كتب: محمد حبوشة
فساد الأجهزة الأمنية والمتلاعبون بالخبز والسولار وباقي السلع الغذائية، ومافيا المخدرات هى عنوان مسلسل (كسر عظم) في جزئه الثاني غير مفهوم القصة والسيناريو، رغم الأداء الاحترافي في كثير من الحلقات وليس كلها.
(كسر عظم 2) أو (السراديب) الذي عرض جزئه الأول في رمضان 2022، يعود في رمضان 2024 بصورة مختلفة عن تلك التي تركها سابقا، فالقدرة على النفاذ للجمهور منذ الحلقات الأولى لم تحصل هذه المرة، خلافا لما جرى عند عرض الجزء الأول.
في موسم 2024 تبدو الحكاية في (كسر عظم 2) أقل تأثيرا، وتحديدا بعد شطب كثير من الخطوط الدرامية للجزء السابق، دون بدائل أفضل، فالشطب تبعه استبعاد بعض نجوم العمل دون تقديم حضور مواز على مستوى الممثلين.
الحقيقة أن (كسر عظم 2) لا يوحي هذه المرة بقصة ناضجة، ويغيب الترابط عن الأحداث في مجلها، إلى جانب عدم الاستثمار بحضور شخصيات يمكنها أن تحدث فارقا، فـ (أبو مريم/ كرم الشعراني) أحد أبرز أبطال الجزء الأول، تأخر ظهوره في العمل، كما بدا حضوره مؤطرا ومحدودا، على الأقل خلال الحلقات العشر الأولى.
في (كسر عظم – السراديب)، ضابط برتبة عالية العميد (كنعان الصايغ/ رشيد عساف) يحاول التخلص من بعض الشخصيات دون توضيح أسباب دقيقة أكثر من امتلاكها ملفات تهدد شخصيات نافذة، ودون رسم ملامح توضح بدقة موقع كل شخص في العمل، وحجم سلطانه.
ورغم محاولة العمل رفع سقف الجرأة والنقد، والإضاءة على معاناة الناس ووضع الإصبع على الجرح، فإن هذه المحاولات جاءت لفظية في حوار غير متماسك أو مقنع في كثير من الأحيان.
انتقاد الواقع المعيشي
إلى جانب تحميل مسؤولية قضايا ذات حجم وتأثير لشخصيات عديمة الوزن، فالتحكم بالمساعدات لا يتوقف مثلًا على (البارون/ محمد حداقي) بمعزل عن مشغليه.
كما أن سعر صرف الدولار لا يقاس بمعزل عن قيمة الليرة المتدهورة، ومستوى الأجور للموظفين، وانتقاد الواقع المعيشي وغياب الخدمات لا يحصل دون الإشارة إلى مسببي المشكلات وعلة حدوثها، حتى لا يتحول الانتقاد إلى تذمر أو تململ.
ومقارنة بتفاعل الشارع مع الأعمال الدرامية قيد العرض في رمضان 2024، لا يبدو مكان (كسر عظم – السراديب) واضحا، بعد صدارة سابقة لم يتمكن العمل من الحفاظ عليها في الجزء الثاني.
بعد مشاهدتي لكامل الحلقات، لم تتضح لي مسيرة الخطوط في قصة الجزء الثاني من (كسر عظم)، ويبدو أن كاتبي الجزء الثاني من العمل الذي عرض في الموسم الرمضاني 2024 ضاعا بين ما سيبقيان عليه من شخصيات وخطوط الجزء الأول وبين ما سيضعانه من خطوط وشخصيات جديدة للجزء الثاني.
عموما، بدت شخصية (العميد كنعان) بديلا لشخصية (حكم الصياد/ فايز قزق) في بطولة العمل، وفي حين كانت شخصية (الحكم) تتحرك وفق ضوابط درامية متوقعة وغير متوقعة في آن واحد.
وذلك بما يتوافق مع انضباط الشخصية من جهة والتشويق والصدمة من جهة أخرى، فإن شخصية العميد (كنعان) في (كسر عظم 2) تبدو غير مفهومة السلوك بشكل كامل، وبالتالي تبدو طريقة تحركها وتفكيرها غير واضحة، رغم براعة أداء (رشيد عساف) في حركاته وسكناته وجنوحه نحو الانتقام لأسباب غير منطقية.
كذلك الحال بالنسبة للشخصيتين اللتين يلعبهما (أحمد الأحمد وعبد المنعم عمايري)، وهما جديدتان على الجزء الثاني، فلم يبرز لهما أي دور مفصلي في العمل سوى أن يكونا طرف أو طرفين في الصراع مع الكثير من الغموض.
