) يجسد شخصية الميسور أو المستريح اجتماعيا، ولكن تتمثل دونجونية الشخصية في أنه صاحب موهبة عليه أن يحقق نفسه من خلالها في عالم الموسيقي والغناء.
وأن يصبح مطربا مشهوراً يقترن ببنات الأثرياء مثلما فعل مع (نادية/ مريم فخر الدين) في (حكاية حب) وأيضا في (شارع الحب) مع صباح، و(معبودة الجماهير) مع شادية.
عبد الحليم و(شارع الحب)
دنجوان هنا في رحلة صعود وجوبية لأنه بدونها لن يحقق حلمه، ولن ينتقل من العوز الشديد إلي الأضواء المبهرة، مثلما حدث في (شارع الحب) فهو يعيش في عشة ضيقة علي السطح، وتلقي تعليمه في معهد الموسيقي بعون من أبناء المنطقة من الفنانين.
ثم يصبح مدرساً خصوصياً لبنات الأسر الغنية اللائي يتراهن عليه، وهنا تتقاسم سمات الدنجوان الشخصية، ومن خلال التنافس تحبه أكثر من امرأة.
أما هو فيصير قدوما نحو هدفه، حتي يصل به الأمر إلى الغناء في حفل ضخم في دار الأوبرا.
الدنجوان هنا يحب، وتعجب به النساء لكنه وفي لحبيبته ويتغلب علي كل المكائد والمصاعب التي تطارده خاصة من العاشقات.
وهو رجل بمعني الكلمة يجيد المغازلة ويتبادل أول قبلة نارية مع حبيبته علي طريقة شمشمون وهو يردد: (عليه وعلي أعدائي يارب).
عبد الحليم و(أبي فوق الشجرة)
نعم دنجوان الفقير هذا الطموح يمتلك القدرة المهيبة علي المغازلة من فيلم لأخر، وقد كان الجمهور يقوم بأحصاء عدد القبلات المتكررة التي تبادلها حليم مع حبيباته.
خاصة في فيلمين (حكاية حب) مع مريم فخر الدين، و(أبي فوق الشجرة) أنه مطر من القبلات المتكررة بين ذكر وأنثي، بين عاشق ومحبوبته سواء كانت العلاقة رومانسية أو حسية.
قد كان (عبد الحليم) في بعض الأفلام ولداً شقياً يجيد المغازلة وأغواء الحبيبة كي تقع في غرامه مثلما فعل سمير في (موعد غرام)، ومثلما فعل أيضا في (فتي أحلامي) حيث تنافس مع زميلة الميسور علي شراء قلوب الحسناوات بالمال وبالرهان.
في بعض هذه الأفلام كانت هناك حبيبة واحدة فقط عليه الاحتفاظ بها مثل (ليالي الحب)، و(حكاية حب)، و(الخطايا)، و(معبودة الجماهير)، و(أيام وليالي).
وفي أفلام أخرى هناك حالة من الانتقال الحاد بين امرأتين، الأولي تجذبه بشده بماضيها معه، والثانية يحاول أن يستجيب لها بكل ما تتسم به من عقلانية ورومانسية، مثلما حدث في فيلم (الوسادة الخالية).
وفي فيلم (أيامنا الحلوة) تنافس الأصدقاء الثلاثة علي قلب جارتهم المريضة والفقيرة فلم يكسب أي منهم الجولة بسبب الموت الذي محا الأيام الحلوة.
عبد الحليم و(يوم من عمري)
لم يكن (عبد الحليم) فقط في هذه الأفلام الشخص الثري الذي يتفوق بأمواله علي مكانة حبيبته، ولكنه دوما في منطقة اجتماعية أدني، لكنه يرتفع إليها بنبله ورجولته ومواقفه النبيلة مثلما حدث في فيلم (يوم من عمري).
فهو الصحفي البسيط الذي يقيم مع زميله المصور في غرفة علي السطح، يأتي إلي هذا المكان بحبيبته التي يلتقيها، والذي يعرف تماما أنها أبنه المليونير الكبير.
إنه الحب المقرون بالتناقض الاجتماعي التي يتغلب علي جميع الفواصل الواسعة بين العشاق، لهذا فالملونير في نهاية الفيلم وافق علي أن تتزوج ابنته الوحيدة من (صلاح) الذي حافظ علي سرها.
ولم ينشر صورها في الصحف، وهكذا كسب الدنجوان معركته الخاصة والمهنية بسبب تصرفه النبيل، وهو الذي حافظ علي مشاعر فتاته، وسعي قدر الأمكان علي إعادة العروس الهاربة إلي بيت أبيها.
غدا نستكمل دنجوانية حليم عبر أفلامه السينمائية