رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

خميس خياطي.. رحيل أبرز علامات النقد السينمائي العربي

بقلم: محمد حبوشة

توفي أمس الثلاثاء الناقد السينمائي والصحافي التونسي (خميس الخياطي) عن 78 عاما، بعد صراع مع المرض، ونعته النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، في بيان أعلنت فيه أنها (تلقت صباح اليوم الثلاثاء، بكل حزن وأسى، نبأ وفاة الناقد السينمائي والزميل الصحافي خميس الخياطي). وعرجت على أبرز محطات مسيرته.

وباستعراض كتابات الراحل الكبير (خميس خياطي) نجد أنها تستفز القارئ وتجبره على المقارنة بين الماضي والحاضر وهى مقارنة بين جيل ناضل وتحدى الصعوبات وجيل آخر استسلم وابتعد عن الثقافة وظل يعاني من محنة الجهل.

وتؤرخ تجربة الناقد (خميس خياطي) لحقبة مهمة من تاريخ تونس والعالم العربي؛ شباب ثائر منفتح على الآخر المختلف وطامح إلى التغيير، لكنها تنقل لنا أيضا ما يعانيه المثقف من السلطة كالمنع والتضييق على الحريات كذلك المحسوبية والظلم.

لقد نمى وعي شابا في العسرينيات على كتابات (خميس خياطي) النقدية في مجلة (اليوم السابع) التي كانت تصدر من لندن حتي نهاية ثمنينيات القرن الماضي، ولعل تعليقاته على الصورة الافتتاحية التي كانت تحتل الصفحة الثالثة، هى أبرز ما يزال عالقا في ذاكرتي حتى الآن، بما كانت تتمتع من كلمات شاعرية وتعبير صادق عن معاناة الإنسان الفلسطيني.

من خلال هذه المجلة التي كانت من القطع الكبير التي تقترب من الصحف (التبلويد) عرفت مفهوم النقد السينمائي، وكيفية تشريح الفيلم وارتباطه بالشأن السياسي آذاك بقلم (خميس خياطي)، الذي كان يتمتع بثقافة موسوعية ليس في السينما فحسب، بل بالشأن الاجتماعي – مجال دراستة للدكتوراه في باريس – قبل عودته لتونس.

أن يكون الكاتب الصحفي ملما بتاريخ الفن وانفتاح الفلسفة والعلوم الإنسانية، وأن يكون متشبّعا بأدوات الحفر والتحليل والتفكيك والتفسير، فهذا هو (خميس خياطي)، الذي كان مستوعبا لما وراء الصورة، وكان مفتونا بالسينما لدرجة أنه لا يحكم على أي عمل أو أن يحاكم أي مخيلة.. أن يجد إجابة جديدة لماهية الفن في كل مرة.

(خميس الخياطي) هذا الجامع بين الصورة والحرف، المتطرف لمحبة الحياة

الجامع بين الصورة والحرف

في كتاباته في مجلة (اليوم السابع) وعدد من الصحف التونسية والعربية، وأيضا في 20 كتابا من تأليفه، كان (خميس خياطي) يخرج من العمل السينمائي ألف سؤال وسؤال.. أن يكون دائما وأبدا حامل لواء الفكر النقدي..أن يهتم بالتفاصيل باعتبارها جوهر الأشياء.. في الحقيقة هو أكثر من ذلك بكثير عندما نتحدث عن (خميس الخياطي).

(خميس الخياطي) هذا الجامع بين الصورة والحرف، المتطرف لمحبة الحياة، هو ابن لأكثر من مكان وصانع لأكثر من حكاية وصورة.

في قرية القصور الكافية، ولد سنة 1946، القرية التي أشبعته هواء جبليا معطرا بالفن والحكايات، أين تعلم حروف الحياة الأولى حاملا الأرض والأساطير وتاريخها وعبقها معه أينما ذهب بعد ذلك.

في تلك البقاع العالية لم ينس الخياطي (شيخة) جدته ولا رائحة حضنها ولا نسج حكاياتها الأسطورية الخرافية، الجدة التي دفعته لطلب العلم دون أن تقرأ حرفا، الجدة التي زرعت طرق نجاته الأولى، وعلمته الإرادة الدائمة لحياة أفضل، جدته حاملة وشم الحياة.

