بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
ما بين سنة 1962 حيث فيلم (الزوجة 13) بطولة شادية ورشدى أباظة وبين سنة 1975، حيث فيلم (أريد حلاً) من بطولة فاتن حمامة، ورشدى أباظة أيضا، وقعت أحداث كثيرة.
من بينها تلك التغيرات على كل المستويات السياسية الاقتصادية والاجتماعية في مصر من تطورات وانهيارات وهزائم وانتصارات، جعلت الفوارق ما بين بدايات الستينيات ومنتصف السبعينيات، تتجاوز بكثير الفترة الزمنية التي لا تزيد عن 12 سنة.
فقد استقبل الجمهور فيلم (الزوجة 13) بروح فكاهية جعلت الفيلم أحد أهم الأفلام المفضلة لدى الأسرة المصرية وقد وقعت النساء في غرام الرجل المزواج (مراد) مما ثبت لقب (دنجوان السينما المصرية) على (رشدى أباظة)، وكان ولم يزل الى حد كبير هو نموذج الرجل الذي تحلم به الفتيات بل ويغظن به الشباب!
اسمتع إلى دفاع إحدى زوجات (مراد) السابقات حينما اجتمعن لتدبير وسيلة لتأديبه بالاتفاق مع عايدة (الزوجة 13) وكيف كانت تلك الزوجة السابقة تزيد من لوم كل ضرائرها السابقات على (عايدة).
ومن بينهن هى نفسها وكيف أنهن كن أنانيات وهن أسباب ما فيه مراد، فلم يخلصن في حبهن لمراد حتى أن واحدة منهن فشلت ان تحتويه وتخلق منه الرجل الحريص على بقاء واستمرار حياتهما الزوجية!.
(عايدة) نفسها أقرت لهن ولنفسها أنها وقعت في حب مراد متعدد الزوجات، ومع أحداث الفيلم الكوميدية كنا جميعا نتمنى أن تفلح عايدة في مشروعها لخلق مراد آخر تكون نتيجته أن تصبح هى الزوجة الثالثة عشر والأخيرة في حياة مراد!
وانتهى فيلم (الزوجة 13) بنهاية سعيدة لم نزل نسعد بها كالأطفال مع كل مرة نشاهده فيها، فذلك الفيلم ينتمي إلى قائمة الأفلام القابلة للمشاهدة مرارا وتكرارا، وهو من النوع الذي يمكن أن نطلق عليه من (أفلام الأسرة).
ونربط ذكرياتنا مع ليالي مشاهداته، بل ونشعر بالضيق اذا جاء عرض الفيلم في ليلة امتحان مع بقية أفلام سهرة الأسرة السعيدة!.
(رشدى أباظة).. أداء عبقرى
ومن أول فيلم (الزوجة 13) وحتى نهايته، لا تجد نفسك حانقا على (مراد) بل استطاع (رشدى أباظة) بأدائه العبقرى لدور (الدونجوان) أن يلعب بعقول النساء ويأسر قلوبهن، ولعل كثيرات لم يكن تمانع واحدة منهن في أن تصبح الزوجة 14 في حياة رجل، بشرط أن يكون من نوع رشدى أباظة!
لكن في سنة 1975 جاء فيلم (أريد حلاً) وكل شهرته أنه تسبب في صدور ما سمى بـ (قانون جيهان)، حيث عرضت فاتن حمامة مشكلة السيدة (درية) زوجة الدبلوماسي (مدحت)، والتى لم تر منه كزوج يوما واحداً سعيداً منذ زواجهما ولمدة 20 سنة أنجبا خلالها نجلهما الوحيد والذي سعت الزوجة إلى أن يكمل تعليمه في الخارج.
وفي اليوم نفسه إذا بها تطلب وتصر على الطلاق من (مدحت) متعدد العلاقات النسائية، والذي يتهمها بالتخلف لاعتراضها على صداقاته النسائية منذ أن ضبطته يقبل صديقة أوروبية له بعد سفرها الى الخارج حيث عمل الزوج.
لا أظن أنك تذكر جيداً دور (مدحت)، وإن ذكرته فلا تتعاطف معه مطلقاً، لكنك أيضا لا تتعاطف مع درية!.
كذلك لا أظن أنك يمكن أن تتوقف بالريموت كنترول عند تقليبك للقنوات لإشباع رغبة بمشاهدة فيلم قديم نوعا ما أمام فيلم (أريد حلاً)، ذلك لأن الفيلم من الأفلام التى لا تقبل خاصة تكرار المشاهدة على عكس فيلم (الزوجة 13)!
ولا تقل لى إن الفيلم قد كان سبباً في تغيير التشريعات الخاصة بالأسرة، وأنه ضمن أحسن 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، فهذا لا ينفي عن أن الفيلم دمه تقيل ويلطش.
