بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
قبل أن تغرق في التفاؤل بقراءة التصريح الوارد في السطور التالية، أود طمأنتك إلى أنه صدر عن الفنانة الكندية (امريت كور) وليس عن أي من (الفنانين) العرب الذين لا يزالوا يغطون في نوم عميق.
أو ربما نسوا تناول حبوب الشجاعة لاتخاذ موقف تجاه المآسي اليومية التي يعيشها أهلنا في (غزة) تحت وقع القصف الإسرائيلي الهمجي المستمر منذ ثمانية شهور كاملة.
الفنانة الشابة التي لم أعرفها حتى قرأت تصريحها المحترم أمس، قالت خلال استلامها جائزة من مهرجان كندي للدراما ما نصه: (لمن يطالبوننا ألا نتكلم نحن (الفنانين)، خشية فقدان وظائفنا وسمعتنا، أنتم تطالبوننا بألا نكون فنانين، وأريد أن أقول لكم يا سادة إنني فنانة، وأرفض الرضوخ).
إذن فقد قالت (امريت) ما كنا نؤمن به لسنوات طويلة وما التزم به العديد من (الفنانين) الكبار وهو أن الفن رسالة قبل أن يكون رصيدا بنكيا متضخما أو مجرد وسيلة لبلوغ الشهرة والنفوذ، وقد كان كذلك بالفعل في بلادنا العربية.
في أزمنة سابقة كان (الفنانين) يملكون فيها الشجاعة لقول ما يريدون سواء في تصريحاتهم أو حتى في أعمالهم الفنية دون خوف والأمثلة على ذلك عديدة تحتاج مقالا منفصلا.
ببساطة عبرت الفنانة الكندية الشابة عما اعتقدنا أنه الهدف الأسمى للفن عموما، وهو كما أوضحه قبل سنوات طويلة الفنان الراحل (نور الشريف) بأنه (أي الفن) رسالة للمجتمع لمواجهة التغيرات من خلال الكتاب والنجوم الذين يحملون على عاتقهم مسئولية كبيرة.
الفن وسيلة لأكل (الشهد)
لم يتطرق (نور) إلى أن الفن وسيلة لأكل (الشهد) مثلما يؤمن بعض الفنانين الحاليين الذين لا يكتفون فقط بتجاهل إعلان مواقفهم من قضايا حيوية سواء مأساة (غزة) أو حتى العديد من القضايا الشائكة في مجتمعاتهم المحلية.
ولكنهم يحددون مواقفهم من تلك القضايا بحسب ما يرضي القائمين على السلطة أو رجال الأعمال لكي يضمنون أن حسابهم البنكي سوف يتضاعف يوما بعد الآخر.
اؤمن مثل أبناء جيلي بأن الفن مرآة للمجتمع، وأننا لا يمكن أن نتوقع فنا راقيا في مجتمع لا ترتقي معاييره إلى الحدود الدنيا من الوعي العام، مثلما لا يجب أن تفاجئنا المواقف المخزية للفنانين من القضايا القومية والوطنية.
ذلك لأننا في زمن يسطع فيه فنانين بعضهم ليسوا فقط عديمي التعليم، ولكنهم أيضا عديمي الموهبة والثقافة والوعي.
وعلينا أن ندرك أن هذه الخلطة لا يمكن أن تقدم لنا سوى مسوخ، ويتصرفون مثل راقصة الأفراح الشعبية التي لا تنفعل على شرفها وكرامتها، لكنها تنفعل الى حد ارتكاب جريمة اذا أفسد عليها أحد فرحا كانت تخطط للم النقوط منه.
ما ورد في السطور السابقة ليس محاولة لاستفزاز (الفنانين) العرب لاتخاذ موقف ما لدعم الأشقاء في (غزة) في مواجهة المجازر الجماعية التي يتعرضون لها.
وليس الهدف من المقال أيضا حشد الفن للتضامن مع فلسطين وقضيتها العادلة لأن الحراك العالمي وفي القلب منه مواقف الفنانين في معظم دول العالم تغني عن استجداء التعاطف من القلوب الميتة.
لكنني أتمنى أو أطمح في أقل تقدير لرؤية مواقف واضحة لفنانينا من مختلف القضايا حتى لو جاهر بعضهم بدعم إسرائيل في عدوانها، أو دعم السلطة في بلادهم ضد الشعب بشكل صريحة وكلمات واضحة، حتى يقدموا مبررا أخلاقيا لجمهورهم بأنهم يستحقون المكانة التي حصلوا عليها.
حل يرضي جميع الأطراف
أما سياسة إمساك العصا من المنتصف والبحث عن حل يرضي جميع الأطراف، مثل عنوان السهرة التليفزيونية القديمة، فقد باتت غير مقبولة في زمن لم يعد الحياد فيه خيارا للمواطنين العاديين، فما بالك بالفنانين الذين يفترض أنهم يقودون مسيرة التنوير في مجتمعاتهم؟!
قد يقول قائل أن (الفنانين) في الغرب لديهم رفاهية التعبير عن آرائهم دون خوف من العواقب بحكم انهم يعيشون في مجتمعات ديمقراطية تحترم اختلاف الآراء، لكن الحقيقة ووقائع التاريخ تقول عكس ذلك.
لأن أغلب الفنانين الذين عبروا عن مواقفهم بشجاعة دفعوا ثمنا لذلك بتعثر مسيرتهم الفنية، نتيجة تعصب اللوبي الصهيوني الذي يسيطر على كبريات شركات الإنتاج الدرامي والسينمائي في أمريكا على وجه الخصوص.
ويضع فلاتر عديدة لمنع التعاون مع أي فنان لا يتعاطف مع إسرائيل، مثلما حدث مع ميل جيبسون وبن أفليك وقبلهم بعقود الفنان الكبير مارلون براندو.
القصة إذن تتعلق بالطريقة التي ينظر بها كل فنان إلى ما يقدمه والغاية منه، وكذلك وعيه بفكرة تراثه الفني الذي سيتركه بعد رحيله، وأين سيتم تصنيفه ضمن تاريخ الفن، لكن هذه أمور أظنها معقدة لو أدركها كل الفنانين لانطبق عليهم قول الفنان الراحل (حسن حسني) في أحد أفلامه: (دي حاجه لو عرفتوها تبقوا عمد).