رحيل (فاروق صبري).. صاحب (كلمة شرف، احنا بتوع الأتوبيس، والبعض يذهب للمأذون مرتين)

كتب: أحمد السماحي

خلال الساعات الماضية رحل عنا المنتج وكاتب السيناريو الكبير (فاروق صبري)، بعد معاناة مع المرض، وتم دفن جثمانه بعد صلاة ظهر اليوم الأربعاء 12 يونيو.

وقد نعت نقابة المهن التمثيلية خلال بيان صحفي، المنتج والسيناريست (فاروق صبري)، وكتبت نقابة المهن التمثيلية خلال البيان: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.. تنعى نقابة المهن التمثيلية ببالغ الحزن والأسي وفاة المنتج الكبير فاروق صبري رئيس غرفة صناعة السينما.

وأضاف البيان: تتقدم نقابة المهن التمثيلية برئاسة الدكتور أشرف زكي ومجلس الإدارة بخالص التعازي داعين المولى عز وجل، أن يتغمد الراحل بواسع رحمته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون).

وطالبت أسرة (فاروق صبري)، رئيس مجلس إدارة (شركة الأخوة المتحدين للسينما)، ورئيس مجلس إدارة (غرفة صناعة السينما)، وعضو مجلس إدارة (إتحاد الصناعات المصرية) الإعلام بمراعاة مشاعرها بدون تغطية إعلامية.

ومن ناحية أخرى قررت إدارة مهرجان (جمعية الفيلم) تأجيل الحفل الختامي وتوزيع جوائز وتكريمات دورة اليوبيل الذهبي للمهرجان بسبب رحيل السينمائي الكبير فاروق صبري رئيس غرفة صناعة السينما، وسوف يتم الإعلان عن ميعاد حفل توزيع الجوائز في وقت لاحق.

كما تم إلغاء العروض الخاصة لفيلمي (اللعب مع العيال وعصابة الماكس) حدادا لرحيل المنتج (فاروق صبري).

(فاروق صبري).. المغامر

كان الراحل (فاروق صبري) من أذكى وأطيب الشخصيات التى قابلتها على مدى مشواري الصحفي، لهذا نكابد حزنا ثقيلا في وداعه، هانحن نضع كلمة كان بكل مرارتها قبل اسمه.

كان (فاروق صبري) يضفي على كل إنسان محبة صادقة، ومعاملة كريمة، وصداقة صافية مهما كانت متاعبه ومشاغله، كان حديثه ممتعا مليئا بالذكريات.

وكل كلمة يقولها تفتح بابا، وكل موقف يفتح كوة كبيرة على السماء، وكانت ذكرياته عن أعماله ثرية، وتتوالى محتشدة تملأ أفواهها الكلمات والحماسة.

شخصيات فنية كثيرة قدمها (فاروق صبري)، وراهن عليها بقوة أشهرها النجم الكبير عادل إمام الذي راهن عليه وقدمه في أول بطولة مطلقة له من خلال فيلم (البحث عن فضيحة).

كما غامر بالنجم يونس شلبي كبطل من خلال فيلم ( 4 – 2 ـ 4) ويومها قال له (يونس شلبي): (أنا خايف عليك تخسر فلوسك)، فرد عليه قائلا: (أنت مالك، ما تخفش).

ويومها حصل (يونس شلبي) على أجر 500 جنيه، وعندما عرض الفيلم حقق إيرادات ضخمة، نافس من خلالها النجوم المشهورين في السينما.

شخصيات كثيرة قدمها (فاروق صبري) وصلت إلى أوج الشهرة، وبعضها انقطع عنها حبل الزمن، كانت تخرج من الظل من خلال كلماته لتجلس معنا بكل تاريخها المثقل، وكل وزنها الفني، وقيمتها العاطفية.

صداقة مع (محمد عبدالعزيز)

حدثني الراحل عن علاقته بصديقه المخرج الكبير الراقي (محمد عبدالعزيز) وجمال كواليس أفلامه وعذوباتها ورقي مناقشاته، حيث قدم له العديد من الأفلام الناجحة التى كتب لها (فاروق صبري) القصة والسيناريو والحوار.

من هذه الأفلام (دقة قلب) بطولة (محمود ياسين، وسمير صبري، وميرفت أمين) عام 1976، الذي يقوم على عدة أفكار أخلاقية يمكن قبولها بالمنطق الكوميدي.

فالمتفرج العادي الذي يحب الضحك بطبعه ليغسل شيئا من أحزانه يطلق في هذا الفيلم كثيرا من الضحكات التى تؤكد له في النهاية أن حياة العبث لا تعادل الأستقرار السعيد الذي تصنعه حياة زوجية قائمة على الحب.

وأن قيم الصداقة والإخلاص لابد من احترامها لأنه (مفيش أجدع من الصداقة بين الراجل والراجل).

كما قدم (فاروق صبري) و(محمد عبدالعزيز) فيلم (البعض يذهب للمأذون مرتين) بطولة (نور الشريف، ميرفت أمين، عادل إمام، سمير غانم، لبلبة) عام 1978، وكان موضوع الفيلم ومازال جديدا و(آني) وهو الغيرة الزوجية، وقدماها في إطار كوميدي رائع.

أما فيلم (خلي بالك من جيرانك) بطولة (عادل إمام، فؤاد المهندس، لبلبة، مديحة يسري) عام 1979، فناقش مشكلة مصرية مازالت قائمة حتى اليوم، وهى مشكلة أزمة الإسكان، والجيران.

