رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب: عنبر و(وابور الجاز) في نهاية (لعبة الست)

بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ

حسن (وابور الجاز).. حسن أبو طبق، اشترى محلات إيزاك عنبر.. هكذا زف (إبراهيم بلاليكا) الخبر إلى أسرة (إبراهيم نفخو) ليفاجأوا بأن زوج ابنتهم (لعبة ق). صارت مالكا لمحل تجاري في فيلم (لعبة الست).

كلنا نعرف قصة هذا الحوار قرب نهاية فيلم (لعبة الست) الذي أنتج في سنة 1946

لكن من هو (إيزاك عنبر) الذي لعب دوره الفنان الراحل سليمان نجيب؟!

وأفلام ليست فقط مواد تسلية، بل تتجاوز دروها التثقيفي اذا ما انتمت للإبداع الأصيل، لتصبح حاوية لوثائق تاريخية حية ناطقة، وإن لم يكن مقصودا بها ذلك مباشرة، بل ربما لم يدر في أذهان صناع السينما من ممثلين ومنتجين ومخرجين أنهم سيقدمون ذلك للأجيال التالية لهم.

فمن خلال أحداث فيلم (لعبة الست) نعرف أن الخواجة (إيزاك) هو أحد أثرياء اليهود  المصريين، فقد اضطر لتنفيذ نصيحة تاجر يهودى مصري أيضاً، ليحذو حذوه بالسفر الى جنوب إفريقيا خوفا من تقدم قوات الألمان الذين وصلت قواتهم العلمين.

نفهم من ذلك أن فيلم (لعبة الست) الذي أنتج في سنة 1946، يروى أحداثا جرت سنة 1942.

إذن فقد هرب أثرياء اليهود المصريين من غزو النازى بعد أن كانوا ينعمون بالاستقرار والهدوء في القاهرة ويشاركون بنصيب وافر في حركة التجارة من الإبرة إلى الثلاجة، كما نفهم من مشاهد الفيلم!

وقد توالت هجرات اليهود المصريين بدءاً بأثريائهم وانتهاءً بفقرائهم، لكن لسبب لا علاقة له بسكان البلاد التى أقاموا فيها وشكلوا أحد أطيافها كمواطنين أصليين.

وهذا ليس أمرا مجهولاً، فهناك كثير من الدراسات التى جرت عن حياة اليهود في مصر، سواءً كانوا من سكانها أم من المهاجرين إليها، وكان آخر ما قرأت في هذا الصدد كتاب جامع مانع ماتع بعنوان (يهود مصر) للعالم الكبير الدكتور محمد أبو الغار منذ عدة سنوات.

لكن لن أتحدث هنا عما قدمته مصر لليهود وكيف عاشوا في أحياء القاهرة بكل مستوياتها، وخاصة الحارة التى كان تشكل حيا مصغرا في الجمالية ومازالت تحمل ايم حارة اليهود ومبانيها لم يكد يدخل عليها تغييرات جوهرية، بل لم تزل كثير من البيوت تحمل النجمة السداسية على مداخلها وأبوابها.

سلالة السيد (إيزاك عنبر) في إسرائيل

السيد (إيزاك عنبر)

وكذلك لن أقف عند ملاحظة أن ما تمتع به السيد (إيزاك عنبر) وأقرانه كان بعد وعد بلفور ثم ثورات الفلسطينيين المتوالية ضد حركة الاستيطان القسري وطردهم من ديارهم وأراضيهم وارتكاب مذابح في قراهم ومدنهم التى عاشوا فيها آمنين مطمئنين منذ عهود أرض كنعان القديمة.

غير أنه لا أحد يعلم على وجه اليقين، ماذا فعل المكافئون الواقعيون لشخصية (إيزاك عنبر) بعد أن باعوا أملاكهم وغادروا مصر إلى جنوب إفريقيا أو إلى غيرها، عقب هزيمة هتلر في الحرب العالمية الثانية.

فهناك من استقروا في مهجرهم، وهناك من انتقلوا إلى أوروبا وأمريكا، وهناك من ذهبوا إلى فلسطين أرض الميعاد للمساهمة في تأسيس إسرائيل.

