بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
من المواقف التي لا يمكن المرور عليها مرور الكرام خلال مأساة (غزة) الحالية دون أن نتوقف ونحلل ما خلف الظاهر وما بين السطور، هو ما تعرض له الفنان (محمد رمضان) في ستاد القاهرة قبل بداية مباراة نهائي دوري أبطال أفريقيا بين الأهلي والترجي.
رمضان الذي قدم فقرة فنية بطلب من اللجنة المنظمة للنهائي فوجئ بأن أغلبية الحاضرين من جمهور الأهلي وخصوصا فئة الشباب منهم رفعوا اصبعي السبابة والابهام بعلامة النصر ليعيدوا إلى الاذهان صورة (حنظلة) الشخصية الكاريكاتورية التي ابتكرها الفنان الفلسطيني الراحل ناجي العلي.
تساءل الكثيرون ولا يزالون يتسائلون عن سبب قيام الجمهور بتلك الحركة، وظني أنها رسالة اعتراض ليس فقط على (رمضان) الذي لم ينس الجمهور صورته الحميمية مع فنان إسرائيلي في مهرجان غنائي بدبي، ولكنها رسالة لكل الفنانين المصريين والعرب بأن (الآن) هى لحظة الفرز والحساب.
تزامن الموقف المشرف لجمهور الأهلي ومن قبله جمهور الزمالك الذي تفاعل مع مأساة أشقائنا في غزة خلال مباراة فريقه مع نهضة بركان المغربي، مع حملة واسعة عربية وعالمية لمقاطعة الفنانين الذين يناصرون عدوان اسرائيل البربري على (غزة) ويدافعون عن الجرائم التي يرتكبها نتنياهو وجيشه ضد الأطفال والمدنيين في رفح وغيرها من مدن (غزة).
سواء تشكلت حملات منظمة للمقاطعة مثلما في لبنان والعديد من الدول الغربية، أو جاءت بمبادرات شعبية دون تنظيم مثلما في مصر، فقد جاءت النتائج مؤثرة بشكل ملفت مما يستدعي فورا تساؤل مهم عما اذا كانت مأساة (غزة) سوف تعيد أو تساهم في إعادة تشكيل خريطة الفن العربي خصوصا والعالمي أيضا؟!
لا يمكن لأحد تقديم إجابة حاسمة لكن دعونا نقرأ المؤشرات المتوفرة حتى الآن لنعرف ما يمكن أن يكون عليه الأمر في المستقبل، ففي مصر نجد الفنان (بيومي فؤاد) الذي لم يدعم إسرائيل وإنما فقط هاجم زميله (محمد سلام) لرفضه المشاركة في عمل فني ضمن مهرجان الرياض في بداية الغزو الإسرائيلي لغزة.
استبعاد (بيومي فؤاد)
منذ ذلك الوقت انخفضت أسهم (فؤاد) بشكل ملفت للغاية فتم استبعاده أو اعتذر هو كما صرح بنفسه من العديد من الأعمال التي عرضت في رمضان الماضي، ليقتصر على عمل واحد هو (الكبير قوي)، بعدما كان ينتشر في المسلسلات الرمضانية بدرجة كثافة تفوق انتشار الحلويات الشرقية على موائد رمضان.
كذلك تم سحب ثلاثة أفلام شارك في بطولتها من دور العرض بعد أيام قليلة من عرضها بسبب ضعف إيراداتها استجابة لدعوات المقاطعة لأعماله التي أطلقت عقب هجومه على (سلام)، الذي نال في المقابل تعاطفا غير مسبوق لمجرد رفضه المشاركة في عمل كوميدي في وقت يتعرض فيه أشقائنا في (غزة) لمذابح جماعية.
في لبنان نجحت دعوات أطلقتها (حملة مقاطعة داعمي إسرائيل) في إجبار مسرح (لومونو) إلغاء عرض مسرحية الفنان وجدي معوض (وليمة عرس عند رجال الكهف) بعدما صنفته الحملة ضمن المؤيدين لإسرائيل بسبب صمته على ما تقوم به من إبادة جماعية في (غزة.)
في الغرب أيضا هناك انتشار ملحوظ في حملات مقاطعة الفنانين المؤيدين لإسرائيل أو المتعاطفين معها، ومؤخرا انضم الى قوائم المقاطعة الفنانين الصامتين عن قول الحقإوادانة الإبادة الجماعية التي يقوم بها نتنياهو وحكومته ضد الفلسطينيين.
بالفعل تعرض مشاهير وفنانين معروفين لخسارة ملايين المتابعين مثل المغنية (سيلينا جوميز) وزميلتها (تايلور سويفت) وحتى (كيم كاردشيان) والممثل (دواين جونسون) المعروف باسم (ذا روك)، حيث فقد كل منهم مئات الآلاف من المتابعين له على مواقع التواصل الاجتماعي خلال أيام من بدء الحملة.
ميل جيبسون وبن أفليك
صحيح أن تلك الحملات والاستجابة للمقاطعة لن تؤثر في المدى المنظور على مشاركة هؤلاء الفنانين في الأعمال الدرامية والسينمائية التي يتحكم فيها اللوبي الصهيوني بشكل شبه كلي.
وصحيح أيضا أن من يتعرض للاستبعاد من العمل سواء حاليا أو سابقا هم الفنانين أصحاب المواقف المؤيدة للفلسطينيين مثل (ميل جيبسون وبن أفليك)، لكن التأثير سيتحقق بدرجة ما بمرور الوقت، باعتبار أن ما يحكم (هوليوود) هو شباك التذاكر والأرباح التي تعود على المنتجين، خصوصا اليهود المعروفين بعشقهم للمال.
بالتالي ستقل الاستعانة شيئا فشيئا بالفنانين المدرجين على قوائم المقاطعة بسبب مواقفهم الداعمة لمجازر إسرائيل مع كل خسارة تتكبدها شركات الإنتاج نتيجة ضعف إيرادات أفلامهم أو تراجع مشاهدات أعمالهم التليفزيونية.
تقديري الشخصي أنه لن يمر وقت طويل حتى يكتمل الفرز ويعاد تشكيل خريطة الفن في بلادنا وبقية دول العالم وفقا للخريطة (الحرارية الأخلاقية) التي تحدد أين كان موقع الفنان حين كانت اسرائيل ترتكب جرائمها المروعة بحق الفلسطينيين العزل.