كتب: محمد حبوشة
كتبت في العام الماضي مشيدا: إن الأداء التمثيلي عند الفنانة الشابة (ريهام حجاج)، يتطور بشكل تدريجي، وهى تعتمد على التكوين الجسماني وفق بناء جسم الممثل نفسه وقدرته على التكيف، وما يمتلكه من مرونة مطاوعة تؤثر في شكله وملامحه على الشاشة.
كان ذلك جراء أدائها المبهر في مسلسل (جميلة)، فعلى مستوى (الإحساس، التفكير، المشاعر الداخلية) فإن جميعها تمثل تطورات واضحة عند (ريهام حجاج) كممثلة تمتلك مقومات أساسية في علم التمثيل.
ومن هنا فإن ما تخزنه الممثلة (ريهام حجاج) من تجارب وخبرات في الذاكرة تجعل للأداء عندها مفهومان مختلفان، أحدهما يشتمل على استعراض المهارات والآخر يشتمل على استعراض الشكل أيضا، ولكنه استعراض لأنماط معروفة ومقنعة من السلوك أكثر من استعراض لمهارات معينة مثل فن أداء الممثل.
ولعله يبدو ملحوظا تطور أداء (ريهام حجاج)، بشكل يكشف أنها تسعى في الأداء التمثيلي لديها إلى إبرز الصفات الشخصية الفنية للدور، والتي ترتكز في تفسيرها وتحليلها على مرجعيات فلسفية، جمالية، ثقافية، اجتماعية تتحول عن طريق التجسيد المادي إلى حقيقة صورية أمام المتلقي.
وبمتابعتي لطريقة أداء (ريهام حجاج) في مسلسل (صدفة) رمضان 2024، أقول: إنها حاولت أن تتنوع في أساليب أدائها ومعرفة أسلوب الأداء لكل شخصية تؤديها، كما تؤكد (جوليان هلتون)، لكنها أخفقت في أدائها للشخصية الشعبية.
تماما كما أخفقت من قبل في شخصية الصعيدية وغيرها من شخصيتيت أخريين في مسلسل (وكل ما نفترق)، فقدت بدت لي (ريهام حجاج) في مسلسل (صدفة) مثل (الفايبريش) الصامت في وضع الموبايل، بطريقتها المرعوشة في الأداء وهيبرتها المفتعلة.
ومع أن الورد كان وما زال جميلا رغم عدم تبديل ثوبه!، هذا الكلام ينطبق على ريهام حجاج، على الرغم من بعض عثرات الطريق مثل مسلسل (وكل ما نفترق)،و(صدفة) لكن ظني أن (ريهام حجاج) قدمت في مسلسل (جميلة)، واحدا من أجمل أدوارها، بمشاعر متناقضة.
براعة (ريهام حجاج) في (جميلة)
جسدت (ريهام حجاج) في مسلسل (جميلة) دور فتاة تعيش أحداثا صعبة، بسبب صراع على الميراث بينها وبين شقيقها وشقيقتها، حيث أمسكت ريهام حجاج بخيوط الشخصية التي صاغها المؤلف أيمن سلامة باقتدار وبراعة مطلقة.
وكان النجاح والتألق الذى وصلت له (ريهام حجاج) لم يكن وليد الصدفة ولم تأتيها النجومية منحة أو بدون وجه حق، فمنذ بداية دخولها الفن منذ عام 2010 وعملت على تطوير موهبتها والعمل عليها وفضلت التقدم بخطوات متأنية ومدروسة.
ولم تسعى يوميا للانتشار على حساب قيمة الدور الذى تجسده، فكانت دائما صاحبة اختيارات صائبة بداية من تألقها في (سجن النساء، مرورا بالكبريت الأحمر، نصيبي وقسمتك، يونس ولد فضة، كارمن، لما كنا صغيرين، يوتيرن)، وتوالت النجاحات.
كان أهم ما يميز (ريهام حجاج) حتى وصولها لمحطة (صدفة) أنها لا ترفض النقد البناء، ولم تهاجم يوما أى قلم وجه لها نقدا على العكس تقبلت النقد واشتغلت على العمل على نقاط ضعفها وجودت من أدائها وإمكاناتها الفنية.
وهذا أحد أهم أسباب تألقها وصعودها كنجمة تنافس نجمات الصف الأول واستطاعت أن تحجز لنفسها مقعدا ثابت في الصفوف الأولى، أيضا من أهم أسباب نجوميتها أنها لا تحتكر النجاح لنفسها كبعض النجمات التى تفرض شروطا على القائمين على العمل.
ومن هنا فقد وقعت في المحظور في مسلسل (صدفة) على عكس ما تمتلك (ريهام حجاج) من ثقة فى إمكاناتها الفنية ولا تخشى المنافسة أمام أى ممثل أمامها، بل على العكس فهى تعطى فرص كبيرة لزملائها وتشيد بهم، ولا تتدخل في صناعة العمل.