تلك التي حرثت الأرض بأظافرها حتى يفتح أحفادها الكتب ويخطون كلماتهم.. كانت تلك الصور وقودا أزليا لـ (خميس خياطي) الطفل الحالم والمولع بالألوان.

عندما كان تلميذا في المدرسة الثانوية بالكاف انظم إلى جامعة نوادي السينما، الجامعة التي أنشأت أجيالا أعلت راية الفكر النقدي.

وجد (خميس خياطي) نفسه داخل بيئة تونسية هيأت وكونت شبكة من نوادي السينما وقد تأسست منذ سنة (1949)، من خلال مشروع أطلقه الرئيس التونسي الراحل (الحبيب بورقيبة) ينطلق من فكرة تكوين ناد للسينما في كل معهد أو مدرسة ثانوية وهو ما اصطلح على تسميته جامعة النوادي السينمائية.

وارتسم هذا المشروع بفعل أحباء الفكر والفن وعشاق الفن السابع بداية بالناقد والمؤرخ السينمائي ومؤسس أيام قرطاج السينمائية (الطاهر الشريعة).

في تلك النوادي اكتشف (خميس خياطي) شغفه بالسينما، وشاهد وناقش وكتب وتشبع بالأفكار الجديدة والرؤى المختلفة، وأصر على الانفتاح دوما.

واصل رحلة تحصيله المعرفي في مدرسة (ترشيح المعلمين) قبل أن يتوجه إلى جامعة (9 أبريل) بتونس العاصمة أين درس علم الاجتماع.. لينطلق بعد ذلك إلى مدينة (الأنوار) ويدرس في (السربون) قبل أن تشهد حياته منعرجا عندما افتتن بصاحبة الجلالة، وكان في كل مرة يولد من محنة ليواجه أخرى وليفتت محنة ليدخل في تجربة أخرى.

يحمل (خميس خياطي) مسيرة أكثر من نصف قرن بين النوادي الثقافية والسينمائية

نصف قرن بين النوادي السينمائية

يحمل (خميس خياطي) مسيرة أكثر من نصف قرن بين النوادي الثقافية والسينمائية والجامعات والمنابر النقدية التلفزيونية والإذاعية وصفحات الكتب والجرائد، بين تونس وفرنسا.

حيث اشتغل في رحلة بحثه عن المعرفة صحفيا، ومسؤولا عن الصفحات الثقافية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، ومستشارا ثقافيا بين مراكز ثقافية عربية بباريس، وكان في كل ذلك مهتما محبا شغوفا بالسينما وقضاياها أكثر من أي شيء آخر، ومن وراء ذلك مهتما بقضايا وطنه الذي يشهد المراحل الأولى لتأسيس الدولة الوطنية. 

في نهاية الستينات من القرن الماضي بعدما انتقل (خميس خياطي) إلى فرنسا لمواصلة تعليمه الجامعية في حقل الدراسات الاجتماعية والفلسفية، وحصل على الدكتوراه سنة 1983 حول (السينما والمجتمع في أفلام صلاح أبو سيف) من جامعة (باريس 3).

شهدت تلك الفترة حركات شبابية غاضبة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية مضادة للنظام المؤسسي تنادي بالحرية الإنسانية والحقوق المدنية وحقوق المرأة.

في تلك الفترة احتك (خميس خياطي) مع هذا الشباب الثائر ومع النقاد والسينمائيين والمفكرين، بل وجادلهم وحاورهم، باعتباره ابن بيئة وثقافة مختلفة، ودون ذلك من خلال المؤلفات السينمائية النقدية التي نشرها..

وعلى الرغم من أن حياته في باريس لم تكن سهلة بالمرة، حيث كان يشتغل في المقاهي أو المطاعم ليأكل ويحصل قوت يومه ويدرس بل ويتفاني في دراسته، كان مؤمنا بنفسه رغم صعوبة تلك الأيام، فالكتب التي لا يتركها من يده صارت خياله وأجنحته.

أما الأفلام التي تظل مشاهدها تحاصر أفكاره غدت مرايا عاكسه لبعد واقعه في عالم مليء بالمنعرجات، بالاختيارات المناسبة وغير المناسبة، وما من فرصة ضائعة في مسيرة الحياة.. فالضياع درس جديد بامتياز.

