فؤاد حميرة.. رحيل صاحب الروائع الخالدة في الدراما السورية
بقلم: محمد حبوشة
(أيوه.. ده الموت حلو يا ولاد).. هذه آخر جملة كتبها صاحب الروائع في الدراما السورية الكاتب والسيناريست (فؤاد حميرة)، عن عمر يناهز 59 عاما، جراء أزمة قلبية حادة رحل عن عالمنا الكاتب والسيناريست السوري ، بعيداً عن وطنه، حيث كان يُقيم في مدينة الإسكندرية المصرية وسيوارى الثرى فيها.
نعى(فؤاد حميرة) العديد من رواد الدراما السورية عبر مواقع التواصل الإجتماعي،وعلى رأسهم الفنان الكبير جمال سليمان حيث قال: (أخي الغالي فؤاد برحيلك المبكر والمؤلم تخسر سوريا مبدعا آخر من مبدعيها، كتب بعضا من أروع أعمال الدراما السورية و لكنك رحلت و ستدفن بعيدا عن سوريا التي طالما كنت تتوق للعودة إليها).
وأضاف (سليمان): (أخسر أنا صديقا غاليا غمرني بلطفه و تعاطفه، و منحني الشرف بأن حدثني عن أحلامه و قصصه التي يتمنى أن يراها الناس على شاشات التلفزيون، قصص مفعمة بالعاطفة و حب الحياة و كراهية الظلم..
كنت وأنت تحكي لي تعيش مآسي أبطالك وأفراحهم أيضا، لأني أعرف بعضا من أحلامك و مشاريعك التي لم ترى النور أعرف كم هي الخسارة كبيرة برحيلك).
كما نعى الممثل السوري (مكسيم خليل)، الراحل الكبير قائلا: الذي كتب: (أيوه… ده الموت حلو ياولاد) .. آخر جملة كتبها الكاتب فؤاد حميرة في مسلسل حياته، خسارة كبيرة أنت يا أبو آرام، أيها الشقيّ الحكيم، كل ما كان ينقصك هو العدالة، الله يرحمك يا ابن البلد الطيب).
كما نعى الكاتب السوري (سامر رضوان) الراحل (فؤاد حميرة) فكتب: (الفجيعة تأكل قلبك كل يوم وتزاد اتساعا ودمعا كلما رحل واحد من الأصدقاء الجميلين، (فؤاد حميرة) أحد أساتذة الكتابة الدرامية في سورية..
وصاحب الأعمال التي لا يمكن للأعمى أن يمر بها دون رفع قبعة الاحترام، يرحل حاملاً في حقيبة قهره سنين الخذلان والمنفى.. فاجع رحيلك أيها الأستاذ المعلم).
وكتبت الممثلة (أمل عرفة) عن (فؤاد حميرة): عملت معك واحدا من أجمل أدواري وكنت نعم الصديق والشريك والكاتب المبدع (مسلسل غزلان في غابة الذئاب) لك رحمات الله الواسعة في ديار الحق عزائي لأصدقائك وعائلتك.
رحلة فؤاد حميرة
الكاتب والسيناريست (فؤاد حميرة) يعتبر من أهم الأسماء التي فرضت نفسها بقوة في مجال الكتابة والتأليف في سوريا والعالم العربي، فقد تمكن من تقديم عدد من الأعمال الرائعة، ذلك لأن لديه أسلوب مميز في سرد الأحداث، كما أنه دائم التجدد في عرض المواضيع سواء في المجال السياسي، الاجتماعي وغيره.
ولد (فؤاد حميرة) في اليوم الثلاثين من شهر نوفمبر عام 1965 في مدينة دمشق السورية، ومنذ أن كان طفلا صغيرا كان يهتم بشكل كبير بالكتابة، وكان يقوم بكتابة مواضيع صغيرة على هيئة قصص وكان يجد في ذلك متعة مختلفة.
استكمل (فؤاد حميرة) تعليمه وبعد تخرجه عمل كاتبا في جريدة الدستور لمدة عشر سنوات، وكانت هذه الوظيفة من أكبر الخطوات التي أعطته الكثير من الخبرة في موهبته.