وجاء هذا دون وجود مبرر لهذا الغموض أو الصراع من الأساس، أو حتى عرض أسبابه غير تعبيرات عن العنف والقسوة في التعامل مع المحيطين بهما سواء الأهل، أو تلك الشخصيات النافرة التي تمارس الفساد بأعصاب باردة.
من الناحية الإخراجية، بدا الجزء الحالي رتيبا وبطيئا إلى حد كبير، مقارنة بالجزء الأول الذي حركت كاميراته (رشا شربتجي) بحرفية عالية، مع وضوح دورها في ضبط حركة الممثلين لتأدية الشخصيات كما رسمتها القصة، وكما تخيلتها شربتجي.
أخطاء إخراجية كبيرة
أما في (السراديب)، وهى الكلمة المضافة إلى عنوان (كسر عضم) بجزئه الجديد، فقد توضحت أخطاء إخراجية كبيرة علاوة على الإيقاع البطيء، فهناك شخصيات بدت رئيسية تم تسليمها لممثلين ثانويين لم يتمكنوا من الشخصيات ولم يظهروا بأداء جيد.
قد يكون هذا الشكل من الأعمال الدرامية ظهر بشكل مكثف فعلا في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد اندلاع الحراك المناهض للنظام في سورية، أي بات المتابع للدراما السورية يرى في كل موسم تقريباً عملاً يصوب على الفساد وجزء بسيط من الانتهاكات والتجاوزات.
ثم يظهر متولي القيادة أو أعلى هرمها بدور المصلح غير الراضي عن الفساد أو التجاوزات، وتلك أعمال باتت تعرف بمسلسلات يطلق عليها السوريون (تبييض الطناجر) المكشوف وغير المقبول من قبل جمهور المعارضة والموالاة على حد سواء.
يرى نقاد ومتابعون أن العمل يندرج تحت إطار (التنفيس) للتخفيف من حالة الاحتقان الشعبي في ظل الظروف الاقتصادية والأمنية السيئة التي تعصف بسوريا منذ عام 2011 وحتى الآن.
ومع كل ما مضى يحسب لـ (كسر عظم 2) أنه يقدم المسلسل نقدا واضحا وجريئا للواقع الأمني والعسكري في سوريا، عبر تقديم شخصيات اعتبارية وقيادية ذات رتب رفيعة اتخذت شكل المافيات المتقاتلة ولا تتوانى عن إزهاق الأرواح من أجل إتمام مصالحها، بحسب أحداث المسلسل.
ويظهر العمل مدى مسؤولية تلك الشخصيات عن عمليات تهريب الأموال والأسلحة والمخدرات عبر الحدود، لتبدو رسالة العمل كأنه لا مكان لضابط شريف يعمل في موقع حساس سوى أن ينحر نفسه أو يستقيل ،أو يجاهد ضد الانجراف إلى منظومة الفساد، ولا أمل في التغيير في ظل نظام يبرئ من يشاء ويجرم من يشاء.
كذلك يتناول المسلسل الواقع الاجتماعي المتردي وقضايا مثل (جرائم الشرف والفقر والبطالة) وتقديم التنازلات لكسب لقمة العيش، تنازلات قد تصل أحيانا إلى حد بيع الأعضاء.
ولهذا استطاع مسلسل (كسر عضم 2) خلال 32 حلقة تم عرضها في رمضان 2024 أن يصبح حديث العرب، والسوريين خاصة، على مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك من رأى فيه كثيرا من المبالغة وترويعا للناس.
جرأة القضايا في المسلسل
في حين أعجب بعض آخر بجرأة القضايا التي تناولها المسلسل مستغربا من صمت النظام السوري الذي سمح بتصوير هكذا نوع من الأعمال التي تفضح الفساد في الدولة.
وترى فئة أخرى أن السماح بعرض هكذا أعمال يندرج تحت إطار (التنفيس)، للتخفيف من حالة الاحتقان الشعبي في ظل الظروف الاقتصادية والأمنية السيئة التي تعصف بالبلاد.
ويعود (كسر عظم – السراديب) بموسمه الثاني، عبر أحداث جديدة وبمحاور متنوعة، إذ يدور المحور الرئيسي للعمل حول مجموعة متنفذين في السلطة، يقررون الوصول إلى ملفات يمكلها (أبو رولا) – الذي مات منتحرا – فيها تسجيلات وإثباتات لعمليات تخص شبكة فساد ضخمة يديرونها هم، ويعد فضحها بمثابة كارثة قد تطيح بهم.
كذلك يتناول المسلسل بطريقة تشويقية، شكل الحياة الاجتماعية في سوريا، إذ تدور أحداثه الرئيسية حول عملية تهريب غير شرعية يقوم بها البطل، مستغلاً علاقاته المتعددة مع رجال الشرطة الخائنين، كما لا يخلو العمل من قصص الحب والغرام، التي تأخذ سياقا مهما في الأحداث.