هذا ما كان يؤمن أيضا إلى أن تعرف (خميس خياطي) يوما على أستاذ (كلود ميشيل كلوني) أستاذ سينما، والذي فتح له باب الوصول إلى مخرجين فرنسيين وسينمائيين، عندها أضاءت موهبته للعلن بأن فرض بصمته فكرا ونقدا في العديد من الدوريات الفرنسية على غرار جريدة  laction.

بعد نشره للعديد من المقالات اختير كمقدم ومعد برامج سينمائية، في إذاعة فرنسا الدولية وفرنسا الثقافية

مقدم ومعد برامج سينمائية

وبعد نشره للعديد من المقالات اختير كمقدم ومعد برامج سينمائية، في إذاعة فرنسا الدولية وفرنسا الثقافية، مخاطبا في آن واحد جمهورا متنوعا من جنسيات مختلفة وهويات أكثر اختلافا، العربية والإفريقية والفرنسية.

وتنوعت تجربته بعد ذلك ليكتب في (اليوم السابع، والحياة اللندنية، وجريدة le temps  التونسية) وغيرها من وسائل الإعلام التونسية والدولية، ونشر (خميس خياطي) أكثر من 20 كتابا، فضلا عن مئات المقالات الصحفية والحوارات باللغتين العربية والفرنسية.

أرخ (خميس خياطي) في تلك الكتب إلى منعرجات حياته وتجاربه وأفكاره واهتماماته وكانت السينما الخيط الرابط بين جميع كتبه أو أغلب مقالاته.

عندما تتبادل مع (خميس خياطي) أطراف الحديث عن السينما أو عن شؤون الثقافة ككل ستلاحظ شغفا انبثق فجأة متوهجا من كيانه وروحه، هذا الناقد الذي لا يجامل ولا يتطرف أو يتعصب لرأي أو موقف.

فقد يتساءل ويحلل ويفكك المنهجيات ويستدل بالأطروحات، هذا الناقد الذي فرض احتراما ووزنا فكريا لمهنته، الناقد الذي يتعامل بموضوعية مع جميع المبدعين، ولم يكن تابعا لأحد بل كان وفيا لملكة النقد وباحثا عن المعرفة في كل مرّة.

عندما كنت تجلس مع (خميس خياطي) في إحدى مقاهيه المفضلة في شارع (الحبيب بورقيبة) أو إحدى مقاهي القاهرة، كما جلست يوما معه في أمسيات رائقة، ستحصل على مشهد إنساني وجداني لكاتب صحفي وناقد بأبعادها الفكرية، والروحية والثقافية.

وسيحملك إلى عوالمه وأدق أدق تفاصيل محنته ونعمته في آن: أن يفكر الإنسان وأن يبحث في كل مرة عن وعي جديد مهما كلّفه الأمر.. فالتفكير ورحلة البحث عن المعرفة أمر قيّم للغاية.

وستفهم أنه ينتصر دون قيد أو شرط في مواقفه للقضايا العادلة ولحقوق الإنسان الكونية والشاملة ولا يهادن مع الحقوق الفردية وينتصر للهامش دوما، ولا يتنازل لأي طرف أو ظرف عندما يتحدّث عن قضايا المساواة.

نادرة هى الكتب التي تصدر عن المثقفين العرب والتونسيين تحديدا لقراءة سيرهم وتأمل حيواتهم خارج منطق دفع تهمة أو وضع أسس أسطورية للذات الكاتبة بسبب مرورها بمحنة لعل أهمها السجون.

من أروع كتبه كتاب (الثقافة محنة لذيذة) لـ (خميس خياطي) 

كتاب (الثقافة محنة لذيذة)

وقد ظلت كتابة الذات بكل مشتقاتها من يوميات خاصة ومذكرات وسير ذاتية كئيبة باستثناءات قليلة، لعل أحدها كتاب (الثقافة محنة لذيذة) لـ (خميس خياطي) الصادر حديثا عن دار نقوش عربية.

هكذا يقول الكاتب (كمال الرياحي): يقف (خميس خياطي) متأملا في أحداث عاشها لها علاقة بالشأن الثقافي التونسي والعربي في أسلوب ساخر مرح لا يخفي بين طياته شجنا وحزنا على واقع الثقافة العربية في ظل أنظمة شمولية أرادت للعقل العربي أن يبقى غارقا في محنته.

