في ذكرى (إسماعيل ياسين) الـ 52 : نطرح السؤال الشائك من كان وراء اغتياله؟!
كتب: أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام الذكرى الـ 52 لرحيل نجم الكوميديا (إسماعيل ياسين) ـ ضحكة مصر الحلوة ـ الذي رحل عن حياتنا في مثل هذه الأيام، وبالتحديد يوم 24 مايو عام 1972.
ورغم مرور أكثر من نصف قرن على رحيل إسماعيل ياسين، مازال يضحكنا، ويضحك أطفالنا، ويرسم البسمة على شفاهنا، ومازالت أفلامه التى شاهدناها عشرات المرات هى التى تحلي أيامنا، وتبعث البهجة والسرور في قلوبنا.
ومازال اسم (سمعه) أو (بقوه) مطروحا ومتداولا على شفاه الناس بصورة أكبر وأكثر كثيرا من نجوم أحياء بيننا، لأن روح الفنان الحقيقي تهزم الموت، و(إسماعيل ياسين) كان ومازال فنانا حقيقيا.
المشي على الأشواك
لم يكن مشوار (إسماعيل ياسين)، سهلا ولا مفروشا بالورود، ولكنه عانى وتعب كثيرا، ومشى على الأشواك، فكانت ظروفه الحياتية قاسية وعنيدة، لكنه بإرادته وحبه للحياة وعشقه لفنه أستطاع أن يقهر ظروفه الصعبة.
وينتصر عليها، ويصبح نجم النجوم، الذي تم تخليد اسمه في القلوب والأسماع والعيون، ويعايش أجيالا جديدة لم تعش عصره، وربما أيضا – كما يقول الناقد محمد عبدالفتاح – يعايش أجيالا أخرى قادمة في ضمير الغيب.
الحديث عن مشوار إسماعيل ياسين ككل صعب، ويحتاج إلى مجلدات للحديث عنه، لهذا سنتحدث اليوم عن جانب مهم في حياته وهو تأسيسه لمسرح (إسماعيل ياسين) مع شريكه الكاتب والشاعر العبقري (أبوالسعود الإبياري).
فرقة إسماعيل ياسين
عام 1954 حقق (إسماعيل ياسين) ما لم يحققه نجم سينمائي في عصره، ولا في العصور التالية، حيث قدم 18 فيلما جديدا، أغلبها بطولات مطلقة، وما من دار عرض – كما يقول الناقد محمد عبدالفتاح – إلا وكانت تحمل واجهاتها (أفيشا) لفيلم يحمل إسم (إسماعيل ياسين).
وفكر(إسماعيل ياسين) كثيرا في المستقبل وماذا سيقدم مجددا في السينما، وأثناء ذلك طرأت عليه الفكرة التى سبق وعرضها عليه صديقه الكاتب والسيناريست والشاعر (أبوالسعود الإبياري) الذي عرض عليه إنشاء فرقة استعراضية تقدم أعمالا استعراضية غنائية.
وهى الفكرة التى استوحاها (الإبياري) من عمله في الفرق الاستعراضية التى كانت موجودة في مصر في حقبتي الثلاثينات والأربعينات مثل (فرقة بديعة مصابني)، و(فرقة ببا عز الدين).
وفكر (أبوالسعود الإبياري) في البداية في فرقة تضمه مع (إسماعيل ياسين، وتحية كاريوكا، وشادية)، وكانوا جميعا في قمة مجدهم وشهرتهم في هذا الوقت.
ورغم ترحيب الجميع بالفكرة لكنها كانت تحتاج إلى رأس مال كبير يفوق طاقتهم جميعا، وانصرف الجميع إلى أعمالهم الفنية، لكن الفكرة ظلت تشغل بال كلا من (إسماعيل ياسين، وأبوالسعود الإبياري).
وفي 20 يناير عام 1954 تنشر مجلة (الجيل) تقرير يقول: (تعاقد الأستاذ إسماعيل ياسين وأبوالسعود الأبياري على تأليف فرقة مسرحية تبدأ عملها في الموسم المقبل بتقديم روايات كوميدية من تأليف الأبياري، وبطولة إسماعيل ياسين..
وقد بدأت الفرقة الجديدة – وسيكون إسمها (فرقة إسماعيل ياسين) – في التعاقد مع بعض نجوم المسرح أمثال (محمود المليجي، وحسن فايق، وعبدالفتاح القصري، وزينات صدقي، ولولا صدقي) وغيرهم.