ويبدو أن مسلسل (كسر عضم – السراديب)، قد أثار حفيظة النظام السوري بسبب بعض المواضيع التي تطرق لها فيما يتعلق بالفساد الحكومي، لتقوم مخابراته باستدعاء بعض من أبطال المسلسل من أجل التحقيق معهم.
(رشيد عساف) أثبت جدارته
ورغم هذا وذاك فإنني أرى أن الفنان القدير (رشيد عساف) الذي شارك في مسلسل (كسر عضم 2)، بدور ضابط يخدم مصلحة الدولة، أثبت جدارته كممثل محترف بغض النظر عن شخصيته في المسلسل، والتي لا يمكن وصفها بإنها إسقاط لشخصية سياسية أو عسكرية سورية معينة.
ولقد برع (رشسد عساف) في تجسيد الشخصية الأمنية الموجودة وسط هذه الفوضى، التي بالضرورة ردة فعلها ستكون قاسية، وأكد وظيفته في أن يلقي الضوء على الواقع، المسلسل لامس الواقع، ولم يقصد التحريض، بل لفت الانتباه لما حدث ويحدث في سوريا.
اعتمد (رشيد عساف) الجسد كتعبير شعوري ولا شعوري يمثل ماهية الإنسان، من هنا ندرك، أن كينونة الإنسان الممثل (رشيد عساف) تكمن في التعبير عما في نفسه وعما يدور في المجتمع من عادات وتقاليد وقيم وشعائر.
وكل هذه الأشياء تنعكس على الإنسان (رشيد عساف)، فيتمثلها الجسد بتلك الحركات والأداء التعبيري، إن الجسد المسرحي كما يرى (باتريس بافيس) يتمثل بأسلوبين للعب، التلقائية والمراقبة المطلقة تماما كما هو (رشيد عساف).
وقد لاحظت أن فم (رشيد عساف) بحركاته المختلفة، وكذلك أيضا الحاجب، ولا ننسى الأطراف، والتي قد تكون معبرة بصورة أكثر وضوحا، وربما يلعب بذلك حجمها الذي يختلف عن الأعضاء الأخرى مثل العين والفم والرأس أيضا.
عبد المنعم عمايري لم نشبع منه
جسد دوره عبد المنعم عمايري، دور (أبو مطصفى) بطريقة مافياوية رائعة، لكننا لم نشبع منه على أثر مقتل ابنه بطريقة بشعة، بعد أن تمت محاولة تهديده للاستسلام، على عكس مسلسله (أغمض عينيك).
هذا المسلسل الذي ساهم في صناعة المشهد التلفزيوني السوري في موسم رمضان 2024 بطريقة مختلفة، على جناج دراما اجتماعية غاية في الروعة والهدوء، حيث يتجاوز حدود الدراما التقليدية ليقدم قصة إنسانية مؤثرة تجذب الجمهور وتلامس قلوبهم.
أجاد في الأداء أيضا (أحمد الأحمد) في دور (المقدم إبراهيم) في كثير من الحلقات وليس كلها، ولا يختلف اثنان على أن الدور المركب القائم على شخصية شريرة أمر صعب ويتطلب قدرات تمثيلية هائلة، وتترتب عليه غالبا ردات فعل سلبية تجاه الممثل ذاته، إذ قد يصدق المشاهدون أن ما يرونه على الشاشة هو حقيقة.
(أحمد الأحمد).. دهاء شيطاني
من هنا سعى (أحمد الأحمد) كمعظم الممثلين إلى التنويع في أدواره بين الشر والخير لإبراز مدى حرفيته في تجسيد قدراته الإبداعية في كل أعماله، وعند تجسيده شخصية ضابط الأمن أوقعنا (الأحمد) في غرام الشخصية.
بل كرهناه من قلوبنا، لكننا صدقناه بعقولنا، بدهائه الشيطاني، وفحيحه الثعباني، وجحوظ عينيه المخيف، خاصة في مشاهده مع زوجته (رولا)، التي مارس معها ضغوطا نفسية تؤكد حالة ىالبارنويا.
أكد (محمد حداقي) أنه مادة خام لم تستغل بعد في دور (البارون – أبو دياب) في خلط لطيف بين الإسبانية واللهجة العامية السورية، وعلى مدار رحلتة الفنية يتألق (حداقي) من عمل لآخر، لكنه كان (كسر عظم 2) يحمل كثيرا من ألق الأداء الزورباوي.
كما أشيد بأداء كل من: مهند قطيش الذي برع في أداء دور المحامي الداهية (نمر)، وكذلك إيهاب شعبان في دور (يعرب)، ويزن خليل في دور (الرائد يونس)، وأيضا (ولاء عزام، فارس ياغي، علا باشا، نادين الشعار، بشار إسماعيل).