يقرن صاحب الكتاب المحنة باللذة، ويكشف حقائق مفزعة عما تعرض له من ملاحقة ورقابة من النظام السابق على مقتنياته من الكتب، لكنه لا يطالب بشيء ولا حتى باعتراف، فالتعويض عن المحنة موجود فيها أصلا، فهي محنة لذيذة.

يضيف (الرياحي): شكلت هذه اللذة أسلوب الكتاب نفسه فنحن أمام ما سماه الناقد الفرنسي (رولان بارت) بلذة النص، وهذه اللذة التي كتب بها (خميس خياطي) نصوصه يلتقطها القارئ من خلال فعل المشاركة في عيش هذه المحن والتمتع بأحوالها وحكاياتها.

إن قيمة هذا الكتاب تكمن في الإشارة غير المباشرة إلى ضعف وهشاشة الذاكرة العربية وآفة النسيان التي تهدد العقل العربي، فإعادة تجميع تلك التفاصيل الصغيرة التي كانت تحدث لأي مواطن تونسي منشغل بالثقافة تعكس طبيعة النظام وديكتاتوريته الناعمة.

فالرقابة على الكتب لم تقتصر على ما تعرضه المكتبات ومعارض الكتاب بل تعترض الرقابة الكتب الشخصية للكاتب التونسي المقيم بالخارج أو العائد من السفر مع أعوان الجمارك، ولم تكن الرقابة تتوجس من الشخصيات ذات التوجهات الإسلامية فقط بل من كل يهم بإدخال كتاب لتونس بما في ذلك  اليساريين والتقدميين والحداثيين.

يستطرد (كمال الرياحي): يحفر صاحب كتاب (الدنيا هبال) في بدايات تعلقه بالكتاب بالمبيت المدرسي في نهاية الخمسينيات في أقاصي الشمال الغربي ويروي كيف كانت الحكايات مهرب الطفل من البرد القارص.

وهكذا يتدفق الكتاب ناقلا لنا أخبار ذاكرة مثقف ومبدع عاش يأكل الكتب، متوقفا مرة عند أثر (أبي حيان التوحيدي) ومرة عند (المنفلوطي) وأخرى عند (جبران)، وكان كل كتاب يأخذ الكاتب إلى منطقة بعيدة من ذاكرته ليقص علينا أخبارها وطرائفها في قدرة سردية هائلة.

يستعيد الكاتب محطات كثيرة من حياته قبل الرحلة الى فرنسا وقصة التحاقه بأعتى المنابر الإعلامية وسفره الى القاهرة مطاردا صلاح أبو سيف ولقائه بنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم.

الكتاب مغامرات طفل شقي وشاب أشقى وإعلامي طموح يجوب العالم وناقد سينمائي صارم ومبدع رشيق الأسلوب اجترحه من لحم الشخصية التونسية التي تشكلت عبر تراكم هويات وتواريخ ومحن لتبقى لكل محنة لذتها مادامت محنا ثقافية.

يروي صاحب كتاب (نجوم بها تهتدون) سيرة الذات من خلال استحضار الخرافات التي كان يسمعها وهو طفل وسير الحيوان الأهلي ومحنة كلبه راكس والتفاصيل الحميمة  ورحلة الشاب الشمالي الى العاصمة.

وتعرفه على نوادي السينما قبل مغادرته الى فرنسا وقصة التحاقه بأعتى المنابر الإعلامية وسفره إلى القاهرة مطاردا (صلاح أبو سيف) ولقائه بنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم.

يروي (خميس خياطي) في كتاباته بسرد مشوق ممهور بعبارات تونسية محلية

سرد مشوق ممهور بعبارات تونسية

يروي (خميس خياطي) كل ذلك بسرد مشوق ممهور بعبارات تونسية محلية أحيانا تعطي للكتاب رونقا آخر مذكرا بأصالة أسلوب (جماعة تحت السور) الأدبية ورائدها (علي الدوعاجي) وصديقه (محمد العريبي).