وأن سيدة الشاشة العربية (فاتن حمامة) كان تؤدى بافتعال واضح دورا دعائيا وربما سياسياً، طوال الفيلم، حتى أنهم نسوا أن يكلفوا الماكيير بتغيير ملامح (درية) إلى عشرين سنة سابقة على جلوسها في طرقة محكمة الأحوال الشخصية، مع تذكرها ما حدث في بداية حياتها (فلاش باك).
لم يكن (أريد حلا) سبباً في التغيير التشريعي
فالفيلم لم يكن سبباً في التغيير التشريعي، بقدر ما كان تمهيداً لها.. وبلاش نضحك على بعض يا حكومة!
ولا تنسوا أن هذا الفيلم جاء في بدايات التغير الاجتماعي في منتصف السبعينات مع موجة الانهيارات الاجتماعية والأخلاقية التى لازمت الانفتاح الاقتصادي وإن كانت، إحقاقا للحق، حسب رؤيتي، لا ألوم فيها الرئيس الراحل (أنور السادات).
لأن دولا كثيرة تحولت إلى الانفتاح الاقتصادي ونجحت اقتصاديا واجتماعيا بل وصار الانفتاح سمة الاقتصاديات الدولية في تلك الفترة وما بعدها وحتى الآن، ولكن لم نشهد في تلك الدول والمجتمعات مثل هذه الانهيارات في القيم الاجتماعية والأخلاقية كنا وقع عندنا.
ذلك لأن جرثومة الفساد ذات ألف ألف أب، ولا يمكن أن يحدث كل هذا الخلل في بعض سنين، ما لم تكن مقدماته موجودة بالغعل في صلب المجتمع وكامنة في أعماقه ولكن تتخفى تحت غطاءات ثقيلة من الزيف الاجتماعي والادعاء الوطني.
لكن كذلك لا أعفى الرئيس الراحل (السادات) من فتحه المجال أمام مؤسسات وجمعيات ذات طابع دولى أو تتخفي وراء هذا الطابع، تسللت الى عمق المجتمع المدني المصري تتبنى أفكاراً مريبة، جعلت هدفها الأساسي هدم الاستقرار الاجتماعي.
ليسهل بعد ذلك السيطرة على المجتمع وقيادة عقله الجمعى بالدعاية لمنظومات قيمية تعمل على تقويض الخلية الأولى في المجتمع، فألقت بذور الانشقاق داخل الأسرة بواسطة تشريعات متسرعة ولصالح فئات معينة ( تذكروا أسباب صدور قانون الخلع خلال أسابيع..
وكذلك إلغاء موافقة الزوج على سفر الزوجة واللذين تم تشريعهما من أجل سكرتيرة باشا وصديقة باشا أكبر)، وكل ذلك تم بادعاء إعادة الحقوق، فلم تكن تلك الدعاوى من الجمعيات التى انتشرت في كل مكان وتلقى تشجيعاً ورهبة من أجهزة الدولة، تنتهج إلا سياسة بث الكراهية ونشر الفتن حتى كان ما كان!
والآن بعد 40 سنة من (اريد حلاً) ما هو وضع الأسرة المصرية؟!.. وما هو وضع المرأة المصرية؟!.. خراب بيوت وتشرد وانحراف.
ولم تستفد المرأة المصرية من (أريد حلاً) إلا مزيدا من التفكك الأسري برعاية ناشطات حقوق المرأة!
لم يفلح حل (فاتن حمامة)
نعم لم يفلح حل (فاتن حمامة) في فيلمها الذي نجح بالإكراه نقديا وفشل بالكراهية جماهيريا، ولكن وضع بالأمر في قائمة المئة فيلم!
لقد تحمل المزاج المصري (النسائي قبل الرجالي) نموذجي عايدة ومراد اللذين أبدعهما عبقرى الكوميديا السينمائية المصرية الأستاذ (أبو السعود الإبياري) ولم يثر حيالهما أى حنق وجعلهما من أحب وأشهر أبطال القصص السينمائية.
بينما أسقطت الذاكرة المصرية نفسها (درية ومدحت) لأن الغرض مرض ومهما كان تبنى الدولة في مرحلة ما أو رعايتها لاتجاهات ما، لإرضاء قوى هدامة ترفع معاول الهدم مكتوباً عليها الإصلاح، إلا أن المزاج العام لا يعترف بكل ذلك ويلقيه في سلة المهملات التاريخية.
كما تكرر نموذج (مراد وعايدة) في أعمال سينمائية وتلفزيونية كثيرة ولقى القبول العام، بينما فشلت (درية الكئيبة) في كسب التعاطف الشعبي، وحتى وإن لقيت رعاية رسمية نعرف جميعاً أنها تتم تحت ضغوط ما لتحقيق أهداف نعلمها ونعلم ما ترنو إليه.
لقد تجسد الفارق بين النقيضين في صدرك وأنت تبتسم مع (عايدة ومراد)، بينما تقاوم الشعور بالحنق وأنت ترى وجه (درية) هو يرسم تكشيرة تقطع الخميرة من البيت!.
إذهب لتطمئن على الخميرة، هل ما زالت في مكانها في أسفل رف في الثلاجة؟!