بقلم: بهاء الدين يوسف
بينما تنهمك الفضائيات المصرية والمواقع الإلكترونية العربية في (استنزال) دموع الشفقة و(تقطيع قلوب) متابعيها وقرائها على الممثلة المصرية (ياسمين عبد العزيز) التي تعاني (الأمرين) ما بين الاستجابة لنداء قلبها الذي لا يزال يحب طليقها أحمد العوضي، وبين كبريائها الذي يمنعها من العودة إليه.
ينخرط مئات الفنانين حول العالم وكلهم ليس لهم علاقة بالعرب ولا بفلسطين في حملات موسعة لدعم أشقائنا في غزة ضد الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها.
في الوطن العربي يغط أغلب الفنانين في نوم عميق يجعلهم لا يرون مشاهد مئات الجثث لمدنيين أبرياء يسقطون يوميا تحت نيران قصف جيش الاحتلال الاسرائيلي دون ذنب أو جريرة.
ولا يسمعون صراخ الأطفال الذين يموتون جوعا وعطشا في كل مدن ومناطق غزة بسبب الحصار الإسرائيلي.
لا يستيقظ هؤلاء إلا على مشاكل (صعبة) ومفصلية في الحياة مثل مشكلة الفنانة (ياسمين عبد العزيز) التي احتلت العديد من شاشات الفضائيات وكثير من المواقع الاخبارية الالكترونية.
حينما بكت (ياسمين عبد العزيز) على الهواء في لقاء لها أظن مع الفنانة (إسعاد يونس) خلال اعترافها بأنها لم تعرف الحب إلا مع طليقها (أحمد العوضي)، الذي كان بدوره قد أفاض في لقاء سابق له في كيل كلمات الحب والغزل لها.
وحفلت المواقع بأخبار كثيرة جدا وتافهة حول الأمر لدرجة أن هناك مواقع نشرت تصويتا لقرائها عما إذا كان يجب على (ياسمين عبد العزيز) العودة لطليقها، والاستجابة لقلبها الذي يدق بحبه كل يوم، أم الحفاظ على كبريائها وعدم العودة إليه.
في الحقيقة لا أهتم قليلا أو كثيرا بأمر طلاق (ياسمين عبد العزيز) أو عودتها، ولا أريد أن أعرف أسباب المشكلة، ولم أكن لأنتبه لها لولا أن حفنة من تلك الأخبار داهمتني عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية.
لا صوت يعلو على بكاء ياسمين
وبينما كان العرب يرفعون شعار (لا صوت يعلو على بكاء ياسمين)، كانت نفس المواقع في توقيت متزامن تعرض بدء عرض أغنية (قاعة هند).
الأغنية التي قدمهافنان الهيب هوب الأمريكي (ماكليمور) التي وجدت انتشارا رهيبا خلال ساعات من بدء عرضها على يوتيوب، ما اضطر الموقع العالمي لتحديد وصولها الى مستخدميه ضمن السياسات التي تلتزم بها أغلب المواقع المشابهة تفاديا لإثارة غضب إسرائيل.
الاغنية التي تجمع بين بضعة من لحن أغنية فيروز (أنا لحبيبي) وبضعة من كلمات أغنية )Fuck the Police( لمغني الراب NWA، وهى تدعم غزة والاحتجاجات المؤيدة لها في الجامعات الأمريكية,
واشتقت الأغنية اسمها من حصار الطلاب لقاعة هاميلتون بجامعة كولومبيا في بداية الحراك الذي تشهده الجامعات الأمريكية حاليا وإعادة تسميتها (قاعة هند).
(هند) المقصودة هى الطفلة الفلسطينية (هند رجب) التي ارتقت شهيدة وهى في السادسة من عمرها بنيران قوات الاحتلال، في مجزرة (تل الهوى) بغزة في يناير الماضي بعد أيام من استشهاد كل أفراد عائلتها.
المثير في الأغنية أن (ماكليمور) ينتقد في أغنيته النفاق الأمريكي وخضوع الساسة هناك للمنظمات الصهيونية التي تمول حملاتهم الانتخابية، ويكيل النقد للرئيس الحالي بادين والمرشح المحتمل ترامب.. كل هذا دون أن يخشى من عواقب تلك الجرأة على مستقبله الفني.
يبدو أن (ماكليمور) على عكس (ياسمين عيد العزيز) قد حسم صراعه الداخلي بالفعل بين إغراء الاستمرار في الشهرة والمال والمجد الفني، وبين إرضاء ضميره الذي يتعذب من مشاهد الأطفال والمدنيين الفلسطينيين الذين يموتون كل يوم دون أن يتحرك الساسة الأمريكيون لمنع ذلك.
شجاعة (ماكليمور)
يبدو كذلك أن شجاعة (ماكليمور) تجعلني اعترف بالصراع الداخلي الذي عشته خلال كتابة المقال يشبه ذلك الذي تعيشه (ياسمين عبد العزيز)، يتعلق بحيرتي بين إلقاء الضوء على الاغنية ومغنيها انتصارا ودعما لأشقائنا في غزة، وبين خوفي من أن يؤدي ذلك لإحداث ضجة تقلق منام فنانينا العرب.
إلى جانب (ماكليمور) هناك العشرات من الفنانين الغربيين الذين أعلنوا بشجاعة تستحق التحية مواقفهم الداعمة لفلسطين والمنددة بالإبادة الجماعية وسياسة الفصل العنصري التي ينتهجها نتنياهو وحلفائه من المستوطنين اليهود وممثليهم السياسيين.
ولم يتراجعوا رغم ما واجهوه من اتهامات بمعاداة السامية وتهديدات بمحاربتهم في فنهم.
لم يعبأ هؤلاء بما حدث من قبل مع فنانين كبار تجرأوا على انتقاد إسرائيل أو دعم فلسطين مثل (ميل جيبسون وبن أفليك)، اللذين جلسا في المنزل دون عمل لسنوات طويلة بعدما قاطعتهم أغلب شركات الإنتاج في هوليوود وهى بالمناسبة مملوكة ليهود.