غير أن كل تلك الذكريات التي تبدو عفوية يحملها الكاتب إلى منطقة أكثر عمقا بالتحليل والتفكيك لرسم وفهم الشخصية التونسية وعلاقتها بتشكل الهوية الوطنية وبالسلطة سياسية كانت أم لغوية، منتصرا للمهمشين الذين نبت منهم.

مؤكدا محرك كتابه الذي أهداه (إلى كل من طل من وراء البلايك) أي كل من جاء من الأرياف البعيدة للعاصمة التونسية.

يشير الخياطي إلى أهمية السينما وأثرها على الفرد والمجتمع ويذكرنا بالفترة التي خلالها كانت نوادي السينما من أهم الأماكن التي تكون النخب من خلال الندوات والنقاشات التي تهتم بكل جوانب الحياة الثقافية.

إن قيمة كتاب (خميس خياطي): (الثقافة محنة لذيذة) الذي يمثل (شذرات من سيرة ذاتية) يتحول في كثير من الأحيان وفي مختلف المقاطع إلى كتاب يتقصى أسباب تراجع الاهتمام بالثقافة من السلطة وتهميش قطاع السينما خاصة (من 90 قاعة إلى 15 قاعة فقط).

كان (خميس خياطي) يعتبر أن علاقته بالسينما هى علاقة حياة وأمل كانت رحلته مليئة بالتجارب.

فالدكتور في علم اجتماع السينما قضى حياته بين قاعات السينما في القاهرة والتدريس في الجامعات الفرنسية وغيرها من الذكريات التي تتالى لتكون صورا مسترسلة تنقل القارئ من تجربة إلى أخرى ولذكره في كل مرة أن المثقف يعيش محنة أبدية ولكنها محنة لذيذة.

المسيرة المهنية الزاخرة للراحل (خميس خياطي) امتدت لأكثر من نصف قرن تنوعت بين الكتابة الصحفية والنقد السينمائي والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والعديد من المؤلفات.

بعد أن درس علم الاجتماع في الجامعة الفرنسية حيث حصل على شهادة الدكتوراه، عمل الراحل في الحقل الإعلامي الثقافي بين تونس وفرنسا بينها المركز الثقافي العراقي في العاصمة الفرنسية.

وانتخب خميس خياطي عضوا في نقابة كتاب السينما بفرنسا كما خاض تجربة عضو لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي في أسبوع النقاد.

من أبرز مؤلفاته بالفرنسية: (فلسطين، والسينما، والسينمات العربية، وبحثا عن الصورة، ومن بلدي)

مؤلفاته باللغتين الفرنسية والعربية

وأثرى الراحل (حميس خياطي) النقد السينمائي بالعديد من المؤلفات باللغتين الفرنسية والعربية حيث بلغت حوالي  20 كتابا بالإضافة الى العديد من المقالات في الصحف الفرنسية والعربية.

من أبرز مؤلفاته بالفرنسية: (فلسطين، والسينما، والسينمات العربية، وبحثا عن الصورة، ومن بلدي).

أما عن بعض مؤلفاته بالعربية، فنذكر منها (النقد السينمائي، وعن السينما المصرية، وإشكالية التعبير السينمائي الفلسطيني، ونجوم بها تهتدون).

عمل خياطي لفترة طويلة بإذاعة فرنسا الثقافية وبالقناة التلفزيونية الفرنسية الثالثة، كما أدار المكتب الصحفي لمعهد العالم العربي بباريس، قبل أن يقرر العودة إلى تونس بداية تسعينات القرن الماضي.

وأخيرا ترك خميس خياطي بصمته في إذاعة مونت كارلو الدولية حيث عمل مراسلا ثقافيا لها لسنوات عدة.

بقي القول: أن التونسي (خميس الخياطي) – 1946 ـ 2024 – ناقد منتم إلى جيل عربي قديم، تتسنى لهما (الناقد والجيل معا) معاينة دقيقة ودؤوبة لتبدلات في صنع أفلام وكتابة نقد، وفي تبدّلات ومنافع وتغيير وكشف ونقاش.

دراسته الأكاديمية الأساسية المعقودة على علم الاجتماع، وإقامته في باريس أعواما طويلة، في أزمنة تفكير ومواجهة وتمرد وبحث عن تجديد وتغيير في شؤون الحياة والفكر والعلاقات والقول، كافيتان لبلورة حس متقدم (أقله بالنسبة إلى تلك المرحلة العربية، في خمسينيات القرن العشرين وما بعدها).

