حوار أجراه: مجدى صادق
لايوجد اثنين من النقاد أو الجمهور يختلفان بأن (خالد الحجر) مخرج مبدع، وهو مخرج (جوائز) حيث عُرضَت أفلامه في أكثر من 150 مهرجان سينمائي دولي مثل (كان، مونتريـال، نيويورك، روتردام)، ليفوز بخمس وثلاثين جائزة على الصعيدين الدولي والمحلي
من المؤكد أن مواليد مدينة مثل السويس التى تمثل نضال الشعب المصري فى وجدانه بل وتحرك دوما نوازعه الوطنية الراسخة بداخله فبعد تخرجه من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1987 انتقل بعدها الى لندن حاملا حلمه الكبير حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا فى الإخراج وكتابة السيناريو من مدرسة بيكونسفيلد.
حقق(خالد الحجر) بداية حلمه فى إخراج فيلم (غرفة للإيجار) ناطق بالإنجليزية بطولة الامريكية (جولييت لويس)، والمغربى سعيد النغماوى)، ليعود إلى مصر حاملا خبرات وطاقة حب فى صناعة فيلم مصرى يتطلع دوما للصعود على مسرح (لوميير) وللمهرجانات العالمية !
ولم تكن أفلام (أحلام صغيرة، قبلات مسروقة، الشوق، حرام الجسد، شبهانة، جريمة الإيموبيليا) وغيرها الا محطات ترسم تاريخ كبير رغم قلته للمخرج السينمائى المبدع (خالد الحجر).
ويأتى فيلم (حب البنات – 2004) أحد أهم تظاهراته الفنية بـ (خلطته السرية) التى تعيش داخل وجدان الجيل بعد الجيل لترسم حلقات من الحب والرومانسية والمشاعر التى تحاول الحداثة (خنقها) وتحولنا الى مجرد (ريبوتات) تتحرك.
وقدعرض في 70 مهرجانا من بينها (لندن وتورينو ونيويورك وميلانو وبلجيكا)، وحصل على العديد من الجوائز في التمثيل والتأليف والإخراج وأيضا جوائز من الجمهور الذي أحب الفيلم بالرغم من اختلاف اللغة.
على غرارالأفلام الكلاسيكية
فالفيلم روحه حلوة على غرارالأفلام الكلاسيكية يقول (خالد الحجر) حول هذه الظاهرة التى فاجئته بهذا الحب فى إحدى تصريحاته: الفيلم مصنوع بتكنيك مختلف ومتطور عن الأعمال التي قدمت في تلك الفترة، وحتى في التصوير، بالإضافة إلى الموسيقى العبقرية لعمر خيرت والتي قدمت مختلف الحالات في الفيلم بطريقة متنوعة.
كما أن الإضاءة في الفيلم كان عليها عامل كبير، فعلى الرغم من الأزمات والمشاكل الموجودة في حكاية الفيلم ولكنها ليست سوداوية، فقد أعطت حالة من البهجة، فقد كان هذا العمل بمثابة علاج نفسي.
علامات استفهام كثيرة حائرة على طاولة هذا الحوارالخاص لـ (شهر يار النجوم).
* فى البداية أريد أن أسألك: أين أنت من جوائز الأوسكار، خاصة وانت مخرج جوائز، حيث حصدت 38 جائزة على الصعيدين المحلى والدولى؟!، متى يقف (خالد الحجر) كمخرج مصرى على مسرح لوميير؟!
** (خالد الحجر): طبعا كلنا كمخرجين مصريين وعرب نتمنى الترشح للأوسكار أو نحصل عليها، لكن طبعا أنت بتنافس العالم كله، أنا كنت محظوظ أن فيلم (الشوق) مصر رشحته للاوسكار.
لكن لم يحصل له نصيب رغم أننا وصلنا إلى آخر وأفضل خمس مرشحين على مستوى الأفلام المرشحة عالميا ومن بين الخمس أفلام يتم اختيار فيلما واحدا، ولم يكن من حظنا.