ويبدو لي أن اختيارها أو اختيار المخرج أو المؤلف لممثل متواضع الإمكانات (عصام السقا) هو من تسبب في إخفاقها في (صدفة)، ولعله يكون السبب الجوهري في تراجع أدائها فلم يتوفر فيها كل مقومات النجاح من رسم الشخصيات بدقة، فضلا عن عدم تمكنها من أداء الشخصية الشعبية بشكل كوميدي.
ريهام حجاج مرعوشة في (صدفة)
أطلت ريهام حجاج في مسلسل (صدفة) بطريقة غريبة عليها، وبدلا من الظهور بنضج وتميز شديد فظهرت مرعوشة وانفعال زائد عن الحد على عكس النضج والاحترافية والتفاني في (جميلة).
لم تستغل (ريهام حجاج) سيناريو أيمن سلامة المصنوع بدقة شديدة، ولأول مرة نرى بطولة جماعية حقيقية لا تتساوى فيها الأدوار، كما نرى (ريهام) بطلة العمل منفعلة دائما تبدو بحركات هيسترية لا تناسب شخصية مدرسة التاريخ.
كنت أعول على نجاح (ريهام حجاج) في تغيير جلدها والهروب من شخصية الفتاة الجميلة الثرية على غرار (لما كنا صغيرين، وجميلة) تسعى لنجاح العمل بأكمله، وهى على دراية كافية أن النجاح لا ينسب للبطل بمفرده.
ولن ينجح عمل استأثر فيه بطل العمل بكل النجومية والظهور لنفسه كما يحدث في غالبية الأعمال الفنية، ويصبح باقى الشخصيات مجرد سنيده لهذا البطل الأوحد، لكن للأسف هذا كان واضحا جدا مع (صدفة).
ظني أن (ريهام) فنانة حقيقية تتطور بشكل كبير، وقد احتضنت كل الشخصيات في أعمالها السابقة (خالد النبوي، محمود حميدة، توفيق عبد الحميد)، وتركت لهم مساحات كبيرة بل متساوية مع دورها كبطلة مطلقة للعمل.
كل هذه العوامل كانت السبب في تصدر (لما كنا صغيرين، وجميلة) قائمة الأفضل في مواسم رمضانية سابقة، بل كانت مثل تلك الأعمال تحظى بنسب مشاهدات كبيرة وتتفوق على نظيراتها من الأعمال الدرامية في مارثون رمضان.
قدمت (ريهام حجاج) شخصية جديدة عليها في (جميلة)، فهى تقدم شخصية رئيس نيابة، شخصية حاسمة لا تحيد عن الحق، كما ظهرت لأول مرة وقد تخلت عن أناقتها المعتادة كما ظهرت في أغلب المشاهد بمكياج خفيف وأحيانا بدون مكياج تماما مما أعطى مصداقية للدور.
(ريهام حجاج) و(أيمن سلامة)
من حسن حظ (ريهام حجاج) أنها ارتبطت بكاتب مثل (أيمن سلامة)، يمتلك مضمون نصه على نحو احترافي صحيح، فالمضمون يتشكل طبقا لأسلوب معالجته الدرامية، إذ يختار نوع المضمون (كوميدى أم تراجيدى)، أم مزج بينهما، وأيضا من حسن حظها ارتباطها بمخرج مثل (سامح عبد العزيز) المبدع من خلف الكاميرا.
نحن نعرف جيدا أن الكاتب (أيمن سلامة) يخضع مضمونه الفكرى لحتميات الاتساق الدرامى والشكل الفنى، فى حين آخر يلح عليه المضمون إلحاحا قد يجعل مسلسله مجرد أداة عابرة لتوصيل مضمونه، لكنها في (صدفة) لم تمتلك خيوط الأداء الدرامي لمضمون يتشكل طبقا للمعالجة الدرامية التى تصهره فى بوتقتها وتقدمه للجمهور.
فلا يبدو لي أن (ريهام حجاج) اعتمدت قالب متماسك جيد، ذلك لأنه يستحيل الفصل بين المضمون الفكرى والشكل الفنى فى العمل الدرامي الناضج، فالتوازن والتفاعل الدرامى بين الفكر والفن ضرورة منطقية وجمالية ملحة يتوجها الأداء الجيد.
وفي الوقت الذي يبدو فيه (أيمن سلامة) ذو الثقافة والقدرة، والذي أثبت حرفيته المطلقة في كتابة نصه الدرامي (صدفة) بشكل جاذب في جو من الإثارة والتشويق على غرار المسلسلات النموذجية ذات الحبكة الدرامية المتقنة، فقد خذلته (ريهام حجاج) بأدائها هذه المرة.
نعم (ريهام حجاج) خذلته بأدائها، في ظل عدم معرفتها نظام تكوين الجملة الدرامية الفصيحة؛ ووظيفة الكلمات فيها وضبط آواخرها؛ كشفا عن تناسب جرسها اللفظي مع البعد النفسي للشخصية وتحولاته ما بين حالة شعورية وحالة شعورية مغايرة.
