بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
عندما توجه المسرحيون بندائهم للدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة، من أجل إنقاذ مسرح (الثقافة الجماهيرية)، كانت مطالبهم تتضمن تنفيذ التوصيات التي خرجت من المائدة المستديرة التي عقدتها لجنة المسرح فى دورة 2022/ 2024.
فبعد تشريفى باختياري مقررا للجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، في تلك الدورة حرصت اللجنة على التأكيد أن دورها هو دعم وتطوير الحركة المسرحية، واتفقت على أنها ليست جهة وصاية على الجهات التنفيذية، ولا تزاحمها فى مسئولياتها.
بل هى (بيت خبرة) يساعد تلك الجهات على التخطيط ، ويساهم فى مناقشة المشكلات ووضع تصورات لحلول مقترحة في (الثقافة)، وبذا تتكامل مع تلك الجهات ولا تتعارض معها.
ومن خلال ذلك التصور عقدت اللجنة مائدة مستديرة حول المسرح الإقليمى على مدار ثلاثة أيام ما بين 14 و16 يونيو 2022 تخللتها 6 جلسات، لمناقشة واقع الحال واستشراف المستقبل.
بحثا عن تحقيق المأمول فى ذلك الجزء المهم من المشهد المسرحى المصرى، للوصول إلى صيغة تضمن استغلال كافة إمكاناته، وموارده من أجل أن تكون (الثقافة) أفضل وأوسع وأشمل، تصل إلى كافة مستحقيها، وتحفظ حقوق كافة ممارسيها، من أجل تدعيم قوانا الناعمة بكل مستوياتها.
ورأس هذه الموائد الدكتور أحمد مجاهد رئيس قسم الدراما والنقد المسرحى بآداب عين شمس، ورئيس هيئة قصور الثقافة الأسبق، وبأمانة سر أعضاء لجنة المسرح المخرج (أحمد طه) المشرف الفنى لمشروع (ابدأ) حلمك بـ (الثقافة الجماهيرية)، ومهندس الديكور محمد جابر مدير الإدارة العامة للمسرح بالهيئة في ذلك الوقت.
وشارك فيها مجموعة من الفنانين المتعاملين مع مسرح الأقاليم من كافة الأجيال ومسئولين سابقين وحاليين، إلى جانب مجموعة من المسرحيين والنقاد والمثقفين المهتمين بالموضوع.
المهرجان الختامى لمسرح (الثقافة الجماهيرية)
وتم اختيار توقيت عقد المهرجان الختامى لمسرح (الثقافة الجماهيرية) في ذلك العام لضمان تواجد أكبر عدد ممكن من الناشطين المسرحيين فى القاهرة، بالإضافة إلى أن إدارة المسرح بهيئة قصور (الثقافة) قد قامت مشكورة بتحمل إقامة عدد 10 من فنانى الأقاليم من غير المشاركين فى المهرجان.
وذلك لضمان التواجد الفاعل لكل الأجيال وكل الأقاليم الستة، ولكننا فى الوقت نفسه أكدنا على رفضنا لمبدأ المحاصصة والتمثيل لكل مجموعة، فالهم واحد ومشترك، على الرغم من الاختلاف الطفيف فى التفاصيل، ولذا فتحنا باب المشاركة للجميع.
ولكن للأسف بمجرد الإعلان عن المائدة بدأ الهجوم، تارة بسبب عدم توجيه دعوة خاصة للبعض على الرغم من نشرنا فى كل الأخبار وعلى صفحات التواصل أن الدعوة عامة.
أو تارة أخرى بسبب تواجد أسماء بعض المثقفين أو الإعلاميين فى الجلسة الافتتاحية، الذين دعتهم اللجنة ليكونوا صوتا لمسرح لا يلقى الاهتمام الكافى إعلاميا.
بل ان الهجوم قد طال عنوان المائدة (المسرح الإقليمى) واعتبره البعض تعاليا برغم انه مصطلح متعارف عليه يشمل (كل نشاط مسرحى يتم خارج العاصمة ويقوم به أبناء المحافظات الأخرى).
وبرغم ذلك الهجوم السابق لم يجد المسرحيون الباحثون عن إنقاذ لمسرح (الثقافة الجماهيرية) حاليا سوى التوصيات التي خرجت من تلك المائدة ليطالبوا بتنفيذها.
ولعل أهم تلك التوصيات كانت المطالبة بإلغاء التقسيم الحالى للفرق العاملة بالمسرح والعودة إلى نظام الشرائح مرة أخرى (بيوت، قصور، قوميات)، وهذا يحتاج إلى مناقشات أعمق قبل التنفيذ، للاحتفاظ بمزايا النظام الحالى وتلافى عيوب النظام السابق قبل العودة إليه.
وضع لائحة لقواعد التشغيل
ويمكننا ترتيب باقى التوصيات التى أجمع عليها الحاضرون كما يلى:
أولا: وضع لائحة لقواعد التشغيل على المستوى الفنى والإدارى والأخلاقى تنص على:
* ضرورة ملاءمة النص المزمع إنتاجه مع إمكانات الفرقة البشرية وملاءمته للموقع المقدم فيه، فمسرح (الثقافة الجماهيرية) موجه لأصحاب الموقع بالأساس، ويراعى إمكانات الهواة المشاركين فيه.
