رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

د. آمال عثمان تكتب: لأول مرة فى تاريخ المهرجانات السينمائية: ثلاث نجمات يتشاركن (الجائزة) مع ممثلة متحولة جنسياً!

جائزة التمثيل ذهبت من قبل إلى 6 بطلات فى فيلم إسباني.. وفاز بها 4 أبطال فى ملحمة سينمائية فرنسية جزائرية

د. آمال عثمان

بقلم الكاتبة الصحفية الدكتورة: آمال عثمان

سيطرت النساء وحكاياتهن على اهتمام مهرجان (كان) السينمائي السابع والسبعين، وفازت البطلات والحكايات بنصيب الأسد من جوائز لجنة التحكيم النسائية بامتياز، منحت رحلة ممرضة هندية وابنتها مع الحب (الجائزة) الكبرى، عن فيلم “كل ما نتخيله ضوءاً.

بعد غياب السينما الهندية 30 عاماً عن المهرجان، وانحازت اللجنة لحركة التظاهرات النسائية في إيران، ومنحت جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الإيراني (بذرة التين المقدسة) للمخرج (محمد رسولوف).

بينما كانت أكبر المفاجآت هذا العام جائزة التمثيل النسائية، وهى (الجائزة) التى تقاسمتها البطلات الأربعة فى فيلم واحد، وأثار هذا الفوز جدلاً واسعاً، ليس لأنها المرة الأولى التى يمنح فيها المهرجان جائزة التمثيل لأكثر من ممثلة أو ممثل.

فقد سبق وفازت بجائزة التمثيل النسائي 6 بطلات لفيلم واحد، وفاز بجائزة التمثيل الرجالى 4 أبطال لفيلم آخر فى العام نفسه، وإنما لأنها المرة الأولى التى تتشارك 3 بطلات جائزة التمثيل النسائي، مع ممثلة عابرة جنسياً، وأول جائزة فى تاريخ السينما تمنح لممثلة متحولة جنسياً!!

منحت جائزة التمثيل النسائي لأربع ممثلات مجتمعات، للمرة الثانية فى تاريخ أكبر المهرجانات السينمائية فى العالم، وتتشارك جائزة التمثيل النسائية (كارلا صوفيا جاسكون، زوي سالدانيا، سيلينا جوميز، أدريانا باز) فى فيلم (إيميليا بيريز- Pérez Emilia) للمخرج والمؤلف والمنتج الفرنسي (جاك أوديار).

سامي ناصري
جمال دبوز
رشدي زيم
سامي بوعجيلة

جائزة التمثيل الرجالى

وذلك بعد 18 عاماً على فوز 6 بطلات على (الجائزة) نفسها، فى الفيلم الإسباني العودة (Volver) للمخرج الشهير بيدرو ألمودوفار، وحصول 4 أبطال على جائزة التمثيل الرجالي فى العام ذاته، عن فيلم “بلديون” (Indigènes) للمخرج الفرنسي الجزائري الأصل (رشيد بوشارب).

ومازلت أذكر الصعوبة التى واجهت لجنة التحكيم آنذاك، فقد كان من المستحيل منح أحدهم أو إحداهن (الجائزة)، وحرمان الأبطال الآخرين، الذين أبدعوا فى تجسيد الأدوار الرئيسية، أو البطلات المتقاسمات للأدوار الأساسية ببراعة.

الجميع استحقوا (الجائزة) بجدارة، ولحل تلك المعضلة الصعبة، لم يكن أمام اللجنة سوي منح جائزة التمثيل الرجالى لأبطال فيلم (مدنيون) لـ (جمال دبوز، سامي ناصري، رشدي زيم، سامي بو عجيلة)، ومنح جائزة التمثيل النسائية لبطلات فيلم (العودة) النجمة المبدعة (بينالوبي كروز، كارمن ماورا، لولا دوناز، بلانكا بورتلو، يوهانا كوبو، شوس لمبريفي).

ورغم تفاوت مكانتهن الفنية، ونجومية كل منهن، لم تغضب أو تعترض إحداهن، بل تشاركن سعادتهن بـ (الجائزة) مع المخرج (ألمادوفار)، الذي فاز أيضاً بجائزة السيناريو عن الفيلم.

الأمر المثير للدهشة هنا أن (جاك أوديار) مخرج ومؤلف فيلم (إيميليا بيريز) استعان بممثل متحول جنسياً، ليجسد شخصية رئيس عصابة مخدرات، يريد أن يتقاعد ويبدأ حياة جديدة بعيداً عن الجريمة.

وفى الوقت نفسه يحقق أمنيته الكبرى، فى أن يصبح المرأة التي طالما حلم بها منذ طفولته، مستعيناً بمحامية تعمل على تبرئة المجرمين وتبييض صفحتهم، تساعده المحامية فى الوصول إلى طبيب لإجراء عملية التحويل، والاختفاء إلى الأبد بعد أن يوهم الجميع بموته.

ويصبح اسمه (إيميليا بيريز)، وتقوم المحامية بتهريب عائلته إلى سويسرا، ليبدأ الجميع هناك حياة جديدة!!

الممثلة المتحولة كارلا صوفيا جاكسون

كارلا صوفيا جاسكون

والممثل الإسباني (كارلوس جاسكون) المتحول جنسياً، أجرى تلك العملية منذ 6 أعوام وهو بعمر السادسة والأربعين، ليتحول إلى امرأة تحمل اسم (كارلا صوفيا جاسكون).