بعد ذلك عمل في مسرح الشبيبة ومن ثم عمل في المسرح الجامعي، وقد تمكن من كتابة عدد من المسرحيات المميزة والتي لاقت رواجا زاد من ثقة (فؤاد حميرة)، ويتميز بإصراره على التحدي وعشقه للمغامرة وهذا أكثر ما يميز فؤاد حميرة عن غيره من الكتاب والمؤلفين.
بدايات فؤاد حميرة الفنية
بعد انتقاله من مكان عمل لآخر باحثًا عن المزيد من الخبرة في مجاله، تعرف الكاتب والفنان فؤاد حميرة على الفنان (سليم صبري)، وقد صرح في عدد من اللقاءات الصحفية عن الفضل الكبير للفنان سليم في حياته المهنية.
حيث يعتبر (سليم صبري) أول من أخذ بيد (فؤاد حميرة)، وقام بتعليمه أسس الكتابة الصحيحة، حتى يتمكن من بناء اسم حقيقي في مجال الكتابة والتأليف في المجتمع السوري سواء من خلال المسرح أو التليفزيون أو السينما.
وبالفعل درس (فؤاد حميرة) كل ما قام (صبري) بتعليمه له وقام بتنفيذ كافة التعليمات والأسس التي وضعها له، كما أنه ساعده بشكل كبير في معرفة الطريقة الصحيحة لكتابة السيناريو خاصة للدراما التليفزيونية.
وبعد تنفيذ كل ما تعلمه بالإضافة إلى موهبته الربانية قدم (فؤاد حميرة) في عام 2006 واحدا من أهم وأشهر المسلسلات السورية خلال هذه الفترة وهو مسلسل (غزلان في غابة الذئاب) من بطولة نخبة من أهم نجوم الدراما السورية.
منهم (أمل عرفة، قصي خولي، مكسيم خليل، سلمى المصري، عبد الحكيم قطيفان، فادي صبيح) ويحكي المسلسل عن العديد من قصص الفساد الموجودة في الدولة، وكيف يتحكم ذوي السلطات في مصائر الشعب.
بالإضافة إلى تأثير النفوذ على عدد من الشعوب، وتعتبر هذه النوعية هى النوعية المفضلة لدى (فؤاد حميرة)، والذي يحرص دائما على انتقاد الوضع الاجتماعي والسياسي بشكل حقيقي غير مفتعل.
خلال مسيرته الفنية قدم فؤاد حميرة عدد كبير من الأعمال الدرامية التي أعطت صقلًا للدراما السورية ومن أبرز هذه الأعمال المسلسل السوري (الحصرم الشامي)، وقد قام بتأليف الجزأين الأول والثاني.
ويتحدث المسلسل عن الحياة اليومية الخاصة بأهل الشام في الفترة من 1715 وحتى 1750، ويعرض المسلسل أبرز القضايا التي كان يعاني منها المجتمع الشامي في هذه الفترة، بالإضافة إلى عرض أبرز الأحداث السياسية في هذه الفترة.
ومن أبرز الأعمال الكتابية التي قدمها فؤاد حميرة في مشواره الفني هو المسلسل الشهير (شتاء ساخن)، ويعتبر هذا المسلسل من أنجح المسلسلات التي قدمها خلال مسيرته في مجال الكتابة.
ويحكي المسلسل عن جريمة قتل تحدث بدافع السرقة، بالإضافة إلى رجل يتفاجأ بابنته التي تقوم بتغيير جنسها، كما يعرض المسلسل معاناة الأرملة من نظرة المجتمع لها، والتي تجد شخص يحاول تعويضها عن وفاة زوجها وفي النهاية تكتشف أنه مشترك في قتل زوجها.
(الزبال) لم يخرج للنور
كما قام (فؤاد حميرة) بكتابة الجزء الرابع من مسلسل (الهيبة) وهو مسلسل سوري من بطولة تيم الحسن، وما إن قام بإعلان الخبر إلا أن أعرب الجماهير عن سعادتهم البالغة بهذا الخبر.
خاصة وأن المسلسل قد واجه العديد من الانتقادات بشكل خاص في جزئه الثالث، وقد علق الجماهير على حديث (فؤاد حميرة) عن تعاقده على كتابة الجزء الرابع من (الهيبة) موجهين له الكثير من كلمات التشجيع، منتظرين تقديم عمل فني مميز كعادته في مجال الدراما.