يلتزم (خميس خياطي) تفكيرا بدل الاكتفاء بشعور، ويحث على تنقيب وتفكيك، لفهم (أكاد أقول لمحاولة فهم) المنجز السينمائي، اللذين (الفهم ـ محاولة الفهم) يرتكزان على آداب وفنون ومعارف وعلوم إنسانية.

كما تمتع بفكر سياسي وحس وطني ـ عربي، غير مكتف بالمحلي فقط، ففلسطين مثلا غير بعيدة روحيا وأخلاقيا وثقافيا، والجغرافية العربية مساحة مفتوحة على اختبارات، قبل انكسار كل شيء، في اللاحق على تلك الفترة النابضة بأسئلة واشتغال.

يكتب (خميس الخياطي) نقدا ويؤلف كتبا، بعضها أبحاث تميل إلى الأكاديمي من دون إسراف بمفرداته العلمية الحادة، أو تنتقي من المفردات ما يعِين على تبيان رأي وشعور يتناغمان في كتابة نص، يبغي أساسا حوارا مع صانع فيلم ومسألة وحالة.

والنص ذاك يريد تفعيل مقولة يعتمدها نقاد من أجيال لاحقة، رغم ندرتهم، ترتكز على أهمية أنْ يكون النص نفسه مشاركة فعلية في صنع فيلم، وفي إثارة مسألة ومناقشتها.

رغم هذا، يدرك (خميس خياطي) أن عملا إذاعيا يختلف عن كتابة نص أو تأليف كتاب ـ بحث، وأن المسؤولية الإعلامية ـ الصحافية في مؤسسة أو مهرجان تتطلب شيئاً لا علاقة له بالنقد والفعل الأكاديمي.

في جانب آخر منه، يبرز التصوير الفوتوغرافي في اهتماماته اليومية

اهتماماته بالتصوير الفوتوغرافي 

في جانب آخر منه، يبرز التصوير الفوتوغرافي في اهتماماته اليومية، فهذا شغف عميق فيه يجعله، في نزهة على الأقدام مع أصدقاء وزملاء قليلين، في هذه المدينة الأوروبية أو تلك العربية.

ينتبه إلى تفصيل أو حالة أو شكل أو معنى مخبأ في زاوية أو حافة أو إطار، فيلتقط صورا بكاميرا تبدو كأنها ملتصقة بيديه الاثنتين، ومتأهبة دائما لتحقيق المبتغى منها: التقاط ما تراه عينه، وما تشعر به روحه، وما يكشفه تنبهه.

أيكون سرد عناوين مؤلفاته مهما، في كتابة تودع ناقدا، يصعب اختزال سيرته المهنية لحظة رحيله، أو التوقف عند مناصب وأعمال وتدريس، أو هجرة وإقامة وعودة، أو ذكر مدى عشقه لصور فوتوغرافية، بعضها لأفراد عائلته تكشف بشفافية وحرفية،عمق حب وبراعة مهنة؟

 أيفيد قول عن أن مؤلفات له مرجع في سيرة سينما، وفي توثيق مراحل، وفي مواجهة تحديات في الاجتماع والفن والمعرفة؟

إن يكتب (خميس خياطي) في الشأن السينمائي أساسا، فهو بارع أيضا في التسلل إلى الشاشة الصغيرة، وإن بين حين وآخر، لمعاينة الحاصل، وكشف ما فيه من أحوال وأهوال.

بهذا، يثابر على تأكيد، وإن ضمنيا، بأن الكتابة، المستندة إلى علم ومعرفة ووعي وثقافة وتحرر وصدق، تُصبح أقرب إلى وثيقة يركن إليها.

كتب له أساسية في قلب وعقل ومكتبة، تصفح بعضها حاجة إلى إجابة، وإن غير نهائية، ذكريات شخصية ماثلة في ذات – رغم قلتها – أما الرحيل، فرغم حتميته، غير قادر على تغييب كامل.. رحم الله (خميس خياطي)، أبرز علامات النقد السينمائي العربي الذي عز علينا فراقه في مثل هذه الأيام العجاف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.