ولا شك أنه استلهم تجربته الشخصية فى تجسيد الدور، واعتبر البعض أن هذا الأمر جاء فى مصلحة الفيلم كي ينال (الجائزة)، بل على الأرجح أن مؤلف ومخرج الفيلم (جاك أوديار) استلهم الفكرة من بطلة أو بطل فيلمه العابر جنسياً، وحصد المخرج جائزة لجنة التحكيم إلى جانب جائزة التمثيل النسائية.

ورغم أن الفيلم الذي مزج بين الكوميديا والموسيقى والميلودراما، لاقى استحساناً واسعاً من النقاد بعد عرضه على شاشة مهرجان كان السينمائي، بل وتعاطفاً كبيراً مع دموع (كارلا) وكلماتها الموجهة لزوجتها وابنتها حين تلقيها الجائزة، وحديثها عن آلام مجتمع المتحولين جنسياً، ومن شاركوهم آلامهم.

إلا أن بعض الصحف اعتبرت أن عرض هذا العمل غير المألوف (صفعة) على وجه رواد المهرجان المتحمسين.

بينما طرحت السياسية الفرنسية (ماريون مارشال لوبين) تساؤلاً مشروعاً من خلال حسابها على منصة إكس قائلة: (إذاً هو رجل ذلك الذي فاز بجائزة أفضل ممثلة، يبدو أن التقدم بالنسبة لليسار، هو محو النساء والأمهات).

وبالطبع لم تسلم السياسية الشهيرة بعدها من هجوم الصحف الفرنسية، والمهووسين على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروها كارهة للمتحولين، حيث إن الحديث عن الاسم أو النوع الجنسي للشخص بعد تحوله، يعتبر فى تلك المجتمعات من أكثر التصرفات كراهيةً للمتحولين!!

بينيلوبي كروز فى فيلم العودة

الفيلم الإسباني (العودة – Volver)

أما الفيلم الإسباني (العودة) أو(Volver) الذي حصدت بطلاته على جائزة التمثيل مجتمعات، فعرض لأول مرة فى مهرجان كان السينمائي عام 2006، ونال إشادة واسعة من النقاد، رشحته للتنافس على السعفة الذهبية، لكنه فاز فى النهاية بجائزة التمثيل النسائي لبطلاته، وجائزة أفضل سيناريو.

وتدور أحداثه حول عائلة من النساء يعشن فى قرية صغيرة جنوب مدريد، تؤمن بالخرافات والأشباح، وتلعب (بينلوبي كروز) شخصية امرأة عاملة تضطر إلى القيام بمغامرات عنيفة، لتهريب واخفاء جثة زوجها، حماية لابنتها البالغة من العمر 14 عاماً، بعد قيامها بقتل الزوج الذي حاول اغتصابها.

وهي ذات التجربة التى تعرضت لها الأم فى طفولتها، وترشحت النجمة الإسبانية عن هذا الدور لجائزة أوسكار أفضل ممثلة فى العام نفسه، مما جعلها أول ممثلة إسبانية تترشح لهذه (الجائزة).

كذلك عرض فيلم (بلديون – Indigènes)، لأول مرة عام 2006 فى مهرجان (كان) السينمائي، ويعد ملحمة سينمائية تجسد قصة جنود من المغرب العربي وإفريقيا، قاتلوا من أجل فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية عام 1943، بعد سقوط فرنسا في قبضة الجيش الألماني.

ويصور كيف قام أعيان الريف فى المغرب العربي بحملة، لتجنيد عشرات الآلاف من الشباب للقتال في صفوف الجيش الفرنسي، تحت شعار: (انقذوا فرنسا)، وذلك من خلال تتبع مصير أربعة شباب مجندين من المغرب العربي (سعيد، أبو بكر، مسعود، وياسر).

أرسلوا إلى الخطوط الأمامية للحرب فى أوروبا، ضمن 130 ألف جندي، من أجل تحرير فرنسا.

يخوض الشباب الأربعة تجربة الحرب فى البداية، فى ظل مشاعر الخوف والقلق

فيلم (بلديون – Indigènes)

ويخوض الشباب الأربعة تجربة الحرب فى البداية، فى ظل مشاعر الخوف والقلق، ولكل منهم هدف أو حافز، لكنهم سرعان ما ينخرطون بعد ذلك فى القتال بحماس، مؤمنين بالمساواة والحرية.

استجابة لمقولة شارل ديجول: (إن الدفاع عن حرية فرنسا هو دفاع عن الحرية فى العالم) يحركهم حلم نيل الحرية، وتحرير أوطانهم من الاستعمار.

 والفيلم الذي رشح لنيل جائزة أوسكار أفضل فيلم غير أمريكي عام 2006، يركز على قضية الهوية الإسلامية، وفتح بجرأة صفحة من صفحات التاريخ الفرنسي الحديث.

ويعيد الاعتبار للجنود الذين ساهموا فى تحرير فرنسا، واستوطنوها بعد ذلك، وكيف تنكرت فرنسا لتعهدات الجيش الرسمية، وعدم إدراك المجتمع الفرنسي لحقوق سكان المستعمرات.

انتهت بقايا ذكرياتي مع جوائز التمثيل عمرها 18 عاماً فى مهرجان (كان) السينمائي، لكن يظل السؤال المحير: هل جائزة التمثيل النسائي في مهرجان كان السابع والسبعين تشاركت فيها 4 بطلات، أم ممثل متحول و3 بطلات لأول مرة في تاريخ السينما؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.