* تستوفى أيام العروض كاملة فى نفس موقع الإنتاج، ولا يحق للفرقة استكمالها خارج موقعها، على أن توفر الهيئة إمكانية التجوال داخل الإقليم للعروض المميزة التى حققت نجاحا جماهيريا.
* البحث عن فضاءات بديلة فى حالة عدم وجود مسرح بالموقع، بدلا من تقديم العروض فى غير مواقعها.
* معاقبة كل من قام بالسطو على مصنف فنى أو أدبى سواء محلى أو أجنبى ونسبه لنفسه أو لغيره، أو قام باستنساخ عمل مخرج آخر.
* الإسراع فى إجراءات بدء الموسم المسرحى حتى ينتهى قبل شهر مايو من كل عام، وتذليل كل العقبات المالية والإدارية للوصول إلى هذا الهدف.
* إعادة النظر فى لجان القراءة والاهتمام باختيار لجان التحكيم، على أن تكون هناك لجنة لكل إقليم تتفرغ لمشاهدة عروضه.
* وضع رادع للتجاوزات الأخلاقية فى التعامل بين فنانى مسرح الأقاليم، أو مع نتائج لجان التحكيم، والسماح بالتظلمات فى الوقت نفسه، ووضع نظام للبت فيها.
ثانيا: اتفق المجتمعون على أن نظام التسابق قد أضر بمسرح (الثقافة الجماهيرية)، وأصبح كل ما يعنى الغالبية هى نتيجة التسابق، و تغافلوا عن المهمة الأساسية لهذا المسرح، وطالب جميع المتحدثين فى المائدة بإلغاء التسابق، وبما أنه لابد من وجود نظام لتقييم الأعمال، فقد اتفق الجميع على إعادة النظر فى هذا النظام لإيجاد ما هو أفضل، ليحتفظ المسرح الإقليمى بدوره وحيويته.
التدريب الدائم والمستمر
ثالثا: يرى المجتمعون أن التدريب الدائم والمستمر هو عصب التطور فى كل مناحى الفن بما فيها مسرح الثقافة الجماهيرية، ولذا فهم يطالبون ببرنامج تدريبى متشعب:
* برنامج تدريبى للمخرجين الجدد ليعرفوا طبيعة هذا المسرح، وأنه ليس مجالا للمغامرات الفنية النخبوية.
* برنامج تدريبى فنى وإدارى لمسئولى المسرح فى الأقاليم، لرفع كفاءة التعامل مع نشاط المسرح.
* تدريب العمالة الفنية التى تتعامل مع الأجهزة الحديثة.
* إعادة إدارة الورش بالإدارة العامة للمسرح لممارسة دورها فى التدريب.
* ترشيح المخرجين المتميزين لبعثات تدريبية قصيرة فى الخارج.
رابعا: إعادة هيكلة الفرق لوضع جدول للمشاركين بكل فرقة، لكى يتاح العمل بالفرق لكل الهواة. فليس من المعقول أن نفس الأشخاص يقومون بتقديم كل الأعمال فى موقع واحد، وإلا فما الفائدة من تنوع الإنتاج فى الموقع نفسه؟ على أن يتم عمل قاعدة بيانات للفرق مع الاهتمام بتوثيق أعمال مسرح (الثقافة الجماهيرية).
خامسا: مخاطبة الرقابة على المصنفات الفنية للسماح بترخيص النصوص لمدة ثلاث سنوات – و هو أمر لا يتعارض مع القانون – بدلا من ترخيص ذات النص سنويا، تسهيلا على الفنانين فى إجراءات تقديم النصوص.
سادسا: مخاطبة الجهات المعنية بالإجراءات المالية (وزارة المالية – مصلحة الضرائب) لتسهيل إجراءات الصرف أو توحيدها.
* إيجاد وسيلة تضمن الإنتاج بسرعة وسهولة، إلى أن تراجع هذه الجهات مدى ملاءمة هذه الاجراءات للعملية الإنتاجية الفنية.
* السماح بإعادة تدوير الديكور بدلا من وضعه بالمخازن ثم تكهينه، وذلك تقليلا للتكلفة والجهد.
سابعا: عقد مؤتمر سنوى لمسرحيى الأقاليم على غرار المؤتمر الأدبى، ليناقش المشاكل والمعوقات بناء على استبيان تقوم به الإدارة المركزية للدراسات والبحوث، وإدارة التفتيش الفنى بالهيئة، وما يتم طرحه على أمانة المؤتمر من موضوعات لمناقشتها.
ثامنا: إعادة النظر فى نظام الأجور – فى ضوء الإمكانات المتاحة – وذلك لأن الأجور الحالية لا تتناسب مع الزيادات فى الأسعار وتكاليف المعيشة، وهى تقل حسابيا عن الحد الأدنى للأجور الذى وضعته الدولة
فهل تلك التوصيات فقط هى ماينقذ مسرح (الثقافة الجماهيرية)؟
بالطبع لا.. فللحديث بقية…
lailaelmagraby04@gmail.com