ومن فضلك ركز معى فيما سيأتى:

ذات مرة كنت في حارة اليهود فأخبرني أحد المسنين ممن أدركوا أواخر عهد الحارة مع سكانها الذين انتسب إليهم اسمها، بأن كثيرين منهم بعد معاهدة السلام، كانوا يأتون إلى الحارة في زيارات عابرة، كنوع من الحنين إلى موطن ذكرياتهم الأولى.

ومنهم من كان يأخذه هذا الحنين إلى البكاء منتحبا على المنازل والديار وأصدقاء الماضي من بقية السكان المسلمين أو المسيحيين!

ودعك من أن يهوداً كثيرين لم يهاحروا إلى إسرائيل بعد اضطرارهم لترك مصر إثر توالى الأحداث منذ نكبة 1948، (كان ذلك بعد أول عرض لفيلم (لعبة الست) بسنتين فقط).

فليكن حديثنا هنا عن اليهود ذوى الأصول المصرية في إسرائيل الآن، من سلالة السيد (إيزاك عنبر)، كيف موقفهم مما يحدث؟، وهل ثمة دور ما يمكن أن يلعبوه سواءً بالنسبة إلى أزمة غزة أو قضية فلسطين أو الصراع العربي الإسرائيلي عامة؟

هناك في إسرائيل الآن عدد لا بأس به من اليهود المصريين أو قل من ذوي الأصول المصرية: هل يمكن توجيه خطاب ما إليهم؟!

وليس مصر وحدها، فاليهود من أصول عراقية كانوا الأكبر عدداً من بين اليهود العرب في العراق قبل الهجرة وفي إسرائيل كذلك.

أكبر وأغنى طائفة يهودية عربية هم اليهود المغاربة

أغنى الطوائف اليهودية

لا تنس أن أكبر طائفة يهودية عربية هم اليهود المغاربة، والذين يشكلون أيضا أهم وأغنى الطوائف اليهودية العربية في إسرائيل.

ومن بلاد أخرى غير (مصر والعراق والمغرب)، يهود ترجع أصولهم إلى بلاد عربية وإسلامية، وفيهم بلا شك ورثة (إيزاك عنبر).. ماذا ننتظر منهم وماذا يمكن أن يقدموا أو يساهموا؟!

أعرف أن الانتماء الديني والعرقي خاصة عند اليهود أقوى في أحيان كثيرة من الانتماء التاريخي والوطنى، خاصة مع رحيل جيل (عنبر) وأمثاله، وربما الجيل الذي تلاه، لكن الجذور الثقافية تبقى طويلة المفعول، ويمكن إحياؤها أو على الأقل التذكير بها.

هناك ما يقارب مليونين من أصول عربية يعيشون في إسرائيل الآن، ومنهم من يتحدثون العربية، ويتصلون بكل الفنون والآداب الناطقة بالعربية لاسيما المصرية، ومنهم من يحتفظون حتى الآن بكثير من ملامح ثقافاتهم الموروثة عن أسلافهم.

بل ومنهم من يعاني من التمييز بسبب أصولهم أمام الطغيان الحضارى الغربي وبالذات (الأنجلو سكسوني) على مظاهر حياة المواطن الإسرائيلي، لا سيما الذين ولدوا هناك.

ولنضع في الاعتبار أن أمام سلطات إسرائيل مشواراً طويلاً وليس سهلاً، حتى تنتج مواطناً على التموذج الخالص الذي تريده.

وها نحن قد ضيعنا كثيراً من الفرص لاقتحام الداخل الإسرائيلي واستمتعنا بجهلنا المنظم حيال هذا الداخل المجهول لكثير منا، فلا نكاد نعرف شيئا إلا النذر اليسير، عن طبائعهم وفنونهم وآدابهم ولا أى من المجالات المفتوحة للمعرفة، ولو على سبيل العلم بالشيء.

بينما هم يعرفون كل ما يريدون في الوقت الذي يريدون عبر قنواتنا المفتوحة خاصة لمن يلمون باللغة العربية ولهجاتها المختلفة التى توارثوها من بلادنا كابراً عن كابر.

فلا نتركهم يستثمرون في ميراث (إيزاك عنبر)، ولا ندع لهم المجال لينفردوا  وحدهم بـ (لعبة الست)!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.