ومن المنتظر أن ينضم إلى الفرقة (كمال الشناوي، وشكري سرحان)، وطلب (إسماعيل ياسين) تحديد موعد لمقابلة الصاغ صلاح سالم وزير الإرشاد القومي للتفاهم معه على تدبير مسرح للفرقة الجديدة.
وسيطلب (إسماعيل ياسين) أن يخصص للفرقة مسرح حديقة الأزبكية، وقد قرر (سمعه) أن يحدد عدد الأفلام التى سيظهر فيها كل عام، حتى لا يتعارض عمله السينمائي مع عمله المسرحي الجديد).
فرقة إسماعيل ياسين و(حبيبي كوكو)
ينضم فعلا لفرقة (إسماعيل ياسين) كثير من النجوم مثل (تحية كاريوكا، عقيلة راتب)، ومن فرقة الريحاني تستقطب الفرقة الوليدة كلا من (عبدالفتاح القصري، حسن فايق، زينات صدقي، استفان روستي، محمد شوقي).
ومن فرقة المسرح (الحر) كلا من (شكري سرحان، وتوفيق الدقن)، ومن المخرجين (السيد بدير، محمد توفيق، عبدالمنعم مدبولي، نور الدمرداش).
ورغم صعوبة التمثيل على مسرح حديقة الأزبكية، لكن (وجيه أباظة) أحد الضباط الأحرار المقربين من المسئولين في الحكم استطاع إقناع صاحب سينما (ميامي) الصيفية بتأجيرها للفرقة حتى تستطيع إعداد المكان ليصبح عرض مسرحي.
وفي 11 نوفمبر عام 1954 يرفع الستار عن أول عروض الفرقة الجديدة، وجاء تحت عنوان (حبيبي كوكو)، واستمرت أعمال الفرقة من عام 1954، وحتى عام 1966.
وخلال هذه الأعوام الـ 12 قدمت الفرقة 51 مسرحية، كلها من تأليف (أبوالسعود الإبياري)، وكانت تقدم عروضها طوال الشتاء في القاهرة، وصيفا على مسرح (إسماعيل ياسين) في الأسكندرية.
تأثير مسرح التليفزيون
مع بداية الستينات ومع ظهور التليفزيون، ومسرح التليفزيون، وظهور نجوم جدد من نجوم الكوميديا مثل (فؤاد المهندس، عبدالمنعم مدبولي، محمد عوض، أبوبكر عزت، حسن مصطفى) وغيرهم بدأت فرقة (إسماعيل ياسين) تعاني.
وبدأت يظهر تأثير النجوم الجدد والتليفزيون على فرقة (إسماعيل ياسين)، وذلك من خلال مشاكل مادية، نتيجة تناقص عدد الجمهور الذي يقبل على الفرقة بشكل كبير وملحوظ.
حاول (عبدالقادر حاتم) وزير الثقافة والإرشاد القومي، مساعدة الفرقة ودعمها من خلال الاتفاق مع صاحب مسرح (ميامي) الذي تعرض فيه الفرقة عروضها على تقسيط الديون المتراكمة على الفرقة نتيجة تأخرهم في دفع إيجار المسرح.
كما حاول صرف منحة مالية (إعانة) للفرقة حتى تستمر في العمل ولا تتوقف، كما دعمها اعلاميا بإذاعة 8 إعلانات تليفزيونية مجانا، ولكن للأسف كثير من هذه الوعود لم يتحقق!.
دموع وبكاء إسماعيل ياسين
عدم تنفيذ وعود الدكتور (عبدالقادر حاتم) جعل (إسماعيل ياسين) ينفجر باكيا وكلمات المرارة والغضب تنهمر من فمه، في حواره مع محرر مجلة (صباح الخير) في 11 فبراير عام 1965.
حيث قال: (مش عارف أقول ايه ولا أبدأ كلامي من فين؟!، هو فيه إسماعيل ياسين تاني علشان يحاربوني، أنا رفعت قضية على التليفزيون أطالب بمائة ألف جنيه حقي في المسرحيات التى سجلوها ثم باعوها إلى البلاد العربية..
باعوا الدقيقة من المسرحية كما علمت بـ 13 جنيه ونصف، وقد باعوا لي 51 مسرحية، ولم يكتفوا بهذا فقد ذبحوني معنويا بعدم عرض أي مسرحية من المسرحيات الخمسين التى قمت ببطولتها مع مجموعة من أشهر الفنانيين..