فالمنافسة كبيرة وعالية جدا أيضا الأوسكار يحتاج إلى علاقات ويحتاج أن يكون فيلمك قد حصل من قبل على جوائز فى مهرجانات دولية كبيرة، وأيضا العلاقات مهمة فى هذا الترشح رغم ان مهرجان كان والاوسكار اصبحوا سياسيين (شوية!).
إذ نرى الفيلم الإيرانى حصل على الكثير من جوائز الأوسكار إذ أن معظم المخرجين الايرانيين الذين حصدوا الأوسكار ضد النظام الإيراني، فكأن أمريكا تحييهم بالاوسكار!
رغم أن أفلامهم جميلة، لكن أحيانا مبالغ فيها بعض الشئ، فهناك مخرج إيرانى فى وقت قريب حصل على اثنين أوسكار مع بعض (!)، رغم أن هناك فيلما رائعا بينما الفيلم الآخرعادى جدا مثل أى فيلم مصرى، وحتى أقرب للأفلام القديمة المصرية.
فالموضوع أخذ صبغة سياسية بعض الشئ، وليس سهلا رغم أن كلنا يتمنى لأى مخرج مصرى أو عربى يحصل على الأوسكار، لكن تدخل السياسة وتعلب دورا كما أن اللوبى العربى أو المصرى ليس له تأثيرا يذكر!
مواصفات السينما الأوسكارية
* ماهى مواصفات السينما الأوسكارية، وهل تخضع لاى معايير غير فنية فى الاختيار؟، وهل للتقنيات الحديثة للثورة الصناعية الرابعة مثل استخدام الذكاء الاصطناعى وغيرها دور الان فى صناعة السينما الحديثة
** (خالد الحجر): ماتقصده من سؤالك عن قواعد حصول الفيلم على الأوسكار فقط أن يكون فيلم (بجد!)، وفيلم حقيقي يتحدث عن المجتمع الحقيقي لك وليس من المعقول أن يتم ترشيح فيلم كوميدى أو فيلم (هايف!) أو فيلم عن البلطجة ويحصد جائزة.
وفلسطين أكبر دولة تم ترشيحها هنا (أبو آسر) ترشح مرتين ووصل إلى أفضل خمسة مرشحين، وهناك أيضا المخرجة التونسية (كوثر بن هنية) وصلت أيضا مرتين الى الخمسة وهذا شئ جميل ورائع.
لكن فى النهاية مثلما قلت تلعب السياسة دورا فى الأوسكار وليس من السهل الحصول على الأوسكار فى ظل هذا الاتجاه، وأيضا تلعب العلاقات دورا وأماهو سائد ويشغل العالم من قضايا.
فأيام ثورة 25 يناير فى مصر كان هناك اهتمام كبير بالسينما المصرية فعرضوا وقتها فيلم (الشوق) فى (كان) بسوق الفيلم بعد عرضه كثيرا، لأنه من الأفلام التى تتحدث عن الثورة أو مابعد الثورة.
فموضة السينما تلعب الأحداث السياسية دورا فى الاختيارأو الترشح للأوسكار، خاصة وأن الاتجاهات السياسة تلعب الدور الأكبر فى المهرجانات الدولية الكبيرة، مثل (كان) وجوائزالأوسكار !
أما الجزء الثانى من سؤالك حول التقنيات الحديثة مثل الرقمنة والذكاء الاصطناعى وغيره فيمكن اليوم لأى شخص أن يصنع فيلما بجودة عالية باستخدام مثل هذه التقنيات وهى تقنيات اليوم تدفع بصناعة السينما.
فالحداثة لانرفضها على العكس نرحب بها ونكمل عليها لأن هذا هو التطور الطبيعى لكل شئ، ويمكن عمل فيلم كامل بالذكاء الاصطناعى بممثلين غير موجودين، آخر فيلم لمارلين مونرو توفت دون أن تكمل الفيلم إلا أن المخرج أكمله بعد أن عملوا نسخة بصرية من الشخصية وخلوها تمثل!
