تعرف على المحذوف من أغنية (أقول وآنست بالليل) التى غنتها (فيروز) للنبي المختار
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهى لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة، أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفه.
كتب: أحمد السماحي
من القصائد الرائعة والمجهولة إلى حدا ما التى تغنت بها جارة القمر (فيروز) في بداية مشوارها الغنائي قصيدة (أقول وآنست بالليل نارا)، كلمات الشاعر والرحالة الأندلسي (ابن جبير)، ولحن الأخوين رحباني.
وهذه القصيدة كتبها (ابن جبير) في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، أثناء رحلته إلى الأراضي المقدسة، وسجلت فيروز الأغنية أكثر من مرة كما ذكر المؤرخ الموسيقي السوري (سعد الله أغا).
أول مرة سجلت (فيروز) القصيدة عام 1953، تحت عنوان (الهجرة) وسجلتها لحساب إذاعة (الشرق الأدنى)، ونظرا لوجود خطأ ما في تلحين كلمة (الدجى) في القصيدة حيث جاءت ممدودة للتعبير عن ظلام الليل الممدود.
وهذا يتعارض مع المعنى في القصيدة، لأن أفق الدجى لم يكن مظلما وإنما كان ( كأن سَنَا البرق فيه استطارا) فلم يعد مظلما ــ على حد تعبير (سعد الله أغا) ــ كما لاحظا الأخوين رحباني أن أداء الفرقة الموسيقية لم يكن كما ينبغي، ولهذا قام الأخوين رحباني بإعادة تسجيل القصيدة مرة أخرى، عام 1961، لصالح إذاعة (BBC).
شرح (أقول وآنست بالليل نارا)
تتحدث القصيدة عن تأجج وتوهج مشاعر (ابن جبير) بمناسبة زيارة الأراضى المقدسة وقبر الرسول الكريم.
والوهج الذى أضاء الليل فآنس له الشاعر وتساءل عن كنه هذا الضوء الباهر الذى أضاء نهايات الليل، وهو يعلم أنه نور سراج الهدى فى البيت المبارك الذى أضاء أفق الدجى كأنه سنا البرق ونوره.
ويمضى بنا الشاعر يحدثنا عن الرائحة الطيبة التى فاحت فى الأجواء لتعبق الجو بعطر يشابه المسك بل هو أجمل من المسك الذى يستعير منه رائحته الذكية.
ويروى لنا كيف لاحت بشائر الصبح لتبشرهم بقرب مزار الحبيب المصطفى ودنوهم منه، وكيف استطارت قلوب من فى ركب القافلة عندما جرى ذكر الرسول الكريم حنيناً إليه.
وكيف اشتعلت ضلوعهم بالشوق إليه، ويخبرنا الشاعر من خلال كلمات القصيدة عن مشاعر النزول بفناء أكرم الخلق جواراً، وكيف أعادوا السلام مراراً على روضة دار السلام.
ويخاطب الجميع نبى الهدى و يسلموا عليه، ليقولوا له كيف ركبوا البحار، وجابوا القفار شوقاً إليه، ويخبرونا كيف دعاهم إلى زيارته هوى كامن أثار لواعج الشوق فيهم عسى أن يحظوا بلحظه.
ومرآه الكريم فيضمنوا أن يكون مقرهم الجنة يوم الحساب، لأن من اهتدى بهديه لا يضل ولا يذل من استجار بذراه الشامخة.
سر حذف الأخوين رحباني أبيات من القصيدة
نظرا لطول القصيدة التى كتبها (ابن جبير) في 33 بيتا، لهذا حذف الأخوين رحباني الكثير من أبيات القصيدة التي عنتها (فيروز)، واختارا منها عدة أبيات تؤدي الغرض، كما قاما بتغيير صيغة الكلام من على لسان الشاعر، وجعلوها للكل فمثلا بدلا من كلمة (وقفت) جعلوها (وقفنا).
