(ابن خلدون) حلم (نور الشريف) الذي لم يشاهده الجمهور المصري
كتب: أحمد السماحي
كانت تربطني بالنجم الكبير المبدع (نور الشريف) علاقة صداقة وطيدة يعلمها كل زملائي المقربيين مني، وكثيرا ما كنا نجري مناقشات عن عمل أدبي أو فني بالساعات سواء على التليفون أو عندما تتاح الظروف للقاء، وخاصة حديثه الشيق عن مسلسل (ابن خلدون) أحد أهم الأعمال التي عملها وتمنى مشاهدتها على الشاشة.
وكتب لي (نور الشريف) مقدمة كتابي (الدنجوان رشدي أباظة .. أسطورة الأبيض والأسود)، وفي أحد الأيام كنا نتحدث عن أحد أعماله الدرامية الأخيرة، وعن مشهد معين قام بأدائه بشكل متميز للغاية.
ففوجئت به يقول هذا المشهد سبق وقدمت مشهد شبيه به في مسلسل (عبدالرحمن بن خلدون)، ويومها استغربت واندهشت وقلت له هو حضرتك قدمت مسلسل عن (ابن خلدون)؟!
فرد (نور الشريف) قائلا بفخر ومرارة: طبعا مسلسل كان من أجمل الأعمال التاريخية التى قدمتها في مشواري، وكنت أتمنى أن يعرض في مصر! بس؟!).
وسألته: بس ليه، ولماذا لم يعرض في التليفزيون المصري؟ فقال لي: (دي حكاية كبيرة لما نتقابل أقولهالك)!.
وانتهى الحديث بينا عند هذا الحد مع (نور الشريف)، وبعدها بحوالي عامين قابلت نجمنا السوري الكبير (جمال سليمان) وسألته عن حلمه الفني المؤجل؟، فقال لي: أن أجسد شخصية (ابن خلدون).
كلام نجمنا الكبير الراحل (نور الشريف) عن شخصية (ابن خلدون)، وكذلك كلام نجمنا المبدع (جمال سليمان) شجعاني لزيادة معلوماتي وقراءة كل ما كتب على الانترنت عن (ابن خلدون).
اليوتيوب.. و(ابن خلدون)
منذ أيام فوجئت بأحد الأشخاص قام بنشر مسلسل (ابن خلدون) على موقع الفيديوهات الشهير (اليوتيوب)، وقام آخر بسرقته، وقام برفعه أيضا.
وبعيدا عن هذه السرقة من الاثنين، لكنهما لهما الفضل في نشر مسلسل كان نجمنا (نور الشريف) يحلم أن يشاهده الجمهور المصري، والحقيقة أنني رغم رداءة صورة المسلسل لكنني استمتعت به جدا.
مصطفى محرم و(حياتي في الدراما)
بالبحث عن كيفية خروج هذا المسلسل للنور وجدت حديث طويل لكاتبه الكاتب والسيناريست الراحل (مصطفى محرم) الذي مرت أمس 6 يونيو ذكرى ميلاده، يحكي أدق التفاصيل عن هذا المسلسل من خلال كتابه (حياتي في الدراما).
يقول (مصطفى محرم): كان قدري ونصيبي في مجال الكتابة للتليفزيون ــ في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات ــ أن يعهدوا إليّ بالموضوعات الصعبة التى تدور حول الحضارة الإسلامية وأعلامها من الشخصيات البارزة.
وكانت ومازالت هذه الموضوعات تحتاج إلى رؤية عصرية وإلى حرفية عالية حتى لا تقع كما نرى في براثن الثرثرة، والملل الذي يبعدنا عن متابعتها.
وكانت فاتحة هذه الموضوعات مسلسلي (ابن سينا) الذي قام ببطولته النجم (محمود ياسين) لصالح تليفزيون الكويت.
وفي أحد الأيام فوجئت بإتصال من الأستاذ (رضا هاشم) الذي كان مسئولا عن إحدى شركات القطاع الخاص للإنتاج، وهى شركة كان يملكها المنتج السعودي (لطفي الزيني).
وطلب مني (رضا هاشم) كتابة مسلسل عن المؤرخ وعالم الإجتماع العربي (ابن خلدون)، وفرحت كثيرا بهذا الترشيح، فقد كنت أنوي في هذه الفترة أن أقرأ كثيرا عن هذا الرجل الذي ذاع صيته في الشرق والغرب.
خاصة مقدمة كتابه (العبر)، والمعروفة بمقدمة (ابن خلدون)، ووجدت أن الفرصة سنحت لي لقراءة ودراسة هذه المقدمة، وقراءة السبعة أجزاء لكتابه (العبر).
كتب عن (ابن خلدون)
يتابع مصطفى محرم حديثه فيقول: ذهبت واشتريت (مقدمة ابن خلدون) بتحقيق ودراسة الدكتور (علي عبدالواحد وافي) أستاذ أساتذة علم الاجتماع في العالم العربي، وكانت تتكون من ثلاثة مجلدات ضخمة.
وبحثت عن كتاب (العبر) حتى وجدته في إحدى المكتبات اللبنانية، ووجدت عندي كتاب (ابن خلدون) الذي كتبه المؤرخ الكبير (محمد عبدالله)، وكتاب عن (ابن خلدون) أيضا لـ (جاستون لوبون) ترجمه عادل زعيتر.