وهذا حدث فى الخمسنات فلا احد من هؤلاء موجودا الآن !ونجحت التجربة رغم أن الفيلم لم يعرض الفيلم حتى الآن، وهو فيلم (فيه حاجات بتحصل) في شغلنا كمخرجين.
ففى اخر فيلم (شيهانة)، وهو فيلم سعودى عملت معارك حربية وعملت طائرات وعملت امتداد للمدينة التى تنهار وتقصف، فكل هذا فى الاستديو باستخدام تلك التكنولوجيات، فهى حاجة خيالية.
ولو قارنت بأول فيلم أخرجته (أحلام صغيرة) كانت هناك أيضا حروب نفذت بطريقة بدائية جدا، كنت أستخدم أو كنت أستخدم افلام قديمة (فودتش) أبيض وأسود عن حرب 67 وأسقط أجزاء.
وأعتقد أن المخرجين كانوا يفعلوا ذلك، لكن اليوم فسوف نشاهد أفلام عالمية ومصرية شكلها بصريا شئ مبدع.
وسوف تفاجئ المشاهدين بها، لكن الجانب السئ هو أن التقنيات تصبح هى الغالب فيصبح الفن مصطنعا لأن كثير من الجمهور أو المشاهدين يبحثون عن المشاعر والاحاسيس والاشياء الحميمية التى تعبر عن النفس البشرية.
وأذكر عندما أعادوا فيلم (حب البنات) تم تصويره داخل شقق وبدون أى استخدام للتكنولوجيات على غرار أفلام الخمسينات والستينات.
وليس به أى إبهار بصرى رغم أنه نفذ بشكل جيد الناس أحبته واستمر عرض الفيلم 3 اشهر وسيتم عرضه مرة أخرى!.. كل هذا بسبب حب الجمهور لشخصيات الفيلم وصدق الأداء وأحسوا بالدفء، لكن كل مالتكنولوجيا تظهر فى العالم يحب العالم أن يرجع إلى أصوله مرة أخرى!
مهرجانات اليوم لأفلام الذكاء الاصطناعى
(ملحوظة من عندي: هناك مهرجانات اليوم لأفلام الذكاء الاصطناعى، حيث يتم اخراجهم باستخدام الذكاء الاصطناعى مثل (مهرجان نيويورك) المقبل، ويتم عرض مايقرب من 3 ألافام قصيرة باستخدام الذكاء الاصطناعى..
وأيضا (مهرجان صاندانس السينمائي) 18 – 28 يناير لأفلام الذكاء الاصطناعى حتى مهرجان (كان) السينمائى استخدمت فيه تقنية الذكاء الاصطناعي.
* فى ظل أزمة كوفيد 19 ظهرت المنصات مثل نتفليكس وابل وغيرها هل اصبحت تلك المنصات منافس لشركات الإنتاج العالمية فى إنعاش حركة السينما فى العالم وكذلك على الجوائز العالمية لضخامة انتاجها ؟
** (خالد الحجر): أرى أن المنصات السينمائية تطور طبيعى للعالم، والمفروض أن نسير على هذا النهج من التطور ولا نخافه، بالعكس حتى المنصات العربية فرصة لوجود الفيلم المصرى أو العربى على مدار السنة.
وليس قاصرا فقط على مواسم مثل رمضان أو الأضحى فقط أو غيره، فهى منصات تحتاج إلى إنتاج طول العام، وقد أدى هذا إلى إنعاش الحركة السينمائية، وقد منحت الكثير من الفرص للعديد من المخرجين وكلها أشياء إيجابية أنا لا أراها سلبية أو أنها تؤثر فى حركة الإنتاج.
فهناك أفلام يتم إخراجها إما تذهب إلى مثل هذه المنصات أو تذهب إلى دور السينما أو الاثنين معا بالاتفاق مع الإنتاج، وهناك كثير من الفنانين ربحوا الكثير من تلك المنصات فنيا وتوزيعا أو انتشارا وماديا ونجح هؤلاء فى توصيل رسالتهم أو رأيهم دون انتظار الموسم التقليدى !