أداء مرتبك مفعم بالتشنجات
وهو ما انعكس بالضرورة في أداء مرتبك مفعم بالتشنجات للفنانة الشابة (ريهام حجاج)، ما يعكس حقيقة عمد فهمهما كممثلة لمعاني خبرة من يقف أمامها (رشدي الشامي، وخالد الصاوي) وكذلك الكلمات الظاهرة ودلالاتها المتعددة والمسكوت عنها؛ تقريبا لفهم المتلقي لخطاب الشخصية الدرامية.
تركيب جسم (ريهام حجاج) على شخصية (صدفة) جاء غير موفق وغير منطقي، من حيث العمر، الطول، لون الجلد والشعر والعينين، وما إلي ذلك من عناصر تكوين هذا البعد المادي للشخصية.
فهذا البعد يعطي لنظرة الشخصية في الحياة لونا معيناعن غيرها من الشخصيات ويؤثر فيها تأثيرا مباشرا، وربما تمتعها بقدر من الجمال أثر كثيرا على إثارة نزعتي الخوف والأمل في نفس المشاهد.
لم تفهم (ريهام حجاج) الحوار الجيد في (صدفة) ولم تتفاعل معه، وهو الذى تدل كل كلمة فيه على معنى يكشف عن حقيقة معينة ويعبر عن تلك الحقيقة تعبيرا دقيقا لا مبالغة فيه أو افتعال، على مت جاءت به من حركات مرعوشة ومفتعلة.
لأنه الوسيط الذى يحمل العمل الدرامى إلى أسماع المتلقين، فالحوار أداة التخاطب والسمة التى تشيع الحياة والجاذبية فى الدراما، وهى خاصية تميز الدراما عن سائر الصور الأدبية.
كما أن الحوار الدرامى يخضع لطبيعة الجماهير وطبيعة العمل الفنى، فهو حوار ليس من أجل الشخصيات والأحداث فحسب، وإنما من أجل المشاهد، فالمشاهد هو الطرف الثالث فى الحوار، كما أنه جزء أساسي فى الحوار الدرامى.
وتعليقا على مسلسل (صدفة) بطولة (ريهام حجاج أقول: إن هذا المسلسل مثل نوعا من الخداع.. لأنه من الوهلة الأولي تشعر وكأنك أمام مسلسل كوميدي بحت، ولكن تصدم بالواقع وبان المسلسل اجتماعي جدا، ويناقش قضايا عديدة أهمها التفكك الأسري.
وليس بالضرورة أن تعيش الأسرة تحت سقف واحد لتكون مترابطة فهناك أسرة (فؤاد) الذي يقوم بدوره الفنان خالد الصاوي مثال حي للتفكك الأسري فهي تعيش تحت سقف واحد، ولكن لكل منهم عالمهم الخاص، فالابنة الصغري مدمنة وقاتلة، ومع ذلك تدلل من أهلها لحد الاستهتار.
مسلسل متقن ولكن؟!
هناك أيضا قضية المراهقين والشباب في المدارس والجامعات وضياع أغلب طلاب المدارس والجامعات بسبب عدم وجود رقابة صارمة سواء من الأهل أو المدرسة، ضمن قضايا مسلسل (صدفة).
كما أنه هناك قضايا فساد الأخلاق المتمثل في شخصية (جلال) الذي يجسد دوره العملاق (رشدي الشامي) ومحاميه (تامر ضيائي)، اللذان استغلا طيبه وسذاجة (صدفة) لتوقع علي عقد زواج دون علمها.
فضلا عن هذا وذاك هناك قضايا الخيانه والإدمان والزواج العرفي والكثير من قضايا الشباب التي لم يتعرض لها عمل فني عن قرب سوي مسلسل (ضمير أبلة) حكمت وفيلم اغتيال مدرسة.
تلك المشكلات كانت كفيلة بصنع مسلسلا متقنا على مستوى الشكل والمضمون، لكن للأسف أداء (ريهام حجاج) لم يساعد المؤلف أو المخرج في ابراز الرسالة المستهدفة من وراء العمل، ولقد ساهم في هذا الإخفاق وجود ممثل ضعيف مثل (عصام السقا)، فقد كان اختياره سيئا للغاية.
كانت من أبرز الانتقادات أن أداء (ريهام حجاج) لشخصية (صدفة) أنه مبالغ فيه، وغير واقعي، ومشتت لانتباه المشاهد، وجدير بالذكر أن هناك من سخر منها في فيديوهات، ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
(ريهام حجاج) من جانبها تخلت عن رزانتها، وجاء الرد متشنجا من قبلها: بأن طبيعة شخصية (صدفة) فتاة غير سوية، وكانت تتعمد أن تكون الشخصية كاراكتر، وبالتالي من الممكن أن تستخدم لغة جسد مبالغ فيها.
أو من الممكن أن تجعل المشاهد في حالة من الذهول، وتعتبر أن ردود الأفعال هذه دليل على نجاح المسلسل، وتأثيرها على الناس، وأعتقد أنها كلها مبررات غير منطقية، وتؤكد أن (ريهام حجاج) لم تكن موفقة في طريقة أدائها، ومن ثم تستحق جائزة (النجمة المرعوشة) في رمضان 2024.