واشتريت كتاب (ساطع الحصري) الشهير عن مقدمة (ابن خلدون)، وبدأت في دأب شديد أبحث عن كل ما كتب عن هذا المفكر العربي الشهير.
وأثناء بحثي عن المراجع اكتشفت أن هناك كتابا قام بتأليفه (ابن خلدون) نفسه عن سيرته الذاتية في سرد أشبه بالرواية وهو كتاب (التعريف بابن خلدون)، وعندما حصلت على هذا الكتاب، وقرأته أدركت أنني كتبت المسلسل.
ملخص درامي لإبن خلدون
يواصل مصطفى محرم حديثه فيقول: قمت بإعداد ملخص درامي في حوالي خمسين صفحة، وسلمت هذا الملخص للأستاذ (رضا هاشم) حيث قام بتوزيعه على مجموعة من كبار الكتاب والمفكرين المتخصصين، فنال استحسانهم.
وجعلني أقرأ تقاريرهم، فوجدت فيها ما أثلج صدري وزادني حماسا، كنت أشعر بالمسئولية الكبيرة وأنا أكتب عن شخصية عربية كبيرة كابن خلدون، والتى يعتبره الجميع في الشرق والغرب رائد علم الإجتماع.
وأنه سابق للفيلسوف الفرنسي وعالم الاجتماع الشهير (أوجست كونت)، واكتشفت شيئا مهما وهو أن حياة هذا المفكر العربي الكبير كانت تتمحور حول الطموح الجامح تماما مثل حياة (ابن سينا).
و(المتنبي)، و(الخليفة الأندلسي المنصور بن أبي عامر)، كانوا كلهم من المفكرين وأصحاب القلم، ودار في داخلهم صراع مرير بين السيف والقلم.
وظفر ثلاثة منهم بما طمحوا إليه أما (المتنبي) العظيم فقد قتله طموحه، وعندما قرأت عن علاقة (ابن خلدون) بالوزير الأديب والمؤرخ (لسان الدين ابن الخطيب) وزير السلطان (ابن الأحمر) سارعت بشراء كتابه الشهير (الإحاطة في أخبار غرناطة).
وهو كتاب من أربعة أجزاء قام بتحقيقه الأستاذ (محمد عبدالله عنان)، وعندما قرأته أفدت منه إفادة عامة كبيرة أكثر من إفادة تتعلق بكتابة المسلسل.
انتهاء الكتابة عن (ابن خلدون)
انتهيت من كتابة الحلقات التى تبلغ ثماني عشرة حلقة عن (ابن خلدون)، والشيئ الممتع والمريح في ذلك الوقت هو عدم التقيد بعدد الحلقات، فالكاتب يظل يكتب حتى يصل إلى نهاية الحلقات، بصرف النظر عن عددها.
ولذلك كنت تجد في ذلك الوقت قلما تزيد الحلقات عن عشرين حلقة، ولو تصدى كاتب آخر من كتاب هذه الأيام لهذا النوع من المسلسلات فربما تجاوزت الحلقات عن الثلاثين!
ولكني كنت أكتب بحرفية الكتابة السينمائية، فكانت أغلب المشاهد قصيرة، والإيقاع سريع، وساعدتني الأحداث على ذلك.
تليفزيون قطر شريك في الإنتاج
نظرا لضخامة الميزانية أرسل المنتج السعودي (لطفي الزيني) الحلقات المكتوبة إلى تليفزيون قطر لإبداء الرأي، وكان المكلف هناك بإبداء الرأي هو السيناريست المصري الرقيق (عاصم توفيق).
وأبدى (عاصم توفيق) إعجابه بالنص، وأبلغني بما تضمنه التقرير من إعجاب اللجنة وبعض الملاحظات الطفيفة، قمت بتنفيذ الملاحظات.
وطلبت معاينة بعض الأماكن في تونس خاصة قلعة (سوسة) التى تم فيها سجن (ابن خلدون)، وكان من حسن حظي أن ستوديو (الزيني) يقع هناك في (سوسة) وبالقرب من تلك البقعة.
(إبراهيم الصحن) مخرج المسلسل
رشحت المخرج والصديق (إبراهيم الصحن) لإخراج المسلسل، وقامت الشركة المنتجة بترتيب رحلة إلى تونس، وكان من المفروض أن يأتي إبراهيم الصحن لكنه اعتذر لأسباب خاصة به.
وذهبت أنا ومهندس الديكور (عرفة زكي) الذي كان من أفضل مهندسي الديكور في تاريخ الأعمال التليفزيونية، وكان كبار المخرجين يسعون للعمل معه وقلما كان يوافق إلا إذا أعجبه النص، ووجد أن الديكور سوف يكون هو البارز في العمل ويضيف إليه.
(نور الشريف).. و(ابن خلدون)
بعد عودتنا من تونس، وجدت المخرج (إبراهيم الصحن)، رشح النجم (نور الشريف) – الذي كان في أوج نجوميته في بداية الثمانينات – لبطولة مسلسل (ابن خلدون)، وقرأ (نور الشريف) الحلقات وتحمس لها كثيرا، وفجأة اعتذر ربان السفينة؟
غدا نستكمل رحلة (ابن خلدون) لنعرف من الذي اعتذر عن تكملة المسلسل وسر منع التليفزيون المصري له!