* سؤال يحيرنى كثيرا وهو لماذا جاء اختيارك للعيش بالقاهرة بعد عودتك من لندن بعمارة الايموبيليا ؟، وهل فيلم (جريمة الإيموبيليا) كان أحد الأسباب وراء فكرة اختيارك لتقديم مايسمى بالسينما الواقعية باعتبارها حدثت وقائعها بالفعل؟، ولماذا انتهجت الأسلوب الهتشكوكى مثلما قلت فى اخراج الفيلم ؟!
** (خالد الحجر): أولا أنا رجعت مصر من فترة طويلة وحتى الآن أنا بين مصر وإنجلترا، لكن بعد أن قمت بإخراج فيلمين بإنحلترا أخرجت بعد رجوعى لمصر أول فيلم وهو (حب البنات) 2003، بينما فيلم (جريمة الإيموبيليا) فهو فيلم حديث، وأنا باشتغل مابين مصر وإنجلترا.
أقيم فى هذه العمارة التاريخية
فجريمة الإيموبيليا جاءت فكرته لأنى أقيم فى هذه العمارة التاريخية فأحببت عمل فيلم عن جريمة شبه حدثت وقائعها فى العمارة، لكن لعب الخيال دورا فى صناعة الفيلم اكثر مما حدث.
وأنا لأنى أحب العمارة وأحب تاريخها ففكرت وقتها فى عمل فيلم عنها، وكانت طريقة (هيتشكوك) هى الأنسب أسلوب لإخراجها، فلاتعرف من هو القاتل حتى نهاية الفيلم و (ساسبنس) أو التشويق الذى يحدث!
* لماذا فكر المخرج (خالد يوسف) فى إنتاجها وليس إخراجها مثلا، أو من خلال رؤية اخراجية مشتركة ؟!
** (خالد الحجر): طبعا أن أعرف المخرج (خالد يوسف) ونحن أصدقاء منذ فترة كبيرة، تعلمنا معا فى مكتب (يوسف شاهين)، وأنتج لنا منها فيلم (العاصفة) لخالد يوسف إنتاج (أفلام مصر العالمية)، وقتها وأنا كان فيلم (أحلام صغيرة).
فأذكر أن (خالد يوسف) كان يبحث عن عمل فنى ينتجه، فالاستاذ (جابى خوري) رشح له قصة (جريمة الإيموبيليا)، فجلست مع (خالد يوسف) وأعجبه سيناريو الفيلم فقد كان يبحث عن فيلم ينتجه لا أن يخرجه، خاصة وأن (خالد يوسف) أيضا كاتب (مش!) منتظر أن يكتب له أحدا.
واتفقنا على أن يقوم بإنتاجه بعد أن استهواه السيناريو فياريت المخرجين ينتجوا لمخرجين آخرين، فهذه خطوة رائعة جدا، بل بالعكس كان المخرج (خالد يوسف) منتج هايل.
فعلا فاهم بكل تأكيد مايحتاجه المخرج من حرية فى تنفيذ العمل، لذا أعطانى الحرية الكاملة فى اختيار الممثلين و(اللوكيشن)، جاءنى مرة واحدة فى موقع التصوير و(دى!) حاجة جميلة لم يأت كل يوم حتى لايمثل ضغطا على المخرج وفريق العمل.
وفى المونتاج جلسنا مرتين، وقال لي اعمل الفيلم بالطريقة التى تراها لأنه مخرج كبير، وقد ذهبنا بالفيلم إلى (مهرجان القاهرة السينمائى)، وكنت فخور جدا أن (خالد يوسف) أنتج لى هذا الفيلم !
في الحلقة القادمة: يتحدث خالد الحجر عن أول أفلامه الروائية الطويلة وعلاقته الممتدة في إنجلترا، وغيرها من مفارقات الرحلة