بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
أسباب كثيرة قد تكون وراء حالة الفتور التى تلقى بها البعض نبأ فوز الكاتب المبدع (عبد الرحيم كمال) بجائزة الدولة في التفوق في مجال الآداب.
قد تكون الغيرة الأدبية من بين هذه الأسباب، وهذا أمر معتاد وقوعه ويحدث بين الكبار قبل الصغار لاسيما في هذا المجال.
قد يكون الأستاذ عبد الرحيم يدفع ثمن النقمة والسخط على الدولة التى منحته الجائزة باسمها، فيجد نفسه في مرمى نيران موجهة أساسا إلى غيره لمجرد أنه وقف في الجهة نفسها التى يقف فيها المقصودون بالنقمة والسخط!.
وقد يكون سبب الغيرة هو ما ردده البعض بنغمة )قاسم السماوي( عن قيمة الجائزة المالية، ولو أنه لو حسبته بسعر الدولار سيتهاوى إلى درجة تثير الشفقة، لا، ليس الدولار فقط، فلو حسبته بسعر البيض لما وصل إلى حمولة عربية نصف نقل خارجة من المبيضة!.
وقد يكون نجاح مسلسل الحشاشين – بالإكراه- أحد أسباب هذا الحنق ولو أن الإكراه في النجاح لم يكن بسبب ضعف في المسلسل من الناحية الإبداعية والتصويرية، فربما لو تركت وحدة مباحث مكافحة النقد التابعة للإدارة العامة لمباحث الدراما، المسلسل لأقلام النقاد دون ترهيب أو ترغيب، لنجح من نفسه، دون تدخل من سعادة الباشا المعاون!.
وتتعدد الأسباب وراء هذا الفتور المشوبة به الابتسامات الصفراء مع إعلان نبأ فوز الأستاذ عبد الرحيم بالجائزة.
لكن إحقاقا للحق، لا يمكن أن يكون من بين هذه الأسباب سبب بأن الأستاذ لا يستحق الجائزة!
يستحق بالثلث هذه الجائزة
لا طبعاً.. إن كان على الاستحقاق.. فهو يستحق بالثلث هذه الجائزة وما يزيد عنها، لأن من يزعم أن عبد الرحيم كمال ليس متمكنا من قلمه الذي يكتب به قصصه وسيناريو هاته ويرسم شخصياته، فهو ظالم لعبد الرحيم ولفن كتابة الدراما عموما.
حتى في مسلسل الحشاشين، لم يكن هناك عيب في الحبكة الدرامية ولا في تسلسل الأحداث، أما ما تردد عن أخطاء تاريخية، فليس منه. فالروائي أو السيناريست، ليس مؤرخا وهناك اتفاق غير معلن بين صاحب العمل الدرامي والمشاهد، بأن ما يراه، عمل يخلط ما بين الواقع والخيال. وفي هذه الناحية بالذات تظهر موهبة عبد الرحيم في نحت شخصيات يلبسها أفكاراً ويخوض بها خضم الأحداث، بل أرى أن هذا هو المعيار الأساسي للروائي، الذي تظهر براعته في التصوير التاريخي، بنقل أجواء الأحداث التاريخية وليس نقلا لشخصياتها ووقائعها، وسبق ان نجح كمال في ذلك نجاحاً كبيراً في مسلسل “شيخ العرب همام” برغم نقمة أبناء القبيلة الهمامية على المسلسل أيام عرضه حتى وصل الأمر إلى ساحات القضاء.
لكن المسلسل كان ومازال ناجحاً، فما دام العمل الدرامى يلقى نفس الشغف مع تكرار عرضه، فهو عمل ناجح بامتياز.
وأنا شخصياً لا احبذ مسمى مسلسل أو فيلم تاريخي، فالتزوير الحقيقي ليس في أن تكتب حدثا تاريخيا في مسلسل يكون مشكوكا في حدوثه أو حتى أنه لم يقع من الأساس، خاصة إن كان منسجماً مع السياق الدرامي والفكرة العامة للعمل، لكن التزوير الحقيقي يكون بالدفع للإيحاء بأن هذا هو ما حدث ويفرضه واقعاً حقيقياً وما ليس غيره، فهو كذب!
كذلك يمكن أن يقع الروائى أو المؤلف الدرامي في مجال التدليس بوصفه مرتكبا جنحة أقل فداحة من جناية التزوير، إذا جعل نصه الإبداعى في خدمة سلطة ما، خصوصاً إن لم تكن لهذه السلطة إيديولوجية لا يعتنقها المؤلف، أما إذا كان يعتنق هذه الأيديولوجية، فهو بذلك يتجاوز جنحة التدليس وجناية التزوير معا، إلى الخيانة العظمى!.
حظ الأستاذ (عبد الرحيم كمال)
لكن من حظ الأستاذ عبد الرحيم أن السلطة عندنا ليس لها إيديولوجيا ولا تريد، بل ترى أن كلمة ايديولوجية في حد ذاتها تهمة!.
(بصراحة كده أحسن.. ثم إنها طول عمرها كده).
وإن كان كثيراً ما تشعر في أثناء متابعة بعض المشاهد في مسلسل الحشاشين، أنها تشير بوضوح إلى أنه يتحدث عن جماعة حسن البنا وليس جماعة حسن الصباح، وهو ما حدا بالزميلة الكاتبة الصحفية بالأهرام جيهان الغرباوي، أن تعلق على المسلسل: (كنا فاكرين إنه عبد الرحيم كمال طلع عبد الرحيم علي).
عموماً أنا واثق تماماً أن الأستاذ كمال مخلص جدا للنص الذي يكتبه هو، لكن لابد أن نضع في الحسبان بعض المؤثرات فيما وراء النص، بل فيما وراء البلاتوه، فالعمل الدرامى في الأساس عمل جماعى قائم على مبادئ ترتيب وتقسيم العمل، فهناك عوامل أخرى تتداخل في صناعة الدراما، ولأنها صناعة فليس شرطاً أن يكون الإبداع أحد عناصرها، كما أن الدعاية تجعله لا يتحكم في مقودها، بل ربما لا يكون الإبداع من العناصر الرئيسية، تبعا للغرض الأساسي من العمل، لأن العمل الدرامي في الأساس هو صناعة وتجارة ودعاية، أما الرجل فقد أخلص في دوره المطلوب منه كمبدع أوراق، فلا يصح لنا مؤاخذته على ما ليس من اختصاصه الأصيل.
ونرجو ان تكون الجائزة التى نالها عن جدارة لهذا السبب بعيداً عن أى أسباب أخرى قد يراها غيره موجبة لكى يقع عليه الاختيار للفوز بتلك الجائزة!