ومش عارف ليه بيعاملوني كده؟، هل أنا من الاسكيمو!، ولم يكتفوا بذبحي في المسرح، فمنذ عامين لم اشتغل في السينما، كفاءتي قاعدة في البيت مقفول عليها أوضة!).
مصلحة الضرائب تطارده
بعد حديث إسماعيل ياسين في (صباح الخير) فجأة تظهر مصلحة الضرائب، وتتذكر أن الممول (إسماعيل ياسين) لم يسدد ضرائب عن أرباحه ودخله منذ عام 1955، وتطالبه المصلحة بالسداد.
وفي هذه الفترة يهاجم المرض (إسماعيل ياسين)، وتزداد حالته الصحية سوءا، وأثناء تأديته دوره في مسرحية (سيدتي العبيطة) في أغسطس 1966، يسقط على خشبة المسرح من الإرهاق والمرض.
وعندما يتماثل للشفاء ويسمح له بالخروج يسمع أحكاما بالإعدام الفني، حيث حذره طبيبه من خطر الوقوف كثيرا على المسرح، وحاول عدم سماع نصيحة الطبيب لشعوره بالمسئوليات التى عليه تجاه الفرقة التى تحمل اسمه.
خاصة أن غلق المسرح معناه أن تتشرد بعض أسر العاملين في المسرح، وتنطفئ الأنوار من حوله، لكن كل الظروف كانت تعانده ولم يعد الجمهور يأتي لمشاهدته، وهرب من الفرقة كثير من زملائه إلى مسارح التليفزيون، وانشغل البعض الأخر بالسينما.
السفر إلى الكويت ولبنان
في هذه الفترة يأتي لإسماعيل ياسين طوق النجاة من خلال دعوة من دولة الكويت لتقديم بعض مونولوجاته، وأعماله في الكويت، ويسافر بالفعل لكن تحدث حرب 5 يونيو 1967 وتتحطم آمال وأحلام سمعة.
ويذهب ليجرب حظه في بيروت وخلال تواجده هناك عمل كضيف شرف في بعض الأفلام السينمائية، وعمل في بعض الملاهي والفنادق، كما قدم بعض الإعلانات التجارية.
واستطاع أن يستعيد عافيته المالية، وفكر في إعادة فرقته مجددا ويشترك معه بالفعل مجموعة من النجوم منهم (محمود المليجي، جمالات زايد، هالة الشواربي، عقيلة راتب) وبعض فناني سوريا ولبنان.
لكن الفرقة الجديدة لم تحقق أي نجاح ويخسر (إسماعيل ياسين) كل رأس ماله، ويعود إلى مصر وفي شهر سبتمبر عام 1970 يفاجأ الناس بوقوف (إسماعيل ياسين) يلقي مونولوجاته في ملهى (رمسيس).
ويكتب بعض الشرفاء في الصحافة المصرية عن المصير الذي وصل اإيه نجم نجوم الفن المصري (إسماعيل ياسين)، وأن المنتجين الذين كسبوا من ورائه مئات الألوف لا يسألون عنه ولا يعترفون به الآن، فتقرر الدولة صرف معاشا استثنائيا له.
رحيل أبو السعود الإبياري
يوم 12 مايو عام 1972 يرحل صديقه المخرج (فطين عبدالوهاب) الذي كون معه ثنائيا فنيا، وذاق معه الشهرة والنجاح، وذهب (إسماعيل ياسين) وبكى بحرقة وألم صديق عمره الذي فقده، كما فقد من قبل توأم روحه (أبوالسعود الإبياري).
وأثناء ذلك تعلن مصلحة الضرائب عن بيع عمارته التى يملكها وفاء للضرائب المستحقة عليه، ويعاوده المرض بقوة وقسوة، وينصحه الأطباء بالراحة والبعد عن الحزن الذي يحيط به في القاهرة.
ويذهب للإسكندرية التى شهدت نجاحاته المدوية، لكن الذكريات لم تريحه بالعكس أتعبته، وأيقظت المواجع فيه، فقرر العودة إلى القاهرة يوم 23 مايو، ومع الساعات الأولى من صباح 24 مايو عام 1972 يسلم (إسماعيل ياسين) أو ضحكة مصر الحلوة الروح لتبقى روحه ترفرف في سماء حياتنا حتى اليوم والغد.