أم كلثوم تكتب نهاية حب وزواج (فريد شوقي) من (هدى سلطان).. (2/2)
* فتاة الكومبارس كادت تهدم حياة ملك الترسو
* عدم مرور تاكسي جعل فريد شوقي يتزوج هدى سلطان
* وحش الشاشة يمثل فيلم (فتوات الحسينية) مجانا هديه لـ (محمد فوزي)
* طلب منها عدم السهر والتفرغ للبيت، فقالت له (أنت بتاع شغل وبس)
* نكسة يونيو أصابت حب (فريد وهدى) بنكسة عاطفية
* بعد الطلاق استمع وحش الشاشة للست تغني (ظلمنا الحب) فبكي بقوة!
كتب : أحمد السماحي
أحيانا نصنع البداية، لكن النهاية دائما من حق القدر، إذا كان (فريد شوقي) هو من صنع بداية حبه لـ (هدى سلطان)، لكن النهاية لم يضعها هو، ولم يتوقع أن تكون، ولكن صنعها القدر، تعالوا بنا نستكمل قصة غرام (هدى سلطان) و(فريد شوقي) كما جاءت على لسانهما.
ونترك صاحبة (إن كنت ناسي أفكرك) تكمل كلامها قائلة: خلال فترة الخطبة القصيرة كان (فريد شوقي) صادقا في كل ما قاله لي عن نفسه، لم ينكر إنه من أسرة فقيرة وأنه فقير، ولم يمنع عني شيئا من تفاصيل شئونه المالية، وشرح لي كل أوجه دخله بصدق، كان فريد طبيعيا جدا في كل تصرفاته حتى حبه لي كان يعبر عنه بإخلاص وفى كلمات قليلة صادقة.
وذات يوم طلب مني أن يزورني فى البيت، وقال لي أنه يريد أن يراني بطبيعتي، ليعرف كيف أعيش؟ وكيف أتحرك داخل البيت؟ حتى يستعيد صورتي كلما غادرني!، ورفضت قائلة وأنا ابتسم : أن من الخير لك أن تعيش في الخيال.
الأسطى حسن
فى فترة خطبتنا أعطاني فريد نصين للسينما وطلب مني أن أقرأها وأكون رأيي فيهما، كانت أحداهما هى (الأسطى حسن) التى أصبحت أول انتاج لنا معا بعد زواجنا، بل أن فترة الخطبة هذه رغم قصرها كانت مسرحا لذكريات لا تنسى، فقد دعينا مرة أنا وهو إلى العشاء عند المخرج (حسن الأمام) وزوجته وانضم إلينا زوج إحدى الصديقات.
وقال لـ (فريد شوقي): (فيه واحدة ست عايزاك تحت يا أستاذ؟) وتظاهر فريد بأنه لم يسمع ما قيل له، ولكني رغم ما كان يجتاحني من غضب تصنعت عدم المبالاة وابتسمت، وأنا أقول: أنزل يا فريد شوف الست عيزاك ليه؟! ونهض فريد مرتبكا وغادرنا.
يتدخل (فريد شوقي): كاد يغمى عليه فى تلك اللحظة، فقد أعتقدت أن القدر ساق إلى هذه الفتاة لتفسد على سعادتي.!
وتكمل (هدى سلطان): وظللت طوال فترة غياب (فريد شوقي) التى دامت ثلاث ساعات، اتصنع عدم المبالاة، بينما أنا في أعماقي احترق من الغيظ، وما أن عاد حتى أصررت على الانصراف، وأصررت على ألا يوصلني إلى البيت بسيارته كما تعودنا، يومها أصررت أن استقل تاكسي، ولكن القدر تدخل فلم تمر سيارة تاكسي واحدة طوال نصف ساعة، وظل فريد واقفا على الرصيف يبذل محاولات متكررة لاقناعي بأن أركب معه.
فتاة الكومبارس
فى السيارة مضى (فريد شوقي) يبرر لي سر غيابه، قال: إن إحدى الفتيات الكومبارس تهيم به غراما إلى درجة الجنون، وما إن علمت بأنه سيتزوجني حتى جاءت تحاول إفساد الأمور، واضطر إلى أن يصحبها إلى قسم البوليس حيث (أدعت أنها زوجته)، وإنه قضى كل هذه الفترة يحاول إصلاح الأمور.
هنا يتدخل (فريد شوقي) قائلا: لقد تألمت وأنا أترك هذه الفتاة فى قسم البوليس فلم أتعود فى حياتي أن أؤذي مخلوقا، ولكنها اضطرتني إلى اتخاذ هذا الإجراء رغما عني لأحمي سعادتي من تصرفها.
وتستكمل صاحبة (يا ضاربين الودع): كنت قد قررت بيني وبين نفسي أن أفسخ الخطبة ولا أتزوج (فريد شوقي) أبدا، ولكن (فريد شوقي) استطاع فى الطريق إلى البيت أن يزيل غضبي ولو أن القدر تدخل وأرسل سيارة تاكسي لحدث ما لم يكن فى الحسبان وما تزوجت وحش الشاشة.!
