بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
في الحلقة الماضية تحدثنا عن بدايات انخراط كل من (نجمة إبراهيم)، و(سيرينا إبراهيم) في المسرح والسينما واليوم نستكمل تاريخ فنانتي الظل، لينطلق قطار نشاطهما الفني ينهب محطات سينمائية متتالية:
عند هذه المرحلة كانت شخصية (نجمة إبراهيم) الفنية قد بدأت تتبلور وأصبح وجهها هو التداعى الأول لدى المخرجين عند استدعاء دور شر لامرأة.. رغم أن طبيعتها معاكسة لذلك تماما.
فقد كانت (نجمة إبراهيم) تتسم بالرقة و الخوف من أبسط الأشياء حتى أنها كانت تخاف من مشاهدة دورها فيما بعد في فيلم (ريا و سكينة)، و في تفسير ذلك عقبت (نجمة إبراهيم) أن قدرتها على تجسيد الشر نابعة من قوة كراهيتها له و خوفها منه.
وأنها تستحضر كل مشاعرها المقاومة له، لكنها تغير من صورة هذه الطاقة الانفعالية من الخوف من الشر الى الشرنفسه المسبب لهذا الخوف.. قدمت بعد ذلك أفلام (مدرسة الاشاعات، الخطيئة، طالب ثانوى..).
العجيب أنها رغم أصولها اليهودية إلا أن مصريتها الغالبة جعلتها حريصة على الاشتراك في أي عمل لصالح القضية الفلسطينية، وتجريم الاحتلال الفلسطيني، لذلك شاركت عام 1948 في مسرحية (الصهيوني) مع (يوسف وهبي، وأمينة رزق، وسراج منير).
ترسخت قدرة (نجمة إبراهيم) على أداء أدوار الشر، وقد ظهر ذلك في دورها في فيلم (اليتيمتين) عام 1948، حيث (الحاج مرسي) الذى يعثر أثناء عودته في الليل على رضيعة في الطريق فيربيها مع ابنته (سنية).
ويموت (الحاج مرسي) فتتزوج سنية من رجل ثرى بينما تقع (نعمت) في قبضة امرأة متسلطة و هى المعلمة (فضة/ نجمة إبراهيم) تتزعم عددا من النشالين والشحاتين.. كان هذا الدور ترسيخا لملامحها الفنية.
جمل (نجمة إبراهيم) المشحونة بالشر
تتوالى أدوارها في أفلام (رجل لا ينام) ليوسف وهبي، و(سر الأميرة) مع كمال الشناوى وكوكا، و(لحن حبى) مع فريد الأطرش في دور (أم البنات) لتصل إلى ذروة إتقانها دور (ريا) في فيلم (ريا و سكينة) عام 1952.
حيث تسود الأسكندرية ظاهرة اختفاء السيدات، وشاركتها (زوزو حمدى الحكيم) ملهمة شاعر الأطلال (إبراهيم ناجي) في دور(سكينة).
لا ننسى بالطبع الجمل المشحونة بالشر لـ (نجمة إبراهيم) في هذا الفيلم: (قطيعة .. ماحدش بياكلها بالساهل، والوليه عضت إيدى وأنا بخنقها تقولش عدوته)!
استغل المخرجين ارتباط اسم ووجه (نجمة إبراهيم) بشخصية (ريا) بإعادة إنتاجها في مسرحية (ريا وسكينة) عام 1955 مع رياض القصبجى، وسعيد خليل، كما قامت بتكرار الشخصية بخلطة كوميدية في فيلم (إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة) لـ (نجمة إبراهيم).
3 أفلام من ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية وهم (جعلونى مجرما، وصراع البطال، وريا وسكينة).
من المعروف عن (نجمة إبراهيم) تأييدها المطلق لثورة 1952 حتى أنها قامت في آواخر مشوارها الفني بتكوين فرقة مسرحية بالاشتراك مع زوجها (عباس يونس)، خصصت معظم إيراداتها لتسليح الجيش المصرى.
لكنها وبشكل مفاجئ أصابها ضعف شديد في النظر، حتى أنها لم تعد قادرة على القراءة بشكل جيد لأدوارها إلا بالاستعانة بزوجها الذى يقرأ لها ويحفظها دورها، ومواضع خطواتها في الحركة لتقوم بتأديته على المسرح بما يوحى بإبصارها بشكل عادى يتوافق وطبيعة الشخصية التي تؤديها والحركة المصاحبة لانفعالاتها.
(نجمة إبراهيم) تتنصا من احتها (سيرينا)
حل الظلام شبه الكامل على عينيها فتوقفت بشكل كامل عن التمثيل، وقام (جمال عبد الناصر) تقديرا لدورها الوطنى بمنحها معاشا استثنائيا وتحمل تكلفة علاجها الكامل في إسبانيا.
في نفس الوقت كانت أختها (سيرينا إبراهيم) والتي شاركت في العديد من الأفلام من أهمها فيلم (دنانير) مع أم كلثوم قد قامت عام 1954 مع زوجها رجل الأعمال اليهودى سالم مزراحى ببيع كل أملاكه ليهربا معا من الإسكندرية، وقد اصطحبا معهما الثروة حصيلة العمر.
وحينما وصلا إلى الأرض المحتلة.. وفى غمرة فرحهما بالنجاح في إنقاذ الثروة سقطت بهما السيارة من أعلى جبل لتشتعل السيارة بحريق هائل طالت ألسنته السحاب لتلتهم النيران السيارة بما فيها ومن فيها.. ولولا سيارة أخرى كانت تصحبهما لما تعرف أحد على جثتيهما المتفحمتين.
كانت (نجمة إبراهيم) تحاول دائما التهرب من الحديث عن أختها (سيرينا) وقد أعلنت تبرؤها منها في بعض الجلسات الخاصة.. خاصة أن (نجمة إبراهيم) كانت قد دخلت في مرحلة من شبه الصوفية.. وفتحت جزءا من بيتها لتحفيظ القرآن الكريم.
أعلنت نجمة إبراهيم اعتزالها الفن عام 1965 مستسلمة في آواخر حياتها لما تكالب عليها من أمراض الشيخوخة لتنتهي بالشلل الكامل.. توفيت عام 1977، ليتم دفنها بحسب وصيتها في أرض مصر.