بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
الكوميديا والرعب.. لونان فنيان يستحوذان على اهتمام قطاع عريض من جمهور الفن، وخصوصاً الأجيال الشابة، فالكوميديا تحقق متعة الضحك والخروج من دوائر الهموم الحياتية والتحليق في سماء السعادة ولو لبعض الوقت، والرعب يحرك داخل المشاهد غريزة الخوف التي تساعده على التنفيس عن مشاعره حسب (أرسطو).
وعندما تجتمع الكوميديا مع الرعب في عمل فني فإنه يساعد مشاهده على الخروج من إطار الملل والنمطية التي تصطبغ بها حياته وتحفز إفراز الأدرينالين عنده ليمنحه بعض التجديد الوجداني، وهو ما تحقق في مسلسل (البيت بيتي) بجزأيه الأول والثاني.
تقديم عدة أجزاء من العمل الفني غالباً ما يضعفه، وغالباً ما تكون الأجزاء اللاحقة للأول مجرد استغلال لنجاحه، ولكن (البيت بيتي) نجح في تجاوز هذه القاعدة، ليأتي جزأه الثاني مساوياً للأول في إمتاع المشاهد، أحداث جديدة، ومغامرة جديدة في طريق البحث عن الحقيقة المدفونة منذ 30 عاماً.
في الجزء الأول كشف الثنائي (كراكيري وبينو) سر القصر الملعون الموروث عن جدهما، وفي الجزء الثاني قاما بحل لغز الفندق المهجور والقرية الخاوية من أهلها بعد أن التهم حريق كبير الفندق في الماضي والتهم معه سكان القرية الذين تجمعوا فيه لحضور حفل زفاف.
في عملية مخططة من (عوني) الجشع والد (بينو)، و(باهر) جد كل من (بينو وكراكيري)، قادهما الطمع للاتفاق مع أحد كبار القرية وابنه في الاستيلاء على مقتنيات قبر أثري ومومياءه.
وتحولت العلاقة بين الطرفين إلى صراع وتآمر وتربص بعد أن كانت صداقة وتقدير ومودة، وقدم الطرفان إحدى فتيات القرية لتدفن مكان المومياء قرباناً لفك تعويذة القبر، وبسبب جشع الطرفين المتصارعين على الحصول على أكبر نسبة من عائد يرقة وبيع مقتنيات المقبرة.
في إطار من الرعب وخفة الدم
شبّ حريق في الفندق وقتل أهل القرية ليعم الخراب كل جنباتها، وخوفاً من الأرواح التي زهقت كان تجنب الفندق وتجنب القرية بكاملها، ولم يتبق بها سوى ساكن واحد وهو (ابن الكاتب) ويجسده (أحمد بدير)، ويتتبع (بينو وكراكيري) خيوط القضية في إطار من الرعب وخفة الدم حتى يصلان إلى الحقيقة.
ارتبط الرعب في أذهان المشاهدين بقطع الرؤوس وتمزيق الجثث ومطاردة كائنات غريبة الشكل والسلوك للبشر وارتكاب أكبر قدر من الجرائم، ولكن في (البيت بيتي) للرعب شكل آخر، فلا توجد جريمة واحدة ترتكب، والبطلان ليسا من نوعية مصاصي الدماء، بل باحثان عن الحقيقة.
الجريمة حدثت في زمن مضى، والأرواح التي اعتمد عليها الكاتبان (أحمد عبدالوهاب وكريم سامي)، موجودة كل الوقت من دون ظهور أو فجاجة، والمخرج (خالد مرعي) حقق الرعب من خلال اللعب بالإضاءة ومواقع التصوير وحركة الكاميرا وتعبيرات الممثلين.
كريم كوميديان من طراز رفيع
ولعله قمة النجاح أن تقدم الرعب برقي لا يجرح المشاعر ولا يستفز المشاهد ولا يلوث الشاشة، الكائنات المرعبة موجودة ولكنها غير مرئية، تحرك الأحداث وتستنفر خيال المشاهد وتشغل جميع حواسه من دون أن يراها، وهو ما يجعله مسلسلاً لكل أفراد العائلة من دون محاذير ولا إزعاجات.
الكوميديا في (البيت بيتي) وضع لبناتها الكاتبين، ورسم مشاهدها المخرج وأبدع فيها الثنائي (كريم محمود عبدالعزيز ومصطفى خاطر).
كريم كوميديان من طراز رفيع، تشاهده وكأنك ترى والده الفنان الراحل (محمود عبدالعزيز) يتحرك أمامك على الشاشة، أداءً وصوتاً وتعبيراً بلغة الجسد والعينين، كوميديا بلا افتعال ولا استظراف ولا خروج على الآداب العامة وقيم المجتمع ولا سخرية من ممثلي الأدوار الثانوية.
فعلاً (اللي خلف مماتش)، محمود عبدالعزيز لم يمت، موجود في شخص ابنه (كريم)، كلما شاهدنا الابن في دور تذكرنا الأب في أدوار، تحس أن موهبة كريم فطرية، وأنه ممثل استطاع تطويرها، وسوف تنمو وتتطور ومعها تكبر قيمته ويزيد جمهوره ليحتل المكانة التي تليق به وبموهبته في المستقبل.
مصطفى خاطر يرسخ أقدامه كممثل كوميدي، ويختار في هذا المسلسل الانحياز إلى كوميديا الموقف، الخروج عن النص شبه معدوم، والاستظراف غير موجود، وكل جملة مدروسة جيداً قبل نطقها والتعبير عن مكنونها.
مع (كريم ومصطفى)، كانت (ميرنا جميل) بمثابة وردة فواحة تضفي جمالاً وتضيف إضحاكاً في المسلسل، أما بالنسبة لسليمان عيد فقد استحوذ على مساحة نادراً ما تمنح له ليعبر عن مخزونه الذي لم يجد الفرصة للخروج للناس على مدار عقود مضت، وتألق الباقون كل في دوره، وخصوصاً (أحمد بدير وسامي مغاوري).
في (البيت بيتي 2)، مشاهد رعب تستنفر المشاهد وتُعمل حواسه، ولغز يشغل تفكيره، وكوميديا تمنحه الاسترخاء، كوكتيل ممتع لا يتوفر في كثير مما تعرضه الشاشات والمنصات.