أم كلثوم تبارك حبنا
يأخذ (فريد شوقي) طرف الحديث ويستكمل قصة حبه كما حكاها للناقدة الكبيرة (إيريس نظمي) فيقول : مع أول خميس فى الشهر ومع حفل أم كلثوم الشهري، فى هذه الليلة التى لا تنسى، وهذا اليوم الذي تصورته نهاية لكل المتاعب والأحزان، في أول فبراير عام 1951 كانت ليلة العمر، الزوجة الثانية فى حياتي، والزوج الثالث في حياتها.
لكنه الزواج الأخير بالنسبة لكل منا الزواج الذي سيضع نهاية لكل الفشل الذي كابدناه من قبل، النهاية السعيدة لحياتي وحياتها، كانت هذه مشاعري فى تلك الليلة الرائعة التى شدت فيها أم كلثوم كما لم تشدو من قبل، كأنها كانت تغني لنا وحدنا، وكأنها كانت تبارك حبنا، وترحب بنا زوجين جديدين فى عالم ترفرف عليه أطياف السعادة والهناء، وتخيلت وظننت أنها السعادة الأبدية وأنه الهناء العائلي الذي لا نهاية له.
ثورة يوليو وتأثيرها
مع إعلان ثورة 23 يوليو 1952 بدأت مرحلة جديدة فى حياتي، وفى حياة (هدى سلطا)ن مرحلة العمل والنشاط والنجاح والانطلاق، اشتركنا معا في رحلات وحملات (قطار الرحمة)، ومع قانون تحريم ومنع تعاطي وتهريب المخدرات وتحديد عقوبات صارمة تصل إلى المؤبد والاعدام، مع هذا القانون ولدت فى ذهني فكرة فيلم (حميدو) ثاني قصة اكتبها للسينما، وغنت فيه (هدى) أغنيتها الرائعة (أبين زين أبين وأخط بالودع).
وكان نجاح (حميدو) نجاحا لنا نحن الاثنين، فزادت قيمتنا الفنية، وارتفعت أجورنا، والحقيقة أن (هدى سلطان) كانت تشجعني دائما على الاستمرار فى كتابة القصص السينمائية، وكانت تقول باستمرار: أنك لست فقط الممثل الذي اقتنع وأومن به، بل أنت أيضا كاتب، كان نجاحنا مشترك ليس فيه أي أنانية، وكنا نسير فى خطين متوازيين.
كان النجاح الفني والزوجي سببا في زوال كل الخلافات القديمة بين (هدى سلطان) وشقيقها (محمد فوزي) الذي بدأ يشعر بالطمأنينة لأن أخته أصبحت تعيش مستقرة كريمة مع فنان وزميل له عرف كيف يصونها ويحميها ويبعدها عن الشبهات والأخطاء والأخطار التى تتعرض لها امرأة وحيدة، خاصة إذا كانت جميلة ومطمعا لكل رجال وذئاب الوسط الفني، زالت كل خلافات محمد فوزي القديمة مع أخته.
وأصبح هو وزوجته (مديحة يسري) أصدقاء أعزاء لنا تجمعنا أسرة واحدة متحابة، وكان أكبر دليل على صفاء قلبه أنه قرر أن يضع ألحانا جديدة لكي تغنيها أخته بعد هذه الخلافات الطويلة، فلحن لها (لاموني، ويا ضاربين الودع) اللتين حققتا شهرة واسعة.
رغم أن محمد فوزي يعلم أني أمتلك شركة للإنتاج السينمائي (العهد الجديد) باسمي وباسم (هدى سلطان)، قدمت فيلمي (الأسطى حسن) و(حميدو) إلا أن (فوزي) طلب منا أن نمثل لشركته الجديدة فيلما اشترك مع هدى في بطولته، فقدمنا (فتوات الحسينية) الذي أعتبرته هدية مني لـ (محمد فوزي) ورفضت أن أحصل على أي أجر أو مقابل عن أدائي لدوري فى هذا الفيلم.
جعلوني مجرما
فى ذلك الوقت كان شقيقي (أحمد شوقي) ضابطا برتبة ملازم ثان في إصلاحية الأحداث التى أصبح اسمها الآن (دار التربية الحديثة)، وكنت أقضي فيها عادة ساعات طويلة مع أخي، خرجت منها بقصة فيلمي (جعلوني مجرما) الذي شاركتني (هدى) كالعادة في بطولته، وقضيت وقتا طويلا مع الموسيقار (رياض السنباطي) الذي قدم لحنه الرائع (إن كنت ناسي أفكرك) الذي غنته (هدى سلطان) فى هذا الفيلم.