ففي الفيلم رفض (عادل إمام) أن يقيم في بيت أم عروسته، ورفض عروسته (لبلبة) الإقامة في بيت أمه، وعندما يعثران على شقة مفروشة تظهر لهما مشكلة علاقاتهما بالجيران.

وناقش (فاروق صبري) في فيلم (لك يوم يا بيه) بطولة (محمود عبدالعزيز، لبلبة، إيمان، أبوبكر عزت) عام 1984، مشكلة الزوج الطائش الذي يهوى المغامرات النسائية.

وعالجا (فاروق صبري) و(محمد عبدالعزيز) القضية في إطار كوميدي، رغم أن الأحداث كانت تتيح لها الإغراق في الجنس، لكنهما لم يلجأ إلى هذه المعالجة.

 وأثناء الحديث عن أفلامه مع (محمد عبدالعزيز) كانت مواقف شتى حارة وباردة وسعيدة ومفرحة تتناثر كالعقد حولنا، كلمات محفورة في القلب خرجت لتعبر عن نفسها.

معزة خاصة لعادل إمام

كان للزعيم عادل إمام معزة خاصة في قلب (فاروق صبري)، فبعد أن قدمه في أول بطولاته السينمائية من خلال فيلم (البحث عن فضيحة) بطولته مع ميرفت أمين، ومجموعة كبيرة من النجوم.

عاد (فاروق صبري) وغامر به وقدمه في فيلم مليئ بالتحدي وهو (إحنا بتوع الأتوبيس) قصة جلال الحمامصي، سيناريو وحوار (فاروق صبري)، إخراج المبهر حسين كمال.

في هذا الفيلم الوثيقة أمتعنا وأبكانا (فاروق صبري)، وهو يروي أحداث قصة واقعية أليمة حدثت لمواطنيين بسيطين صغيرين تشاجرا في أتوبيس عام.

ووضعا خطأ مع المسجونين السياسيين، حيث أمضيا سنوات من عمرهما في السجن الحربي دون أن يتبين أحد الخطأ الفاجع الذى رمى بهما إلى هوة الظلام.

 ودون أن يجدا أذنا واحدة صاغية تستمع إلى شكواهما التى يزأرا بها طوال هذه السنوات دون ملل، ودون توقف (إحنا بتوع الأوتوبيس)، صرخة تبدو وكأنها خارجة من أعماق كل مصري ناله نظام دكتاتوري جائر بكرامته وحريته وحياته.

في هذا الفيلم الغارق في الألم، والذي غلفه المبهر حسين كمال بإطار ضاحك، وهنا قمة التحدي – كما يقول الناقد السينمائي رفيق الصبان – جعل من مظلومي الأوتوبيس الأثنين مواطني مصر كلها الذين وقع عليهم الظلم الفادح والاعتداء المهين.

فاروق صبري وكلمة شرف

من الأفلام التى كان فاروق صبري فخور بها فيلمه (كلمة شرف) الذي كتب قصته، واشترك مع الملك (فريد شوقي) في السيناريو والحوار.

هذا الفيلم الذي كان سببا في إعادة النظر للحالات الإنسانية للسجناء المصريين، ومن ثم تم إعادة صياغة القوانين واشتقاق قانون جديد يسمح للمسجون بزيارة أهله بضوابط محددة، خاصة أفراد عائلته الذين لا يستطيعون الحركة وزيارته في السجن.

ملك الأفلام الكوميدية النظيفة

شق (فاروق صبري) اتجاها ناجحا جدا ومحترما في الكتابة الكوميدية، وحتى في الإنتاج فلم يحاول حتى كمنتج أن يصنع شيئا مسفا أو هابطا، ولكن سريع العائد.

صحيح كنا نلمس في بعض أفلامه شبه الاقتباس من أفلام أجنبية، لكنه بمهارة شديدة وذكاء كان يلبسها الثوب المصري المقنع فلا نشعر أنها نصوص أجنبية.

بدأ (فاروق صبري) مشواره الفني عام 1965 من خلال اشتراكه مع الكاتب والسيناريست (بهجت قمر) في كتابة فيلم (المشاغبون) بطولة (رشدي أباظة، نيللي، نجوى فؤاد، ثلاثي أضواء المسرح) إخراج محمود فريد.

بعده توالت أفلامه السينمائية منها (مطاردة غرامية، كيف تسرق مليونير، الرعب، لسنا ملائكة، حياتي، رحلة لذيذة، لمسة حنان، موعد مع الحبيب، جنون المراهقات، لعنة إمرأة، سؤال في الحب..

وممنوع في ليلة الدخلة، أحلى أيام العمر، أنقذوا هذه العائلة، ليلة بكى فيها القمر، ولا من شاف ولا من دري، 2 على الطريق، حكاية في كلمتين، أقتل مراتي ولك تحياتي، الظالم والمظلوم).

كما قدم مسرحيتي (كعب عالي) بطولة يسرا، حسين فهمي، محمد سعد، وحيد سيف، علاء ولي الدين، عزت أبوعوف، إخراج شريف عرفه.

ومسرحية (الزعيم) بطولة (عادل إمام، أحمد راتب، مصطفى متولي، سحر رامي، منال سلامه، رجاء الجداوي)، إخراج شريف عرفه.

رحم الله (فاروق صبري) الذي رحل بجسده، لكن أفلامه ستظل خالدة تضيئ الشاشة بسحر الكوميديا وعذوبة ونبل أبطالها.