والحقيقة أنهما كانا موفقين جدا في ما قاما به من حذف، لأن القصيدة لو لحنت كاملة كانت ستحتاج على الأقل ساعة في غنائها.
وهذا غير وارد في مشروع الأخوين رحباني، اللذين بدأ مشروعهما الغنائي مع (فيروز) على الأغنيات القصيرة جدا، والمكثفة، في الوقت الذي كانت كثير من الأغنيات المصرية والعربية مليئة بالمط والتطويل.
والآن إليكم القصيدة كاملة، وستجدون الأبيات المحذوفة مكتوبة باللون الأحمر.
أقول وآنستُ بالليل نارا، لعل سِراجَ الهدى قد أنارا
وإلا فما بالُ افق الدجى، كأن سَنَا البرق فيه استطارا
ونحن من الليل في حندسِ، فما باله قد تَجّلى نهارا
وهذا النسيم شذا المِسك قد اعير، ام المِسك منه استعارا
وكانت رواحلُنا تشتكي، وجاهاً فقد سابقتنا ابتدارا
وكنا شَكوناعناء السرُّى، فَعدُنا نبارى سِراعَ المَهارى
اظنّ النُّفوسَ قد استَشعرَت، بلوغَ هَوى تخذَته شِعارا
بشائرُ صبحِ السرى آذنت، بأَنَّ الجيبَ تَدانيَ مَزَارا
جرَىَ ذكر طَيبةَ ما بَينَنَا، فلا قَلبَ في الرّكبِ الا وطَارا
حنيناً إلى أَحمدَ المصطفى، وشوقاً يَهيجُ الضُّلوعَ استِعارا
ولاح لنا احدٌ مشرقاً، بنورِ من الشُّهداء استِنارا
فمن اجلِ ذلك ظلَّ الدُجى، يَحُلُّ عقودَ النجومِ انتِثارا
ومن ذلكَ الترب طابَ النّسيم، نشراً وعمَّ الجنابَ انتشارا
ومن طرب الركب حثَّ الخطى، اليها ونادى البِدار البِدارا
ولما حَللنا فِناء الرّسول، نَزَلنا بأَكرمِ خلقِ جوارا
وحينَ دَنونا لفرض السّلامِ، قَصَرنا الخُطَى ولَزِمنا الوَقارا
فما نرسل اللحظ الا اختلاسا، ولا نرفَع الطّرف الاّ انكِسَارا
ولا نظهِرُ الوَجدَ الا اكتتافاً، ولا نلفِظُ القولَ إلاسرارا
سوى اننا لم نطق أَعيناً،، بأَدمُعِها غَلبَتنَا انفِجَارا
وَقَفنَا بروضَه دار السّلام، نعيدُ السّلام عليه مرارا
ولولا مَهابته في النّفوس، لَثِمنا الثّرى والتزَمنَا الجِدَارا
قضينا بزورتنا حجّنا، وبالعُمرينِ خَتمنا اعتِمَارا
اليك اليك نبي الهُدى، رَكبتُ البِحار وجبتُ القِفارا
وفارقتُ أهلي ولا منّةٌ، ورُبَ كَلامِ يَجرُ اعتِذارا
وكيفَ نمنُ على من بِه، نُؤَمِل للسّيئات اغتِفارا
دَعاني إليك هوى كامِن، أثارَ من الشَّوق ما قد أَثارا
فناديتُ لبّيك داعي الهوَى، وما كنت عنك اطيقُ اصطِبارا
ووطنت نفسي لحكم الهوى، علي وقلتُ رَضِيت اختِيارا
اخوض الدجى واروض السرى، ولا أطعمُ النَّوم الا غِرارا
ولو كنت لا استطيع السبيل، لطِرت ولو لم اصادف مَطَارا
وأجدر من نال منك الرِّضى، محبُ ذُراكَ على البُعد زارا
عسى لحظةٌ منك لي في غَدٍ، تُمهِّد لي في الجِنان القَرارا
فما ضَل من بِهُداك اهتَدى، ولاذلَّ من بذراكَ استجَارا