وبمجرد انتهاء تصوير الفيلم وفى ليلة الافتتاح وجهت الدعوة للسيد (حسين الشافعي) وزير الشئون الاجتماعية فى ذلك الوقت لمشاهدة الفيلم، وكنت فى قمة السعادة عندما علمت أن هذا الفيلم كان السبب والدافع الأول لاصدار ذلك القانون الذي ينص على الاعفاء من السابقة الأولى لاتاحة الفرصة أمام المخطئ لكي يكون انسانا صالحا وليبدأ حياته الكريمة من جديد.
التفرغ للبيت
ويستكمل (فريد شوقي) قصة حبه قائلا: عشنا حياة فنية وزوجية سعيدة وأنجبنا (ناهد ومها)، ولم يعد شرطا أن أظهر مع زوجتي، فقدمت هى فيلم (إمرأة فى الطريق)، وقدمت أنا (جوز مراتي)، وأثناء ذلك طلبت من (هدى سلطان) الزوجة الحبيبة أن تعتزل التمثيل وتبقى في البيت لتهتم أكثر بحياتنا الزوجية.
شعرت بأن عملها الفني بدأ يؤثر على واجباتها كزوجة وكأم خاصة بعد أن كبرت بناتنا، ولقد خصصنا لهن (دادة) ترعى شئونهن أثناء انشغالنا بعملنا ونشاطنا الفني، لكن حنان الأم لا يعوض أبدا.
وقلت لـ (هدى سلطان): سأعطيك كل شهر مبلغ خمسمائة جنية، وسأوفى كل التزامات البيت، لقد أشبعت هوايتك الفنية بما فيه الكفاية، ويجب ألا تطغى هدى الفنانة على هدى الأم، ولا تنسي أني طلبت منك قبل زواجنا أن تتفرغي لحياتنا الزوجية!.
السهر والخلافات
بدأت الخلافات تعرف طريقها للبيت السعيد، وبدأت (هدى سلطان) تنجذب بشدة إلى سهرات خارج المنزل وتمتد السهرات في بيوت بعض الفنانيين إلى الصباح، وبدأ (فريد شوقي) ينبهها إلى ذلك الخطر، ويعدد لها مساوئ السهر خارج المنزل، والأخطار التى قد تترتب على ذلك، ولكنها كانت تقول له دائما (أنت بتاع شغل)، فلم يكن في حياته غير العمل.
فجأة قامت حرب يونيو 1967، وحدثت النكسة، وبدأت الطيور المصرية تهاجر إلى تركيا ولبنان وسوريا، وكأن نكست يونيو، أصابت العاشقين (هدى وفريد) بنكسة عاطفية، حيث سافر (فريد شوقي) إلى تركيا، وطلب من (هدى سلطان) أن ترافقه فرفضت، وفضلت البقاء في مصر، وبدأت الهوة بينهم تتسع يوما بعد يوم خاصة عندما كتب (فريد شوقي) أكثر من عشر رسائل وهو في تركيا، ولم يتلق منها الرد.
أم كلثوم تنهى قصة حبهما
عاد (فريد شوقي) إلى مصر بعد سنوات من الغربة، لكنه لم يجد الترحيب الذي يليق بعودته من زوجته، وبدأ العرسان يدقوا باب (الفيلا) الشهيرة لكي يخطبوا بنات الملك، وبالفعل تزوجت ابنتهما (ناهد) من الضابط الوسيم (أحمد المرشدي)، وبعد زواج الابنة فوجئ (فريد شوقي) بزوجته (هدى سلطان) تطلب الطلاق، وحاول (فريد شوقي) مناقشتها لكنها أصرت على طلب الطلاق، ورغم رفض (فريد شوقي) فى البداية لكنه وبعد اصرار من جانب (هدى) تم الطلاق.
ورغم أن (فريد شوقي) لم يربط قط بين عشقه لصوت (أم كلثوم) وتجربة حبه وزواجه من (هدى سلطان)، لكن يوم الطلاق و(فريد) راجع إلى منزله وجد سيدة الغناء العربي (أم كلثوم) التى كانت تشدو ليلة زفافه على (هدى سلطان) تشدو خلال طريق عودته بعد لقاء الوداع الأخير.
وذلك من راديو سيارته بأغنية لم يسمعها من قبل بحكم سفره وعمله في تركيا، بعنوان (أنا وأنت ظلمنا الحب) وكأن (الست) كانت ترثي قصة حبهما، وبكى (فريد شوقي) بقوة، كما لم يبكي من قبل، وهو يسمع الست تقول:
انا وانت ظلمنا الحب بإيدينا
وجينا عليه وجرحناه، لحد ما داب حوالينا
ما حدش منا كان عايز يكون ارحم من التاني
ولا يضحي عن التاني
وضاع الحب ضاع، ما بين عند قلب وقلب، ضاع.
وبانتهاء الأغنية أسدل الستار على واحدة من أجمل وأشهر قصص الحب والغرام في الوسط الفني.