كما قدم (فؤاد حميرة) للدراما السورية أعمالا أخرى مثل (مسلسل الإمام الشافعي، ممرات ضيقة، رجال تحت الطربوش، وكان من المقرر أن يعرض له مسلسل (الزبال)، الذي انتهى من كتابته بعد التعديل عليه، والمؤجل من 3 سنوات، من إنتاج شركة الصباح إخوانالعمل مكون من 60 حلقة موزعة على جزئين وكان من القرر أن يعرض في رمضان 2022 – 2023.
وتحدث الكاتب فؤاد حميرة عن شخصية (الزبال) شخصية حقيقية في تاريخ دمشق وهو زبال اسمه (قسيم) الذي حكم دمشق لأربع سنوات متتالية، وهو الشخص الذي كان ينقل الزبل إلى بساتين الغوطة، وقدر له أن يحكم دمشق، وتحدث الكاتب عن الظروف التي أعطت الزبال قسيم الفرصة ليصل بها إلى الحكم بكل دهاء وذكاء.
وأشار الكاتب (فؤاد حميرة) إلى أن هذا العمل وبحسب تصوره يحاكي الواقع العربي، ويروري من خلال هذه الشخصية كيف نصنع الديكتاتور، مشيرا أيضا أن هذا العمل يحتوي رموزاً ورسائل لها اسقاطاتها السياسية والزمنية التي تشابه زمننا الحالي، و سبب تأخر البداية بتصويره حذف الرقابة لمشاهد منه .
فؤاد حميرة والثورة السورية
وعلى الرغم من قلة أعمال (فؤاد حميرة)، إلا أنه اتسمت كتاباته بالجرأة والتحدي في طرح القضايا السياسية والدرامية والاجتماعية، لذا عرف عن أنه من أبرز مؤيدي الثورة السورية، وأشد المعارضين لنظام الأسد.
مما أدى إلى اعتقاله أكثر من مرة، وفي هذا الصدد: أعرب الفنان (فؤاد حميرة) عن الفترة الصعبة التي عاشها في المعتقل لمدة 12 يوما، حيث تم اعتقاله من قبل السلطات السورية، ويقال أن سبب الاعتقال جاء بسبب تصريحات جريئة له، ومن ثم تم اعتقاله، ويقول أنه تعرض للضرب والإهانة بشكل متواصل دام لأكثر من ثلاثة أيام.
كما يقول أنه قد قامت مجموعة من الأشخاص بحجب الرؤية عنه، كما أن قاموا بربط فمه حتى لا يستطيع التحدث وواصلوا في ضربه بشكل مستمر، ويقول أن أيام الاعتقال، تعتبر من أصعب الاختبارات التي تعرض لها في حياته.
معروف أن (فؤاد حميرة) مع بداية الثورة السورية ناصر الشعب السوري ووجه قلمه وصوته ضد النظام السوري والقمع الأمني، لهذا غادر البلاد مع بداية توسع الحرب، واستقر في مصر وتنقل بين تركيا والأردن، وعاش الراحل في كل تلك الفترة وحيداً، همشه المقربون والأصدقاء وحتى شركات الإنتاج، وتوقفت شركات الإنتاج عن شراء نصوصه.
هذا ولم تكن موهبة وثقافة السيناريست السوري فؤاد حميرة كافية كي يحافظ على حضوره ضمن خريطة الدراما السورية المتراجعة بحدة في السنوات الأخيرة.
ولم يشفع له تاريخه المميز من الأعمال الناجحة كي يبعد عن نفسه شبح الفقر واليأس وقلة فرص العمل (لأنه علوي) وليس سنياً، فغاب الكاتب المشهور بواقعيته وانتقاداته الحادة للسلطة، منذ انطلاقة الثورة السورية عن الشاشة الصغيرة، مجبرا، لأسباب إنتاجية وطائفية وسياسية متعددة.
وكانت التجربة الفنية الوحيدة لحميرة بعد الثورة، هى سلسلة درامية عبر (يوتيوب) لم تلق نجاحا يذكر بعنوان (رئيس ونساء) والتي لعبت فيها البطولة الفنانة المعارضة مي سكاف وأنتجتها صحيفة (زمان الوصل).
رحم الله الكاتب الكبير (فؤاد حميرة) الذي عاني سنوات الغربة والترحال، لكن أعمالة راسخة في ذاكرة الدراما السورية الواعية بقضايا الموطن والوطن.